من أوكرانيا إلى طرد الدبلوماسيين.. ملفات شائكة في قمة بايدن وبوتين

time reading iconدقائق القراءة - 11
الرئيسان، الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، خلال قمة جنيف - 16 يونيو، 2021 - Bloomberg
الرئيسان، الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، خلال قمة جنيف - 16 يونيو، 2021 - Bloomberg
دبي- إيلي هيدموس

يُرجّح أن تطغى ملفات كثيرة وساخنة، على القمة الافتراضية التي ستجمع الثلاثاء الرئيسين، الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، في ظلّ أجواء مشحونة نتيجة مخاوف غربية أثارها حشد موسكو قوات وعتاداً على حدود أوكرانيا، من غزو الجمهورية السوفييتية السابقة.

وفي وقت بدا أن اجتماع وزيرَي الخارجية، الروسي سيرجي لافروف والأميركي أنتوني بلينكن، في ستوكهولم قبل أيام، لم يبدّد التوتر بين بلديهما، في ظلّ تقارير عن سجال عنيف بينهما بشأن أوكرانيا، قد يسعى كلّ من الرئيسين إلى استغلال القمة لتسجيل نقاط في مواجهة الآخر، علماً أن الودّ الشخصي بينهما مفقود، ولا سيّما بعدما وصف بايدن بوتين بأنه "قاتل" قبل شهور.

لكن هذا التعبير غير الدبلوماسي لم يمنع الرئيسين من عقد قمة في جنيف، في 16 مارس الماضي، توصّلا خلالها إلى اتفاقات، أو تفاهمات، حدّد بايدن مهلة تتراوح بين "ثلاثة إلى ستة أشهر" لتقييم التقدّم بشأن تنفيذها، قائلاً: "هل نجحت المسائل التي اتفقنا على مناقشتها ومحاولة تسويتها؟ هل نحن أقرب إلى محادثات بشأن الاستقرار الاستراتيجي وتحقيق تقدّم؟... سيكون ذلك هو الاختبار" للعلاقات بين الجانبين.

تفاهمات قمة جنيف

اتفق الرئيسان في جنيف على استئناف محادثات بشأن الأمن السيبراني. وفي أكتوبر الماضي، صاغت الولايات المتحدة وروسيا قراراً مشتركاً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بشأن مبادئ أساسية لقواعد تحكم قطاع الأمن السيبراني. لكن موسكو لم تُدعَ للمشاركة في اجتماع افتراضي ضمّ 30 دولة، بقيادة واشنطن، ناقش مسألة مكافحة برامج الفدية والجرائم الإلكترونية، علماً أن صحيفة "نيويورك تايمز" وصفت روسيا بأنها "أكبر مصدر لهذه المشكلة".

كذلك اتفق بوتين وبايدن على استئناف محادثات "الاستقرار الاستراتيجي"، التي جُمّدت في أواخر عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب. وعُقدت جلستان من هذا الحوار، وأثمرتا عن مجموعتَي عمل، بشأن "مبادئ وأهداف الحدّ من التسلّح مستقبلاً" و"القدرات والإجراءات ذات التأثيرات الاستراتيجية".

ومع عودة سفيرَي روسيا والولايات المتحدة إلى مقرّي عملهما، لم ينجح بعد تعهّد الجانبين بمواصلة الجهود لتسوية النزاع الأوكراني على أساس اتفاقات مينسك. كما فشلا في حلّ مشكلة "القيود المفروضة" على دبلوماسيّي البلدين لدى الطرف الآخر، والتي تفاقمت أخيراً، بعد عمليات طرد من الجانبين.

سوريا

وطبّقت موسكو وواشنطن جزئياً، اتفاقاً بـ"العمل معاً" من أجل "الحفاظ على الممرات الإنسانية وإعادة فتحها في سوريا، كي نتمكّن من الحصول على الغذاء وضروريات أساسية لأشخاص يتضوّرون جوعاً حتى الموت"، كما قال بايدن بعد قمة جنيف.

وتمدّدت القوات الروسية باتجاه شمال شرقي سوريا، وأقامت قواعد شرق الفرات الشهر الماضي، كما سيّرت دوريات قرب منطقة تسيطر عليها قوات أميركية شرق سوريا.

القمة من أجل الديمقراطية

الملفات التي ناقشها بوتين وبادين في جنيف، تبقى على الطاولة، وباتت مسألة أوكرانيا ملحّة بعد التطوّرات الأخيرة على حدودها مع روسيا. أَضِف إلى ذلك استبعاد روسيا والصين من قمة افتراضية من أجل الديمقراطية، ينظمها بايدن يومَي الخميس والجمعة ودُعيت إليها نحو 110 دول.

وأوردت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن الولايات المتحدة ستفرض عقوبات على مسؤولين في حكومات أجنبية وأفراد تتهمهم بالفساد وانتهاك حقوق الإنسان، وستحضّ دولاً أخرى على الانضمام إلى حملتها في هذا الصدد، خلال القمة من أجل الديمقراطية، علماً أن موسكو وبكين اعتبرتا أن إقصائهما منها هو "نتاج واضح لعقلية الحرب الباردة"، ورجّحتا أن تثير القمة "مواجهة أيديولوجية وانقساماً في العالم، لترسم (خطوط انقسام) جديدة".

أوكرانيا

استبق بايدن وبوتين القمة الافتراضية، ورفعا سقف مطالبهما وحدّة تصريحاتهما، ولا سيّما أن أجهزة الاستخبارات الأميركية نبّهت إلى احتمال أن تشنّ روسيا هجوماً "كاسحاً" على جارتها الشهر المقبل.

وقال الرئيس الأميركي الجمعة إنه سيجري "نقاشاً طويلاً" مع بوتين بشأن التهديد بغزو أوكرانيا، ورفض تحذيراً من نظيره الروسي، بأن نشر الغرب أسلحة أو قوات في ذاك البلد، يُعتبر "خطاً أحمر" بالنسبة إلى موسكو.

في المقابل، أعلن الكرملين في اليوم ذاته، أن بوتين سيسعى خلال قمته الافتراضية مع بايدن، إلى الحصول على ضمانات ملزمة تمنع توسّع حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى أوكرانيا.

لكن قادة الحلف والغرب يرفضون ذلك، علماً أن بوتين يصرّ على هذا الأمر، مشدداً على أن موسكو ستسعى إلى "ضمانات قانونية وأمنية موثوقة وبعيدة المدى" في هذا الصدد. وأضاف: "في حوارٍ مع الولايات المتحدة وحلفائها، سنصرّ على إعداد اتفاقات محدّدة من شأنها استبعاد أي تحرّكات أخرى لحلف شمال الأطلسي باتجاه الشرق، ونشر أسلحة تهدّدنا قرب الأراضي الروسية". وكان الرئيس الروسي اعتبر أن "هذه التهديدات تشكّل خطاً أحمر بالنسبة إلينا".

وأوردت مجلة "بوليتيكو" أن بوتين أمام خيارين، هما شنّ "حرب ساخنة"، أم تجميد النزاع في شرق أوكرانيا. وأشارت إلى قلق أميركي من سعي روسيا إلى "تسخين" الوضع في أوكرانيا، مستدركة أن بوتين قد يفكّر بـ"العكس تماماً: تعميق تجميد الصراع في منطقة دونباس شرق أوكرانيا، باعتباره ربما ضمانه الأفضل والوحيد بأن أوكرانيا لن تنضمّ إلى حلف الناتو". سلبية

الأسلحة الروسية

ومع تفاقم التوتر بين أوكرانيا، تسرّع موسكو اختباراتها لصنع أسلحة تعتبر أنها "لا تُقهر"، في إطار صراعها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، التي تواجه أيضاً معضلة الترسانة الصاروخية والنووية للصين.

وأعلن الجيش الروسي أواخر الشهر الماضي إجراء اختبار ناجح على إطلاق صاروخ من طراز "تسيركون"، الذي تفوق سرعته سرعة الصوت بتسع مرات، بحسب بوتين، ويُرجّح أن يدخل الخدمة العام المقبل.

وأشاد بوتين بأسلحة جديدة تصنعها موسكو، بما في ذلك صاروخا "أفانغارد" و"كينجال" اللذان تفوق سرعتهما سرعة الصوت، ونظام ليزر، باعتبارها "اختراقاً" يضمن "الأمن العسكري لروسيا لسنوات وحتى عقود". وشكا من أن قاذفات استراتيجية أميركية "تحمل أسلحة دقيقة وقادرة على حمل أسلحة نووية، حلّقت على مسافة 20 كيلومتراً من حدودنا"، في خطوة "شكّلت تهديداً لنا".

"حرب" طرد الدبلوماسيين

عودة سفيرَي الولايات المتحدة وروسيا إلى مكان عملهما لم تُخمد نزاعاً بشأن عمل دبلوماسيّي الجانبين، إذ أمرت وزارة الخارجية الروسية موظفي السفارة الأميركية، المقيمين في موسكو منذ أكثر من 3 سنوات، بمغادرة البلاد بحلول 31 يناير المقبل.

يأتي ذلك بعدما أعلن السفير الروسي في واشنطن، أناتولي أنتونوف، أن 27 دبلوماسياً روسياً وعائلاتهم طُردوا من الولايات المتحدة، وسيغادرونها في 30 يناير، كما أن 27 آخرين سيرحلون في 30 يونيو. واتهم واشنطن بـ"محاولة انتهاك الحق السيادي لروسيا، في إجراء التعيينات وفقاً لتقديرها الخاص في بعثاتها الدبلوماسية".

وكانت وزارة الخارجية الأميركية أعلنت أن واشنطن تسعى إلى تحقيق "مقدار أكبر من التكافؤ، من خلال تقليل فترة عمل الدبلوماسيين الروس إلى 3 سنوات".

وأوقفت السفارة الأميركية في موسكو إصدار التأشيرات غير الدبلوماسية هذا العام، وأضافت الروس إلى قائمة "المواطنين بلا وطن"، الذين يمكنهم التقدّم بطلبات التأشيرات في دول ثالثة، في قرار وصفته موسكو بأنه "مبتذل وسادي".

القرصنة والأمن السيبراني

خلال قمة جنيف، التي اتفق خلالها بايدن وبوتين على استئناف محادثات الأمن السيبراني، أبلغ الرئيس الأميركي نظيره الروسي أن ثمة "16 كياناً محدداً بوصفها بنية تحتية حسّاسة بموجب سياسة الولايات المتحدة، بدءاً من قطاع الطاقة إلى أنظمة المياه لدينا"، يجب أن تكون "محظورة" على الهجمات الإلكترونية. واقترح بوتين "تبادلاً" بين واشنطن وموسكو لمجرمي الإنترنت، لكن بايدن رفض ذلك.

وأفادت وكالة "أسوشيتد برس" بأن الرئيس الأميركي لوّح بردّ "ستكون عواقبه مدمّرة"، إذا تجاوزت روسيا خطوطاً حمراء، بما في ذلك استهداف البنية التحتية الأميركية الأساسية. واستدركت أن هجمات برامج الفدية استمرت منذ قمة جنيف.

"نورد ستريم 2"

بدا أن إحجام بايدن عن مواصلة عرقلة خط أنابيب "نورد ستريم 2"، الذي سينقل غازاً روسياً إلى ألمانيا ودول أخرى في أوروبا، عبر بحر البلطيق، متجاوزاً أوكرانيا وبولندا، سيخفّف الضغط على موسكو في هذا الصدد.

وأعلن بوتين في أكتوبر أن روسيا يمكن أن تعزّز بسرعة إمدادات الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي، بمجرد سماح الهيئات المنظمة في ألمانيا ببدء تشغيل الخط.

جاء ذلك بعدما جمّدت هيئة تنظيم الطاقة الألمانية ترخيص خط الأنابيب، في قرار اعتبرت روسيا أن لا دوافع سياسية وراءه، لافتة إلى أن ترخيص الخط "عملية معقدة"، علماً أنه رفع أسعار الغاز في أوروبا، التي تشهد أزمة طاقة.

ونبّهت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إلى أن استيراد الدول الـ27 في الاتحاد 90٪ من الغاز الذي تحتاجه، وكثير منه من روسيا، "يعرّضنا للخطر"، بحسب "أسوشيتد برس".

ومع توسيع الولايات المتحدة دائرة العقوبات بشأن "نورد ستريم 2"، اعتبر أنتونوف أن "الحوار من خلال العقوبات مرفوض وينتهك القانون الدولي". وتعتبر إدارة بايدن هذا الخط "مشروعاً جيوسياسياً للكرملين"، يعزز نفوذه في أوروبا، فيما ترى فيه أوكرانيا تهديداً لأمنها القومي، إذ يحرمها من عوائد مالية ضخمة.

الملف النووي الإيراني

يُرجّح أن يناقش بوتين وبايدن المحادثات المتعثرة في فيينا، لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، والتي تواجه عقبات، في ظلّ انعدام ثقة بين واشنطن وطهران.

وخلال الجولة السابعة التي انتهت قبل يومين، رفعت إيران سقف مطالبها، والتي اعتبرتها الولايات المتحدة غير واقعية، منددة بـ"استفزازات" طهران، في إشارة إلى رفعها نسبة تخصيب اليورانيوم في منشأة فردو المحصّنة قرب مدينة قم، إلى نسبة 20%، خلال المحادثات في النمسا. وقد يسعى بايدن إلى دعم من بوتين في إقناع طهران باعتماد نهج واقعي، سعياً إلى إنجاح المحادثات.

وصفت "أسوشيتد برس" العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا بأنها متوترة، منذ تولّي بايدن منصبه في مطلع العام. وأشارت إلى أن إدارته فرضت عقوبات على أفراد وكيانات بروسيا، وذكّرت بوتين بتدخل الكرملين في الانتخابات الأميركية، وبقرصنة شركات أميركية، إضافة إلى ملف المعارض الروسي أليكسي نافالني، المسجون الآن.

لكن "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" رأى إمكانية لـ"تحسّن طفيف" في العلاقات الأميركية الروسية خلال عهد بايدن، و"استقرارها"، مذكّراً بتعاون الجانبين في الأمم المتحدة، لتعزيز حلول مشتركة لمشكلات دولية.

اقرأ أيضاً: