ماذا يعني رفض الكونجرس رفع سقف الدين الأميركي؟

time reading iconدقائق القراءة - 10
لوحة إعلانية في واشنطن تحذر من أن "الدين الوطني بلغ 28 ترليون دولار ويستمر في الارتفاع"- 4 ديسمبر 2021 - REUTERS
لوحة إعلانية في واشنطن تحذر من أن "الدين الوطني بلغ 28 ترليون دولار ويستمر في الارتفاع"- 4 ديسمبر 2021 - REUTERS
دبي- الشرق

اصطدمت مساعي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لرفع سقف الديون الأميركية بالرفض من قبل الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب، ما يهدد بدفع أكبر اقتصاد في العالم نحو الركود.

ورُفع سقف الدين في الولايات المتحدة عدة مرات مع مرور السنوات كان آخرها في ديسمبر 2021، حين أقرّ مجلس النواب الأميركي تشريعاً لزيادة سقف الديون بمقدار 2.5 تريليون دولار إلى 31.4 تريليون، بهدف تفادي أي تخلف عن سداد ديون الحكومة.

غير أن انقسام الكونجرس إثر سيطرة الجمهوريين على الأغلبية بمجلس النواب خلال الانتخابات النصفية الأخيرة بات يهدد بفشل مساعي إدارة بايدن في رفع سقف الديون مجدداً، إذ يحاول الجمهوريون االدفع إلى مفاوضات مع البيت الأبيض للموافقة على رفع سقف مقابل خفض الإنفاق الحكومي.

ويُلقي الجمهوريون تكراراً باللوم على  خطة بايدن للإنقاذ والتي تبلغ قيمتها 1.9 تريليون دولار مع الإنفاق الحكومي الآخر على أنهما سببان رئيسيان للتضخم.

في المقابل، يرفض البيت الأبيض التفاوض بشأن خطط الإنفاق الحكومي، إذ قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان-بيار: "لن تكون هناك مفاوضات بشأن سقف الدين. لن نفعل ذلك. هذا واجبهم الدستوري".

فما أهمية رفع سقف الديون بالنسبة للاقتصاد الأميركي؟ وما الذي قد يحدث في حال عدم نجاح مساعي إدارة بايدن في  إعادة تحديد سقف للدين الأميركي؟

ماذا يعني سقف الديون؟

سقف الديون هو قيد قانوني وضعه الكونجرس للمرة الأولى عام 1917، وبموجبه يحدد الكونجرس أكبر مبلغ مسموح للولايات المتحدة استدانته للإنفاق على تسيير الحكومة، وفق "واشنطن بوست".

وحدد الكونجرس السقف آخر مرة في ديسمبر 2021 عند 31 تريليوناً و400 مليار دولار. ويتعين على الكونجرس أن يصوت مجدداً على رفع ذلك السقف، مع تضخم الدين الحكومي واقترابه من السقف الحالي.

وبينما يكون إقرار رفع سقف الدين إجراءً روتينياً حينما يسيطر الحزب الحاكم على مجلسي النواب والشيوخ، فإنه يأخذ طابعاً سياسياً عندما يكون الكونجرس منقسماً، كما هو الحال الآن.

وقال القادة الجمهوريون الرئيسيون بمجلس النواب إنهم يريدون استخدام مفاوضات سقف الدين، للضغط على البيت الأبيض لتنفيذ تغييرات في الضمان الاجتماعي وأهلية الرعاية الطبية والحد الأقصى للإنفاق ومتطلبات شبكة الأمان.

ماذا يحدث حين يُرفع السقف؟

في معظم السنوات، يتجاوز حجم إنفاق الحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة مجموع إيراداتها ، لذلك يتعين على الحكومة اقتراض الأموال لتغطية النقص. هذا يعني أن الحكومات المتعاقبة على الولايات المتحدة وصلت في مرات عديدة إلى سقف الديون الممكن، ما استدعى رفعه مجدداً.

ووفقاً لوزارة الخزانة الأميركية، فإن سقف الديون تعرض للرفع والتمديد والتعدل 79 مرة منذ عام 1960، بواقع 50 مرة في ظل رؤساء جمهوريين و29 مرة في عهد إدارات الديمقراطيين.

وعند إقرار رفع سقف الديون، سيكون بإمكان الحكومة الفيدرالية اقتراض الأموال التي تحتاجها من أجل الإيفاء بالتزاماتها القانونية الحالية والتي تشمل تمويل مزايا الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، ودفع الرواتب العسكرية بالإضافة إلى مدفوعات أخرى.

وسيسمح رفع سقف الديون لوزارة الخزانة بتجديد مخزونها المستنفد من السيولة، وإزالة مخاطر عدم سداد الأوراق المالية الحكومية. ويتم الاقتراض عن طريق إصدار وزارة الخزانة الأميركية لأدوات الدين، لاسيما السندات.

ماذا لو لم يُرفع السقف؟

في حال وصول ديون الحكومة الفيدرالية الأميركية إلى الحد الأقصى الحالي البالغ 31.4 تريليون وفشل نجاح مساعي رفع السقف، فإن ذلك سيدفع الولايات المتحدة نحو التخلف عن السداد وستضطر لاقتطاعات في النفقات. 

وبحسب "واشنطن بوست"، فإن الحكومة ستضطر حينها إلى تحديد الأولويات من بين النفقات المُلزمة بدفعها قانوناً، ولكنها لن تكون قادرة على اقتراض الأموال لسدادها. وضمنها نفقات الضمان الاجتماعي ورواتب الموظفين الفيدراليين ورواتب الجيش ومدفوعات الفوائد.

وأظهر بيان وزارة الخزانة الأسبوع الماضي، أن عجز الميزانية في الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر 2022 ارتفع إلى 421 مليار دولار، مدفوعاً إلى حد كبير بصعود النفقات المرتبطة بارتفاع التضخم على أساس سنوي، فيما بلغ عجز الميزانية لسنة 2022 المالية 1.38 تريليون دولار منخفضاً من 2.78 تريليون دولار في العام المالي الأسبق.

وصعدت مدفوعات الفوائد على الدين العام بمقدار 57 مليار دولار أو 37% على أساس سنوي لتصل إلى 210 مليارات دولار.

واضطرت وزارة الخزانة إلى دفع معدلات فائدة أعلى للمستثمرين للاكتتاب في إصدارات الديون الجديدة بعدما رفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة القياسي لمكافحة التضخم.

ولم يسبق للولايات المتحدة أن تخلّفت عن سداد مستحقات ديونها. وفي حال حدوث هذا السيناريو، فإن الاقتصاد الأميركي سيشهد حالة عدم يقين قد تعمق انكماشه وتدفعه نحو الركود.

وإذا دفع الجدال في 2023 الولايات المتحدة نحو التخلف عن السداد، فسيكون ذلك أكثر ضرراً، كما حذّرت مذكرة بحثية صادرة من "أليانز" (Allianz) جاء فيها: "يمكن أن ترتفع أسعار الفائدة على سندات الخزانة بحدة، وقد تعاني أسواق المال الأميركية والعالمية من خسائر فادحة للغاية"، بحسب وكالة "بلومبرغ".

من جانبها، أوضحت "واشنطن بوست"، أن مثل هذا السيناريو يمكن أن يغرق الولايات المتحدة على الفور في الركود.

ونقلت الصحيفة عن  جيف شتاين مارك زاندي ، كبير الاقتصاديين في Moody's Analytics القول إن هذا السيناريو "سيكلف الاقتصاد الأميركي ما يصل إلى 6 ملايين وظيفة وسيمحي ما يصل إلى 15 تريليون دولار من ثروة الأسر المعيشية، وسيرفع معدل البطالة إلى حوالي 9% من 5%".

ماذا سيحدث الآن؟

ومع استمرار معارضة الجمهوريين بمجلس النواب، قالت وزيرة الخزانة جانيت يلين، الخميس، إن الحكومة تقترب فعلياً من الحد القانوني المسموح به للاقتراض والبالغ 31.4 تريليون دولار، وعند هذه النقطة سوف يتم اللجوء الى مناورات محاسبية لتجنب التخلف عن السداد بشكل مؤقت.

ويعتبر خبراء أنه حتى مع هذه المناورات ستجد الحكومة نفسها في غضون أشهر من جديد عند حافة الهاوية المالية، وعلى الأرجح في شهر يونيو تقريباً.

وحذرت يلين في رسالة إلى رئيس مجلس النواب، وزعيم الأغلبية الجمهورية كيفين مكارثي من أن وزارتها لا يمكنها التنبؤ إلى متى يمكن أن تؤجل  هذه المناورات موعد الوصول إلى الحد الأقصى الحالي للدين البالغ 31.4 تريليون دولار .

وقد يضطر البيت الأبيض إلى التفاوض مع الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب قبل الوصول إلى سقف الديون. 

هل يعيد التاريخ نفسه؟

أشار عدد من الاقتصاديين في بحثهم عن أوجه التشابه التاريخية بين الوضع الحالي وأزمة سقف الدين لعام 2011، عندما طالب الحزب الجمهوري الذي استعاد سيطرته على مجلس النواب في 2010، بأن يعرض الرئيس آنذاك باراك أوباما تخفيض العجز مقابل زيادة حد الدين.

ورغم أنه تم التوصل حينها إلى اتفاق في اللحظة الأخيرة، إلا أن الأسواق المالية العالمية تراجعت، واتخذت شركة "ستاندرد آند بورز" قراراً غير مسبوق بخفض تصنيف الديون السيادية للولايات المتحدة فارتفعت تكاليف الاقتراض الحكومي، وفق "بلومبرغ".

وكان لانقسام الكونجرس في بدايات 2010 عواقب بعيدة المدى، إذ تضمنت الفترة التي أعقبت الانتخابات النصفية لعام 2010 بعضاً من أقل الجلسات التشريعية إنتاجية في التاريخ الحديث، وشهدت سجالات سياسية فوضوية بين الحزبين بشأن الإنفاق الحكومي.

وارتفعت احتمالات حدوث ركود في الولايات المتحدة مع سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب في الانتخابات النصفية الأخيرة لعام 2022، إذ رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بأسرع وتيرة منذ الثمانينات استجابةً للتضخم المستحكم.

وقال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إنه ما يزال بإمكان الولايات المتحدة تجنب الركود، رغم اعترافه بضيق الوقت المتاح لذلك.

وتفضّل شركات "وول ستريت" والمستثمرين عادة على المدى القصير الجمود التشريعي على اللوائح والضرائب الجديدة، ويمكن أن يساعد الإنفاق الحكومي الأقل على تهدئة الطلب، وهو أمر أساسي لكبح التضخم. لكن انقسام الكونجرس، إضافة إلى المخاطر العالمية المتزايدة الآتية من روسيا والصين، تزيد من عدم اليقين.

وقد يؤدي عدم اتخاذ الكونجرس لإجراء إلى مزيد من الضغط على بنك الاحتياطي الفيدرالي لإخراج الاقتصاد من الركود الذي قد يمثّل رفع أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي جزءاً كبيراً منه، وفق "بلومبرغ".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات