نفط ليبيا.. اتهامات متبادلة وانقسام سياسي يفاقم الأزمة

time reading iconدقائق القراءة - 12
مقرّ المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس- 14 يوليو 2022 - REUTERS
مقرّ المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس- 14 يوليو 2022 - REUTERS
بنغازي- الشرق

انتهت المعركة المحتدمة على الصلاحيات بين وزير النفط الليبي محمد عون، ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، بإقالة الأخير وتعيين فرحات بن قدارة آخر محافظ للمصرف المركزي لليبيا خلال عهد الزعيم الراحل معمر القذافي، بدلاً منه.

وتباينت التوقعات في ليبيا بشأن تبعات القرار الذي أصدره رئيس حكومة الوحدة المقالة من قبل مجلس النواب عبد الحميد الدبيبة، على قطاع النفط، الرافد الأساسي للاقتصاد الليبي ومصدر الدخل الرئيسي للبلاد.

وبينما يرى فريق في القرار خطوة في الاتجاه الصحيح لمعالجة أزمات قطاع النفط، يتخوّف آخرون من توظيف ورقة النفط وتوريط القطاع المهم في الصراع السياسي وتعميق أزماته التي تفاقمت خلال الأشهر الماضية.

صراع على الصلاحيات

بلغ الصراع بين محمد عون ومصطفى صنع الله ذروته في الأشهر الماضية، ووصل إلى حدّ توجيه الوزير اتهامات علنية لرئيس مؤسسة النفط بالفساد وإهدار الأموال من خلال إصداره قرارات عشوائية.

لكن صنع الله نفى ذلك، وردّ على الوزير بتجاهل قراراته وعدم الرجوع إليه في القرارات المهمة التي يتخذها مجلس إدارة مؤسسة النفط.

وأدت جلسة الحكومة التي عُقدت في 22 يونيو الماضي، دوراً بارزاً في صدور قرار تغيير مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، إذ شهدت اتهاماً وجّهه عون لصنع الله بحجب التقارير اليومية عن الإنتاج النفطي في ليبيا.

وقال عون خلال نقاش مع الدبيبة بشأن تغيير مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، إن صنع الله حجب عنه التقارير اليومية، مضيفاً أنه سيشارك في الاجتماع الشهري لمنظمة "أوبك" للدول المنتجة للنفط، من دون معرفة التفاصيل الحقيقية عن إنتاج ليبيا من النفط.

وتابع: "ليس معقولاً حين أُسأل عن الإنتاج النفطي لليبيا، أن أجيب بأن صنع الله يمنع عني التقارير اليومية".

وخلال المناقشة التي بُثت على الهواء، قال الدبيبة إنه يتفهّم شكوى الوزير، متعهداً بتغيير رئاسة مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط.

وأبدى الدبيبة موافقته المبدئية على اقتراح وزير النفط بشأن تغيير المجلس الذي ترأسه صنع الله، وطالب عون بتقديم مرشحين لتولّي المنصب.

اتهامات متبادلة

وشهدت الأسابيع الماضية تصاعد الخلافات مجدداً بين عون وصنع الله، على خلفية قول الأخير إنه "لا يمكنه مواجهة الطلب على المحروقات في الأسابيع المقبلة، وعدم توفر التمويل اللازم لتأمين الوقود السائل".

واتهم عون صنع الله بـ"سوء الإدارة"، معتبراً أنه لا يستهدف سوى "إثارة بلبلة وتأجيج مخاوف الشعب الليبي من نفاد الوقود".

ودعا إلى محاسبته على تصرفات كثيرة، رأى أن بعضها يندرج في إطار "جرائم اقتصادية وكوارث فنية" لحقول النفط.

كذلك اتهم عون صنع الله باتخاذ قرارات تعسفية ضد كثير من العاملين في القطاع، لافتاً إلى أن وزارة النفط اتخذت "كل ما أُتيح لها قانوناً من إجراءات حيال ذلك".

وردّ الوزير على شكوى صنع الله من عدم وجود تمويل لازم لشراء المحروقات، بنشر مراسلات، أوّلها لمؤسسة النفط في 13 أبريل 2021، تطلب فيها التمويل اللازم لشراء المحروقات، أو الحصول عليها عبر المبادلة بشحنات نفط، ثم مذكرة صادرة عن وزارة النفط والغاز بعدها بأسبوع من الشهر ذاته، إلى رئاسة حكومة الوحدة المقالة من قبل البرلمان، والتي وافقت على مبادلة شحنات نفط خام بمحروقات. 

ونوّهت الوزارة بأن كل الموافقات مفتوحة وغير محددة المدة، إضافة إلى ما أحالته وزارة المالية من تمويل للمؤسسة الوطنية للنفط لهذا البند، وخلصت إلى اتهام صنع الله بـ"سوء الإدارة، وإثارة البلبلة عبر إصدار بيانات".

وسبق لديوان المحاسبة أن اتهم المؤسسة الوطنية للنفط بارتكاب "تصرّفات غير قانونية وجرائم اقتصادية"، ترتب عليها "التفريط بأموال ليبيا، وإيقاع الضرر عليها بسبب امتناع المؤسسة عن تحصيل الضرائب والإتاوات والرسوم، المقررة على الشركات الأجنبية منذ 2020".

لكن صنع الله أدرج هذه الاتهامات آنذاك في إطار "حملة ممنهجة تُشنّ على قطاع النفط، من أجل عرقلة عمله"، علماً أن وزير النفط أوقف رئيس المؤسسة الوطنية عن العمل، وأحاله إلى تحقيق إداري مرتين لعدة أسباب، بما في ذلك سفره إلى خارج البلاد من دون موافقة الوزير المختص. 

صنع الله يهاجم الدبيبة

صنع الله فتح النار على الدبيبة، موجّهاً إليه اتهامات خطرة، خلال بثّ مباشر على الموقع الرسمي للمؤسسة الوطنية للنفط.

واتهم صنع الله رئيس حكومة الوحدة المقالة من قبل البرلمان، بمحاولة التلاعب بالمؤسسة، من خلال إبرام صفقات مشبوهة مع جهات خارجية.

وأضاف أن المؤسسة ملك للشعب الليبي لا لعائلة الدبيبة. واعتبر أن حكومة الوحدة مُنتهية الولاية بقرار من البرلمان، لافتاً إلى تكليف حكومة أخرى الآن، ومشدداً على أن قرار إقالته ومجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط "باطل".

ورأى أن أوضاع الشعب الليبي بائسة بسبب تصرّفات حكومة الدبيبة، مشيراً إلى تلقيها من المؤسسة الوطنية للنفط أكثر من 165 مليار دينار ليبي (أكثر من 37 مليار دولار أميركي)، فيما أن المؤسسة لم تنل شيئاً من تلك الأموال.

وخاطب الدبيبة، قائلاً: "لن تستطيع، أنت أو غيرك، أن تفعل شيئاً للمؤسسة، لأنها محمية بالقانون الدولي وهي محايدة ومستقلة ولا تتبع للحكومة".

استلام بالقوة

ومع رفض صنع الله قرار إقالته وتسليم مهماته لخلفه المعيّن من الدبيبة، لجأ الأخير إلى القوة لتنفيذ قراره، إذ هاجمت قوة مسلحة تابعة له المقر وأخلته من العاملين فيه، قبل تسليمه لرئيس مجلس الإدارة الجديد فرحات بن قدارة. 

وفي أول ظهور رسمي له بعد استلامه منصبه، قال بن قدارة إنه سيعمل على إعداد فرق بالتعاون مع الشركات المنتجة، سواء محلية أو أجنبية، وسيكون لها التمويل الكافي لصيانة الحقول النفطية المتضررة.

وأضاف أن الموازنة التي وافقت عليها الحكومة ستُستخدم لرفع كفاءة قطاع النفط، لافتاً إلى الحاجة للشركات الأجنبية من أجل رفع الكفاءات الإنتاجية في الحقول.

وتعهد بالعمل على عودة تصدير النفط إلى أقصى المستويات الممكنة، متحدثاً عن أخبار طيبة في هذا الصدد خلال الأسبوع المقبل، وإعادة الإنتاج في أقرب وقت.

وأشار بن قدارة إلى أن أزمة إقفال الحقول لا تمسّ الإيرادات المالية فقط، بل الكهرباء والبنزين والوقود بشكل عام، معلناً أن مجلس الإدارة سيجتمع، الأحد، لاتخاذ الإجراءات والقرارات المطلوبة.

"صفقة سرية"

في السياق ذاته، نقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية عن محللين قولهم إن ثمة صفقة أُبرمت سراً بين خصمين سياسيين بارزين في ليبيا، هما الدبيبة وقائد الجيش الوطني في بنغازي المشير خليفة حفتر، أدت دوراً بارزاً في إقالة صنع الله وتعيين بن قدارة.

ونقلت الصحيفة عن بيتر ميليت وهو رئيس "مجلس الأعمال البريطاني الليبي" وسفير سابق للمملكة المتحدة في طرابلس، قوله إن تعيين بن قدارة "سيُسيّس قطاع النفط، وهذا أمر تجنّب صنع الله فعله".

أما كلوديا غازيني وهي باحثة بـ"مجموعة الأزمات الدولية"، فاعتبرت أن التغيير في المؤسسة الوطنية للنفط قد يكون جزءاً من صفقة أوسع تستهدف إقناع حفتر بدعم الدبيبة والنأي عن فتحي باشاغا، الذي يرأس حكومة يؤيّدها البرلمان.

ورجّحت أن يشمل اتفاق الدبيبة مع حفتر، تبديل وزيرَي المالية والدفاع بشخصيتين مقبولتين لدى قائد الجيش الوطني الليبي.

انقسام بشأن القرار

في المقابل، أظهرت ردود الفعل الأولية انقساماً سياسياً ملحوظاً في التعامل مع قرار الدبيبة بإقصاء صنع الله، ما قد يساهم في تأجيج الصراع بين أطراف المشهد الليبي، بداية من مطالبة رئيس مجلس الدولة، خالد المشري، رئاسة مجلس الوزراء بحكومة الوحدة الوطنية المقالة من قبل البرلمان، بسحب قرار إعادة تشكيل مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط.

واعتبر المشري أن هذا القرار قد يؤدي إلى تفكيك المؤسسة وانقسامها، وحدوث كارثة حقيقية على اقتصاد البلاد.

وأشار إلى ضرورة أن تبذل الحكومة جهداً أكبر لإيجاد توافق بين المؤسسة الوطنية للنفط ووزارة النفط.

وجاء ردّ الدبيبة على المشري حاداً، بقوله: "نشكركم على رأيكم الاستشاري غير الملزم لمجلس الوزراء، والأمر لا يعنيكم وليس في نطاق اختصاصكم".

وفي البرلمان، شددت لجنة الطاقـة على حيادية قطاع النفط واستقرار المؤسسة الوطنية للنفط، ممثلة في مجلس الإدارة الذي يمثل جميع العاملين في القطاع النفطي بليبيا.

واعتبرت اللجنة أن "كل المحاولات التي تجريها حكومة الوحدة الوطنية للإطاحة بمجلس إدارة المؤسسة، ليست سوى صفقات سياسية مشبوهة لخلط الأوراق وتأزيم الوضع السياسي والاقتصادي للدولة الليبية، على حساب قوت الشعب الليبي، ولا تؤدي إلا لانقسام أهم القطاعات الحيوية والمصدر الوحيد لتمويل الدولة الليبية وشعبها".

وشددت اللجنة على شرعية مجلس إدارة المؤسسة، برئاسة مصطفى صنع الله، معتبرة أن قرارات حكومة الدبيبة لا يُعتدّ بها باعتبارها صادرة عن جهة غير ذات صفة.

مخاوف من المستقبل

أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي، جمال الشطشاط، رأى أن الأيام المقبلة، تفتح الباب لسيناريوهين بشأن مستقبل قطاع النفط، الأول أن ينجح بن قدارة، المشهود له بالكفاءة التي قادته إلى مناصب مرموقة في الداخل والخارج، في إنقاذ القطاع من هاوية يقف على مشارفها ويجرّ إليها خلفه الاقتصاد الليبي برمته، بداية من قدرته على فتح المواقع النفطية المقفلة وإعادة الإنتاج إلى مستوياته الطبيعية.

وقال الشطشاط لـ"الشرق"، إن السيناريو الثاني سيكون مؤلماً ويهدر آخر ما تبقّى من سيادة الدولة، عبر فشل بن قدارة في مهمته الصعبة، أو حتى أن يؤدي الصراع على إدارة المؤسسة إلى انقسامها، ما يفتح المجال لتنفيذ الاقتراح الأميركي بتكليف الموارد النفطية لإدارة دولية وتقسيم عوائدها، علماً أن السفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، ألحّ على ذلك أخيراً، ولقي ترحيباً دولياً وقبولاً، حتى من أطراف محلية.

وخلص الشطشاط إلى أن الأيام المقبلة حاسمة بالنسبة لمستقبل قطاع ستؤدي فيه أطراف دولية دوراً بارزاً، خصوصاً في ظلّ أزمة الطاقة التي يشهدها العالم، والتي لن يُسمح معها باستمرار الصراع على ورقة النفط بين الفرقاء في ليبيا.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات