"رويترز": متاعب لبنان تعزله تدريجياً عن النظام المالي العالمي

time reading iconدقائق القراءة - 6
مصرف لبنان المركزي في العاصمة بيروت- 23 أبريل 2020 - REUTERS
مصرف لبنان المركزي في العاصمة بيروت- 23 أبريل 2020 - REUTERS
بيروت/لندن-رويترز

نلقت وكالة "رويترز"، عن مصادر مطلعة، قولها إن بنوكاً أجنبية من بينها "إتش.إس.بي.سي"، و"ولز فارغو"، بدأت بقطع العلاقات مع مصرف لبنان المركزي، ما يسلط الضوء على عزلة دولية يعيشها البلد في خضم أسوأ أزمة اقتصادية يواجهها منذ عقود.

وكان حاكم البنك المركزي، رياض سلامة، حذر في خطاب للمدعي العام اللبناني الأسبوع الماضي، من أن بنوك المراسلة الأجنبية تشرع في تقليص علاقتها بالنظام المالي المحلي، في حين أغلق "ولز فارغو" حساباً دولارياً للبنك المركزي، وأغلق "إتش.إس.بي.سي" حسابه بالجنيه الإسترليني، وذلك بحسب 3 مصادر من القطاع المصرفي والقضاء.

وقال مصدر قضائي، إن سلامة تحدث عن "صدمات سلبية" في العلاقة بين البنك المركزي وبنوك المراسلة الأجنبية، وهو ما اعتبر أنه "سيجعل من الصعب على لبنان تحويل المدفوعات الأجنبية واستيراد السلع الأساسية".

ولم يرد البنك المركزي على طلب للتعقيب. وامتنع "ولز فارغو"، و"إتش.إس.بي.سي" عن التعليق.

وأشارت مصادر مصرفية إلى أن البنكين، إلى جانب "بنك أوف أميركا" و"دويتشه بنك"، كانا من البنوك التي قلصت أيضاً أنشطتها مع البنوك اللبنانية في عدة مجالات، مثل المدفوعات العابرة للحدود وخطابات الاعتماد.

لكن المصادر أكدت أن بنوكاً أخرى، مثل "جيه.بي مورغان"، و"بنك أوف نيويورك ميلون"، و"سيتي"، و"كومرتس بنك"، ما زالت نشطة.

وامتنع "دويتشه بنك"، و"جيه.بي مورغان" عن التعليق. ولم ترد البنوك الأخرى حتى الآن على طلبات للتعقيب.

حذر من التعامل مع لبنان

وتتوخى البنوك الأجنبية الحذر تجاه لبنان منذ تعثر الحكومة في سداد ديونها العام الماضي، وصاروا أكثر قلقاً مع انهيار العملة، وأزمة تشكيل الحكومة الجديدة التي تفاقمت خلال الأشهر الأخيرة، ما يبدد الآمال في إنعاش محادثات تمويل مع "صندوق النقد الدولي".

وقال أحد المصادر، وهو مصرفي لبناني كبير: "في هذه البنوك، عندما يبحثون عن لبنان، ويرون المستويات المنخفضة للاحتياطيات الأجنبية والتعثر في السداد.. وتضرر السمعة والفساد، وهذا الوضع المثير للاشمئزاز الذي نعيشه، فماذا عساهم قائلين؟ بالطبع يقولون إن من الأفضل عدم التعامل معهم".

ويأتي الخطاب الذي وجهه سلامة للمدعي العام، في وقت يواجه فيه تدقيقاً متزايداً، سواء في الداخل أو في أوروبا، بخصوص دوره في الأزمة المالية. كما ثمة تحقيق سويسري مرتبط بمصرف لبنان المركزي.

وأضاف مصدر قضائي أن خطاب سلامة أورد أن "جيه.بي مورغان"، لا يزال يقدم خطابات اعتماد ضرورية لمساعدة لبنان على استيراد الوقود وسلع أخرى. وامتنع "جيه.بي مورغان" عن التعقيب.

لكن دعم السلع الأساسية، والذي تغذيه الاحتياطيات الأجنبية الشحيحة، غير مستقر بالفعل. وقال وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال لـ"رويترز"، هذا الأسبوع، إن الأموال المخصصة لتمويل واردات القمح والوقود والأدوية ستنفد بنهاية مايو المقبل.

وقال خالد عبد المجيد، مدير صناديق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى شركة استشارات الاستثمار "سام كابيتال بارتنرز"، في لندن: "في ظل هذا الوضع، انسحاب بعض البنوك من لبنان ليس مفاجأة. السؤال يتعلق أكثر بعدم وجود أموال لشراء أي شيء. أعتقد أن بلوغ هذه المرحلة سيكون قبل انسحاب البنوك الأخرى".

خطر للبنوك الدولية

وتفيد أحدث البيانات من "بنك التسويات الدولية"، بأن ودائع البنوك اللبنانية لدى بنوك نشطة دولياً بلغت 16.7 مليار دولار في نهاية سبتمبر 2020، وهو أقل من نصف مستواها قبل ذلك بعامين.

وأظهرت الأرقام أن الجزء الأكبر من الودائع تحتفظ به بنوك من سويسرا، ثم بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا.

وبسبب دور "حزب الله" المدعوم من إيران في لبنان، تُعتبر بعض بنوك البلاد منذ وقت طويل مكمن خطر بالنسبة للبنوك الدولية، إذ يواجه بعضها عقوبات أميركية على خلفية التعامل مع إيران.

وزاد الإحجام عن المخاطرة، بعد أن تدهور تصنيف لبنان الائتماني السيادي في السنوات الأخيرة، إذ يتنامى القلق حيال القدرة على خدمة الدين العام. وتحوم نسبة دين لبنان إلى الناتج المحلي الإجمالي قرب 200% حالياً.

ومنذ ذلك الحين، تتبادل الدولة المثقلة بالديون والبنك المركزي الاتهامات بالمسؤولية عن الأزمة، الأسوأ للبنان خلال عقود.

وحالت البنوك المصابة بحالة من الشلل، وهي أكبر دائني الحكومة، بين المواطنين وودائعهم بموجب قيود غير رسمية على حركة رؤوس الأموال مفروضة من دون تشريع منذ أواخر 2019، ما أضر بصورة القطاع المصرفي اللبناني كدعامة للاستقرار.

وقال مصرفي كبير، إن بعض البنوك الأصغر حُرمت من علاقات المراسلة المصرفية، الأمر الذي جعلها تعتمد على بنوك لبنانية ما زالت تحتفظ بمثل تلك العلاقات إذا أرادت، على سبيل المثال، تسوية تحويل دولي دولاري.

وأضاف المصرفي نفسه، أن بنوكاً عديدة ممنوعة من فتح خطابات اعتماد مع البنوك الأجنبية، إذ يتعين عليها تقديم ضمانات مقابل كامل مبلغ التسهيل.

وعلى الرغم من ذلك، قال مصدر بأحد أكبر البنوك اللبنانية لـ"رويترز"، إنه لا يواجه أي صعوبات مع بنوك المراسلة. وبيّن مصدر مصرفي آخر أنه "نحن على ما يرام حتى الآن.. لكن إذا توقف عدد كبير من بنوك المراسلة عن العمل مع البنوك اللبنانية، فسنواجه مشاكل خطيرة".