تفاصيل "الخطة الفاشلة" للانسحاب الأميركي من أفغانستان

time reading iconدقائق القراءة - 11
الرئيس الأميركي جو بايدن خلال خطاب عن جهود الإجلاء والوضع في أفغانستان، البيت الأبيض، 20 أغسطس 2021 - REUTERS
الرئيس الأميركي جو بايدن خلال خطاب عن جهود الإجلاء والوضع في أفغانستان، البيت الأبيض، 20 أغسطس 2021 - REUTERS
دبي-الشرق

قالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، إن "سوء تقدير وفشل في حسابات" الرئيس الأميركي جو بايدن، أدّى إلى الفوضى التي أعقبت عملية الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

وأشارت الصحيفة إلى مقابلات أجرتها مع المشاركين الرئيسيين في الأيام الأخيرة من الحرب، تُظهر "سلسلة من سوء التقدير وفشل حسابات بايدن"، بأن سحب الجنود الأميركيين قبل إجلاء المواطنين الأميركيين والحلفاء الأفغان، سيؤدي إلى انسحاب منظم.

وذكرت أن مسؤولي إدارة بايدن عقدوا أكثر من 50 اجتماعاً بشأن أمن السفارة وعمليات الإجلاء، واعتقدوا باستمرار أن لديهم متسعاً من الوقت، لكن التخطيط فشل في منع الفوضى عندما استولت "طالبان" على كابول خلال أيام قليلة. وقالت إن الإدارة غيّرت مسارها عن خطتها الأصلية، "إلّا أن الأوان كان قد فات".

مضمون الخطة

وعرضت نيويورك تايمز، الخطة التي أعدّتها إدارة بايدن للانسحاب منذ إعلانه في أوائل أبريل، وقالت إن كبار مسؤولي الأمن القومي اجتمعوا في البنتاجون يوم 24 أبريل، لعقد اجتماع سري هدفه وضع هذه الخطة.

وكشفت في تقريرها عن تفاصيل عدّة تتعلق بخطة الانسحاب، جاء فيها: "في غرفة آمنة تحت أرض المبنى، التقى وزير الدفاع لويد أوستن ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي، مع كبار مسؤولي البيت الأبيض والاستخبارات، وانضم إليهم وزير الخارجية أنطوني بلينكن عبر الفيديو كونفرنس".

وأضافت: "بعد 4 ساعات، اتضح أمران: أولاً، قال مسؤولو البنتاجون إن بإمكانهم سحب القوات الأميركية المتبقية البالغ عددها 3500 جندي، من قاعدة (باجرام) الجوية في أفغانستان، بحلول 4 يوليو، أي قبل شهرين من الموعد النهائي للانسحاب المحدد في 11 سبتمبر".

ولفتت التفاصيل إلى أن الأمر الثاني، يتعلق باقتراح مسؤولي وزارة الخارجية، بإبقاء السفارة في كابول مفتوحة، مع استمرار أكثر من 1400 أميركي وسط حماية بواسطة 650 من مشاة البحرية والجنود. 

وأشار تقرير نيويورك تايمز، إلى أنه عُرض خلال الاجتماع تقييم استخباراتي قدّر أن القوات الأفغانية قد تصطدم بحركة طالبان لمدة سنة أو سنتين بعد الانسحاب.

وكان هناك حديث موجز عن خطة إخلاء طارئة تشمل مروحيات تنقل الأميركيين إلى مطار كابول، لكن أحداً لم يُثِر أو يتخيل ما الذي ستفعله الولايات المتحدة إذا سيطرت طالبان على الوصول إلى المطار، الطريقة الوحيدة الآمنة لدخول البلاد والخروج منها بمجرد إغلاق "باجرام".

ووفق الصحيفة، خلص المجتمعون إلى أن الخطة كانت جيدة. لكن بعد 4 أشهر، كانت الخطة في حالة من الفوضى.

سوء تقدير

وقالت نيويورك تايمز، إن القادة العسكريين الأميركيين بالغوا في تقدير إرادة القوات الأفغانية للقتال من أجل بلدهم، وقللوا من شأن مدى تدمير الانسحاب الأميركي ثقتهم.

وشرحت أنه بعد 5 أيام من اجتماع البنتاغون، قال الجنرال ميلي للصحافيين، إن القوات الأفغانية "مجهزة بشكل جيد ومدربة بشكل معقول وتملك قيادة جيدة".

ورفض الإفصاح عما إذا كان بإمكانها الصمود بمفردها بلا دعم من الولايات المتحدة، قائلاً: "بصراحة لا نعرف بعد. علينا أن ننتظر ونرى كيف ستتطور الأمور خلال الصيف". 

هذا الغموض ردده كبار ضباط الاستخبارات، وقدموا سراً مخاوفهم بشأن القدرات الأفغانية، لكنهم ظلوا يتوقعون أن استيلاء طالبان الكامل على السلطة لم يكن مرجحاً قبل 18 شهراً على الأقل، أما على أرض الواقع، فكانت الحركة تستجمع قوتها بشكل منهجي.

وتزايدت مخاوف المجموعات الأميركية لدعم اللاجئين مما كان يحدث على الأرض في أفغانستان، وخشيت انتقام طالبان من قرابة 100 ألف مترجم أفغاني وعائلاتهم، وغيرهم ممن ساعدوا الولايات المتحدة في الحرب.

وناشدت تلك المجموعات مسؤولي البيت الأبيض، إجلاء "المترجمين الأفغان"، وحثتهم على عدم الاعتماد على برنامج التأشيرات البطيء الذي قد يجعل هؤلاء ينتظرون شهوراً أو سنوات، فيما يجب إبعادهم بسرعة لإنقاذ حياتهم.

ووفقاً لأحد ممثلي واحدة من تلك المجموعات، كان الرد ودياً لكن غير ملزم، وقال إن "شعوراً بالغرق" انتابه بعدما تلمّس أن البيت الأبيض "لا يملك خطة"، حسب ما ذكرت نيويورك تايمز.

غني يطلب.. وبايدن يرد

وذكّرت الصحيفة بالاجتماع الأخير بين بايدن والرئيس الأفغاني أشرف غني في البيت الأبيض يوم 25 يونيو، ونقلت عن مسؤول مُطّلع على اللقاء إن غني كان لديه 3 طلبات.

وقال المسؤول إن غني طلب أن تكون الولايات المتحدة "محافظة" في منح تأشيرات السفر للمترجمين، و"متواضعة" في مغادرتها البلاد حتى لا يبدو الأمر كما لو أن أميركا تفتقر الثقة في حكومته.

وتمثل الطلب الثالث في تسريع المساعدة الأمنية وتأمين اتفاق يضمن استمرار الجيش الأميركي بشن ضربات جوية وتوفير المراقبة من طائراته ومروحياته للقوات الأفغانية التي تقاتل طالبان.

وبحسب الصحيفة، وافق بايدن على تقديم الدعم الجوي، لكنه قدّم في المقابل طلبه الخاص من غني، إذ قال له إن "القوات الأفغانية منهكة جداً ويجب ألا تحاول القتال في كل مكان". وكرر بايدن النصيحة بأن يوحّد غني القوات الأفغانية حول المواقع الرئيسية، لكن الأخير لم يأخذ نصيحة نظيره الأميركي في الاعتبار. 

حصار بايدن

وبعد أسبوع، في 2 يوليو، جمع بايدن مجموعة من المراسلين للاحتفال بأرقام الوظائف الجديدة التي قال إنها تظهر أن خطته للتعافي الاقتصادي كانت ناجحة. لكن كل الأسئلة التي تلقاها كانت بشأن إغلاق قاعدة "باجرام"، فأجاب بأن "هذا انسحاب عقلاني مع حلفائنا، لذلك لا يوجد شيء غير عادي بشأنه".

ولكن مع استمرار الأسئلة حول أفغانستان بدلاً من الاقتصاد، بدا بايدن منزعجاً بشكل واضح، واستذكر زيارة غني قائلاً: "أعتقد أن (الأفغان) لديهم القدرة على الحفاظ على الحكومة"، رغم أنه أضاف أنه يجب أن تكون هناك مفاوضات مع طالبان.

ومع تعرضه للضغط بشأن ما ستفعله إدارته لإنقاذ كابول إذا تعرضت لهجوم مباشر، أشار بايدن إلى وجود خطة طوارئ "لكن على الأفغان أن يكونوا قادرين على القيام بذلك بأنفسهم بالقوات الجوية التي لديهم، والتي نساعدهم في الحفاظ عليها".

لكن الصحيفة، أشارت إلى أنه بحلول ذلك الوقت، كان معظم المتعاقدين الأميركيين الذين ساعدوا في إبقاء الطائرات الأفغانية في حالة طيران قد تم سحبهم مع القوات الأميركية من "باجرام"، واعترف المسؤولون العسكريون والاستخباراتيون بأنهم قلقون من أن الأفغان لن يتمكنوا من البقاء في الجو.

وبحلول 8 يوليو، كانت كافة القوات الأميركية تقريباً خارج أفغانستان، فيما واصلت طالبان سيطرتها على البلاد. وفي خطاب ألقاه في ذلك اليوم من البيت الأبيض مدافعاً عن قرار الانسحاب، كان بايدن في "مأزق" بين محاولة التعبير عن شكوكه في قدرات القوات الأفغانية، والحرص على عدم تقويض حكومتها.

وردّ بغضب على مقارنة أحد المراسلين الانسحاب من أفغانستان بالانسحاب من فيتنام، وجزم بأنه "لن يكون هناك ظرف ترى فيه أشخاصاً يُرفعون من فوق سطح سفارة للولايات المتحدة من أفغانستان. إنه  أمر غير قابل للمقارنة على الإطلاق".

لكن بعد 5 أيام، أرسل حوالى 20 دبلوماسياً أميركياً في سفارة كابول، برقية مباشرة إلى بلينكن، حضّت على أن تبدأ رحلات إجلاء الأفغان خلال أسبوعين، وأن تتحرك الإدارة بشكل أسرع لتسجيلهم للحصول على تأشيرات سفر. وفي اليوم التالي، أطلق البيت الأبيض عملية الإجلاء.

تقييم استخباراتي خاطئ

وذكرت الصحيفة، أن رئيس القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكينزي، تلقّى بحلول أواخر يوليو، إذناً من وزير الدفاع لويد أوستن لتمديد انتشار السفينة الهجومية البرمائية "Iwo Jima" في خليج عُمان، بحيث يمكن لقوات المارينز الموجودة على متنها أن تكون قريبة بما يكفي للوصول إلى أفغانستان لإجلاء الأميركيين.

وبعد أسبوع، كان أوستن قلقاً بما يكفي لأمر الوحدة الاستكشافية على متن السفينة (حوالي 2000 من مشاة البحرية) بالنزول والانتظار في الكويت حتى تتمكن من الوصول إلى أفغانستان بسرعة. 

وبحلول 3 أغسطس، التقى كبار مسؤولي الأمن القومي في واشنطن واستمعوا إلى تقييم استخباراتي محدث: كانت عواصم المقاطعات في كافة أنحاء أفغانستان تتساقط بسرعة في أيدي طالبان، وقد تنهار الحكومة الأفغانية في أيام أو أسابيع. لكن الانهيار وقع في اليوم نفسه.

ووفقاً لتقرير نيويورك تايمز، وبحلول 6 أغسطس، أظهرت خرائط البنتاجون بقعة واسعة من المناطق الخاضعة لسيطرة طالبان، فاستعرضت وزارة الدفاع الأميركية أسوأ السيناريوهات، وقررت "إذا تدهور الوضع الأمني ​​أكثر، يتم إجلاء معظم موظفي السفارة من المجمع، والعديد منهم خارج البلاد، بينما تعمل مجموعة أساسية صغيرة من الدبلوماسيين من موقع احتياطي في المطار".

وفي 11 أغسطس، كان تقدُّم طالبان، مقلقاً لدرجة أن بايدن سأل كبار مستشاريه للأمن القومي في غرفة العمليات بالبيت الأبيض عما إذا كان الوقت قد حان لإرسال مشاة البحرية إلى كابول وإخلاء السفارة، وطلب تقييماً محدثاً للوضع وسمح باستخدام الطائرات العسكرية لإجلاء الأفغان الحلفاء. 

وبين ليلة وضحاها، سقطت ولايتا قندهار وغزنة، فعقد مسؤولو الأمن القومي الأميركي اجتماعاً طارئاً لتقديم خيارات للرئيس، وخلاله قالت مديرة المخابرات الوطنية أفريل هينز، إن وكالات المخابرات لم تعد قادرة على ضمان تقديم تحذير كافٍ إذا كانت كابول على وشك الوقوع في الحصار.

وقال أحد المشاركين في الاجتماع، إن الجميع نظروا إلى بعضهم البعض، وتوصلوا إلى النتيجة نفسها: حان وقت الخروج.

سقوط كابول

وبعد يومين، أي السبت 14 أغسطس، كان بايدن في مجمّع كامب ديفيد لما كان يأمل بأن يكون بداية إجازة لمدة 10 أيام، لكنّه بدلاً من ذلك، أمضى معظم يومه يجري مكالمات هاتفية مع كبار مساعديه.

وفي إحدى المكالمات، حضّ أوستن جميع الموظفين المتبقين في سفارة كابول على الانتقال فوراً إلى المطار، ما كان تحولاً كبيراً عما قاله الناطق باسم وزارة الخارجية نيد برايس قبل يومين، من أن "السفارة لا تزال مفتوحة، ونخطط لمواصلة عملنا الدبلوماسي في أفغانستان".

وقال القائم بأعمال السفير الأميركي في أفغانستان روس ويلسون، الذي كان قيد الاتصال، إن الموظفين بحاجة إلى 72 ساعة للمغادرة، فأجاب أوستن: "عليك أن تتحرك الآن".

وفي اليوم نفسه، تحدث بلينكن عبر الهاتف إلى الرئيس الأفغاني الذي أصرّ على أنه "سيدافع عن أفغانستان حتى النهاية"، ولم يخبر بلينكن بأنه كان يخطط للفرار من البلاد، وفقاً لمسؤول مُطّلع على المحادثة للصحيفة.

وفي اليوم التالي، غادر غني أفغانستان ووثقت مشاهد احتفال طالبان في القصر الرئاسي بانهيار الحكومة. 

كان إجلاء موظفي السفارة في تلك المرحلة جارياً، حيث هرع الدبلوماسيون للصعود على متن مروحيات عسكرية في رحلة قصيرة إلى المطار، وبقي آخرون في السفارة فترة كافية لحرق المستندات المهمة.

وقال مسؤول آخر إن طائرات هليكوبتر تابعة للسفارة انفجرت أو دمرت بطريقة أخرى، ما أدّى إلى سحابة من الدخان فوق المجمع. 

وبينما وضع بايدن خططاً لمخاطبة الأميركيين في اليوم التالي بشأن الوضع، تم إنزال العلم الأميركي من فوق السفارة المهجورة. والمنطقة الخضراء في كابول التي كانت قلب الجهود الأميركية لإعادة تشكيل البلاد، أصبحت تحت سيطرة طالبان.

لمتابعة التغطية المباشرة لأحداث أفغانستان: