رئيس سريلانكا السابق إلى تايلاندا.. وبانكوك: زيارة وليست لجوءا

time reading iconدقائق القراءة - 15
رئيس سريلانكا جوتابايا راجاباكسا يقدم بياناً في قمة قادة العالم في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في اسكتلندا- 1 نوفمبر 2021.  - REUTERS
رئيس سريلانكا جوتابايا راجاباكسا يقدم بياناً في قمة قادة العالم في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في اسكتلندا- 1 نوفمبر 2021. - REUTERS
بانكوك/دبي-رويترزالشرق

نقلت وكالة رويترز عن مصدرين قولهما الأربعاء، إن رئيس سريلانكا المخلوع جوتابايا راجاباكسا من المتوقع أن يصل إلى تايلاندا الخميس، سعياً للحصول على إقامة في دولة أخرى، بعدما فر من بلاده الشهر الماضي إلى سنغافورة.

من جهتها، قالت الخارجية التايلاندية إنها تلقت طلباً من راجاباكسا للزيارة، ولا نية لديه لطلب اللجوء السياسي في البلاد.

وقال المتحدث باسم الوزارة تاني سانجرات إن تايلاند لا ترى أي مشكلة في دخول راجاباكسا البلاد بجواز سفره الدبلوماسي، الذي يسمح له بالبقاء 90 يوماً. ولم يوضح المتحدث موعد زيارة راجاباكسا.

وفر راجاباكسا إلى سنغافورة في 14 يوليو عبر جزر المالديف بعد اضطرابات غير مسبوقة فجرتها أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها سريلانكا في 7 عقود، وبعد أيام من اقتحام آلاف المحتجين مقر إقامته الرسمي ومكتبه.

أيام راجاباكسا الأخيرة

وإلى ذلك، كشف تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" أن راجاباكسا احتجز في أيامه الأخيرة في سدة الحكم، في قصره الرئاسي لأسابيع، على ما أفاد مقربون.

وذكرت المصادر التي تحدثت إلى "وول ستريت جورنال" أنه في 9 يوليو، تم اصطحاب الرئيس إلى قاعدة بحرية قريبة، حيث تم وضعه على متن سفينة حربية لحمايته، وأنه لم يغادر مقصورته على مدى يومين كاملين بعد أن احتل عشرات الآلاف من المحتجين مقر إقامته مطالبين باستقالته.  

وكشفت المقابلات التي أجرتها "وول ستريت جورنال" مع مسؤولون سياسيون بالحزب الحاكم، ومستشاري الرئيس السابق، ومسؤولين حكوميين وعسكريين النقاب عن صورة راجاباكسا الذي تعمقت عزلته، وفقد ثقته حتى في قادة جيشه، وبات يخشى على سلامته الشخصية وهو ينازع اللحظات الأخيرة في حكمه، بحسب الصحيفة.

وقال مساعدو الرئيس السابق، وأعضاء سابقون في مجلس الوزراء للصحيفة، إن راجاباكسا، وهو جندي سابق، حكم البلاد بطريقة "عمقت الخصومات العائلية، وقادته إلى اتخاذ قرارات كانت لها عواقب وخيمة على الاقتصاد السريلانكي".  

 عائلة سياسية

تسبب الرئيس المخلوع أيضاً في السقوط المدوي لأسرته من علياء المشهد السياسي في سريلانكا، والذي هيمنت عليه لعقود من الزمان. 

وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن الانتفاضة الشعبية في سريلانكا كانت "أكثر إثارة للجدل" بسبب ما كانت تحظى به أسرة راجاباكسا في السابق من إشادة ومديح. 

ويأتي الإخوة راجاباكسا، ماهيندا وجوتابايا وباسل، ضمن 9 أشقاء ولدوا في أسرة سياسية عريقة تضرب بجذورها في منطقة هامبانتوتا الجنوبية، والتي لم تكن سوى "غابة كثيفة حتى تعهدتها يد التطوير في العقود الأخيرة".  

شغل الأخ الأكبر، ماهيندا راجاباكسا، منصب رئيس البلاد لولايتين في الفترة بين 2005 و2015، عندما تمكنت العائلة، في عام 2009، من إسدال الستار على الحرب الأهلية التي اشتعل أوارها لعقود، وحظي بإشادة الغالبية السنهالية، التي تدين بالبوذية، في سريلانكا، برغم ما أثاره هذا الانتصار من مزاعم بشأن انتهاك حقوق الإنسان ضد الأقلية العرقية التاميلية من قبل الأمم المتحدة.  

ولكن مع اندلاع الاحتجاجات، على نحو ما شهدته البلاد في مايو الماضي على خلفية نقص الوقود وارتفاع الأسعار "تتبدل المشاعر ولا يرى الناس أن قيادة البلاد تتفهم آلامهم"، حسبما قال مسؤول في الحزب الحاكم للصحيفة الأميركية. مضيفاً، في إشارة إلى أعمال التخريب التي طالت مسقط رأس أسرة راجاباكسا: "الآن هم يفهمون".   

العم هو دون ماثيو راجاباكسا، الذي انتُخب لأول مرة لعضوية مجلس الدولة في عام 1936 عندما كانت سريلانكا تحت الحكم الاستعماري البريطاني، فيما شغل والدهم، دون ألوين راجاباكسا، منصب وزير الزراعة ونائب رئيس البرلمان بعد الاستقلال.   

أصبح ماهيندا راجاباكسا أصغر عضو في البرلمان السريلانكي في عام 1970، عن عمر يناهز 24 عاماً، حيث شغل نفس المقعد المحلي الذي شغله والده من قبل. ومنذ ذلك الحين تحول ماهيندا إلى "خطيب مفوه، وقائد يتمتع بشخصية كاريزمية"، ونظر إليه كثير من السريلانكيين باعتباره "بطريرك الأسرة الحاكمة"، وفقاً لـ"وول ستريت جورنال".  

أما الرئيس السابق جوتابايا، وهو مقاتل سابق، وقائد كتيبة خلال الحرب الأهلية، هاجر إلى الولايات المتحدة بعد أن قضى عقدين ضمن صفوف جيش بلاده. 

وبعد تقلده عدداً من المناصب في مجال التكنولوجيا، من بينها مدير الأنظمة في جامعة لويولا، في لوس أنجلوس، عاد جوتابايا إلى وطنه حيث كان ماهيندا يخوض أول سباق انتخابي له في عام 2005.  

الأخ الأصغر في العمل السياسي، باسل راجاباكسا، البالغ من العمر 71 عاماً، فيُنظر إليه باعتباره "المُنظر الاستراتيجي" للمسار السياسي لأسرته، وأثبت كفاءة في هذا الميدان لدى توليه إدارة الحملة الانتخابية لماهيندا في السباقين الرئاسيين اللذين وصل من خلالهما إلى سدة الحكم.  

 بذور الشقاق

حرص الأشقاء الثلاثة على تشكيل جبهة موحدة، وعمدوا على نحو منهجي إلى حل خلافاتهم السياسية.

ولكن علامات الخلاف راحت تطفو على السطح وسط تبادل الاتهامات بشأن خسارة ماهيندا في الانتخابات الرئاسية في 2015، عندما انصرف الناخبون الساخطون عن الأسرة بسبب ما اعتبروه تفشياً للفساد والمحسوبية، وهي الانتقادات التي حرصت الأسرة على نفيها طوال الوقت.  

ودب خلاف داخلي بشأن الأخ الذي سيتقدم لخوض الانتخابات الرئاسية في عام 2019 بعد إقرار قوانين جعلت من المستحيل على ماهيندا الترشح مرة أخرى.

في ذلك الوقت أدت سلسلة الهجمات شنها متطرفون على الكنائس والفنادق الفخمة في العاصمة كولومبو إلى حشد الزخم الشعبي خلف جوتابايا راجاباكسا، إذ قدم الجندي السابق نفسه باعتباره "القائد الذي بإمكانه المحافظة على السلام في البلاد"، بحسب مستشار رئاسي سابق لـ"وول ستريت جورنال".

واحتشدت العائلة خلف راجاباكسا الذي تخلى عن جنسيته الأميركية للحصول على المنصب الأعلى في سريلانكا، ووعد في بيانه الانتخابي بالاسترشاد ببطريك الأسرة الأكثر حنكة، ماهيندا.

وبمجرد اعتلائه سدة الحكم، عين جوتابايا شقيقه ماهيندا رئيسا للوزراء، كما قلد باسل منصب وزير المالية.  

التفرد بالقرار

ولكن بمرور الوقت، عمد راجاباكسا إلى التفرد باتخاذ القرارات من دون الرجوع إلى وزرائه أو إلى التكنوقراطيين ذوي الخبرة، مع تقلص دائرته، وفقا لما قاله مساعدوه السياسيون ومسؤولون في الحكومة، وفي هذا الوقت "تراجع نفوذ ماهيندا على شقيقه".  

في غضون ذلك، أشار وزير طاقة سابق تم استبعاده من مجلس الوزراء، في مارس، إلى وزير المالية آنذاك، باسل راجاباكسا، على أنه مركز قوة منافس" لأنه، من بين أسباب أخرى، "يتمتع بموالاة نواب حزب بودوجانا بيرامونا سريلانكا"، وهو الحزب السياسي الجديد الذي أدار باسل من خلاله عودة أسرته للحكم، في البرلمان.

وأدت التخفيضات الضريبية التي أقرها جوتابايا بعد توليه السلطة بفترة وجيزة إلى تقليص الإيردات الحكومية على نحو كبير، ما فاقم الضغوط على قدرة سريلانكا على خدمة ديونها الخارجية، والتي تضاعفت نتيجة الإنفاق على البنية التحتية والاقتراض من الصين وغيرها في السنوات السابقة.

 وفي إطار سعيه لخفض تكاليف الاستيراد، أعلن جوتابايا في 2021 حظراً مفاجئاً على الأسمدة الكيميائية برغم معارضة شقيقه ماهيندا الذي شعر بالقلق بشأن رد فعل المزارعين، الذين يشكلون قاعدة انتخابية أساسية، على قرار كهذا.

وأدى التحول المفاجئ في سياسات الاستيراد إلى نتائج كارثية على المحاصيل الزراعية بحسب الصحيفة.

كورونا تفاقم عجز الموزانة

من جهة أخرى، تسببت جائحة فيروس كورونا في الإضرار بقطاع السياحة الحيوي في سريلانكا، ما دفع بشركات التصنيف الائتماني إلى خفض التصنيف السيادي لسريلانكا، لتفاقم بذلك عجز الاقتصاد السريلانكي عن تجديد الديون.  

وبدلاً من السعي الفوري للحصول على خطة إنقاذ مالي من صندوق النقد الدولي، واصلت حكومة جوتابايا راجاباكسا سحب أموال الاحتياطيات الأجنبية حتى باتت غير قادرة على تحمل تكاليف الواردات الأساسية من الوقود وغاز الطهي والأدوية.  

وأدى هذا العجز الصارخ في نهاية المطاف إلى انحسار الدعم الشعبي عن أسرة راجاباكسا، ومن ثم خسارتهم مناصبهم، فاستقال باسل راجاباكسا في أبريل، وتبعه أخوه ماهيندا في مايو، وهو الشهر الذي تخلفت فيه البلاد عن السداد.

ولم يبق سوى جوتابايا راجاباكسا كمعقل أخير لأسرته في سدة السلطة. 

 الرحيل عن كولومبو

وبدلاً من التنحى على الفور في 9 يوليو، تباطأ جوتابايا لأيام بحثا عن ملاذ آمن خارج البلاد. وفي الساعات الأولى من 13 يوليو، استقل جوتابايا طائرة عسكرية متجهة إلى جزر المالديف، رفقة زوجته واثنين من حراسه الشخصيين، قبل أن يصل وجهته النهائية في سنغافورة.

وعقب وصوله إلى سنغافورة على متن رحلة تجارية في اليوم التالي، بعث باستقالته عبر البريد الإلكتروني.  

وتحولت الاحتجاجات في سريلانكا إلى العنف لأول مرة في 31 مارس، عندما حاول مئات المحتجين اقتحام مقر إقامة راجاباكسا الخاص، في ضاحية ميريهانا الراقية في العاصمة كولومبو.  

وقال وزراء ومسؤولون حزبيون لـ "وول ستريت جورنال" إن إحجام الرئيس جوتابايا عن استخدام "قوة أكبر" لقمع الاحتجاجات في ذلك الوقت شجع المتظاهرين على التمادي في تبني العنف. 

وفي هذا السياق، وصف جوداهيوا، عضو مجلس الوزراء السابق، الذي فقد منزله على إثر موجة من أعمال الحرق المتعمد نفذها المحتجون في 9 مايو، راجاباكسا بأنه كان "ليناً أكثر مما ينبغي".  

وأضاف: "استغرق الأمر أكثر من 24 ساعة ليدرك الرئيس أن الجيش لم يتلق أوامر من قادته".  

وأشار مصدر عسكري للصحيفة الأميركية إلى أنه "كانت هناك مؤشرات على تدهور الحالة المعنوية لجنود القوات البرية" الذين ينتمي أكثرهم إلى عائلات ريفية كانت من بين الأكثر تضرراً من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي اجتاحت البلاد.  

وفي 9 يوليو، عندما أصدر الرئيس أوامره باستخدام "القوة المطلوبة"، لم تبد قوات الأمن سوى "الحد الأدنى من المقاومة" قبل أن تتمكن الاحتجاجات من اجتياحها، واضطُر الرئيس إلى أن يلوذ بالفرار. 

ووفق "وول ستريت جورنال"، قد يكون "من السابق لأوانه الحكم بانزواء نفوذ أسرة راجاباكسا عن سريلانكا". فعبر تأييد تحالف الأغلبية الذي تقوده الأسرة، انتخب البرلمان السريلانكي، في 20 يوليو، رانيل ويكريميسنجه، الذي عينه راجاباكسا، رئيساً للوزراء بعد استقالة شقيقه ماهيندا في مايو، رئيسا للبلاد.  

وقال أعضاء حزب بودوجانا بيرامونا سريلانكا للصحيفة إن أحد أعضاء أسرة راجاباكسا "لا يزال بإمكانه التمسك ببطاقة خوض الانتخابات الرئاسية القادمة في 2024"، في إشارة ربما إلى نامال، نجل ماهيندا. 

رغم ذلك، اعتبرت الصحيفة الأميركية أن أي إحياء للحظوظ السياسية لأسرة راجاباكسا "سيعتمد بالأساس على قدرة الإخوة راجاباكسا على رأب الصدع فيما بينهم". 

اقرأ أيضاً:

تصنيفات