توجه رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، الاثنين، إلى واشنطن للقاء زعماء مجموعة الحوار الأمني الرباعية، التي تضم أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة، ومناقشة أزمة الغواصات الفرنسية، بعد انتقادات لقرار حكومته التخلي عن صفقة غواصات بقيمة 40 مليار دولار مع باريس.
وقالت أستراليا الأسبوع الماضي، إنها ستلغي صفقة مع مجموعة نافال الفرنسية لبناء أسطول من الغواصات التقليدية، وستبني بدلاً من ذلك 8 غواصات تعمل بالطاقة النووية على الأقل بتكنولوجيا أميركية وبريطانية بعد إبرام شراكة أمنية ثلاثية. واعتبرت باريس أن العلاقة مع كابيرا وواشنطن تواجه "أزمة" واستدعت سفيريها من البلدين.
وعلى الرغم من تحرك أستراليا لتهدئة التوترات، مبدية أسفها بشأن الواقعة، فإن اجتماع موريسون مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والرئيس الأميركي جو بايدن في إطار المجموعة الرباعية يخاطر بإثارة غضب فرنسا.
وقال هايدون مانينج أستاذ العلوم السياسية في جامعة فليندرز بولاية جنوب أستراليا، إن "الفرنسيين غير مرتاحين جداً ومشهد موريسون وبايدن وجونسون معا لن يفعل شيئاً يذكر لإصلاح العلاقات".
وسيحضر أيضاً رئيس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوجا، اجتماع زعماء المجموعة الرباعية في وقت لاحق من هذا الأسبوع. وقال مصدران مطلعان إن المجموعة لرباعية ستناقش كورونا وتغير المناخ والأمن الإقليمي.
أستراليا ترفض اتهامات باريس
ورفض رئيس الوزراء الأسترالي، الاتّهامات الفرنسيّة لبلاده بـ"الكذب" على خلفيّة إلغاء عقد لشراء غوّاصات فرنسيّة، فيما يتباحث الرئيسان الفرنسي والأميركي هاتفيّاً بهذا الملفّ في الأيّام المقبلة.
وتمسّكت كانبيرا الأحد بموقفها، فيما اتّهمتها فرنسا بالخيانة. وأصرّ موريسون على أنّه سبق أن طرح مخاوف مع فرنسا حيال غوّاصاتها.
وقال لصحافيّين في سيدني: "أعتقد أنّه كان لديهم كلّ الأسباب ليعرفوا أنّ مخاوف جدّية وعميقة راودتنا بأنّ الإمكانات التي تملكها غوّاصات من فئة (أتاك) لن تتوافق مع مصالحنا الاستراتيجيّة، وأوضحنا بشكل تامّ أننا سنتّخذ قراراً مبنيّاً على مصلحتنا الوطنيّة".
والأحد أُعلن عن إلغاء اجتماع كان مقرّراً عقده هذا الأسبوع بين وزيرة الجيوش الفرنسيّة فلورانس بارلي، ونظيرها البريطاني (وزير الدفاع) بين والاس، بناءً على طلب باريس، وفق ما أكّد مصدر قريب من الوزارة الفرنسيّة لوكالة فرانس برس.
وأشار المصدر إلى أنّ "الاجتماع الذي كان مقرّراً هذا الأسبوع في لندن (...) لن يُعقد" بعدما قرّر الجانب الفرنسي إلغاءه.
وكان وزير الخارجيّة الفرنسي جان إيف لودريان خرج السبت عن الأعراف الدبلوماسيّة، في تصريحات موجّهة إلى كلّ من أستراليا والولايات المتحدة، وكذلك بريطانيا المنضوية في الاتّفاق الأمني الثلاثي الذي أعلِن الأربعاء، وأدّى إلى نشوب الخلاف.
وقال لودريان لمحطّة "فرانس 2" التلفزيونيّة: "حصل كذب، حصلت ازدواجيّة، حصل تقويض كبير للثقة، حصل ازدراء، لذا فإنّ الأمور بيننا ليست على ما يرام".
وأضاف أنّ استدعاء السفيرَين الفرنسيَّين للمرّة الأولى في تاريخ العلاقة بين البلدان الثلاثة "له دلالة كبيرة" وللتشديد على "أننا نشعر باستياء كبير وأنّ هناك فعلاً أزمة خطرة بيننا".
وأعلن المتحدّث باسم الحكومة الفرنسيّة غابرييل أتال، الأحد أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن طلب التحدّث إلى نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد إلغاء صفقة الغوّاصات، لافتاً إلى أنّ "مكالمة هاتفيّة ستجري (بينهما) في الأيّام المقبلة".
وقال المتحدث لقناة "بي إم إف تي في"، إنّ ماكرون "سيطلب توضيحاً"، مضيفاً "نريد تفسيرات حول ما يبدو تقويضاً كبيراً للثقة"، بعد استدعاء فرنسا الجمعة سفيريها في الولايات المتحدة وأستراليا ردّاً على قرار كانبيرا.
جونسون: العلاقة مع باريس "بالغة الأهمية"
وشدّد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الأحد على العلاقة "البالغة الأهمّية" بين بلاده وفرنسا، وذلك في مواجهة غضب باريس من إعلان شراكة استراتيجيّة بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا.
وقال جونسون لصحافيّين على متن طائرة تُقلّه إلى نيويورك، إنّ لندن وباريس تربطهما "علاقة ودّية جدّاً" و"بالغة الأهمّية"، مشدّداً على أنّ "حبّ بريطانيا لفرنسا" راسخ، حسبما نقلت عنه وكالة "برس أسوسييشن" البريطانيّة.
وتوجّه جونسون إلى الولايات المتحدة، حيث من المقرّر أن يشارك في الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة ويلتقي بايدن في البيت الأبيض.
وقال جونسون على متن الطائرة إنّ الاتّفاقيّة الأمنيّة الثلاثيّة الجديدة "لا تهدف إلى أن تكون إقصائيّة". وأضاف "إنّها ليست شيئاً يجب على أيّ كان أن يقلق بشأنه، ولا سيّما أصدقاؤنا الفرنسيّون".
كانت قيمة العقد الفرنسي لتزويد أستراليا غوّاصات تقليدية تبلغ 50 مليار دولار أسترالي (31 مليار يورو) عندما تمّ توقيعه عام 2016.
وبينما أشار موريسون إلى أنّه يتفهّم خيبة أمل فرنسا، قال "لستُ نادماً على قرار تغليب مصلحة أستراليا الوطنيّة، ولن أندم إطلاقاً عليه".
بدوره، أكّد وزير الدفاع الأسترالي بيتر دوتون لـ"سكاي نيوز أستراليا"، أنّ حكومته كانت "صريحة وواضحة وصادقة" مع فرنسا بشأن تردّدها حيال الصفقة.
وأفاد دوتون، بأنّ كانبيرا لم تتمكّن من شراء الغوّاصات الفرنسيّة بسبب عمليّات الصيانة التي يجب إتمامها كلّ 10 سنوات، وتشمل إعادة شحن الوقود النووي، وهو ما لا ينطبق على الغواصات الأميركيّة. كما أنّ أستراليا ليست لديها أيّ محطة للطاقة النوويّة.
وقال دوتون إنّه أعرب شخصيّاً عن هذه المخاوف لنظيرته الفرنسيّة بارلي.
لكنّ الأخيرة ردّت على هامش رحلتها إلى عاصمة النيجر نيامي، قائلة "لم نتبلّغ أبداً بالنوايا الأستراليّة. تأكيداته غير دقيقة".
أمّا وزير المال الأسترالي سايمن برمنغهام، فشدّد على أنّ بلاده أبلغت الحكومة الفرنسيّة بالأمر "في أقرب فرصة كانت ممكنة، قبل أن تصبح المسألة علنيّة".
لودريان: بريطانيا "طرف زائد"
ردَّ وزير الخارجية الفرنسي بشكل لاذع على سؤال بشأن السبب الذي دفع باريس إلى عدم استدعاء سفيرها من بريطانيا، المنضوية في الاتّفاق الأمني الثلاثي.
وقال: "استدعينا سفيرينا من (كانبيرا وواشنطن) لإعادة تقييم الوضع. مع بريطانيا، لا حاجة إلى ذلك. نعلم انتهازيّتهم الدائمة، ولذا فلا حاجة إلى إعادة سفيرنا ليفسّر" الوضع.
وفي تعليقه على دور لندن في الاتفاقيّة، قال باستخفاف "بريطانيا ليست إلا طرفاً زائداً (أي بلا قيمة) في كلّ هذه" المعادلة.
من جهتها، دافعت وزيرة الخارجيّة البريطانية الجديدة ليز تراس الأحد، في مقال، عن موقف لندن، مؤكّدة عزم بلادها على "التزام الحزم دفاعاً عن مصالحنا".
وأشار لودريان إلى أنه سيتعيّن على حلف شمال الأطلسي أخذ ما حصل في الاعتبار لدى إعادته النظر في استراتيجيّته خلال قمّة مرتقبة في مدريد العام المقبل.
ولفت أيضاً إلى أنّ فرنسا ستمنح أولويّة من الآن فصاعداً لتطوير استراتيجيّة الاتّحاد الأوروبي الأمنيّة عندما تتولّى رئاسة التكتّل مطلع 2022.
وقلل رئيس اللجنة العسكرية في حلف شمال الأطلسي الأميرال روب باور في وقت سابق من أهمية المخاطر، قائلاً إنّه يستبعد أن تؤثّر القضيّة على "التعاون العسكري" بين دول الحلف.
"طعنة في الظهر"
وأعلن بايدن عن التحالف الدفاعي الأسترالي-الأميركي-البريطاني الجديد الذي يأتي ضمن اتفاقية شراكة ينظر إليها على أنها تهدف إلى مواجهة صعود الصين.
وتقدّم اتفاقية الشراكة تكنولوجيا الغواصات النووية الأميركية إلى أستراليا، إضافة إلى إمكانيات لصد الهجمات الإلكترونية وتطبيق الذكاء الصناعي وغيرها.
واتهمت فرنسا أستراليا بـ"طعنها في الظهر"، وواشنطن بمواصلة السلوك الذي انتهجته خلال عهد الرئيس الأسبق دونالد ترامب الذي كانت سياساته تثير سخط حلفاء بلاده الأوروبيين.
وأثار الخلاف الأخير انقسامات عميقة في أقدم تحالف للولايات المتحدة وقضى على أي آمال بإمكان إعادة إحياء العلاقات بين باريس وواشنطن في عهد بايدن.
وشدد الناطق باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، السبت، على التزام الولايات المتحدة "الراسخ" حيال تحالفها مع فرنسا.
وقال "نأمل أن نواصل مناقشة هذه المسألة على أعلى مستوى في الأيام المقبلة، بما في ذلك خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل"، وهي مناسبة سيحضرها كل من لودريان ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.
غضب صيني
في السياق، قللت أستراليا من أهمية غضب الصين حيال قرارها شراء الغواصات العاملة بالدفع النووي، متعهّدة الدفاع عن سيادة القانون جوا وبحرا، حيث تسعى بكين الى الهيمنة على مناطق متنازع عليها.
ووصفت بكين التحالف الجديد بالتهديد "غير المسؤول إطلاقا" للاستقرار الإقليمي، مشككة بالتزام أستراليا منع الانتشار النووي ومحذرة الحلفاء الغربيين من أنهم يعرّضون أنفسهم للخطر.