
دأبت إيران في السنوات الأخيرة على الكشف عن قواعد "سرية" تحت الأرض لإنطلاق المقاتلات والصواريخ والطائرات المسيرة، في ظل تصاعد التوترات في المنطقة ومخاوف من أن تتحول الحرب الخفية الإيرانية-الإسرائيلية إلى "حرب كبرى".
وتسعى إيران لتطوير قدراتها العسكرية بعدة أدواتها وطرق منها إنشاء القواعد العسكرية تحت الأرض وذلك في إطار الاستعداد إلى إمكانية أن تتحول المواجهات "الخفية" بينها وبين إسرائيل إلى "حرب كبرى قد تطاول العالم بأسره"، بحسب ما ذكره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
وأشار المعهد إلى أن استعراض إيران "المخادع" للقوة مجرد محاولة لمواجهة التقارير المتواصلة عن تحطم طائرات مسيرة متفجرة صغيرة غير معروفة في مواقع عسكرية ونووية إيرانية حساسة، آخرها في مدينة أصفهان الأسبوع الماضي الذي اتهمت فيه طهران تل أبيب بشكل مباشر.
الخبير العسكري والاستراتيجي المصري سمير فرج، قال لـ"الشرق" إن إنشاء إيران للقواعد العسكرية تحت الأرض يأتي في إطار "الاستعداد لحرب وقائية قادمة"، لافتاً إلى أنها "معرضة للهجوم من قبل إسرائيل أو الدول الغربية في أي وقت".
ورداً على سؤال عن سبب سعي إيران لإنشاء القواعد العسكرية تحت الأرض، أِار فرج إلى أن "هذه القواعد تعتبر ذات قيمة عسكرية كبيرة إذ تحمي المنشآت الموضوعة بداخلها ويصعب تدميرها إلا بقنابل وذخائر معينة تخترق هذه التحصينات".
وكالة "بلومبرغ" ربطت خطر الحرب الشاملة الأكبر بمدى تطور برنامج إيران النووي، على الرغم من أن قادة طهران يصرّحون بأنهم لا يطمحون لصنع أسلحة نووية. بدورها، تشير إسرائيل إلى مستندات كانت مخبأة في إيران وهرّبتها استخباراتها سراً في 2018، على أنها توضح العكس.
ولطالما ألمح المسؤولون الإسرائيليون أنه في حالة اقتراب إيران من حافة امتلاكها للأسلحة النووية، فإنهم سيهاجمون برنامجها النووي بالطائرات، كما فعلوا في العراق في عام 1981، وسوريا في 2007.
وسخّرت إيران قواعدها تحت الأرض لتطوير الطائرات المسيرة والصواريخ محلية الصنع وإطلاقها، فيما خصص بعضها ليكون نقطة إنطلاق للمقاتلات الإيرانية. يضاف إلى ذلك إلى منشأة نطنز النووية تحت الأرض والتي اعتبرتها بعض التقارير الغربية أهم منشأة نووية لإيران.
وبدأت إيران إنشاء هذه القواعد في منتصف ثمانينات القرن الماضي ولم ينقطع جهدها في هذا المجال منذ أكثر من 30 عاماً، بحسب قائد القوة الجوفضائیة الإيرانية العمید أمير علي حاجي زادة الذي أكد أنه "لا توجد محافظة إيرانية، لم تُبنَ فیها قاعدة صاروخیة واحدة علی الأقل".
تقع أغلبية القواعد المذكورة على عمق 500 متر تحت الأرض أو أسفل الجبال، وهي محصنّة بطبقات من الخرسانات وتحتضنها أنفاقٌ طویلة تم إنشاؤها بناءً على أعمال هندسیة خاصة وبعضها مزودة بسكك حديدية وشاحنات صُمِّمت لنقل الصواریخ بشكل سريع.
وإذا كانت طهران تهدف من إنشاء قواعد تحت الأرض لقطع الطريق على الأقمار الصناعية التي ترصد جميع التحركات العسكرية في إيران، إلا أن مارك فيتزباتريك الخبير في الحد من التسلح بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية قال لقناة "بي بي سي" البريطانية إن "منشآت إيران تلك ليست منيعة من الضربات".
وتسعى إيران لعدم تحديد مواقع هذه القواعد واعتبرها مواقع عسكرية "سرية"، إلا أن الخبير العسكري فرج أوضح أن لدى "الدول الغربية وبالذات الولايات المتحدة القدرة على رصد القواعد الإيرانية عبر الأقمار الصناعة التي تعمل خلال الـ24 ساعة"، مشيراً إلى أن "عملية حفر هذه القواعد يستمر لأشهر" وهو ما يسهل عملية رصدها.
وبيّن فرج لـ"الشرق" أن واشنطن وتل أبيب بالتحديد "يتابعان هذه المنشآت التي يمكن ضربها في حالة الدخول في عمليات عسكرية ضد إيران بهدف منعها الحصول على القنبلة النووية".
وأشار فرج لـ"الشرق" إلى أن "إيران وضعت في اعتبارها أن إسرائيل لن تدعها تصنع القنبلة النووية لذلك هناك إمكانية أن تهاجم في أي وقت".
أبرز القواعد
آخر القواعد الإيرانية المعلنة، كشفت عنها إيران، الثلاثاء. وقالت إنها أول قاعدة جوية تحت الأرض وتحمل اسم "عقاب-44"، واصفةً إياها بـ"الكبيرة والقادرة على استقبال المقاتلات الجديدة في سلاح الجو واستخدامها عملياً".
ووصفت وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا" القاعدة بأنها "من أهم قواعد القوات الجوية للجيش"، مشيرةً إلى أنها تضم "مقاتلات مجهزة بصواريخ كروز بعيدة المدى ومبنية في أعماق الأرض".
وتشمل القاعدة المذكورة مرافق عدة للتنبيه، والقيادة، وحظائر صيانة المقاتلات، ومعدات ملاحة ومطارات، وخزانات وقود، كما أن لديها القدرة على استقبال جميع أنواع مقاتلات القوات الجوية لتنفيذ المهام المحددة، بحسب قناة "العالم" الإيرانية.
وفي ما يخص القواعد الصاروخية تحت الأرض والتي تعرف باسم "المدن الصاروخية"، فقد كشفت طهران عنها لأول مرة في عام 2015، فيما يُعتقد أن كل محافظة إيرانية تضم تقريباً موقعاً واحداً على الأقل لتخزين الصواريخ الباليستية وإطلاقها، إذ أظهرت صور أقمار صناعية العديد من مشاريع البناء والتوسع في جميع أنحاء البلاد، وبشكل أساسي تلك الواقعة في الجنوب والجنوب الغربي، بحسب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
وسبق أن أفاد قائد قوات الجو-فضاء في الحرس الثوري الإيراني العميد أمير علي حاجي زاده بأن "قواعد الصواريخ تحت الأرض بعيدة المدى لإيران تقع في عمق 500 متر تحت الجبال العالية وتتوزع على مختلف المحافظات والمدن الإيرانية"، وهو ما يعتبره البعض مجرّد دعایات إعلامية تضخم الواقع في إطار الحرب النفسیة.
وكشفت إيران كذلك في عام 2016 عن قاعدة جوية تحت الأرض تحوي صواريخ يصل مداها إلى 1700 كلم، وذلك عقب أشهر من نجاحها في تجربة إطلاق صاروخ "عماد" البالسيتي الذي اعتبر خبراء الأمم المتحدة حينها أنه يشكل انتهاكاً لقرار يعود إلى عام 2010 يحظر على إيران استخدام صواريخ باليستية، خشية أن تكون مزودة برؤوس نووية.
كما أعلن قائد القوة الجوية بالحرس الثوري في مايو 2017، عن تشييد مصنع جديد للصواريخ الباليستية تحت الأرض، مؤكداً أنه "الثالث من نوعه" متعهداً بمواصلة تطوير البرنامج الصاروخي.
أما في عام 2019 فقط، فدشنت إيران قاعدة جديدة لتصنيع الصواريخ تحت الأرض، كما أزاحت الستار عن صاروخ "دزفول" الباليستي من طراز أرض أرض.
ولم تخل شواطئ الخليج العربي كذلك من القواعد الصاروخية، إذ دشن الحرس الثوري، في يناير 2021، قاعدة الجديدة قال إنها "واحدة من منشآت عدة، تحفظ الصواريخ الاستراتيجية لحرس الثورة" والتي يصل مدى بعضها لمئات الكيلومترات.
وعرض الحرس الثوري في مارس 2019 صوراً ولقطات مصورة من قاعدة صاروخية تحت الأرض مسلحة بصواريخ كروز وصواريخ باليستية ومعدات الحرب الإلكترونية.
أما في مايو 2022، فاستعرضت إيران قاعدة سرية تحت الأرض لصناعة الطائرات المسيرة، وذلك بعد نحو شهر على إقرار مجلس النواب الأميركي بأغلبية كبيرة مشروع قانون يجيز فرض عقوبات على برنامج طهران لصناعة الطائرات المسيرة.
تجدر الإشارة إلى أن لدى إيران قاعدة صاروخية في منطقة "الخجیر" التي تقع في طریق جبال دماوند شرق طهران وتعتبر أهم قاعدة استراتیجیة لتأمين المجال الجوي للعاصمة، بحسب موقع "جاده إيران" المتخصص في الشؤون الإيرانية.
إلى ذلك، تحتضن جزیرة قشم قاعدة تضم کمیة کبیرة جداً من البنی التحتیة العسکریة والصاروخیة، حسب تقریر موقع "أنصاف نیوز" الإيراني، الي قال إنها تلعب دوراً بارزاً في العمليات الإيرانية التي تتم بالقرب من مضیق هرمز.