كازاخستان.. كيف أشعل الغاز الاضطرابات في أغنى دول آسيا الوسطى؟

time reading iconدقائق القراءة - 24
مواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين في مدينة أكتوبي بكازاخستان - 5 يناير 2022 - via REUTERS
مواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين في مدينة أكتوبي بكازاخستان - 5 يناير 2022 - via REUTERS
دبي -عزيز عليلو

تواجه كازاخستان أسوأ اضطربات اجتماعية منذ استقلال البلاد عقب انهيار الاتحاد السوفييتي قبل 30 عاماً، ما أثار قلق جيرانها وشركائها الاقتصاديين من انهيار استقرار المنطقة.

وعلى الرغم من اقتصاد البلاد القوي، واحتياطات البترول والغاز الكبيرة، والتي تضعها في مقدمة أغنى دول آسيا الوسطى، فإن موجة الاحتجاجات غير المسبوقة، اندلعت على خلفية ارتفاع أسعار الغاز.

وتشكل هذه الاحتجاجات أكبر تحدٍ للرئيس قاسم جومارت توكاييف منذ توليه السلطة في عام 2019، إذ فشلت قراراته بإقالة الحكومة وإعادة تخفيض الأسعار في تهدئة الاحتجاجات، التي تحولت إلى مواجهات وأعمال عنف، أسفرت عن سقوط عشرات الضحايا ومئات المصابين، في حين طلب الرئيس دعماً أمنياً من روسيا وحلفائها.

ماذا يحدث في كازاخستان؟

في الثاني من يناير، تضاعفت أسعار غاز البترول المسال الذي يستخدمه معظم سكان مدينة جاناوزين (غربي البلاد)، لتشغيل سياراتهم، ليخرجوا للتظاهر في الشوارع. وسرعان ما تمددت حركة الاحتجاجات إلى مدن مجاورة. وفي غضون أيام، انتشرت في باقي أنحاء البلاد.

وتصاعدت الاحتجاجات، الأربعاء الماضي، على نحو سريع وواسع النطاق، إذ اقتحم محتجون مباني حكومية في أكبر مدن البلاد ألما آتا، وأضرموا النيران فيها.

وبحسب "فرانس برس"، قُتل "عشرات" المتظاهرين بأيدي الشرطة وجرح نحو ألف آخرين ليل الأربعاء أثناء محاولتهم الاستيلاء على مبانٍ إدارية، فيما أفادت الشرطة في كازاخستان، الخميس، بمصرع 18 من عناصرها وجرح 748 آخرين.

كيف تعاملت السلطات مع الاحتجاجات؟

في 4 يناير، حض الرئيس قاسم جومارت توكاييف السكان على "اليقظة" و"عدم الرضوخ للاستفزازات".  وفي اليوم ذاته، أعلنت الحكومة خفض سعر الغاز، دون أن يسهم ذلك في تهدئة الشارع.

وأعلن الرئيس حالة الطوارئ في ألما آتا وفي مقاطعة مانجيستاو، وكذلك في العاصمة نور سلطان اعتباراً من الأربعاء، مع فرض حظر تجول ليلي.

كذلك أفادت تقارير بانقطاع خدمة الإنترنت وتعطيل الوصول إلى تطبيقات المراسلة "واتساب" و"تيليجرام" و"سيجنال".

وفي وقت لاحق الأربعاء، أقال الرئيس الحكومة ورئيس الوزراء، وحل مكانه مؤقتاً نائب رئيس الوزراء علي خان سميلوف.

على الرغم من القرارات الحكومية، زادت حدة الاحتجاجات، واقتحم المتظاهرون المقر الرئاسي، وأضرموا النار فيه، وسيطروا لفترة وجيزة على المطار.

وتعهد الرئيس عقب ذلك بـ"رد حازم"، وأعلن، مساء الأربعاء، أنه سيتولى رئاسة مجلس الأمن النافذ الذي كان يتولاه حتى ذلك الحين الرئيس السابق نور سلطان نزاربايف. كما أعلن تمديد حالة الطوارئ لتشمل كل البلاد.

طلب توكاييف، الأربعاء، من روسيا إرسال قوات تابعة لـ"منظمة معاهدة الأمن الجماعي" وهو تحالف أمني يضم الجمهوريات السوفييتية السابقة تقوده موسكو. واتهم الرئيس من وصفهم بـ "إرهابيين مدربين في الخارج" بالمسؤولية عن الاضطرابات.

وفي السادس من يناير، أعلنت أمانة منظمة معاهدة الأمن الجماعي، انتشار وحدات متطورة من قوات حفظ السلام الروسية في كازاخستان، مضيفة أنها بدأت بالفعل في تنفيذ المهام التي كُلفت بها.

وتتمثل المهمة الرئيسية لهذه القوات التي تشمل وحدات من القوات المسلحة لروسيا وبيلاروسيا وأرمينيا وطاجيكستان وقرغيزستان، الدول الخمس الأخرى الأعضاء في المنظمة، في "حماية المنشآت الحكومية والعسكرية المهمة ومساعدة قوات حفظ النظام (...) على استقرار الوضع".

وفي محاولة جديدة لتهدئة الشارع، أمر الرئيس، الخميس، بتحديد سقف لأسعار الوقود لمدة ستة أشهر، لكن الاحتجاجات استمرت.

ماذا وراء غضب المتظاهرين؟

وبينما اندلعت الاحتجاجات للمرة الأولى بمدينة جاناوزين بسبب ارتفاع أسعار الغاز، قالت وكالة "أسوشيتد برس"، إن الاحتجاجات تعود إلى "شرارة غضب قديم لسكان المدينة بسبب الإحساس بأن ثروات الطاقة في المنطقة لا يستفيدون منها بشكل عادل".

وأشارت الوكالة إلى أنه في عام 2011، قتلت الشرطة بالرصاص ما لا يقل عن 15 شخصاً في المدينة ذاتها كانوا يحتجون دعماً لعمال نفط فُصلوا من عملهم بسبب الإضراب.

بدورها، قالت "رويترز" إن  المتظاهرين يتهمون عائلة الرئيس السابق نور سلطان نزارباييف وحلفاءها باحتكار ثروة ضخمة من النفط والمعادن، في حين يعاني سكان البلد من الفقر.

 عزيز أبيشيف الكاتب والباحث المقيم في العاصمة الكازاخية نور سلطان قال لـ"الشرق"، إن التظاهرات تعكس استياء الشعب من الحكومة المقالة، مشيراً إلى أنها "لم تقم بجهود كافية لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية" منذ بداية جائحة كورونا.

وبشأن ما إذا كان الرئيس قاسم جومارت توكاييف يتحمل أيضاً مسؤولية الوضع الاقتصادي، قال الباحث في شؤون كازاخستان إن "الرئيس بالتأكيد يتحمل جزءاً من المسؤولية، لكن الحكومة كانت في منصبها قبل انتخاب الرئيس في عام 2019".

وتابع: "هذه المشكلات الاقتصادية هي نتيجة لأزمة اقتصادية عالمية بسبب كورونا. فاقتصاد البلاد يعتمد على النفط، لذا نرى مشكلات التضخم وارتفاع الأسعار تحدث في عدة دول". 

وبخصوص استمرار الاحتجاجات حتى بعد إقالة الحكومة، قال أبيشيف إنه "لا توجد اتجاهات واضحة قد تؤول إليها الأمور. هذه مشكلة اقتصادية كبيرة، ولا يمكننا أن نجد مخرجاً مباشراً لإنقاذ البلاد من الأزمة".

وأوضح أن "الوضع يعتمد على رئيس الوزراء الجديد وإن كان بمقدرته احتواء الوضع. التوقعات صعبة. وعلينا أن ننتظر رئيس الوزراء الجديد ومجلس الوزراء الجديد الذي سيتشكل خلال أيام".

ولفت إلى أن "التحدي الأكبر بالنسبة للحكومة القادمة سيكون هو السيطرة على التضخم، والذي أدى إلى ارتفاع الأسعار، بعد ذلك سيكون على الحكومة الجديدة التجاوب مع مطالب المتظاهرين وإنهاء احتكار الثرواث من قبل فئة لا يهمها مصلحة البلد والمواطنين". 

من يقود التظاهرات؟

وتبدو التظاهرات الحالية في كازاخستان بدون قيادة، بينما زعم الرئيس توكاييف أن وراءها "إرهابيين مدربين في الخارج"، في حين تتهم تقارير روسية، الولايات المتحدة، بالوقوف وراء هذه الاحتجاجات.

باسل الحاج جاسم، باحث في شؤون آسيا الوسطى والقوقاز قال لـ"الشرق"، إنه "لا يمكن الحكم في الوقت الراهن على حقيقة الاحتجاجات، "إن كانت عفوية بسبب زيادة الأسعار، أم أن هناك جهات أجنبية وراءها".

وأضاف الباحث المقيم في العاصمة الهولندية أمستردام، أنه من "اللافت حتى اللحظة غياب شخص أو نقابة أو تنظيم يقود الاحتجاجات، ويقدم مطالب محددة باسم المتظاهرين. هذا يجعلنا أمام مشهد غير تقليدي، لا توجد فيه معارضة تقود الشارع مقابل السلطة". 

وأوضح أن "الاحتجاجات جاءت بعد تراكمات من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لذلك لم تتوقف الاحتجاجات حتى بعد إقالة الحكومة وإعادة خفض أسعار الغاز، بل إن هذه الاحتجاجات تصاعدت أكثر". 

وأضاف جاسم أن "سيطرة المتظاهرين على مرافق استراتيجية منها مطار مدينة ألما آتا تثير الكثير من علامات الاستفهام"، مشيراً إلى أن ذلك "قد يكون السبب الذي دفع رئيس البلاد لوصفهم بجماعات إرهابية".

وبخصوص الاتهامات الروسية للولايات المتحدة، قال جاسم إن "هذه الاتهامات ليست جديدة، مضيفاً: "في السنوات الأخيرة، تواترت تقارير روسية تتهم الولايات المتحدة بتمويل كيانات ومنظمات وأفراد في كازاخستان وتحذر من أن واشنطن قد تنشّط هذه الجماعات يوم ما لقيادة احتجاجات مشابهة للثورات الملونة التي سبق أن جرت في أوكرانيا وجورجيا". 

ولفت إلى أن "كازاخستان أقوى اقتصاد ضمن الدول السوفييتية السابقة بعد روسيا، كما أنها الدولة السوفييتية السابقة الوحيدة التي لم تشهد أي نزاعات عرقية أو اضطرابات اجتماعية عنيفة منذ استقلالها"، مضيفاً أن"اندلاع هذه الاضطرابات بالتزامن مع أزمة أوكرانيا يغذي الاتهامات الروسية بوقوف الولايات المتحدة وراء الاحتجاجات".

واعتبر الباحث، أنه "حتى اللحظة لا يمكن الجزم بهوية محركي الاحتجاجات، لأن المظاهرات تبدو أنها جاءت بعفوية ومرتبطة بتأزم الظروف المعيشية، لكن ربما قد يتغير المشهد في الأيام المقبلة ببروز قيادة تمثل المتظاهرين وتتفاوض باسمهم".

الثروات مقابل السكان

بينما اندلعت الاحتجاجات الأخيرة بسبب ارتفاع أسعار الغاز، فإن كازاخستان شهدت خلال السنوات الأخيرة اضطرابات اجتماعية أقل حدة بسبب الغضب من الفساد المستشري في الحكومة، وعدم استفادة كل طبقات المجتمع من الثروات الطبيعية للبلاد،وفقاً لمحطة "سي إن إن" الأميركية.

ثروات معدنية

وتعتبر كازاخستان الدولة الأقوى اقتصادياً في آسيا الوسطى نظراً لثرواتها الطبيعية الهائلة، التي تشمل النفط والغاز والنحاس والفحم واليورانيوم، وفقاً لوكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه"، إذ يبلغ ناتج البلاد المحلي 60% من إجمالي ناتج المنطقة.

وتعد البلاد أكبر منتج للنفط بين الجمهوريات السوفييتية السابقة بعد روسيا، ويبلغ احتياطها من النفط الخام 30 مليار برميل، ما يجعلها صاحبة ثاني أكبر احتياطي في المنطقة بعد روسيا، بحسب وزارة التجارة الأميركية. وتوجه كازاخستان معظم صادراتها من النفط إلى الصين.

اجتذب تطوير البترول والغاز الطبيعي واستخراج المعادن أكثر من 40 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي منذ عام 1993. ومع ذلك، لا يوجد سوى ثلاث مصافٍ للبترول في كازاخستان.

تمتلك كازاخستان أيضاً احتياطات من الغاز الطبيعي المؤكدة تتجاوز 3 تريليونات متر مكعب، فيما تفيد التوقعات بأن الاحتياطات قد تفوق 5 تريليونات متر مكعب، وفقاً لوزارة التجارة الأميركية.

وبحسب "بلومبرغ"، فإن كازاخستان تنتج أكثر من 40% من اليورانيوم في العالم، ما يجعلها الموردة الأولى لليورانيوم عالمياً. كما يتوفر لديها ثاني أكبر احتياطي في العالم من اليورانيوم والفضة.

وأظهر مسح جيولوجي أنجزته الولايات المتحدة أن كازاخستان تمتلك أيضاً أكبر احتياطات معدن الكروم في العالم، بنسبة 86%.

ووفقاً لموقع  Chambers and Partners، فإن كازاخستان تمتلك ثالث أكبر احتياطي في العالم من معدن المنجنيز، ورابع أكبر احتياطي من الزنك، وخامس أكبر احتياطي من الحديد، إضافة إلى ثامن أكبر احتياطي عالمي من القصدير.

مساحة شاسعة

وتعد كازاخستان أكبر دولة غير ساحلية في العالم، وتاسع أكبر دولة في العالم، إذ تفوق مساحتها الإجمالية 2.7 مليون كيلومتر مربع.

ولدى كازاخستان شمالاً وغرباً حدود مشتركة مع روسيا بطول 7591 كيلومتراً، وشرقاً حدود مشتركة مع الصين بطول 1783 كيلومتراً، وجنوباً مع قرغيزستان بطول 1242 كيلومتراً.

كما تتشارك كازاخستان حدوداً مع أوزبكستان بطول 2351 كيلومتراً، وتركمانستان بطول 426 كيلومتراً. ويبلغ إجمالي طول حدود كازاخستان البرية 13200 كيلومتر.

وتحتل الصحاري جزءاً كبيراً من أراضي البلاد بنسبة 44%، أما المناطق شبه الصحراوية، فتبلغ نسبة مساحتها 14%. وتشغل السهوب نسبة 26%  من مساحة كازاخستان، فيما تغطي الغابات نسبة 5.5 % من مساحة البلاد.

ويوجد في كازاخستان 49 نهراً. ويدخل الجزء الشمالي الشرقي من مياه بحر قزوين ضمن حدود الجمهورية. أما مياه بحر آرال فتتقاسمها كازاخستان وأوزبكستان.

تعداد السكان

ومقابل الثروات الطبيعية الهائلة والمساحة الضخمة، توجد في كازاخستان واحدة من أقل كثافة سكانية في العالم، إذ لا يتجاوز عدد السكان في البلاد 19.3 مليون نسمة، بحسب صندوق النقد الدولي.

وفي حين أن الثروات الطبيعية لكازاخستان ساعدت على تكوين نخبة ثرية في البلاد، فإن المصاعب المالية منتشرة على نطاق واسع وسط المجتمع، إذ تشير "أسوشيتد برس" إلى أن متوسط الراتب الشهري في كازاخستان أقل من 600 دولار.

وبحلول 2018، بلغت نسبة سكان كازاخستان القاطنين في المناطق الحضرية 57.4%. أما في الأرياف، فقد بلغت 42.6%. وبلغ عدد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة والتاسعة عشرة مليونين و243 ألفاً و729 طفلاً في المناطق الحضرية، مقابل مليونين و29 ألفاً و124 طفلا ً في المناطق الريفية .

وووفقاً لتقرير مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فإن كازاخستان شهدت على مدى السنوات الأخيرة ارتفاعاً في معدل النمو الطبيعي للسكان بفضل ارتفاع معدلات الولادة والانخفاض النسبي في معدلات الوفيات، فضلاً عن ارتفاع متلازم في معدل التعمير لدى المسنين. 

وبلغ معدل النمو الطبيعي للسكان في عام 2017، ما يوازي 14.5%. ويعزى المصدر الرئيسي لهذا النمو إلى ارتفاع معدل الخصوبة، ما يقابله (21.64 مولود لكل ألف شخص في عام 2017) والانخفاض النسبي في معدل الوفيات إلى (7.15 حالات وفاة لكل ألف شخص في عام 2017).

تنوع إثني

بحلول مطلع عام 2018، كانت تركيبة كازاخستان الإثنية تضم ما يزيد على 125 قومية وجماعة عرقية، بتحسب تقرير مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان. وهذه أبرزها:

  • الكازاخ (12.3 مليون شخص 67.5%)
  • الروس (3.6 مليون شخص 19.8%)
  • الأوزبك  (577 ألف شخص 3.2%)
  • الأوكرانيون (278 ألف شخص 1.5 %)
  • الإيجور (265 ألف شخص 1.5%)
  • التتار 202 ألف شخص 1.1%)
  • الألمان (179 ألف شخص 1.0%)

تنوع لغوي

الكازاخية هي لغة الدولة الرسمية، وتنتمي إلى أسرة اللغات التركية ذات الصلة باللغات الأوزبكية والقرغيزية والتركمانية والتركية، بحسب تقرير وكالة "سي آي إيه".

ولا تزال الروسية تحتفظ بدورها بوصفها لغة تواصل مشترك بين مختلف الجماعات القومية وتستخدم على نطاق واسع في المناطق الحضرية، في حين أن الكازاخية تظل لغة التخاطب الأساسية بين سكان الريف.

أما اللغة الإنجليزية، فتستخدم أساساً لأغراض التعامل التجاري الدولي للجمهورية.

ويتكلم الإيجور والكوريون وممثلو الأقليات القومية الأخرى المقيمون في كازاخستان لغاتهم القومية ولهجاتهم المحلية الخاصة بهم.

من يحكم كازاخستان؟

اُعتمد أول دستور لكازاخستان لما بعد الاستقلال في عام 1993 ليحل محل دستور الحقبة السوفييتية الذي كان ساري المفعول منذ عام 1978، قبل اعتماد دستور جديد عام 1995، بحسب "سي آي إيه".

وأُدخلت على دستور 1995 تعديلات وإضافات أربع مرات، كان آخرها تعديل اقترحه الرئيس نور سلطان نزارباييف عام 2017، تقلصت بموجبه صلاحيات الرئيس ومُنحت سلطات أوسع للبرلمان وللحكومة. 

لكن على الرغم من ذلك ظل نور سلطان نزارباييف يحتفظ بسلطات كاسحة حتى بعد استقالته بشكل مفاجئ في 2019، وذلك من خلال منصبه كرئيس لمجلس الأمن الوطني وترؤسه الحزب الحاكم، بحسب "رويترز" التي أشارت إلى أن صورته موجودة بالفعل على عملة البلاد.

نزارباييف.. نفوذ مدى الحياة 

حكم نزارباييف، كازاخستان منذ 1989 عندما كانت جزءاً وقتئذ من الاتحاد السوفييتي إذ كان يفوز تباعاً في الانتخابات بنسبة أصوات تزيد على 90%، ويعتبر آخر زعماء الحقبة السوفييتية.

في مارس 2019، استقال نزارباييف بشكل مفاجئ بعد 30 عاماً في السلطة، في خطوة بدت أنها تحول سياسي غير كامل، إذ ظل يحتفظ بنفوذ كبير عقب استقالته.

نزارباييف استطاع الاحتفاظ بنفوذه بفضل قانون مجلس الأمن الذي تم اعتماده في  5 يوليو 2018، والذي يحدد الوضع القانوني لمجلس أمن جمهورية كازاخستان واختصاصه وتنظيم نشاطه.

وينص القانون على أنه ”يعود لأول رئيس لجمهورية كازاخستان، نظراً لمهمته التاريخية (في تأسيس الدولة)، الحق في رئاسة مجلس الأمن مدى الحياة“.

وبحسب نص القانون، فإن مجلس الأمن هيئة دستورية "ينشئها رئيس جمهورية كازاخستان بهدف تنسيق تنفيذ سياسة موحدة للدولة في مجال الأمن والدفاع الوطني بغية الحفاظ على الاستقرار السياسي الداخلي، وحماية النظام الدستوري، واستقلال الدولة، والسلامة الإقليمية والمصالح الوطنية لكازاخستان على الساحة الدولية".

وكان النفوذ المتواصل لنزارباييف، الذي شاخ في السلطة، حتى بعد تنحيه عن الرئاسة ضمن الأسباب التي أغضبت المحتجين، إذ رفع المتظاهرون شعار !Shal ket (الرجل العجوز إرحل!)، في إشارة إلى لنزارباييف الذي يبلغ من العمر 81 عاماً، بحسب "أسوشيتد برس".

الرئيس الجديد.. حليف "زعيم الأمة"

وقال نزارباييف، في خطاب استقالته، إنه سيسلم الرئاسة إلى حليفه الوثيق قاسم جومارت توكاييف، ليكمل ما تبقى من فترة الرئاسة والتي تنتهي رسمياً في أبريل 2020.

وكان توكاييف يشغل آنذاك منصب رئيس مجلس الشيوخ، وهو دبلوماسي محترف تلقى تعليمه في موسكو ويتحدث الروسية والإنجليزية والصينية بطلاقة، وشغل من قبل منصب وزير خارجية ورئيس وزراء كازاخستان.

وفي 20 مارس 2019، أدى توكاييف اليمين الدستورية رئيساً مؤقتاً لكازاخستان، وانتخبت داريجا نزارباييف الابنة الكبرى للرئيس السابق رئيسة للمجلس الأعلى بالبرلمان وهو ثاني أهم منصب في البلاد بعد الرئيس.

وكان من بين أول قرارات الرئيس الجديد تغيير اسم العاصمة إلى نور سلطان تكريماً لنزارباييف. كما أُطلق اسم نزارباييف على مطار العاصمة وشارع رئيسي في وسط ألما آتا أكبر مدن كازاخستان.

وأفادت "رويترز" نقلاً عن مصادر مطلعة بأن الرئيس الجديد والرئيس السابق كانا يعملان معاً في القصر الرئاسي رغم وجود مكتب نزارباييف الجديد بصفته رئيس مجلس الأمن في مبنى آخر.

وبحسب المصادر ذاتها، فإن الاتفاق الذي كان بينهما نص على أن يظل توكاييف ‬‬‬‬‬‬رئيساً للبلاد من خلال انتخابات مبكرة مقابل استمرار سياسية نزارباييف، واستمرار الغموض السياسي بشأن انسحاب الرئيس السابق من المشهد.

وفي يونيو 2019، فاز قاسم جومرت توكاييف في الانتخابات الرئاسية المبكرة بحصوله على 70.8% من الأصوات، فيما نُظمت تظاهرات كبيرة تدعو إلى إلغاء الانتخابات باعتبار أن نتيجتها كانت محسومة سلفاً.

واعتبرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن الانتخابات لم تكن ديمقراطية، فيما أشادت روسيا والصين بـ "الانتقال السلس للسلطة".

صلاحيات الحكومة

بحسب الدستور الحالي، فإن رئيس جمهورية كازاخستان يشكل الحكومة على النحو التالي:

  • يطرح الرئيس على مجلس نواب البرلمان، بعد التشاور مع كتل الأحزاب السياسية الممثلة في الحكومة، ترشيح رئيس الوزراء لينظر المجلس في هذا الترشيح ويمنح موافقته.



  • بعد ذلك، يعلن الرئيس عن تشكيلة الحكومة باقتراح من رئيس الوزراء المعين، ثم تحال التشكيلة إلى مجلس النواب من أجل التشاور، قبل أن يعين الرئيس أعضاء الحكومة رسمياً.



  • وبحسب الدستور، فإن الرئيس ينفرد بتعيين وزراء الخارجية والدفاع والداخلية بشكل مستقل.

وتدخل ضمن اختصاصات الحكومة، رسم الاتجاهات الرئيسية للسياسة الاجتماعية والاقتصادية للدولة، وقدرتها الدفاعية وأمنها، وحماية نظامها العام، وتتولى تنفيذ تلك التدابير.

ويضطلع رئيس الوزراء بتنظيم و إدارة عمل الحكومة، و يتولى شخصياً مسؤولية أدائها، و يوقع المراسيم الصادرة عن الحكومة، ويرفع التقارير إلى رئيس الدولة والبرلمان بشأن الاتجاهات الرئيسية لعمل الحكومة وأهم قراراتها كافة.

وبحسب الدستور، "يتخذ أعضاء الحكومة قراراتهم باستقلالية في نطاق اختصاصهم وهم مسؤولون شخصياً أمام رئيس الوزراء عن عمل الهيئات الحكومية الخاضعة لهم". وأي عضو من أعضاء الحكومة لا يتفق مع السياسة التي تنتهجها الحكومة أو لا ينفذها يستقيل أو يُعفى من منصبه. وتقدم الحكومة استقالتها أمام مجلس النواب.

ما صلاحيات البرلمان؟

يعرف الدستور الحالي البرلمان بكونه "الهيئة العليا الممثلة للسلطة التشريعية في الجمهورية"، و يتألف البرلمان من غرفتين: مجلس الشيوخ ومجلس النواب.

ويسن البرلمان القوانين ويدخل عليها التعديلات والإضافات، ويصدق على المعاهدات الدولية التي تلتزم بها كازاخستان ويلغيها.

وتشمل صلاحيات البرلمان البث في المسائل المتعلقة بالحرب والسلم، ويتخذ بناء على اقتراح رئيس الجمهورية قراراً باستخدام القوات المسلحة للوفاء بالالتزامات الدولية إزاء حفظ السلم والأمن.

ويحق لمجلس النواب بأكثرية أعضائه وبمبادرة من خمس مجموعه على الأقل حجب الثقة عن الحكومة.

وبحسب الدستور، فإنه يجوز لرئيس الجمهورية حل البرلمان أو مجلس النواب بعد التشاو ر مع رئيسي مجلسي البرلمان ورئيس الوزراء .

الأحزاب السياسية

وبحسب وكالة "رويترز" فإن برلمان كازاخستان يخلو من المعارضة إلى حد بعيد وتضيق السلطات الخناق على الأصوات المعارضة من خلال السيطرة على وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، فيما يسيطر حزب  نور الوطن ”نور أوتان“ على السلطة منذ عقود.

ووفقاً لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، توجد في كازاخستان حالياً سبعة أحزاب سياسية مسجلة، تعكس طائفة واسعة من الآراء السياسية المختلفة لمواطني كازاخستان:

  • حزب نور الوطن ”نور أوتان“. 
  • الحزب السياسي ”بيرليك“.
  • الحزب الوطني الديمقراطي الشعبي ”أويل“.
  • الحزب ا لديمقراطي الكازاخي ”أكجول“. 
  • الحزب الشيوعي الشعبي الكازاخي.
  • الحزب الاشتراكي الديمقراطي الاجتماعي.
  • الحزب الديمقراطي الكازاخي ”أزات". 

وبحسب المكتب، فإن الدستور يضمن للكتل الحزبية في البرلمان صلاحيات واسعة. ويتشاور رئيس الدولة مع كتل الأحزاب السياسية بشأن مرشحي رئاسة الوزراء.

وعلى الرغم من أن تشكيل الحكومة يتم بناء على اقتراح رئيس الوزراء، يقول المكتب، إن التشكيلات الحكومية تتوقف في كازاخستان أساساً على موازين القوى الحزبية.

تصنيفات