قصة "الكركرات".. لماذا يتجدد التوتر بين المغرب والبوليساريو؟

time reading iconدقائق القراءة - 11
دبي-أنس عياش

في السادس من سبتمبر عام 1991، أنهى اتفاق وقف إطلاق النار نزاعاً مسلحاً دام 16 عاماً بين المغرب وجبهة البوليساريو في الصحراء، لتحدد الأمم المتحدة قرية "الكركرات" منطقة عازلة منزوعة السلاح بين طرفي النزاع تحت مراقبة قوات حفظ السلام التابعة لها "المينورسو".

والكركرات هي آخر نقطة حدودية من المناطق التي يسيطر عليها المغرب في الصحراء، لا يتعدى طولها 3.7 كيلومتراً، وتقع على بعد 11 كيلومتراً من الحدود مع موريتانيا.

وعلى مدى سنوات، كانت منطقة الكركرات التي تضم معبراً يربط المغرب بموريتانيا، مسرحاً لمناوشات بين المغرب وجبهة البوليساريو، كان آخرها ما جرى الشهر الماضي، عندما أغلقت الجبهة المعبر، وتدخل الجيش المغربي، الجمعة، لإعادة فتحه، وأعلن السيطرة على المنطقة بعد تبادل لإطلاق النار.

أزمة الشاحنات

في عام 2016، نشر الجيش المغربي قواته في المنطقة، إثر تحركات لعناصر تابعة للبوليساريو "لعرقلة مرور شاحنات البضائع نحو موريتانيا"، كما اندلعت توترات في المنطقة إثر إقامة البوليساريو مركزاً عسكرياً فيها، قبل أن يقرر المغرب في عام 2017، سحب قواته بناء على طلب من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

ومنذ أكتوبر الماضي، دخلت قوات تابعة للبوليساريو إلى المنطقة، وعمدت إلى منع تدفق حركة البضائع والأشخاص في المعبر الذي تعتبره الجبهة "غير شرعي"، وهي العملية التي وصفتها الخارجية المغربية في بيان بـ"أعمال قطع طرق"، وتحدثت عن "مضايقة المراقبين العسكريين".

ووجه نحو 200 سائق شاحنة مغربي الأسبوع الماضي، نداء استغاثة إلى كل من الرباط ونواكشوط، قالوا فيه إنهم عالقون في معبر الكركرات، بعدما "منعتهم ميليشيات تابعة للبوليساريو"، من عبور المنطقة أثناء عودتهم عبر الحدود البرية مع موريتانيا.

معبر استراتيجي

ويعد معبر الكركرات، طريقاً تجارياً يربط المغرب بموريتانيا، تتدفق عبره السلع الغذائية والمنتجات الزراعية على الخصوص.

ويقول الباحث في شؤون الصحراء، ومدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، عبد الفتاح الفاتحي، إن أهمية المعبر تكمن في كونه "طريقاً تجارياً دولياً للإمدادات الغذائية إلى موريتانيا وغيرها من الدول الإفريقية، تمر منه شاحنات تابعة لشركات متعددة الجنسيات".

وأضاف الفاتحي في حديث لـ"الشرق"، أن جبهة البوليساريو "أصبحت منزعجة في الآونة الأخيرة من هذا النشاط التجاري، ولذا باتت تعتبر المنطقة ثغرة غير شرعية، وهو ما لم يكن في دفوعاتها من قبل".

وفي سبتمبر الماضي، احتجت جبهة البوليساريو، على ما وصفته باستمرار فتح معبر الكركرات "غير الشرعي"، الذي اعتبرته "انتهاكاً" لبنود وقف إطلاق النار لعام 1991، إذ تقول الجبهة إنه "لم يكن للمعبر وجود عند توقيع اتفاق وقف إطلاق النار".

وأضافت الجبهة في بيان، أن استمرار وجود هذا المعبر، الذي يربط الصحراء بموريتانيا "غير قانوني".

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، دعا في أكثر من مناسبة، إلى السماح بمرور حركة مدنية وتجارية منتظمة في المنطقة، و"الامتناع عن أي إجراء قد يشكل تغييراً في الوضع القائم بالمنطقة العازلة".

وأشار مدير "مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية"، إلى أن البوليساريو "لم تنضبط لقرارات مجلس الأمن، بعدم انتهاك المنطقة العازلة، وواصلت انتهاكاتها في المنطقة العازلة التي تعتبرها أراضي محررة".

ولفت إلى أن "الجبهة باتت تهدد الدور الذي يضطلع به مراقبو بعثة المينورسو أيضاً، إذ حرضت على هذه البعثة واعتبرتها متواطئة، وهناك أدلة على استفزازات البوليساريو لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة".

المغرب يتدخل عسكرياً

وأعلن المغرب الجمعة، أنه قرر التحرك، وفي "احترام تام للسلطات المخولة له"، أمام "الاستفزازات الخطيرة وغير المقبولة لميليشيات البوليساريو" في المنطقة العازلة للكركرات في الصحراء، وذلك كما جاء في بيان لوزارة الخارجية، في وقت أكد الجيش أن العملية "غير هجومية ومن دون أي نية قتالية". 

وأعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة المغربية، في وقت لاحق، أنها أمّنت معبر الكركرات في الصحراء، بشكل كامل.

وأضافت، أن قوات جبهة البوليساريو "فتحت النار على القوات المسلحة الملكية التي ردت عليها"، مما أجبرها على الفرار دون تسجيل أي خسائر بشرية.

وأكدت القوات المغربية أن "معبر الكركرات أصبح الآن مؤمناً بشكل كامل من خلال إقامة حزام أمني، يؤمن تدفق السلع والأفراد عبر الممر الذي يربط بين المركزين الحدوديين".

قرارات مجلس الأمن

وكان قرار مجلس الأمن 2414 الصادر عام 2018، لتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء، أكد ضرورة الاحترام الكامل للاتفاقات العسكرية التي جرى التوصل إليها مع البعثة بشأن وقف إطلاق النار، كما عبر قلقه لوجود جبهة البوليساريو في المنطقة العازلة بالكركرات، ودعا إلى انسحابها الفوري.

وفي السادس من نوفمبر الجاري، انتقد العاهل المغربي الملك محمد السادس، إقدام جبهة البوليساريو على "عرقلة حركة النقل بين المغرب وموريتانيا" عبر معبر الكركرات.

وفي خطاب بمناسبة مرور 45 عاماً على "المسيرة الخضراء" التي استعاد فيها المغرب أقاليم الصحراء من الاستعمار الإسباني، شدد العاهل المغربي على "رفضه القاطع لمحاولة عرقلة حركة السير الطبيعي بين المغرب وموريتانيا، أو لتغيير الوضع القانوني والتاريخي شرق الجدار الأمني".

 دور القوات الأممية

وقال الخبير المغربي في القانون الدولي صبري لحو، إن المغرب "كان ينتظر أن تضطلع الأمم المتحدة وقوات المينورسو بدورها في حماية المنطقة، باعتبارها المسؤولة عن احترام اتفاق وقف إطلاق النار".

وأشار لحو في حديث لـ"الشرق"، إلى أن "تراخي المينورسو جعل المغرب يمهل الأمم المتحدة من أجل تنفيذ قراراتها، قبل أن يتدخل لحماية حقوقه على الأرض، وفرض استباب الأمن في المنطقة".

وفي يناير الماضي، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، مجدداً البوليساريو، إلى مغادرة المنطقة العازلة بالكركرات، وعدم عرقلة حركة السير المدنية والتجارية المنتظمة في هذه المنطقة.

وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، في مؤتمر صحافي:"نذكر بأن حركة السير المدنية والتجارية المنتظمة يجب ألا تتعرض للعرقلة، ولا يجوز اتخاذ أي إجراء من شأنه أن يشكل تغييراً للوضع القائم في المنطقة العازلة بالكركرات".

 وقال رئيس المركز المغربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، طارق أتلاتي، في حديث لـ"الشرق"، إن "ما يحدث اليوم، هو تدخل أمني وليس عسكري، بهدف تأمين معبر الكركرات الاستراتيجي الذي من خلاله تمر السلع إلى موريتانيا ودول غرب إفريقيا".

واعتبر أتلاتي أن "الاستفزازات كانت مستمرة لأكثر من 22 يوماً والجزائر تتفرج واليوم تستنكر، والمغرب يتصرف باعتباره دولة ذات سيادة، ولم يتدخل أمنياً إلا بعد أن أعلم الدول المعنية بالصراع، والأمم المتحدة على رأسهم".

ولفت إلى أن ما حصل في الكركرات من استفزازات نتجت عنه خسائر سياسية واقتصادية.

"ليسوا قطاع طرق"

في المقابل، قال ممثل جبهة البوليساريو ماء العينين لكحل، في تصريح لقناة "الشرق"، إن "المدنيين الذين قطعوا الطرق في معبر الكركرات، ليسوا قطاع طرق أو مرتزقة، بل هم مواطنون مدنيون يعانون منذ 45 عاماً التجاهل الدولي لمعاناتهم".

وأضاف أن "الشعب الصحراوي برمته يطالب جبهة البوليساريو بالتوقف عن التعاطي مع الأمم المتحدة، لأنها أثبتت فشلها في تحمل مسؤوليتها في هذا النزاع، واعتمدت بدلاً من ذلك سياسة التجاهل"، حسب تعبيره.

45 عاماً من النزاع

ويعد النزاع في الصحراء من أقدم النزاعات في إفريقيا، إذ استرجع المغرب الصحراء من الاستعمار الإسباني عام 1975، لتعلن جبهة البوليساريو في العام الموالي قيام "الجمهورية العربية الصحراوية" وتحمل السلاح، مطالبة بانفصال الإقليم الغني بالثروة السمكية والفوسفات، ويُعتقد أن به مكامن نفطية.

وكان اتفاق وقف إطلاق النار عام 1991 يقضي بتنظيم استفتاء حول تقرير مصير الصحراء، التي تطالب جبهة البوليساريو بانفصالها عن المغرب، لكن خطة الاستفتاء فشلت إثر خلاف حول من يحق لهم التصويت، لتدخل القضية حالة من الجمود تخللتها مفاوضات تقودها الأمم المتحدة، اقترح خلالها المغرب منح أقاليم الصحراء حكماً ذاتياً تحت سيادته، غير أن البوليساريو، ما زالت تتشبث بمطلب تنظيم استفتاء "تقرير المصير".