هذا المقال جزء من سلسلة "2023.. عام الأسئلة الصعبة".
بقلم البروفيسور كيشور محبوباني
- زميل مميز في معهد البحوث الآسيوية التابع للجامعة الوطنية بسنغافورة، دبلوماسي سابق، باحث في الفلسفة ومؤلف 9 كتب.
- عمل في الحقل الدبلوماسي لمدة 33 سنة، برز فيها بفضل عمله كسفير لجمهورية سنغافورة لدى الأمم المتحدة، وتعيينه مرتين كرئيس لمجلس الأمن بالأمم المتحدة في يناير 2001 ومايو 2002.
- وهو كذلك العميد المؤسس لكلية "لي كوان يو" للسياسة العامة في سنغافورة. ويعد كاتباً غزير الإنتاج عن نهضة آسيا والجغرافيا السياسية والحوكمة العالمية. ومن ضمن آخر إصداراته "القرن الحادي والعشرين الآسيوي"، الذي صدر في يناير 2022، وهو أيضاً صاحب كتاب "هل ربحت الصين؟" الذي صدر في مارس 2020.
ستكون السنوات العشر المقبلة حاسمة في تشكيل النظام العالمي للقرن الحادي والعشرين. فلماذا؟ النظام العالمي ينشأ عن تحولات جيوسياسية. وفي العقد المقبل ربما نشهد أعظم تحولات القوة في منذ بدء التاريخ. فكيف سيعيش العالم هذا العقد؟ هذا ما سيملي طبيعة النظام العالمي الذي سينبثق.
بينما يبحر العالم في هذه اللجة الجيوسياسية التي نستقبلها الآن، عليه أن يعالج مفارقة صعبة. لا شك في أن الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، قد أورثنا النظام السمْح الذي تلا عام 1945، والقائم على وجود قواعد لسلوك الدول. هذا النظام صنع الكثير من التقدم الإنساني في العقود الثمانية المنصرمة، وخصوصا في آخر ثلاثين سنة. نظرياً، على الغرب أن يبادر إلى تحديد معالم النظام العالمي المقبل. وواقعياً، لن يفعل ذلك.
الحقيقة المؤسفة هي أن الولايات المتحدة وأوروبا في حالة ضياع. لقد مثلتا في الماضي، وخصوصاً بعد الانتصار المجيد لهما في الحرب العالمية الثانية، أكثر المجتمعات تحلياً بالثقة والتفاؤل. أصبح هذا من الماضي. أصبحتا مضطربتين داخلياً وخارجياً. لذا نراهما تقعان في أخطاء استراتيجية كبيرة. والغرض من هذا المقال مساعدة الولايات المتحدة وأوروبا في صياغة سياسات حكيمة للتعامل مع عالم مختلف جداً. وسيشرح المقال أيضاً كيف آل بهما الأمر إلى الضياع بطرائق عدة.
لهذا ضلت واشنطن الطريق
لم يسبق للولايات المتحدة أن كانت منقسمة مثلما هي اليوم، على الأقل ليس منذ الحرب الأهلية في ستينات القرن التاسع عشر. ورغم هذا الانقسام الداخلي فالمجتمع الأميركي مجمع على موقف جيوسياسي محدد: آن للولايات المتحدة أن تقف في وجه الصين. والمقلق أن الولايات المتحدة دخلت في حمأة هذا التنافس مع الصين دون أن ترسم استراتيجية، وقد وثقت هذا في كتابي "هل ربحت الصين؟".
الأمر محير على أكثر من صعيد. ففي الولايات المتحدة أفضل الجامعات، وأحسن مراكز الفكر الاستراتيجية تمويلاً، وأقوى وسائل الإعلام تأثيراً في العالم. ببساطة فهي تملك أضخم صناعة للتفكير الاستراتيجي. ومع ذلك فواشنطن محرومة من الفكر الاستراتيجي بعيد المدى، ولا سيما المتعلق بالصين. عوضاً عن ذلك، فإن العاصمة الأميركية تعيش في بوتقة عجيبة من التفكير المجموعاتي "groupthink". ما زالت الولايات المتحدة أقوى دولة في العالم. وما زالت تحظى بالإعجاب عالمياً. وأنا معجب بالمجتمع الأميركي وأعد نفسي صديقاً له. ومن مقتضيات الصداقة أن تنبه صديقك عندما يضل طريقه.
قد يشكك كثيرون في أن الولايات المتحدة ضلت طريقها. غير أن هنري كيسينجر، أعظم مفكر استراتيجي أميركي على قيد الحياة، أكد لي شخصياً مرتين أن أميركا لا تملك استراتيجية شاملة وبعيدة المدى بشأن صعود الصين. وثمة أدلة قوية تدعم رأيه. الاستراتيجية ليست هدفاً بحد ذاتها، إنها وسيلة. وقبل أن تصوغ الولايات المتحدة استراتيجية بشأن الصين عليها أن تحدد الأهداف التي تأمل في تحقيقها. ولم يسبق قط أن تم تحديد هذه الأهداف، رغم كثرة الأوراق الاستراتيجية الصادرة عن وكالات مهمة في واشنطن. فمثلا، قال وزير الخارجية الأميركي أنثوني بلينكن في 26 مايو 2022: "سنتنافس مع الصين للدفاع عن مصالحنا، وسنحدد رؤيتنا للمستقبل". لكن بلينكن لم يحدد أهداف أميركا في هذا "التنافس" مع الصين.
هل من سبيل لوقف صعود الصين؟
نظرياً يمكن للولايات المتحدة أن تتبنى الأهداف التالية: وقف النهوض الاقتصادي للصين، وإسقاط الحزب الشيوعي الصيني، وعزل الصين واحتواءها، الأمر الذي كانت صنعته بنجاح مع الاتحاد السوفييتي. غير أن هذه الأهداف غير قابلة للتحقق. فالنهوض الاقتصادي الصيني لا سبيل إلى إيقافه. ورغم أن الاقتصاد الصيني ما زال في المحل الثاني فهو يملك اقتصاداً أكبر من الولايات المتحدة في سوق التجزئة. في عام 2010، كان حجم اقتصاد سوق التجزئة الأميركي 4 تريليونات دولار، أي أكثر من ضعف الصين (1,8 تريليون دولار). وبحلول عام 2020، تفوقت الصين فبلغت 16 تريليوناً بينما توقفت الولايات المتحدة في سوق التجزئة عند 5,5 تريليون دولار. وبهذا تستطيع الصين الاعتماد على السوق المحلي والخارجي كي تحافظ على وتيرة النمو. وبخلاف الرأي السائد في الإعلام الأميركي والبريطاني، فإن شي جين بينج وفريقه الجديد لم يولوا الظهور للانفتاح الاقتصادي وللإصلاح. لهذا لا سبيل إلى وقف النمو الاقتصادي الصيني.
ولا سبيل لإسقاط الحزب الشيوع الصيني أسوة بما حدث للحزب الشيوعي السوفييتي. فالشعب الصيني، بخلاف الشعوب السوفييتية، شهد في الثلاثين سنة الأخيرة أفضل تطور اجتماعي واقتصادي في تاريخه الممتد على ثلاثة آلاف سنة. ليس معقولاً أن يُسقط الصينيون الحزب الذي وفر لهم هذا الرخاء. وتظهر دراسة أكاديمية جادة صادرة عن مركز آش في كلية كيندي في هارفارد أن التأييد للحكومة المركزية في أوساط الشعب الصيني ارتفع من 86,1% في عام 2003 إلى 93,1% في عام 2016.
فماذا عن الاحتواء؟ لا سبيل لنجاح هذه السياسة، فحصة الصين من التجارة الدولية تتجاوز حصة الولايات المتحدة. وبحسب معطيات البنك الدولي بلغت تجارة الصين الإجمالية العام الماضي 6,6 تريليون دولار، بينما حققت الولايات المتحدة 4,9 تريليون دولار. هناك أكثر من 120 دولة لها تجارة مع الصين أكثر مما لها مع الولايات المتحدة، ومن غير المنطقي أن تقلص أي دولة تجارتها مع الصين لمجرد إرضاء واشنطن. وحتى لو أخذنا دولة قريبة جيوسياسياً من الولايات المتحدة كالبرازيل فإنها ستلقى مصاعب جمة لو قلصت تجارتها مع الصين إذ إن تجارتها مع الصين تبلغ ثلاثة أضعاف تجارتها مع الولايات المتحدة.
قواعد 1945 هي الحل
لو استطاع المفكرون الاستراتيجيون وواضعو السياسات في واشنطن أن يقفوا وقفة تبصُّر، وأن ينظروا بعمق في سياساتهم وإجراءاتهم حيال الصين، لرأوا أن شيئاً لن يعيق الصين حقاً، ولا حتى حرب التكنولوجيا التي شنتها الولايات المتحدة مؤخراً. عليهم أن يفهموا أن نهوض الصين إنما هو حلقة في دوامة تاريخية: ثمة حلقات من الصعود والهبوط في تاريخ الصين. فالصين أقدم حضارة حية في الدنيا، وهي تعيد اكتشاف منابع قوتها الحضارية. الغريب أن معظم دول العالم تستطيع رؤية هذا بوضوح، لذا فهي تمتن علاقاتها بالصين، وتتفاعل إيجابياً مع مبادرات الصين، كمبادرة الحزام والطريق. وقد وقَّعت 140 دولة بكل أريحية على اتفاقات شتى متعلقة بمشروع الحزام والطريق.
فهل هناك مسلك أكثر حكمة يمكن أن تسلكه الولايات المتحدة بإزاء الصين؟ الجواب: نعم. لقد عبر بيل كلنتون عن استراتيجية حكيمة كهذه عندما تحدث في جامعة ييل عام 2003. قال كلنتون إن التهيؤ لعالم تكون فيه الولايات المتحدة في المرتبة الثانية يقتضي تقوية قواعد التعامل، والمؤسسات والعمليات الدولية. وقد أراد كلنتون ضمناً الإشارة إلى أن هذا خير وسيلة لتقييد الصين بقواعد السلوك العالمي عندما تصبح في المرتبة الأولى. وفي كتابي "التقارب الكبير" الصادر قبل عشرة أعوام، تبنيت بقوة نصيحة كلنتون.
لهذا كله فإن السنوات العشر المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل النظام العالمي. واليوم، حيث الصين في المرتبة الثانية، فإنها لا تزال مستعدة للتصرف ضمن قواعد اللعب في النظام العالمي الذي أهداه الغرب إلى البشرية بعد عام 1945. وهذا واضح من أقوال وأفعال الصينيين. قال شي جين بينج عندما زار مكاتب الأمم المتحدة في جنيف في كانون يناير 2017:
"كما يُظهر التاريخ المعاصر فإن تأسيس نظام عالمي قائم على النزاهة والإنصاف هو الهدف الذي طالما تاقت إليه البشرية. نستعرض مبادئ المساواة والسيادة التي أرساها "سلام وستفاليا" قبل أكثر من 360 عاماً، والتوجه الإنساني العالمي في صلب اتفاقيات جنيف التي بدأت قبل أكثر من مئة وخمسين سنة، والأهداف الأربعة والمبادئ السبعة التي أرساها ميثاق الأمم المتحدة قبل أكثر من 70 عاماً، والمبادئ الخمسة للتعايش السلمي التي انبثقت عن مؤتمر باندونغ قبل أكثر من 60 عاماً، نستعرضها ضمن مبادئ كثيرة انبثقت في سياق تطور العلاقات الدولية، ونالت القبول الواسع. هذه المبادئ يجب أن تهدينا إلى تأسيس مجتمع عالمي ذي مستقبل مشترك".
تعي الصين بعمق أن النظام العالمي، القائم على قواعد محددة لسلوك الدولة، الذي نشأ بعد 1945 قد سهل عليها النهوض، وكذا على وجه الخصوص "منظمة التجارة العالمية". قبل انضمام الصين إلى "منظمة التجارة العالمية" كان اقتصاد الولايات المتحدة ثمانية أضعاف اقتصاد الصين، واليوم فهو أكبر من اقتصاد الصين بمرة ونصف فقط. وللغرابة فإن كل النظريات بشأن فوائد حرية التجارة إنما جاءتنا هدية من اقتصاديي الولايات المتحدة. وفيما يتقبل المجتمع الصيني هذه النظريات الأميركية، وبينما توقع الصين اتفاقيات تجارة حرة، فالمجتمع الأميركي ينقبض عن مفهوم التجارة الحرة.
بما أن الصين ما زالت ترضى بالتصرف ضمن قواعد السلوك العالمي فيما بعد 1945، هذا وهي في المرتبة الثانية عالمياً، فعلى الولايات المتحدة أن تقتنص اللحظة، وأن تصوغ تحالفاً مع الصين لتقوية قواعد 1945، بحيث يتأسس هذا بشكل رئيسي على ميثاق الأمم المتحدة. ولكي تنجح الولايات المتحدة في مسعى كهذا عليها أولاً أن تقر بكل أمانة، وخلافاً لكل المزاعم الشعبية في أميركا، بأنها عملت دائما وبشكل منتظم على إضعاف دور الأمم المتحدة. لقد عرفتُ هذا بتفاصيله عندما كنت سفير سنغافورة للأمم المتحدة لأكثر من عشر سنوات. وهذا موثق أيضاً باستفاضة في كتابي "التقارب الكبير". وللأسف فإن فكر القطيع الاستراتيجي في واشنطن يحجب أي رأي مؤثر يدعم الأمم المتحدة.
من يحمل لواء التشاركية؟
نظرياً، يمكن للاتحاد الأوروبي، حليف أميركا الأقوى في العالم، أن يتصدى لمهمة دعم الأمم المتحدة. والاتحاد الأوروبي ما زال أنجح هيئة إقليمية متعددة الشركاء في العالم. على أن هناك توليفة من الجبن السياسي، والخداع الفكري، والشعور العميق بعدم الأمان (وخصوصا بعد غزو روسيا غير المشروع لأوكرانيا)، هذه التوليفة جعلت القادة الأوروبيين يفقدون العصب الاستراتيجي، ويميلون إلى الانبطاح أمام واشنطن. في مجالسهم الخاصة، يقول كثير من القادة والمفكرين الأوروبيين إنهم لا يقرون سياسات واشنطن المنفردة تجاه الصين فيما بعد انتهاء الحرب الباردة. لهذا قام المستشار الألماني شولتس بزيارة الصين في الرابع من نوفمبر 2022، خلافاً لرغبة واشنطن. ورغم المؤشرات القليلة على الاستقلالية الجيوسياسية فإن الاتحاد الأوروبي يظل ملتزما بدعم السياسات الأميركية غير الحكيمة، عوضاً عن توجيه الولايات الأميركية نحو التأقلم مع الحقائق العالمية الجديدة.
بتنازل الاتحاد الأوروبي عن مسؤولياته الأخلاقية والسياسية تجاه تقوية التشاركية عالمياً، بقيت هناك قوة عالمية واحدة أخرى يمكنها أخذ زمام المبادرة وهي الهند. وإذا أخذنا في الاعتبار "تعادل القدرة الشرائية" (ppp) فالهند ثالثة أكبر اقتصاد في العالم. وسوف تتخطى كل اقتصادات أوروبا مجتمعة قريباً. لهذا كنت أقول إنه يجب منح الهند مقعداً دائماً في مجلس الأمن مع حق الفيتو. كان يجب أن يحدث هذا أمس لا غداً. وتدرك الهند أن العالم الآن يتحرك في اتجاه متعدد الحضارات والأقطاب. وميزة الهند أن علاقاتها طيبة نسبياً مع كل القوى الكبرى، رغم أن علاقتها بالصين متوترة منذ الصدام العسكري في منطقة جلوان الحدودية، في يونيو 2020.
فرصة أمام الهند
يمكن للهند أن تدعم مطلبها بالحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن باستغلال ترؤسها لقمة العشرين الكبار في عام 2023، بحيث تظهر أنها دولة فعالة في إدارة وقيادة مؤسسة دولية مثل مجموعة العشرين الكبار. وثمة فرصة طيبة جديدة أمام الهند، فمن الجلي أن العالم كله، ما عدا الغرب وروسيا، قد سئم من الحرب في أوكرانيا. والهند اليوم هي الدولة الكبرى الوحيدة التي تتمتع بعلاقات طيبة مع واشنطن وموسكو كلتيهما.
وباستذكار الدبلوماسية المكوكية التي ابتدعها هنري كيسنجر، يمكن للهند أن تباشر التباحث مع كل من واشنطن وموسكو. نظرياً، يجب أن تكون مفاوضات السلام بين كييف وموسكو. على أنه غني عن الذكر أن الصفقة إنما يجب أن تتم بين واشنطن وموسكو، مع استشارة كييف. وقد فتح كيسنجر للهند باباً في مقاله في مجلة "ذا سبكتيتور" في الثاني من ديسمبر 2022، عندما قال إنه جدير بالغرب ألا يسعى لجعل روسيا عاجزة بسبب الحرب. وأضاف: "رغم نزوعها إلى العنف، فإن روسيا قد قدمت إسهامات مهمة للتوازن الدولي، ولتوازن القوى على مدى نصف قرن". والهند صديق مقرب من روسيا على مدى أكثر من نصف قرن، ولا شك في أنها تشاطر كيسنجر الرأي.
ليست هناك دولة تدرك أننا ندخل في صيغة عالم متعدد الأقطاب أفضل من الهند، وهي القطب الجديد بين هذه الأقطاب. يمكنها من خلال قمة العشرين الكبار أن تزرع في عقل واشنطن حقيقة جديدة هي أنه خيرٌ للولايات المتحدة أن تتخلى عن فرديتها وأن تبني علاقات تشاركية جديدة لإدارة العالم الذي سيولد. وبوصفها من الدول المؤسسة لحركة عدم الانحياز تدرك الهند رغبات وطموحات دول العالم الثالث في كل القارات، وخصوصاً في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. وقد أوضحت معظم دول عدم الانحياز أنها لن تنحاز إلى الولايات أو إلى الصين في هذا الخصومة الجيوسياسية. ويمكن للهند أن تنطق بلسان هؤلاء الذين يمثلون معظم البشرية.
عالم متعدد الأقطاب والحضارات
من فرائد الحكمة التي نطق بها "إعلان الاستقلال الأميركي" أن الولايات المتحدة ستبدي "احتراماً لآراء البشرية". ومن الحقائق التي على واشنطن أن تقبلها أن 12 بالمئة فقط من البشر يعيشون في الغرب. و88 بالمئة من بني الإنسان لا يعيشون في الغرب. ومعظم هؤلاء الـ 88% كانوا على هامش الأحداث في آخر مئتي عام، بينما كانت الولايات المتحدة تتبلور كأكبر قوة عظمى. واليوم، نرى النهوض الصيني المدهش، ونهوض الهند، ورسوخ آسيان "رابطة دول جنوب شرق آسيا"، وندرك أن الـ 88% يريدون أن تكون لهم كلمة في الشؤون الدولية. ومعظمهم لا يريد الانحياز لطرف في التنافس الأميركي الصيني، أو في الصدام بين الناتو وروسيا بشأن أوكرانيا، والدليل أن 88% من العالم لم يشارك في العقوبات على روسيا.
كل هذا يظهر أن النظام العالمي يواجه اليوم مفترقاً تاريخياً. فإن اتخذنا القرارات الصحيحة لتقوية التشاركية من أجل إدارة العالم المتعدد الأقطاب والحضارات الذي نراه ينبثق أمام أعيننا، فقد نصنع نهاية سعيدة بعد عشر سنوات، ونقوي قواعد السلوك العالمي التي ترسخت بعد 1945 وتضمنها ميثاق الأمم المتحدة. وبخلاف ذلك، فإذا أصرت كبرى العواصم وخصوصا في الولايات المتحدة وأوروبا على عدم التأقلم مع عالم متعدد الأقطاب والحضارات، فإننا سنعيش عالماً أشد اضطراباً. ستحكمه الفوضى. والحكمة تستدعي الاتجاه نحو النظام لا الفوضى. ثمة فسحة أمل، فلنقتنصها لخلق مستقبل أفضل لكل البشر، بما في ذلك أقلية الـ 12 بالمئة الذين يعيشون في الغرب.
لقراءة المزيد من المقالات ضمن هذه السلسلة: