"الأصعب في تاريخ نتنياهو".. إسرائيل على مشارف انتخابات مبكرة جديدة

time reading iconدقائق القراءة - 14
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يخاطب أعضاء الكنيست - 2 ديسمبر 2020 - AFP
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يخاطب أعضاء الكنيست - 2 ديسمبر 2020 - AFP
القدس - الشرق

سقط قانون تأجيل الموعد النهائي لإقرار الموازنة في إسرائيل بالقراءة الأولى، مع تصويت 49 عضواً في الكنيست ضده، مقابل 47 آخرين صوتوا لصالحه، بما يمهد الطريق نحو انتخابات مبكرة قد تكون الأصعب في المسار السياسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

ومن المرجح أن تطيح الخلافات بشأن إقرار الميزانية بالائتلاف الحاكم الهش الذي شكله في الربيع الماضي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومنافسه السابق بيني غانتس.

وما لم يحدث تحول في اللحظة الأخيرة، سيتم حل البرلمان الإسرائيلي عند منتصف ليل الأربعاء بالتوقيت المحلي، (10:00 مساءً بتوقيت غرينتش الثلاثاء)، وستنظم انتخابات جديدة في مارس 2021.

عادة تعد هذه المهلة اليسيرة المتبقية كافية للسياسيين الإسرائيليين لإيجاد مخرج والوصول إلى تسوية، غير أن الوضع السياسي داخل إسرائيل سيغير قواعد اللعبة، ويدفع البلاد إلى معركة انتخابية رابعة خلال عامين.

تفكك التحالفات

أحداث مثيرة شهدتها عملية التصويت، حيث غابت إحدى إعضاء الكنيست من حزب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "الليكود"، ولم ترد على مكالمات إدارة الكتلة والحزب، فيما اختبأت أخرى في موقف السيارات حتى موعد التصويت، لتصوت ضد القانون وتعلن انشقاقها عن "الليكود" والانضمام إلى وزير التربية والتعليم والداخلية السابق جدعون ساعر في حزبه اليميني الجديد تيكفا حداشا "الأمل الجديد".

وكان لتحالف "أزرق أبيض" نصيبه من المفاجآت، فقد ظهر 3 من أعضاء التحالف فجأة في قاعة البرلمان الإسرائيلي لحظة التصويت، لينضموا إلى عضو الليكود المنشقة في التصويت ضد القانون.

4 أصوات لو غابت لنجح نتنياهو وغانتس في الحفاظ على حكومتهما المشتركة حتى صباح الثلاثاء والبدء في رحلة جديدة حتى منتصف الليل لإيجاد تسويات داخل حزب كل منهما تطيل عمر الحكومة على الأقل حتى الخامس من يناير المقبل، كما نص اقتراح التسوية بينهما.

بداية القصة

ووفق القانون الإسرائيلي، فإن حكومة "نتنياهو-غانتس" كانت ملزمة بإقرار موازنة الدولة لعام 2020 خلال 3 أشهر من تأديتها القسم في الكنيست، نظراً لعدم إقرار الموازنة في الكنيست حتى نهاية عام 2019.

وبحسب الاتفاقات الائتلافية بين "أزرق أبيض" و"الليكود"، كان على الحكومة المشتركة تمرير موازنة لعامي 2020 و2021.

كما ينص الاتفاق بين غانتس ونتنياهو على أنه في حال حل الحكومة قبل الموعد المتفق عليه بعد ثلاث سنوات على تعيينها وقبل تولي غانتس منصب رئاسة الحكومة في نوفمبر 2021، فإن غانتس يصبح تلقائياً رئيساً للحكومة بدلاً من نتنياهو، ويستمر في وظيفته إلى حين تشكيل حكومة جديدة إلا في حالة واحدة وهي "حل الكنيست" نتيجة عدم إقرار الموازنة.

في النهاية لم تفِ الحكومة بتعهداتها، ولم تقر الميزانية في الموعد المحدد، ولضمان استمرار عملها، وافق الطرفان في أغسطس الماضي على تسوية صاغها رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست "تسفي هاوزر" لتمديد المدة القانونية المتاحة أمام الحكومة لإقرار الموازنة إلى 23 من ديسمبر الجاري.

مناورات نتنياهو 

الاتهامات لنتنياهو بمنع إقرار الموازنة في المرتين السابقتين لم تقتصر على غانتس وأعضاء ائتلافه في "أزرق أبيض"، بل شملت أيضاً معارضي نتنياهو في يمين المشهد السياسي ويساره، وشكلت إجماعاً في الصحافة الإسرائيلية المعارضة لنتنياهو.

والرواية التي اتفق الجميع عليها هي رغبة نتنياهو في الحفاظ على إمكانية حل الكنيست والتوجه لانتخابات جديدة وفق التوقيت المناسب له، بما يخدم مصالحه في تأجيل أو إلغاء محاكمته دون التنازل لغانتس عن منصب رئيس الحكومة، ودون إعطاء فرصة للتعاقب على رئاسة الحكومة.

 ويتهم حزبيون نتنياهو بسرقة الدولة وموازنتها لأغراضه السياسية التي تخدم مصالحه في مواجهة ملفات الفساد ضده.

وقال عضو الكنيست سامي أبو شحادة من القائمة المشتركة لـ"الشرق": "بالأمس أتوا مرة أخرى باقتراح قانون لتأجيل موعد إقرار الميزانية وكان هناك "عمل جاد" في المعارضة يهدف لمنع تمرير تعديل القانون والذهاب إلى الانتخابات، وهذا ما جرى"إلا إذا حدثت معجزة وجرى توافق بين غانتس ونتنياهو يحمل تلبية جميع مطالب أزرق أبيض". 

التصويت على اقتراح القانون بدأ عند الواحدة ليلاً بعد محاولات كثيرة لليكود لتأجيل التصويت إلى حين ضمان الأغلبية.

رئيس الوزراء نتنياهو وصل بنفسه إلى الكنيست وأدار المعركة لتمرير القانون ونجح في إقناع أعضاء "الحركة الإسلامية" في القائمة المشتركة، بالتغيب عن التصويت ولولا الحضور المفاجئ للأعضاء الثلاثة من "أزرق أبيض" والعضو المنشقة عن الليكود لكانت نتيجة التصويت 47 لصالح القانون و45 ضده.

حاول نتنياهو من خلال تمرير القانون دفع الأمور باتجاه حل الكنيست في توقيت مناسب لبدء المعركة الانتخابية، لكنه خسر معركة التمرير، ولهذا سيجد نفسه مضطراً لخوض معركة انتخابية بتوقيت جديد فرض عليه. 

خلال الأشهر الأخيرة، خاض نتنياهو معركة شرسة لضمان وصول اللقاحات ضد فيروس كورونا في أسرع وقت ممكن إلى إسرائيل، على أمل أن يستطيع الحفاظ على الحكومة لأطول فترة ممكنة والتوجه إلى الانتخابات بعد إعلان الانتصار رسمياً على الفيروس.

"الطفرة الإنجليزية" للفيروس وجهت ضربة لخطط نتنياهو، وأفسدت عليه ترويج رواية الانتصار على كورونا التي كانت ستحتل جزءاً أساسياً من حملته الانتخابية.

معركة نتنياهو الأصعب

وهكذا يبدو المشهد في إسرائيل مدفوعاً نحو المعركة الانتخابية الأصعب لرئيس الوزراء الأكثر بقاءً في منصبه، إذ تزامن فشل تمرير القانون مع نقاش حاد حول ضرورة فرض إغلاق ثالث جديد في إسرائيل، بما سيوجه المزيد من الضربات للاقتصاد الإسرائيلي وللحياة اليومية للإسرائيليين، خصوصاً مع ارتفاع عدد العاطلين عن العمل إلى ما يقارب المليون وفق معطيات سلطة التشغيل الإسرائيلية لشهر أكتوبر الماضي.

كما أن نتنياهو سيخوض هذه الانتخابات بعد فشل طاقم محاميه بإقناع المحكمة بضرورة إلغاء ملفات الاتهام ضده أو إعطاء تعليماتها إلى النيابة بتعديل هذه اللوائح بطريقة يحتاج إنجازها إلى فترة زمنية طويلة، وهو ما يعني أن جلسات المحكمة قد تعقد خلال المعركة الانتخابية، لترافق صور نتنياهو في قفص الاتهام فصول المعركة.

وهناك عامل خارجي آخر لا يقل أهمية، إذ تزامنت معارك نتنياهو السابقة مع رئيس في البيت الأبيض داعم ومؤيد له، على نحو مكنه من تقديم نفسه باعتباره صاحب قدرات كبيرة على بناء علاقات خاصة مع قادة العالم، وتجنيدها لخدمة مصالح إسرائيل وأمنها.

الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، على ما يبدو، لن يتصرف مع نتنياهو بالطريقة نفسها التي تصرف بها دونالد ترمب، وهو ما قد يجلب له مفاجآت غير سارة في المعركة القريبة، أو على الأقل يحرمه من هدايا إضافية قد تكون مفيدة لو وصلت.

في وجه اليمين

في المعارك الانتخابية الثلاث الماضية، استطاع نتنياهو وصم كل من وقف أمامه باليسارية، وتحولت خلال حكمه كلمة "يسار" ووصف "اليساري" إلى واحدة من أقذع الشتائم في إسرائيل، حاملة في طياتها معاني إضافية تشمل "الخيانة" و"معاداة إسرائيل" و"حب العرب" و"دعم الإرهاب" و"عدم الوقوف بحزم للدفاع عن القيم الصهيونية".

مؤيدو نتنياهو تفاعلوا معه في كل مرة وجه فيها هذه التهمة لخصومه السياسيين، لكن هذه الاستراتيجية غير مجدية هذه المرة، فخصمه الأساسي المرتقب جدعون ساعر يميني، لا يمكن أن تنطبق عليه هذه الأوصاف.

ومنذ إعلان ساعر، قبل أسبوع، الانفصال عن الليكود وإطلاق حزب جديد للمنافسة على رئاسة الحكومة، بدأ ساعر يتموضع كخصم أساسي لنتنياهو.

وفي ظل تراجع قوة أحزاب الوسط واليسار، وفق استطلاعات الرأي الأخيرة في إسرائيل، ونجاح معسكر اليمين و"الحريديم" (تشكيل ديني محافظ) بالحصول على 80 مقعداً على الأقل في جميع الاستطلاعات، بدا واضحاً أن هوية المنتصر في الانتخابات المقبلة ستُحدَّد داخل معسكر اليمين الذي شكل المعقل الخاص بنتنياهو وبشكل حصري خلال المعارك الانتخابية الثلاث الماضية، ولم يعد كذلك هذه المرة وفق الاستطلاعات التي حطم وجود ساعر فيها تحالف "أزرق ابيض" الذي ربما لن يعبر نسبة الحسم في الانتخابات المقبلة.

وفي حديثه لـ"الشرق"، قال النائب سامي أبو شحادة إن "نتنياهو، على الرغم من الفترة القصيرة نسبياً التي مرت منذ الانتخابات الثالثة، استطاع أن يفكك التحالف الرئيسي الذي واجهه، ولا توجد أحزاب قادرة على إحداث تغييرات جوهرية في الساحة السياسية الإسرائيلية، حتى دخول جدعون ساعر بعد انفصاله عن الليكود كلاعب قادر على تغيير قوانين اللعبة".

وأضاف: "من الواضح أن جدعون ساعر سيكون لاعباً مهماً في هذه المعركة الانتخابية، بسبب قدرته على استقطاب شرائح من ناخبي الليكود، وهذا سيغير قواعد اللعبة السياسية. عملياً الانتخابات المقبلة ستكون أشبه بانتخابات داخلية في حزب الليكود".

وتابع "المرشحان الأساسيان هما بنيامين نتنياهو وجدعون ساعر، واليمين هو المسيطر على الحلبة السياسية، لكن للمرة الأولى هناك مرشح آخر قادر على المنافسة على تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة غير بنيامين نتنياهو. الخط السياسي والطرح اليميني والعنصرية لن تتغير، ما سيتغير هو إمكانية أن يكون هناك رئيس وزراء آخر في إسرائيل".

فشل التسويات

التسوية التي حاول نتنياهو تمريرها، تمثلت في إعادة صياغة الاتفاقات الائتلافية مع "أزرق أبيض"، وتحديداً في مجال إعادة السيطرة على وزارة القضاء ونزعها من الوزير آفي نيسانكورن أحد أقوى الزعامات في أزرق أبيض، في محاولة للـتأثير في مجريات محاكمة نتنياهو.

وحاول بيني غانتس طيلة يوم الاثنين إقناع نيسانكورن بالتنازل لصالح الليكود، وعندما وصل إلى قناعة أن فرض التفاهمات بالقوة على وزير القضاء سيؤدي إلى انشقاق في "أزرق أبيض"، تراجع وقدم لائحة طلبات اشتملت على 5 مطالب رئيسة لإقناع أعضاء حزبه كافة بالموافقة على التصويت لصالح قانون تأجيل إقرار الميزانية.

تتضمن هذه المطالب ضمان إقرار موازنة لعامي 2020 و2021، وإقرار النظام الداخلي للحكومة، وتمرير التعيينات العالقة كافة، إضافة إلى إبقاء وزير القضاء في منصبه، وسد الثغرات في الاتفاق الائتلافي التي تعطي إمكانية لليكود من التهرب من تنفيذ اتفاق التبادلية في رئاسة الحكومة. 

نتنياهو رفض مطالب غانتس، واتهمه بالرضوخ لمطالب "مجموعة ديكتاتورية قضائية متسلطة"، "تريد السيطرة على الحكم في اسرائيل"، مراهناً على قدرته في تمرير القانون بالقراءة الأولى، خاصة أن مصلحة غانتس، وفق الاستطلاعات، تفرض عليه الامتناع عن الذهاب لأي انتخابات جديدة خوفاً من نتائجها.

وأظهرت نتائج التصويت فشل رهانات نتنياهو، وأن عدم تمرير الموازنة منذ تشكيل الحكومة قبل ستة أشهر كان خطأ، وأن جدعون ساعر لن يكون الشريك البديل لغانتس، بل ربما الشخص الذي سيرسله لمواجهة مصيره أمام المحكمة كمواطن عادي وليس كرئيس حكومة قادر على الاستمرار في المراوغة وإلغاء المحاكمة بالأدوات السياسية والقانونية التي كانت بحوزته.