لهذه الأسباب لن تغادر قوات إريتريا إقليم تيغراي الإثيوبي

time reading iconدقائق القراءة - 11
أحد أفراد القوات الإريترية يقف أمام حطام منزل في ضواحي قرية بيسوبر بإقليم تيغراي، إثيوبيا  - AFP
أحد أفراد القوات الإريترية يقف أمام حطام منزل في ضواحي قرية بيسوبر بإقليم تيغراي، إثيوبيا - AFP
دبي-الشرق

قال وزير الدفاع الإثيوبي السابق سيي أبرهه هاغوس، في تصريحات لمجلة "فورين بوليسي"، إن "القوات الإرتيرية لن تخرج من إثيوبيا" لأن رئيس إريتريا أسياس أفورقي طامع في الوصول إلى الاقتصاد الإثيوبي، وإن تحالفه مع رئيس الوزراء آبي أحمد سيتيح له تحقيق أهدافه على حساب السيادة الإثيوبية.

وأوضح هاغوس أنه عندما زار السيناتور الأميركي كريس كونز أديس أبابا والتقى آبي أحمد في مارس الماضي، كان المطلب الأميركي الأكبر هو أن يأمر آبي أحمد بسحب القوات الإريترية من إقليم تيغراي، لكن بعد 4 أشهر من إنكار وجود الإريتريين داخل إثيوبيا، اعترف آبي أحمد متأخراً بوجودهم ووعد بمطالبتهم بالانسحاب.

ولفت أبرهة هاغوس إلى أن "الانسحاب لن يحدث"، مشيراً إلى وجود عدة تقارير تشير إلى أن "القوات الإريترية ارتكبت فظائع في تيغراي، وأن هذا العنف استمر بلا هوادة منذ أن التقى المسؤول الأميركي بآبي أحمد".

وبيّن أن "الجنود الإريتريين تخفوا في زي عسكري إثيوبي لإخفاء هوياتهم"، في حين قالت مصادر لـ"فورين بوليسي" إن منظمات حقوقية وثّقت بدقة "عمليات قتل جماعي واغتصاب ونهب القرى والمصانع والعيادات والمدارس والمكاتب الحكومية"، في ظل غياب قوة رادعة، ما تسبب بحدوث مجاعة لا تزال تحصد العديد من الأرواح. 

وأكدت عدة منافذ إعلامية في تيغراي، وفي مقدمتها "ديمستي وايان" و"تيغراي ميديا هاوس"، إرسال النظام الإرتيري 10 فرق إلى  جبهة "تسيديا" وحدها.  

وأضاف هاغوس أنه "يعرف أفورقي حليفاً وخصماً وأنه يحكم اليوم بلداً يعاني من الفقر، على الرغم من إمكانية وصول إريتريا الواسعة إلى الموانئ وإمكانات التجارة غير المستغلة، ولكنه يستغل قوته العسكرية لإملاء السياسات الإقليمية وابتزاز الامتيازات الاقتصادية من جيرانه، بالإضافة إلى نشر شبكته للتجارة غير المشروعة في منطقة القرن الإفريقي وخارجها".

"إشاعة الفوضى"

وبحسب تقرير "فورين بوليسي"، يبدو أن آبي أحمد دعا أفورقي لإشاعة الفوضى في إقليم تيغراي، إذ ربما تكون بنود هذا الاتفاق "غير معلنة، لكن تداعياتها باتت مثيرة للقلق أكثر من أي وقت مضى".

وأضاف هاغوس أنه في أثناء حرب ما قبل عام 1991 ضد المجلس العسكري الإثيوبي، المعروف باسم "الدَرغ"، وهو مختصر لاسم لجنة التنسيق بين القوات المسلحة والشرطة والجيش في الأقاليم، "تعاونت قوات تيغراي ونظيرتها الإريترية على صد حملة النجم الأحمر التي دشنتها قوات الدرغ في عام 1982، والتي تهدف إلى طرد القوات الإريترية من آخر معاقلها في جبال الساحل شمال إريتريا".

لكن العلاقات بين قوات "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" وقوات أفورقي ساءت في عام 1985 على خلفية تقارير أفادت بدخول أفورقي في مفاوضات سرية مع السوفيت وإغلاق الممر الإنساني من السودان، لكن الجبهة أعادت العلاقات في عام 1987 بسبب الحاجة إلى القتال ضد عدو مشترك، في حين استمر التعاون حتى زوال "الدَرغ" في مايو 1991. 

وبصفته رئيساً للشؤون العسكرية وعضواً في اللجنة التنفيذية للجنة الشعبية لتحرير تيغراي، التقى هاغوس أفورقي وزملاءه في العديد من المناسبات، ولم تكن العلاقات بعد عام 1991 سلسة، ولكنها استمرت بشكل ودي نسبياً حتى بعد استفتاء استقلال إثيوبيا في عام 1993، عندما شرعت إثيوبيا وإريتريا في إعادة العلاقات بينهما كدولتين مستقلتين.  

لكن العلاقات بين الحكومتين تدهورت في نهاية تسعينات القرن الماضي، ما أدى في النهاية إلى نشوب الصراع واندلاع الحرب.  

"زعزعة القرن الإفريقي"

وبحسب المجلة، يشير الانتشار الواسع للجيش وقوات الأمن الإريترية في إثيوبيا إلى "التدخل السافر من قبل إريتريا في النظام السياسي الإثيوبي، والمتمثل في انتشار القوات الإريترية إلى جانب القوات الأمهرية والجيش الفيدرالي على الحدود بين إثيوبيا والسودان، حيث ينشب نزاع إقليمي بين البلدين".

فضلاً عن استخدام قوات عسكرية إريترية في القتال ضد جيش تحرير أورومو في ولاية أروميا في إثيوبيا، ما يهدد بمزيد من زعزعة الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي، كما يُسمم العلاقات الإثيوبية- السودانية باصطفاف أديس أبابا وأسمرة معاً في النزاع الحدودي مع السودان والجدل المحيط بسد النهضة.

"مكاسب اقتصادية"

وتُرجع "فورين بوليسي" مساعي أفورقي لتحقيق مكاسب اقتصادية من إثيوبيا إلى بداية تسعينات القرن الماضي، إذ استغل التحالف بين "جبهة التحرير الشعبية الإريترية" و"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" في حربهما المشتركة ضد "الدَرغ"، للمطالبة بالحصول على امتيازات في السياسة النقدية الإثيوبية. 

وتجلى ذلك أكثر بعد أن صكّت إريتريا عملتها الخاصة "النقفة" في عام 1997، وعكفت الدولتان على إعادة صياغة سياساتهما النقدية والتجارية والاستثمارية.

وكانت الحكومة الإثيوبية بقيادة "تحالف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية" مع "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" تريد أن تتبع التجارة الثنائية بين البلدين المعايير الدولية المقبولة، حيث يتم ربط عملتي الدولتين بالدولار الأميركي.  

لكن إريتريا لم توافق على هذا التوجه، وطالبت بسعر صرف متكافئ للعملتين ورفضت ربط العملتين بالدولار وبسعر الصرف، في حين طالب الإريتريون بمعاملة الشركات التي يمتلكها إريتريون في إثيوبيا على قدم المساواة مع الشركات الإثيوبية، ما يعني ردّ أرباحها إلى العملة الأجنبية حتى لو كان مصدر رأس المال إثيوبياً، وهو ما أدى إلى نشوب الحرب بين البلدين في الفترة من عام 1998 إلى عام 2000.  

"فتيل الحرب"

ورفض الإثيوبيون الإذعان للمطالب الإريترية، فقام أفورقي بغزو بادمي في عام 1998 لإجبار الحكومة الإثيوبية على الرضوخ لمطالبه، وعلى عكس الشائع، لم تكن هذه الحرب كما أقر أفورقي في مقابلة مع "فورين بوليسي" في نوفمبر 2018، بسبب نزاع حدودي بين البلدين.

وفي أواخر مايو 1998، رفض أفورقي مقترحات بالعودة إلى ما كانت عليه الأوضاع، قبل أن يتبع ذلك تسوية تفاوضية قدمتها الولايات المتحدة ورواندا، ثم الاتحاد الإفريقي فيما بعد. وعندما فشلت الدبلوماسية، كان استخدام القوة هو ما اضطره أخيراً إلى توقيع اتفاق وقف العدوان في الجزائر العاصمة عام 2000.  

ووفقاً لتقرير "فورين بوليسي"، فإن مشاركة إريتريا في الحرب الحالية بإقليم تيغراي "لا ترجع إلى هواجس تتعلق بالأمن الوطني أو قلق حدودي، وإنما لأن هذه الحرب تتيح لأفورقي فرصة الانتقام من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وشعب تيغراي، وهم أعداؤه القدماء، بمساعدة حكومة آبي أحمد والميليشيات الأمهرية التي تسعى إلى تحقيق مطالبها الوحدوية عبر ضم أجزاء من تيغراي". 

وفي بيانه إلى مجلس النواب الإثيوبي، وتحديداً 23 مارس الماضي، وبعد لقائه كونز، كان آبي أحمد يشرح بصعوبة أسباب عدم إمكانية سحب أفورقي قواته في ظل غياب قوات فيدرالية إثيوبية تعمل على سد الفجوة التي يمكن أن تنشأ عن هذا الانسحاب، أما فيما يتعلق بانسحاب قوات الأمهرة من جنوب وغرب تيغراي، فقد أكد رئيس الوزراء الإثيوبي أن "هذا ببساطة لن يحدث". 

وبعد فترة وجيزة من البيان، اتجه آبي أحمد إلى أسمرة وأصدر بيانين من العاصمتين، إذ لم يذكر بيان أسمرة أي شيء عن المشكلة المركزية المتمثلة في انسحاب القوات الإريترية من تيغراي، بينما قال بيان أديس أبابا إن كلا الطرفين "وافقا على الانسحاب". 

"واقع جديد"

واعتبرت "فورين بوليسي" أن حملة أفورقي في تيغراي تعد "الخطوة الأولى لتحقيق حلمه القديم باستغلال الاقتصاد الإثيوبي بما يخدم مصالحه"، بما في ذلك طموحاته الإقليمية بقيادة "تحالف إقليمي من الحكام المستبدين، يرى أنه يتشكل في منطقة القرن الإفريقي على أساس نموذجه الاستبدادي الذي فرضته أجهزته الأمنية وجيشه". 

وسيسمح الارتباط بالاقتصاد الإثيوبي لأفورقي بـ"الإفلات من أي عقوبات اقتصادية محتملة يفرضها عليه المجتمع الدولي مع الحفاظ على الاقتصاد الإريتري باعتباره إقطاعيته الشخصية، وعلى وجه التحديد يشجع أفورقي قادة الأمهرة في إثيوبيا على مقاومة الضغوط الدولية وطمأنتهم بأن العقوبات على إثيوبيا، حال فرضها، لن تؤثر كثيراً في البلاد"، بحسب "فورين بوليسي".  

وترى المجلة أنه توجد مؤشرات على الأرض تدل على أن أفورقي وأحمد والنخبة الأمهرية "يعملون جميعاً على فرض واقع جديد على الأرض بتقسيم إقليم تيغراي إلى ثلاثة أجزاء".

وبموجب هذا السيناريو، يمكن أن يزعم آبي أحمد أنه غير قادر على إجبار إريتريا على سحب قواتها، حسبما طلبت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أو إجبار ميليشيات الأمهرة على المغادرة.

وستسمح هذه الاستراتيجية لأفورقي بالالتفاف حول سيناريو فرض العقوبات، فالرئيس الإريتري مقتنع تماماً بأن العقوبات على بلاده "أمر لا مفر منه"، ولكنه لا يرجح أن يسلك المجتمع الدولي ضد إثيوبيا المسلك نفسه. وفي كلتا الحالتين فإنه على قناعة تامة بأن "التعاون الاقتصادي مع إثيوبيا سيساعده على تجاوز هذه العقوبات بمنحه مزيداً من الوقت"، وفقاً لفورين بوليسي.