
تتحوّل قواعد عسكرية في الولايات المتحدة إلى مدن صغيرة، إذ يقيم فيها حوالى 53 ألف أفغاني، فرّوا من بلادهم بعدما سقطت مجدداً في قبضة حركة "طالبان"، كما أوردت صحيفة "نيويورك تايمز".
وأشارت إلى أن أفغاناً وصلوا، في أواخر أغسطس، إلى قاعدة "فورت ماكوي" العسكرية في الغرب الأوسط، حيث استقبلهم جنود، وخُصّصت لهم غرف في ثكنات، وتلقّوا نصائح بالامتناع عن التوغل في الغابة المحيطة، خشية أن يضلّوا طريقهم.
وبعد أكثر من شهر، باتت القاعدة النائية، التي تبعد نحو 273 كيلومتراً من ميلووكي، موطناً لـ 12600 أفغاني، نصفهم تقريباً من الأطفال، وأكبر من أي مدينة في مقاطعة مونرو في غرب ولاية ويسكونسن.
الوضع يتكرّر إلى حد كبير في 7 منشآت عسكرية أخرى، من تكساس إلى نيو جيرسي، يقيم فيها حوالى 53 ألف أفغاني منذ الإجلاء الفوضوي من مطار كابول.
وعلى رغم أن مجموعة أولية من حوالى 2600 شخص، معظمهم مترجمون عسكريون سابقون، وأفراد آخرون، ممّن ساعدوا قوات التحالف أثناء الحرب، انتقلوا بسرعة إلى أماكن تقطنها مجموعات أميركية، إلا أن معظمهم لا يزالون عالقين في القواعد العسكرية، ويجهلون موعد البدء بالحياة الأميركية الجديدة الموعودة. ولا يزال 14 ألف شخص آخرين في قواعد بالخارج، في انتظار نقلهم إلى الولايات المتحدة.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن العقيد جين ماكدونو، نائب قائد وحدة الدعم في قاعدة "فورت ماكوي"، قوله: "شيّدنا مدينة لإيواء حوالى 13 ألف ضيف"، علماً أن حوالى 1600 جندي كُلّفوا بضمان إنجاز هذه العملية الضخمة بسلاسة.
انتظار شاق
لعب لاجئون كرة القدم مع جنود، وصنع أطفال حرفاً يدوية مع متطوّعين، فيما درست أمهاتهم اللغة الإنجليزية في فصل دراسي مجاور، بينما بحثت عائلات في مستودع ضمن صناديق تحوي ألبسة تم التبرّع بها.
وأعرب أفغان عن امتنانهم للاستقبال الحارّ الذي تلقوه في القاعدة، لكن كثيرين يشكون من أن انتظارهم الطويل كان شاقاً، علماً أن أياً منهم لم يغادر القاعدة منذ وصولهم، إلا إذا كانوا يحملون البطاقة الخضراء للإقامة الدائمة، أو مواطنين أميركيين.
ونقلت الصحيفة عن فارواردين خراساني (36 عاماً)، الذي كان مترجماً فورياً في السفارة الأميركية بكابول، قوله: "سألت مرات عن موعد المغادرة. نحن عاطلون عن العمل هنا وليس لدينا ما نفعله". وفرّ خراساني من أفغانستان مع زوجته وابنتيه الصغيرتين، ويأمل بالانتقال إلى ساكرامنتو في ولاية كاليفورنيا.
ويبرّر مسؤولون أميركيون التأخير بتفشّي مرض الحصبة، وفحوصات طبية وحملة تطعيم من أمراض، فضلاً عن وجوب استكمال إجراءات الهجرة، والتي تشمل مقابلات وامتحانات بيومترية وطلبات للحصول على تصاريح عمل. غالبية القواعد في الولايات المتحدة تكاد تبلغ طاقتها القصوى، أو تقترب من ذلك، ولا يمكن نقل الأفغان الذين ينتظرون في قواعد بالشرق الأوسط وإسبانيا وألمانيا، إلا بعد تخفيف هذا العدد.
تلقيح اللاجئين
كذلك يتسبّب النقص في المساكن في حدوث تأخير، إذ ترغب عائلات كثيرة في الاستقرار حيث لديها أصدقاء أو أقارب، في أماكن تضمّ مجموعات أفغانية، مثل كاليفورنيا وواشنطن العاصمة. لكن المسؤولين ذكروا أن ندرة الشقق المتوافرة بأسعار معقولة، يمكن أن تؤجّل إعادة توطينهم، علماً أن الكونجرس أقرّ الخميس الماضي مشروع قانون للإنفاق قصير الأجل، يتضمّن 6.3 مليار دولار لنقل اللاجئين الأفغان وتوطينهم.
وقال الجنرال جلين فانهيرك، قائد القيادة الشمالية الأميركية، التي تشرف على العمليات في "فورت ماكوي"، إن الجيش مستعد لاستيعاب الوافدين إلى القواعد حتى الربيع المقبل، ممّا يمكّن السلطات من تسوية ملف النقص في المساكن.
وأشار إلى أن إحدى أولويات الجيش تمثلت في تلقيح اللاجئين ضد عدة أمراض. وبعد اكتشاف 24 حالة إصابة بالحصبة، أجرت السلطات حملة تطعيم، شملت أيضاً النكاف والحصبة الألمانية وشلل الأطفال، وتوشك على الانتهاء. وعلى الأفراد الانتظار 21 يوماً على الأقلّ بعد تلك التطعيمات، قبل نيل إذن طبي لمغادرة القواعد.
ومثل المدن المكتظة بالسكان، شهدت القواعد جرائم أيضاً، شملت اعتداء أفغاني على زوجته، في قاعدة "فورت ماكوي"، واعتداء أفغاني على جندية في قاعدة "فورت بليس" بولاية تكساس.
شابات عازبات
وبين اللاجئين 148 شابة يأملن بإنهاء تعليمهنّ الجامعي في الولايات المتحدة، ومدير مدرسة دولية، إضافة إلى الطيار في سلاح الجو الأفغاني، عبد الهادي باجمان، الذي تعلّم قيادة مروحيات أميركية من طراز "بلاك هوك"، في ألاباما وتكساس.
وبعد أسابيع على وصول اللاجئين، شهدت تلك القواعد توترات بين أفراد، غالباً في طوابير لدخول الكافيتيريا، وأحياناً بين أشخاص من قبائل مختلفة.
وشكت شابات عازبات من تعرضهنّ لتحرّش لفظي من رجال أفغان، لأنهنّ في القاعدة بمفردهنّ. وقالت نيلاب إبراهيمي (23 عاماً) لـ "نيويورك تايمز": "قيل لنا: كيف أنتنّ هنا من دون عضو ذكر في عائلتكنّ؟ لن نسمح بذلك". ووصلت إبراهيمي إلى مطار كابول في قافلة من 7 حافلات أقلّت 148 طالبة من "الجامعة الآسيوية للنساء" (مقرها بنغلادش)، كنّ يدرسن فيها، قبل أن تتقطّع بهنّ السبل في كابول، بعد تفشي فيروس كورونا المستجد.
أحالت إبراهيمي الأمر إلى القيادة العسكرية الأميركية، ونُقلت كل الطالبات إلى ثكنات أخرى تضمّ نساء غير متزوجات بشكل أساسي. وقالت نيلاب، وشابات أخريات، إن مشكلاتهنّ انتفت منذ ذلك الحين.
"مستقبل الولايات المتحدة"
كذلك شكّل الوقت تحدياً آخر، إذ قالت سبهرا أعظمي (25 عاماً)، التي كانت تدرس الاقتصاد قبل أن تفرّ من بلادها: "عندما وصلنا إلى هنا، كنا نجلس في غرفنا ولا نفعل شيئاً".
وسألت أعظمي وإبراهيمي وصديقة أخرى تُدعى بتول بهنام، أمهات إن كنا مهتمات بتعلّم أطفالهنّ أساسيات المحادثة باللغة الإنجليزية، مثل "ما اسمك؟" و"كيف حالك؟" و"شكراً لك". حصل هذا الأمر، كما أُضيفت دروس للنساء والرجال. وقالت أعظمي: "الطلب مرتفع حقاً. العائلات تكافح مع حواجز اللغة".
نظر عبد الهادي باجمان نحو مستودع تحصل منه العائلات على ملابس، قائلاً بشأن الأطفال في القاعدة: "إنهم مستقبل الولايات المتحدة. سيكونون علماء ومهندسين. عليكم التحلّي بالصبر".
اقرأ أيضاً: