"سوريون ماتوا بصمت".. قصة مدن زارها الزلزال وغابت عنها المساعدات

time reading iconدقائق القراءة - 7
رجل يقف أمام حطام بيته الذي دمره الزلزال في بلدة القدموس التابعة لمحافظة طرطوس شمال غربي سوريا - الشرق
رجل يقف أمام حطام بيته الذي دمره الزلزال في بلدة القدموس التابعة لمحافظة طرطوس شمال غربي سوريا - الشرق
دمشق-الشرق

تجاوزت حصيلة ضحايا الزلزال المدمّر في سوريا وتركيا41 ألف شخص بينهم من قضوا في بلدات منسية غابت عن وسائل الإعلام مثل القدموس، سطامو، الحفة، عين الكروم، نبل الخطيب، الخندق، حرستا وعشرات البلدات والقرى في مختلف أرجاء سوريا.

وعلى الرغم من غياب هذه البلدات والقرى السورية عن وسائل الإعلام إلا أنها شكلت حضوراً مؤلماً في الكارثة بحسب ما قال سكانها لـ"الشرق".

20 عائلة بلا مأوى في "القدموس"

"هل يجب أن تقع المنازل على رؤوسنا حتى يذكرنا أحد؟" بنبرة غاضبة يعتبُ أبو آدم سليم كيف تُرك لوحده مع 17عائلة أخرى في العراء، من دون مأوى ولا أية مساعدة، جراء الزلزال الذي ضرب بلدته القدموس الواقعة في محافظة طرطوس شمال غربي البلاد.

وتدمّرت المدينة القديمة في القدموس، وأخلي نحو 20 منزلاً، منها ما انهار بشكل كامل، ومنها ما تدمّر جزئياً، ومنازل أخرى آيلة للسقوط أخليت حرصاً على سلامة قاطنيها.

ويقول أبو آدم (60 عاماً): "لطالما شعرنا أننا منسيون ومغيّبون، لكن كارثة الزلزال رسّخت فينا هذه الفكرة، نحن بشرٌ أيضاً ونستحق المساعدة".

ويؤكّد أبو آدم أن جزءاً كبيراً من المدينة القديمة قد تهاوى من الهزّة الأولى، ونقلت المديرية العامة للآثار والمتاحف سقوط أجزاء من قلعة القدموس وانهيارها على المنازل السكنية المحيطة بها.

ويروي شقيقه سليم سليم لـ"الشرق" قائلاً: "يعيش الواحد منا عمره كاملاً ليشتري أو يبني منزلاً، ويراه ينهار أمام عينه في ثواني".

ويضيف: "ليس لي مكان أعيش فيه الآن مع عائلتي، وسأذهب مؤقتاً إلى منزل أختي، لكن إلى متى؟".

ولم يُفتتح في القدموس أي مركز إيواء يلجأ إليه المتضررون من الزلزال، ويبحث الناجون عن وسيلة لإيصال صوتهم، علّهم يحظون بشيء من المساعدات التي ترسلها الدول والجميعات الخيرية.

مآذن هوت في حماة

حين بدأ الزلزال في دمشق، خرج المؤذنون على مآذنها وطلبوا من الناس الدعاء والصلاة والخروج من المنازل المتصدعة، لكن ذلك لم يكن متاحاً في مدينة حماة التي تهاوت فيه المئذنة تلو الأخرى.

فسقطت أولاً مئذنة جامع علي في سوق الشجرة، تلتها مئذنة جامع عثمان، ثم جامع النور، ثم مآذن أخرى أطاحت بها الهزة، وعرف الناس حينها أن الصباح سيحملُ كارثة.

لم ينل مدينة حماة من نصيب التغطية الإعلامية إلا اليسير، وانحصرت في حي الأربعين بداية، لكن أكثر من 30 شخصاً قضوا في أريافها، ولا سيما في مدينة مورك المحاذية لمحافظة إدلب شمال غربي البلاد.

ويقول مسؤول في بلدية سهل الغاب التابعة لمحافظة حماة مفضلاً عدم الكشف عن اسمه لـ"الشرق": "انهارت منازل في بلدات عين الكروم وتل الحوائق وبلدة العبر وقرية الشجر وقرى الجيد ونبل الخطيب والرصيف والخندق".

وأضاف المسؤول: "هناك العشرات من الضحايا والمصابين، لكن هذه المناطق نائية ولم تصلها عدسة الكاميرات بعد".

وتشققت العديد من شوارع مدينة حماة، ووصلت التصدعات إلى أبنية عديدة، واستقبلت المدينة عوائل نازحة من أرياف حماة الشمالية، ومن ريف السلمية شرقي المحافظة.

ويُتابع المسؤول: "هذه القرى صغيرة وسكانها فقراء، ولا يبدو أن أحداً قد سمع بهم"، مشيراً إلى أنه انتشرت بعض الصور لمواقع الدمار على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها لم تلقَ رواجاً كافياً.

ويصف لحظة وقوع الزلزال بأنها أشبه بـ"يوم القيامة" ويقول: "وضعتُ الوسادة فوق رأسي لأتجنّب سقوط أي شيء من السقف، وصرت أتلو آيات من القرآن الكريم لأنني اعتقدتُ أنها لحظاتي الأخيرة في حياتي".

"جنازات صامتة"

يتصل ريف محافظة إدلب الجنوبي بريف محافظة اللاذقية الشمالي، وامتدّت الهزة القوية لتطال قريتان صغيرتان في ريف المدينة الساحلية هما سطامو والحفة، واللتان غابتا أيضاً عن وسائل الإعلام، وسجّل فيهما دمارٌ كبير بالمنازل والأبنية، لكن حصيلة الضحايا والإصابات ظلت غائبة أيضاً.

وتقول حلا مهنا، وهي عاملة في إحدى المنظمات الإغاثية بمدينة اللاذقية: "وصلتنا نداءات للاستجابة هناك، لكن لم يكن لدينا ما يكفي من العتاد والسيارات والفريق".

وتضيف: "علمنا أن كل شيء انتهى، مات من مات، وعاش من عاش، لذا فضلنا أن نركز جهدنا على المناطق الأخرى".

وتقف الفرق الإغاثية عاجزة أمام هول الدمار واتساع الرقعة الجغرافية التي شملها الزلزال. وبعضها يعمل لأكثر من عشرين ساعة متواصلة بدون توقف، ويتناوبون على مدار الأيام الماضية على أمل يتناقص في العثور على ناجين.

فيما لم تصل إلى هاتين البلدتين أية شاحنة مساعدات ولا أي مبلغ نقدي.

وتقول حلا مهنا: "هناك فوضى وربما هذا أمر منطقي في حالة كهذه، لكن لا يجب أن تبقى منطقة بدون إغاثة مهما كانت بعيدة، ومهما كان الدمار فيها محدوداً".

وتتابع: "أنا متأكدة أن جنازات صامتة خرجت في هذه البلدات، ولم يسمع بها أحد"

"وحّد مصابنا"

ورغم أن الأحياء الشرقية في مدينة حلب قد حازت أكبر الاهتمام الإعلامي، إلا أن مناطق أحياء الأشرفية والشيخ مقصود والفردوس والسكري قد سقطت تماماً أيضاً من حصة المساعدات والتغطية الصحافية.

ويُعلّل البعض ذلكبوقوع هذه المناطق تحت سيطرة الإدارة الكردية، ما جعل الحديث عنها أكثر في وسائل الإعلام الكردية ذات الانتشار المحدود.

ويؤكد عارف عبد الوهاب أن هناك ضحايا أكراد سقطوا إلى جانب اخوتهم العرب، ويُضيف: "هذا الزلزال وحّد مصابنا، فلم يميز بين عربي وكردي، أو بين موال أو معارض أو مسلم أو مسيحي".

ويعمل عبد الوهاب (35 عاماً) في مكتبة وسط مدينة حلب، ولا يزال يتردّد صدى الهزة في رأسه كل يوم قبل أن ينام.

ويُضيف: "لم أستطع النوم بشكل متواصل لأكثر من ساعتين منذ وقوع الزلزال (..) لا زلتُ أفكر في تلك اللحظة كأنها وقعت الآن".

الزلزال وصل إلى دمشق

ربّما قلة من يعرفون أن دمشق دخلت في سجلات ضحايا الزلزال بشخصين توفيا تحت أنقاض بناء انهار في مدينة حرستا بالغوطة الشرقية.

ورغم أن العاصمة سجلت أقلّ حصيلة بالوفيات والمصابين، إلا أن الآلاف من أهل المنطقة باتوا تحت الخطر بسبب تصدع المنازل.

وتقول عائشة مستو (53 عاماً) لـ"الشرق"، إن "معظم منازل الغوطة متصدّعة جراء القصف والمعارك طيلة سنوات".

وتشيرُ بيدها إلى شقّ ملحوظ في سقف منزلها وتضيف: "هذا الشق كان صغيراً قبل الزلزال وصار الآن أكبر، وهناك المئات من التشققات في منازل سكان الغوطة".

وتجد عائشة نفسها أمام خيارين، أحلاهما مرّ، إما العراء لها ولعائلتها، أو النوم تحت سقف مهدّد بالسقوط في أية لحظة.

وتضيف الأم التي تشرف على تربية 5 أطفال وفقدت زوجها خلال الحرب: "سنموت في كلا الحالتين، لكن العراء سيقتلنا ببطء، أفضل الموت دفعة واحدة على الموت برداً مع أطفالي".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات