
بعد أن أحكمت حركة طلبان سيطرتها على أفغانستان بسرعة خاطفة، بالتزامن مع انسحاب القوات الأجنبية من البلاد، يستعد المجتمع الأفغاني لحدوث تغييرات عميقة.
واعتبرت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير الجمعة، أن ملامح تلك التغييرات بدأت تظهر بالفعل مع تواتر تقارير عن تنفيذ عمليات إعدام خارج نطاق القضاء، و"زواج قسري"، وما إلى ذلك، على الرغم من أن طالبان حاولت إبداء وجه "أكثر اعتدالاً" منذ وصولها إلى كابول، وأصدرت عفواً عاماً عن موظفي الحكومة، وشجعت الناس على ممارسة أعمالهم اليومية.
ومع ذلك رأت الصحيفة أن ثمة مخاوف واسعة النطاق في المدينة، تُعزى جزئياً إلى تقارير عن "فظائع طالبان" في أماكن أخرى من البلاد، بما في ذلك اختطاف النساء والفتيات غير المتزوجات فوق سن 12 عاماً، وإجبارهن على القيام بدور "زوجات لمقاتلي طالبان".
وفي يومهم الأول داخل العاصمة فتش عناصر طالبان منازل ومكاتب المسؤولين الحكوميين، وأحياناً كانوا يفتشون هواتف المارة بحثاً عن معلومات يُفترض أنها تدينهم، مثل رسائل باللغة الإنجليزية.
وهو ما دفع بعض المواطنين إلى إتلاف وثائق تربطهم بالحكومة أو الوكالات الغربية، وكان على بعض النساء أن يفكرن في إتلاف الشهادات التعليمية، مثل الشهادات الجامعية.
تسارع العودة للحكم
وأضافت "وول ستريت جورنال"، أن حركة طالبان تعزز سيطرتها على أفغانستان بعد 20 عاماً من الإطاحة بها على يد القوات التي تقودها الولايات المتحدة.
وأشارت الصحيفة إلى أن استعدادات طالبان للعودة إلى الحكم كانت قائمة منذ سنوات، لكن تقدمها تسارعت وتيرته بعد أن حددت الولايات المتحدة موعداً نهائياً لانسحاب قواتها في 31 أغسطس الجاري.
وبعد أن بدأت الولايات المتحدة في وقف الدعم الجوي لقوات الحكومة الأفغانية التي انهارت على الفور، توغلت حركة طالبان في العاصمة كابول بسرعة فاجأت العالم.
وفي يوليو الماضي، سقطت منطقة تلو الأخرى في أيدي عناصر طالبان عندما فرّت القوات الحكومية أو استسلمت.
وبدأ قادة الحركة إجراء اتصالات مع شخصيات في الإدارات الأفغانية السابقة لمناقشة الشكل الذي ستتخذه الحكومة المقبلة، ومن المتوقع أن يلعب الملا عبد الغني بردار رئيس الجناح السياسي لطالبان، دوراً مركزياً في المناقشات، بحسب "وول ستريت جورنال".
في غضون ذلك يحث متحدثون باسم الحركة المواطنين على ممارسة أعمالهم اليومية، إذ أعيد فتح العديد من المتاجر، وعادت شرطة المرور إلى العمل.
في المقابل هناك مخاوف من حملات انتقامية تطال العديد من الأفغان الذين عملوا مع سفارات، أو جيوش أجنبية، أو وكالات إعلام، أو إغاثة غربية.
ويحاول هؤلاء المتعاملون إيجاد سبل للخروج من البلاد بالحصول على تأشيرات ومكان في رحلات الإجلاء، إذا تمكنوا من اجتياز نقاط تفتيش طالبان.
وتسارع الدول الغربية لإجلاء مواطنيها وحلفائها، وهو ما تسبب في خلق أزمة غير مسبوقة في مطار حامد كرزاي الدولي بالعاصمة كابول.
مشاهد "سايجون"
صحيفة "وول ستريت جورنال" تعتبر أن الولايات المتحدة فشلت في تجنب مشاهد مماثلة لرحيلها عن مدينة سايجون الفيتنامية في الأيام الأخيرة من الحرب عام 1972، خاصة بعد انتشار صور صادمة على شاشات التلفاز والمواقع الإلكترونية في أنحاء العالم لأفغان يركضون للحاق بطائرات نقل عسكرية، أو يتشبثون بها أثناء استعدادها للإقلاع.
وكانت الحشود كثيفة الاثنين الماضي، لدرجة أن الولايات المتحدة علقت الرحلات الجوية لفترة وجيزة، وأسفرت هذه الفوضى التي تزامنت مع عمليات الإجلاء عن وفاة 8 أشخاص على الأقل.
كما قُتل مسلحان أفغانيان بالرصاص بعد اقترابهما من مشاة البحرية الأميركية، وبدا أن هناك أشخاص يتساقطون من طائرة، وهو الأمر الذي تحقق فيه وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون).
"فشل استخباراتي"
واعتبرت الصحيفة الأميركية أن "فشل الاستخبارات" إلى جانب عقدين من التخبط قد أديا إلى انسحاب الولايات المتحدة في نهاية المطاف.
وكانت واشنطن تعمل على فكرة أن حكومة الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني، يمكن أن تنهار لكن ليس قبل 6 أشهر من الانسحاب الأميركي، بناءً على جدول زمني تم وضعه في تقدير استخباراتي لشهر يونيو الماضي.
لكن في الواقع تحركت طالبان بسرعة أكبر بكثير مما كان متوقعاً، مدعومة بموعد نهائي صارم لمغادرة الولايات المتحدة وفاجأت الرئيس جو بايدن ومسؤولي الإدارة بسرعة تقدمها إلى كابول، وفقاً للصحيفة.
وكشف هجوم طالبان عن نقاط الضعف الرئيسة للقوات المسلحة الأفغانية التي شملها الدعم الأميركي، وأنفقت عليها استثمارات بمئات المليارات من الدولارات.
وهو ما يعزى إلى عاملين، أحدهما كان اعتماد القوات الأفغانية على الغطاء الجوي للقوات الأجنبية، والآخر هو الفساد المنهجي الذي شجع العديد من القوات على إلقاء السلاح عندما تقدمت طالبان.
وفي العديد من المناطق، لم تلق طالبان أي مواجهة تقريباً، ما دفع بايدن إلى القول: "لقد حدث هذا بسرعة أكبر مما توقعنا".
دور روسيا والصين
الصحيفة الأميركية رجحت أن يقوض تواصل الصين وروسيا وغيرهما مع النظام الجديد، جهود الولايات المتحدة لعزل طالبان.
وأفادت بأن وسائل إعلام حكومية صينية سخرت من خروج الولايات المتحدة الفوضوي من أفغانستان، لكنها في الوقت نفسه قلقة بشأن كيفية تعاملها مع الحكومة الجديدة.
ويشترك البلدان في حدود يبلغ طولها نحو 50 ميلاً، وتشعر بكين بالقلق من أن تلهم عودة طالبان "حركة إسلامية بين أقلية الإيجور" في منطقة شينجيانج بشمال غربي البلاد.
ومع ذلك ترى بكين فوائد محتملة من الاصطفاف مع طالبان، وقد تعترف رسمياً بحكومة تقودها الحركة، ما قد يساعدها على الاستفادة من إعادة إعمار أفغانستان في نهاية المطاف أو توسيع نفوذها في المنطقة.
وتعد روسيا وباكستان وإيران من بين الدول التي تحتفظ بسفاراتها في كابول مع مغادرة دول أخرى، إذ قال زامير كابولوف الممثل الرئاسي الخاص لموسكو في أفغانستان الاثنين، إنه قد يكون من الأسهل إبرام اتفاقات مع طالبان أكثر من الإدارة السابقة.
واستضافت كل من الصين وروسيا كبار قادة طالبان قبل رحيل الولايات المتحدة، وقد تضطر الحكومة الجديدة في كابول إلى الاعتماد على دعمهما للاستفادة من حق النقض (فيتو) في الأمم المتحدة لعرقلة أي عقوبات جديدة ضدها.
أسبوع على سيطرة طالبان
وبعد نحو أسبوع على سيطرتها بشكل مفاجئ على كابول، وفرار الرئيس أشرف غني من البلاد، ظهرت اتهامات لحركة طالبان بارتكاب جرائم وفظائع بحق المدنيين، بينما رصد مراقبون مؤشرات متفرقة على احتمالات تشكل مقاومة داخلية.
وأحاطت عمليات إجلاء الأجانب والمواطنين الأفغان الراغبين في مغادرة البلاد من مطار كابول، فوضى كبيرة، وسط حالة من الغموض بشأن شكل الحكم والنظام السياسي في البلاد خلال الفترة المقبلة.
اقرأ أيضاً: