
اعتبر الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية (إم آي 6)، جون ساورز، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "يمارس لعبة محفوفة بالأخطار" في أوكرانيا، إذ أن تحذيره بوجوب الامتناع عن "إذلال" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد يؤدي إلى وقف للنار سابق لأوانه يُفضي إلى مكاسب لموسكو.
وكتب في مقال نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، أن للغرب هدفين في الحرب بأوكرانيا، وهما دعم سيادة كييف وردع موسكو عن تنفيذ أيّ اعتداءات مماثلة على دول أوروبية مستقبلاً. وأضاف أن القتال في إقليم دونباس شرق أوكرانيا "يبدو قبيحاً"، داعياً إلى "دعم أيّ تحرّك لإنهائه".
وأشار ساورز إلى دعوات لطرح مبادرة سلام مبكرة، فيما شدد ماكرون على أهمية عدم "إذلال" روسيا بسبب غزوها جارتها، في تصريح قوبل بردّ فاتر من مدير مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
ورأى أن المشكلة تكمن في أن وقف النار الآن سيضمن المكاسب العسكرية لروسيا على الأرض. وتابع أنه لا سبب للاعتقاد بأن بوتين سيوافق على سحب قواته، في وقت تنشغل بلاده بـ"إضفاء طابع روسي" على المناطق التي تسيطر عليها، وفرض لغتها في المدارس، والسيطرة على وسائل الإعلام، وتكليف موالين لها زمام المسؤولية في الإدارات المحلية.
تجربتا جورجيا والقرم
وذكّر ساورز بأن بوتين مارس هذه اللعبة سابقاً. ففي عام 2008، أسفر حراك دبلوماسي قاده الرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي، إلى وقف للنار في جورجيا التي تعرّضت لهجوم روسي، لكنه مكّن القوات الروسية من السيطرة على إقليمين في البلاد، لم تستردّهما جورجيا كما لم تستعِد سيادتها كاملة.
وأضاف أن الأمر ذاته حدث في أوكرانيا عام 2014. فبعد انهيار الحكومة الموالية لموسكو في كييف إزاء احتجاجات شعبية، استولت القوات الروسية على شبه جزيرة القرم وأجزاء من إقليم دونباس.
وتوصّل خليفة ساركوزي، فرانسوا هولاند، والمستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل، إلى اتفاق مع بوتين شكّل عملية سياسية تصبّ في مصلحة روسيا بدونباس، وأبقت سيطرتها على القرم، في مواجهة رئيس أوكراني متردد، وفق ساورز. واستدرك أن قادة كييف يسعون إلى مواصلة القتال، ولا يريدون وقفاً للنار الآن، في ما قد يكون ذروة التقدّم العسكري الروسي.
وأشار ساورز إلى أن ما يعنيه ماكرون عملياً، بقوله بوجوب الامتناع عن "إذلال" بوتين، ليس واضحاً بعد.
وذكّر باقتراح وزير الخارجية الأميركي السابق، هنري كيسنجر، التحضير لعملية سلام في الأشهر المقبلة. لكن القادة الأوكرانيين قلقون من أن تكون هذه التعليقات مقدّمة لجولة أخرى من دبلوماسية تستهدف تحقيق وقف للنار سابق لأوانه، يحفظ لبوتين ماء وجهه على حساب تقويض أوكرانيا.
المسّ بمصالح موسكو
واعتبر الرئيس السابق للاستخبارات البريطانية، أن ارتكاب بوتين خطأً فادحاً في تنفيذه الغزو، كان واضحاً منذ الأسبوع الأول للحرب.
وأضاف أن قادة أجهزة الأمن في روسيا يدعمون الرئيس، ويشاركونه رغبته بإخضاع أوكرانيا. لكنهم سيرون أيضاً أنه مسّ بمصالح موسكو على المدى البعيد، إذ أن الاقتصاد سيخضع لعقوبات طالما بقي في الحكم، كما أن أوروبا ستنهي تدريجاً اعتمادها على الطاقة الروسية، ولن يعود في إمكان الدائرة المقرّبة من بوتين، الاستمتاع بثروتها غير المشروعة.
نتيجة لذلك، "سيكون موقف بوتين أكثر ضعفاً، إذ أن شنّ حرب فاشلة لا يعزّز سلطة الحاكم، وقد يُعزل في مرحلة ما". لكن كاتب المقال أعرب عن شكوكه بحدوث ذلك قريباً.
وأضاف أن أيّ زعيم روسي يحتاج إلى دعم نشط من قادة الأجهزة الأمنية، مستدركاً أن الانتكاسات في أوكرانيا دفعت ركيزتَي نظام بوتين، وهما مكتب الأمن الفيدرالي (جهاز الاستخبارات) والجيش، إلى تبادل اتهامات. ولم يستبعد الكاتب الإطاحة ببعض القادة، في خطوة ستثير استياءً وانتقادات على نطاق واسع وراء الكواليس.
ماكرون وزيارة كييف
واعتبر ساورز أن دعوة أوكرانيا إلى هزيمة روسيا تتعارض مع دعوة ماكرون إلى الامتناع عن إذلال بوتين. وأضاف أن فرنسا قدّمت دعماً عسكرياً قيّماً لأوكرانيا ودعمت العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على موسكو.
واستدرك ساورز أن ماكرون لم يكلّف نفسه عناء زيارة كييف، بعد أكثر من 100 يوم على اندلاع الحرب، فيما بقي على اتصال هاتفي مع بوتين بشكل متكرر. كذلك كانت الشركات الفرنسية الأكثر تردداً في مغادرة موسكو، ربما على أمل أن يحقق لها البقاء ثماراً في المستقبل. لافتاً إلى أنه "لا يجب أن نُفاجأ من حذر قادة أوكرانيا من نيات ماكرون".
وحذر من أن بوتين سيستعيد قوته السياسية في الداخل ويشعر بأنه مفوّض لبدء مغامرات عسكرية جديدة في المستقبل، إذا مكّنت جولة أخرى من الدبلوماسية الأوروبية، روسيا من الحفاظ على مكاسبها العسكرية في أوكرانيا.
وأضاف أن الأوكرانيين "يريدون مواصلة القتال ويحتاجون إلى دعمنا المستمر"، من خلال تزويدهم بأسلحة متطوّرة وفرض عقوبات أشدّ صرامة على روسيا. واعتبر أن ذلك يعني أشهراً أخرى من القتال، مستدركاً أن وقفاً مبكراً للنار سيساعد بوتين على "انتزاع النصر من بين فكّي الهزيمة، وهذا ما لا ينبغي أن يكون أيّ زعيم غربي داعماً له".
اقرأ أيضاً: