بوتين في مرمى الاتهامات.. من هو "مجرم الحرب" وكيف يُحاكم؟

time reading iconدقائق القراءة - 11
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحضر اجتماعاً حكومياً عبر الفيديو، موسكو- 10 مارس 2022 - via REUTERS
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحضر اجتماعاً حكومياً عبر الفيديو، موسكو- 10 مارس 2022 - via REUTERS
دبي-الشرق

بعدما وصف الرئيس الأميركي جو بايدن، نظيره الروسي فلاديمير بوتين بأنه "مجرم حرب" بسبب غزو أوكرانيا، أصبح الأخير في مرمى الاتهامات، ولا سيّما بعد مطالبة كييف، الاتحاد الأوروبي، باعتبار بوتين "مجرم حرب" أيضاً.

وترى وكالة "أسوشيتد برس"، أن إعلان شخص ما "مجرم حرب" ليس سهلاً، وذلك في ظل التعريفات والتحقيقات اللازمة لتحديد الاتهام، وكيف يُحاكم؟.

بينما ألمحت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، الأربعاء، أن استخدام بايدن لهذا المصطلح كان من منطلق "البُعد العاطفي"، مشيرة إلى أنَّ الرئيس "كان يتحدث من صميم قلبه"، لافتة إلى تصريحاتها السابقة بأن هناك إجراءات محدَّدة لاتخاذ قرار رسمي في هذا الصدد.

ومنذ إعلان روسيا عن "عملية عسكرية خاصة" على الأراضي الأوكرانية، تجنّب البيت الأبيض وصف بوتين بهذا الاتهام، معتبراً أنه يتطلب تحقيقاً، وقراراً دولياً.

وفي وقت سابق الخميس، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إنه لا يمكن إنكار أن روسيا تقوم بجرائم حرب على الأرضي الأوكرانية، لافتاً إلى أن القوات الروسية تستهدف المدنيين منذ بدء غزو الأراضي الأوكرانية.

التحقيقات انطلقت

ونقلت الوكالة الأميركية، عن ناشط لعقود في مجال جرائم الحرب، ديفيد كرين، أنه "من الواضح أنَّ بوتين مجرم حرب، لكن الرئيس (بايدن) يتحدث سياسياً في هذه المسألة".

ويبدو، بحسب "أسوشيتد برس"، أن التحقيقات في أعمال بوتين بدأت بالفعل، إذْ تعمل الولايات المتحدة مع 44 دولة أخرى للتحقيق في ما يعتبرونه انتهاكات وتجاوزات محتملة، وذلك بعد صدور قرار لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يدعو إلى إنشاء لجنة تحقيق دولية مستقلة.

وعن هذه التحقيقات، قال كرين الذي يرأس حالياً "الشبكة العالمية للمساءلة" المنخرطة في أنشطة قضائية ومدنية مع محكمة الجنايات، والأمم المتحدة: إنَّ "الموضوع لا يزال في بداياته".

وأوردت الوكالة أن كرين لديه فريق يعمل على جمع ما يعتبرونه معلومات جنائية بشأن جرائم حرب منذ اجتياح روسيا الأراضي الأوكرانية، كما أنه يُحضّر مسودة للائحة اتهام ضد بوتين.

وتوقَّع كرين إمكانية صدور لائحة اتهام ضد الرئيس الروسي في غضون عام من الآن، علماً بأنَّ قانون السقوط بالتقادم، لا ينطبق على هذه الحالة.

كما تجري محكمة الجنايات الدولية بالتزامن مع ذلك، وهي هيئة مستقلة تتخذ من هولندا مقراً لها، تحقيقاً منفصلاً.

من هو مجرم الحرب؟

وتحمل عبارة "مجرم حرب" في التداول الشعبي معنى عامياً يُحيل في المجمل إلى شخص "مروِّع"، ولكن المصطلح ينطبق على أي شخص يخالف مجموعة القواعد التي تبناها قادة العالم والمعروفة بـ"قانون النزاعات المسلحة". وتحكم هذه القواعد سلوك الدول في أزمنة الحرب، بحسب "أسوشيتد برس".

وخلال القرن الماضي، تعرَّضت هذه القواعد للتنقيح والتوسيع، بناءً على اتفاقيات جنيف في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبروتوكولاتها الإضافية التي تم اعتمادها لاحقاً.

وتهدف هذه القواعد، بحسب الوكالة، إلى حماية الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال، وأولئك الذين باتوا عاجزين عنه، بما في ذلك المدنيون مثل الأطباء والممرضات، والجنود الجرحى، وأسرى الحرب.

وتحدد المعاهدات والبروتوكولات أيضاً من يمكن استهدافه، وبأي أسلحة، حيث تنص في هذا الصدد على حظر أسلحة معينة، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.

ما جرائم الحرب؟

تشمل "الانتهاكات الخطيرة" لاتفاقيات جنيف، والتي قد ترقى إلى جرائم حرب: "القتل العمد، والتدمير الواسع النطاق للممتلكات والاستيلاء عليها"، دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك.

كما تشمل جرائم الحرب الأخرى الاستهداف المتعمّد للمدنيين، والاستخدام المفرط للقوة، واستخدام الدروع البشرية، وأخذ الرهائن.

وتلاحق محكمة الجنايات الدولية أيضاً، ما يُعرف بـ"الجرائم ضد الإنسانية"، وهي تلك التي يتم ارتكابها "في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجّه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين".

ويشمل هذا المفهوم "القتل العمد، والإبادة، والنقل القسري للسكان، والتعذيب، والاغتصاب والاسترقاق الجنسي".

ما علاقة بوتين؟

واعتبرت "أسوشيتد برس" أنَّ الطريقة الأرجح لإدراج بوتين ضمن هذا التصور باعتباره مجرم حرب، إنما تكون من خلال المبدأ القانوني المعروف بـ"مسؤولية القيادة".

وينص هذا المبدأ على أن القادة مسؤولون جزائياً عن الجرائم التي ترتكبها فرقهم إذا عرفوا، أو كان بوسعهم معرفة أنهم يرتكبون مثل هذه الجرائم ولم يتخذوا كل التدابير اللازمة والمعقولة التي تخولها لهم سلطتهم لمنع ارتكابها أو لمعاقبة الأشخاص المسؤولين عنها.

ما مسارات العدالة؟

توضح "أسوشيتدبرس" أن هناك 4 مسارات للتحقق من جرائم الحرب والبت فيها، أولها محكمة الجنايات الدولية، وثانيها أن تحول الأمم المتحدة عملها ضمن لجنة التحقيق إلى ما يعرف بالمحاكم الجنائية والهيئات القضائية الدولية والمختلطة الخاصة بالنظر في جرائم الحرب، وذلك بهدف ملاحقة بوتين قضائياً.

أما المسار الثالث، فيتمثل في إنشاء محكمة أو هيئة للمحاكمة، من خلال مجموعة من الدول المهتمة أو المعنيّة بهذا الأمر، وذلك بالقياس على الوضع القائم، فستشمل دولاً من قبيل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة.

ويشكّل مثول قادة نازيين أمام محاكم عسكرية في مدينة نورمبرغ الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، مثالاً على ذلك.

والمسار الرابع، حيث يوجد لدى بعض الدول قوانينها الخاصة لملاحقة ما تعتبره جرائم حرب، فعلى سبيل المثال، فتحت ألمانيا تحقيقاً بشأن بوتين، أمَّا الولايات المتحدة فإنها وإن لم تعتمد قانوناً مشابهاً، إلّا أن وزارة العدل الأميركية تضم قسماً خاصاً يركّز على ممارسات معينة، بما في ذلك الإبادة الجماعية (دولياً)، والتعذيب، وتجنيد الأطفال، وتشويه البشر.

أين يمكن محاكمة بوتين؟

وتساءلت "أسوشيتدبرس" أين يمكن محاكمة بوتين، حال إدراجه كـ"مجرم حرب" ضمن أحد المسارات السابقة، من خلال محاولات دولية في هذا الصدد. لتجيب: "الأمر ليس واضحاً، فروسيا لا تعترف بالولاية القضائية لمحكمة الجنايات الدولية، ولن ترسل أي مشتبه فيه إلى مقر المحكمة في لاهاي بهولندا. كما أن الولايات المتحدة لا تعترف أيضاً بسلطة المحكمة".

وقالت الوكالة الأميركية إنه يمكن محاكمة بوتين في بلد تختاره الأمم المتحدة، أو تحالف من الدول المعنيّة بهذا الأمر، لكن إحضاره إلى واشنطن سيكون صعباً.

الوقائع السابقة

منذ محاكمات ما بعد الحرب العالمية الثانية في نورمبرج وطوكيو، وحتى المحاكم التي أقيمت حديثاً، خضع قادة بارزون للمحاكمة نتيجة أفعالهم في دول مثل البوسنة وكمبوديا ورواندا.

ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش الذي حوكم في محكمة جنائية دولية أنشأتها الأمم المتحدة، وذلك بسبب تحريضه على إثارة النزاعات الدامية إبان تفكك يوغسلافيا في مطلع تسعينيات القرن الماضي. وتوفي في زنزانته عام 2006 قبل أن تُصدر المحكمة قرارها.

كما حوكم حليفاه، القائد السياسي لصرب البوسنة رادوفان كاراجيتش، وقائدهم العسكري الجنرال راتكو ملاديتش، ويقضيان الآن عقوبة السجن المؤبّد.

 وحُكم على الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور بالسجن 50 عاماً، بعد إدانته بتقديم الدعم المالي والمعنوي واللوجستي للمتمردين خلال الحرب الأهلية في سيراليون. كما أن الرئيس السابق لتشاد، حسين حبري الذي توفي العام الماضي، كان أول رئيس دولة سابق يُدان بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، أمام محكمة إفريقية، قضت عليه بالسجن المؤبَّد.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات