من الحرب إلى الترسيم.. مسار الصراع بين أرمينيا وأذربيجان في "ناجورنو قره باغ"

time reading iconدقائق القراءة - 10
جندي من جيش الدفاع الأرمني في قره باغ خلال إطلاقه قذيفة مدفعية باتجاه مواقع أذربيجان خلال القتال الدائر حول منطقة ناجورنو قره باغ، 4 أكتوبر 2020 - AFP
جندي من جيش الدفاع الأرمني في قره باغ خلال إطلاقه قذيفة مدفعية باتجاه مواقع أذربيجان خلال القتال الدائر حول منطقة ناجورنو قره باغ، 4 أكتوبر 2020 - AFP
دبي-الشرق

مثَّل إعلان أرمينيا وأذربيجان، الاثنين، تشكيل لجان لترسيم الحدود بينهما مرحلة جديدة في الصراع الممتد لعقود للسيطرة على إقليم ناجورنو قره باغ.

وناجورنو قره باغ هو قطعة أرض جبلية بها أحراش تقع داخل أراضي جمهورية أذربيجان، ومُعترف بها بموجب القانون الدولي جزءاً من تلك الدولة، غير أنَّ الأرمينيين الذين يشكلون الغالبية العظمى من سكان الجيب يرفضون حكم أذربيجان.

ويعدُّ الصراعُ على الإقليم الأطول بجنوب القوقاز في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفيتي، إذ امتدَّ لأكثر من 3 عقود تخللتها حربان شاملتان والعديد من المعارك والمناوشات المتفرقة. 

بدأ الصراعُ مبكراً في عام 1988، عندما طالبت إثنيات أرمينية تعيش في الإقليم بنقل ما كان يعرف حينها بمنطقة "ناجورنو قره باغ" المتمتعة بالحكم الذاتي من أذربيجان السوفيتية، إلى أرمينيا.

سيطرة أرمينية

ومع انهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينات القرن الماضي، تصاعدت التوترات بين الجانبين لتتحول إلى حرب صريحة.

ولم تتنته الحرب في عام 1994 إلا والقوات الأرمينية قد سيطرت كلياً أو جزئياً على ناجورنو قره باغ و7 مناطق أخرى مجاورة.

السيطرة الأرمينية كانت كاملة في 5 من تلك المناطق، هي: جبرائيل وزنغيلان وغوبادلي ولاشين وكيلباجار، وجزئياً في أغدام وفيزولي.

سيطر الأرمينيون أولاً على لاشين في مايو 1992، ثم كيلباجار في مارس 1993، وأغدام في يوليو 1993، وفيزولي وجبرائيل وغوبادلي في أغسطس 1993، وزنغيلان في نوفمبر 1993. وتبلغ مساحة تلك الأراضي 8 آلاف و810 كيلومترات مربعة.

وأسفرت الحرب عن سقوط 30 ألف شخص، كما دفعت أكثر من مليون إلى النزوح، مع فرار الآذربيجانيين من أرمينيا وناجورنو قره باغ والمناطق المجاورة، واضطرار الأرمينيين إلى ترك منازلهم في أذربيجان.

حوادث متفرقة

ومنذ عام 1994 وحتى 2015، أظهرت الحوادث المميتة المتقطعة، بما في ذلك استخدام أسلحة ثقيلة على الخطوط الأمامية، وأنشطة قوات العمليات الخاصة، الخطر الدائم المتمثل في اندلاع الحرب.

ثم في أبريل  2016، هزت 4 أيام من القتال العنيف عند الخط الفاصل، المنطقة، وأودت بحياة المئات من الجانبين، في ظل روايات متضاربة حتى اليوم عن العدد الدقيق للضحايا.

وبدأ التصعيد في وقت مبكر من صباح الثاني من أبريل 2016 بصدامات بين القوات الأرمينية والأذربيجانية على طول الخط الفاصل، ثم تطورت إلى قتال مباشر.

وعلى الرغم من توسط روسيا للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في الخامس من أبريل، إلا أن الاضطرابات استمرت حتى الحادي عشر من أبريل.

وأدَّى هذا التصعيد الأخير إلى سيطرة أذربيجان على المزيد من الأراضي في إقليم ناجورنو قره باغ والأراضي المجاورة لأول مرة منذ وقف إطلاق النار في عام 1994.

مقدمات الحرب

وخلال الأعوام التالية شهد الإقليم حالة من الهدوء النسبي الذي تخللته بين الفينة والأخرى أحداث إطلاق نار متفرقة دون إيقاع عدد كبير من الضحايا.

لكن الاشتباكات ما لبثت أنْ تجددت في يوليو 2020، وسط انشغال العالم بتفشي وباء فيروس كورونا، موقعة 17 ضحية، بينهم جنرال وعقيد أذريان.

ومثلت تلك الاشتباكات مقدمات للحرب التي كانت في الأفق، إذ تبادلت يريفان وباكو اتهامات بإشعال الوضع الميداني واستهداف مدنيين.

ونبَّه رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان أذربيجان إلى أنها "ستتحمّل المسؤولية عن عواقب لا يمكن التكهُّن بها"، فيما استنكر الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف "استفزازاً أرمينياً جديداً"، وتعهد بحماية أراضي بلاده.

حرب شاملة

وبعد أقل من شهرين، وتحديداً في 27 سبتمبر 2020، تصاعد النزاع بين الجانبين إلى حرب شاملة استمرت لـ6 أسابيع، وأثارت مخاوف من نشوب حرب إقليمية أوسع، قد تنجر إليها تركيا التي أعلنت دعمها القوي لأذربيجان، وروسيا التي تربطها معاهدة دفاعية بأرمينيا.

وفي العاشر من أكتوبر، توصل الجانبان إلى هدنة إنسانية بوساطة روسية كان الهدف منها السماح للقوات العرقية الأرمينية في ناجورنو قرة باغ والقوات الأذربيجانية بتبادل الأسرى وضحايا الحرب. 

لكن المعارك سريعاً ما تجددت وسط اتهامات متبادلة بانتهاك الهدنة، ولم ينته القتال إلا في 10 نوفمبر 2020 مع توقيع اتفاق لوقف النار، تم إنجازه أيضاً بوساطة روسية.

ووفقاً لـ"مجموعة الأزمات الدولية"، تعد هذه الحرب الأخيرة الأكثر دموية منذ ما يقرب من3 عقود، إذ قضى أكثر من 7 آلاف عسكري ونحو 170 مدنياً وأصيب العديد من المدنيين.

وبموجب الاتفاق، باتت أذربيجان تسيطر بالكامل على المقاطعات السبع المتاخمة لناجورنو قره باغ والتي سيطرت عليها القوات الأرمينية منذ الحرب السابقة.

كما أنها باتت تسيطر على جزء كبير من ناجورنو قره باغ نفسه، فيما نشرت روسيا نحو ألفي جندي لحفظ السلام في بقية مناطق الإقليم.

اشتباكات متكررة

وعلى الرغم من الاتفاق، إلا أن أرمينيا وأذربيجان تعلنان بشكل متكرر عن وقوع اشتباكات مسلحة دامية، وسط اتهامات متبادلة بانتهاك الاتفاق.

وفي نوفمبر 2021، أسفر اشتباك حدودي بين البلدين عن سقوط 15 من جنود أرمينيا وأسر 12 وفقد يريفان لموقعين قتاليين.

وأعلن البلدان في 12 يناير 2022 وقوع اشتباكات بين قواتهما عند الحدود بين البلدين، ما أودى بحياة شخص على الأقل في الجانب الأذربيجاني و2 في الجانب الأرميني.

وفي مارس الماضي، اتهمت روسيا، أذربيجان بانتهاك اتفاق وقف النار المبرم مع أرمينيا،  عبر إدخالها قوات إلى المنطقة الخاضعة لسيطرة قوات حفظ السلام الروسية.

محادثات سلام ولجان حدودية

ومنذ أبريل الماضي، انخرط البلدان في ما بدا وكأنه مسار لإنها الأزمة في إقليم ناجورنو قره باغ والتوصل إلى حل مُرضٍ للجانبين.

وأعلن مكتب رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، في السادس من أبريل أن أرمينيا وأذربيجان اتفقتا على إجراء محادثات سلام لمعالجة التوترات بشأن إقليم ناجورنو قره باغ.

 والاثنين، أعلنت كل من أرمينيا وأذربيجان تشكيل لجنة حدودية، في خطوة محتملة نحو إنهاء النزاع القائم منذ 3 عقود حول الإقليم.

كما اتفق زعيما البلدين في بروكسل الأحد، على العمل على خطة سلام، على الرغم من موجة احتجاجات في العاصمة الأرمينية يريفان أججتها مزاعم المعارضة بأن رئيس الوزراء نيكول باشينيان يقدم تنازلات أكثر من اللازم.

وقال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، بعد اجتماع مع كل من باشينيان ورئيس أذربيجان إلهام علييف، إنهما اتفقا على دفع المحادثات بشأن معاهدة سلام في المستقبل، على أن تجتمع اللجان المعنية بترسيم الحدود بين الدولتين على الحدود نفسها في غضون أيام.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات