تقرير: اقتصاد الصين صوب هبوط قاسٍ.. ووقت رئيسها بدأ ينفد

time reading iconدقائق القراءة - 9
شاشة عملاقة في بكين تعرض بثاً حياً يُظهر الرئيس الصيني شي جين بينج وهو يخاطب قادة العالم في "قمة العشرين"، 31 أكتوبر 2021 - REUTERS
شاشة عملاقة في بكين تعرض بثاً حياً يُظهر الرئيس الصيني شي جين بينج وهو يخاطب قادة العالم في "قمة العشرين"، 31 أكتوبر 2021 - REUTERS
دبي-الشرق

تساءلت مجلة "فورين آفيرز" الأميركية عن مدى القلق الذي يجب أن يشعر به المراقبون بشأن اقتصاد الصين، قائلة إنه في منتصف الصيف الماضي، بدا هذا السؤال وكأنه مجرد سؤال أكاديمي يتحدث عن مخاوف بعيدة المدى، ولكن في الأشهر الأخيرة، ظل المراقبون يشعرون بالفزع كلما تحركت بكين لممارسة دور أكبر على الشركات المزدهرة التي تعتبرها المكون الأساسي للقدرة التنافسية والنمو والوظائف في المستقبل. 

وأضافت المجلة في تقرير نشرته الجمعة، أنه رداً على الشكوك الجديدة حول الهدف من الحملات السياسية التي تفرضها بكين على الشركات، تنافس رواد الأعمال في القطاع الخاص في البلاد لإظهار ولائهم للقادة بدلاً من الشكوى، فيما تراجعت مخاوف العديد من المستثمرين الأجانب بفضل رسالة كان مفادها أن قادة الحزب الشيوعي الصيني يعرفون ما يفعلونه ويجب الوثوق بهم. 

وقت "شي" ينفد

وأشارت المجلة إلى أنها قالت في عدد سابق الصيف الماضي، إنه "يبدو أن الرئيس الصيني شي جين بينج يعتقد أن أمامه عقداً آخر للعبث بالنموذج الاقتصادي للبلاد، ولكن ليس أمامه سوى سنوات قليلة فقط للتدخل قبل تراجع النمو، وفي حال انتظر قادة الصين حتى اللحظة الأخيرة، فسيكون الأوان قد فات". 

وتابعت أن "الأحداث التي وقعت في الأشهر الماضية توضح كيف ينفد الوقت بالفعل بالنسبة إلى شي، إذ نفدت السيولة لدى مطوري العقارات الكبار والصغار لدفع فواتيرهم، ما أدى إلى مخاطر أخرى تتمثل في غض الطرف عن الاستثمارات العقارية غير المنضبطة، فضلاً عن التسبب في انتشار القلق في أسواق السندات في الداخل والخارج، حيث أقرض المستثمرون الأموال لهذه الشركات وللشركات المدينة في الصناعات الأخرى، كما تغيرت التصورات المتعلقة بحصانة الاقتصاد الصيني من مخاطر الابتعاد عن مسار إصلاح السوق، وتزايدت المخاوف من أن الحزب الشيوعي الصيني قد فوت الفرصة لتجنب الهبوط بشكل قاسٍ". 

وأوضحت المجلة الأميركية أن الأمور بدأت بالانهيار في يوليو الماضي، عندما شنت بكين حملة على مجموعة من شركات التكنولوجيا، وذلك لأن التأثير المتزايد لهذه الشركات الخاصة كان له دور في الحد من سلطة الدولة والحزب الشيوعي الصيني؛ لذا رأت بكين أن الازدهار المشترك يتطلب المزيد من التنظيم الحكومي وأن الأمن القومي يتطلب أن تؤكد البلاد سيطرتها على عمالقة الأعمال الجدد هؤلاء. 

وأضافت: "لذا تدخلت السلطات لتغيير القواعد، فبات العمل في الخارج يتطلب موافقة سياسية، كما يتم تقييد الاستثمار الأجنبي في العديد من المجالات، وسواء كان ذلك مبرراً أم لا، فإن الطريقة التي غيّر بها الحزب الشيوعي الصيني المشهد التنظيمي للتجارة الإلكترونية، وتقاسمه العمل في العديد من القطاعات الأخرى، أدت إلى خسارة تقييمات أسهم الشركات ما يقدر بنحو 1.5 تريليون دولار إلى 3 تريليونات دولار. 

انهيار سوق العقارات

ووفقاً للمجلة، فإنه في أغسطس الماضي، بدأت ركيزة أكثر أهمية للاقتصاد الصيني بالانهيار، إذ انتظرت بكين وقتاً طويلاً لمعالجة الفقاعة الموجودة في قيمة العقارات وحجم البناء، وواجهت شركة "إيفرغراند"، وهي أكبر شركة تطوير عقاري في الصين، تراجعات في التصنيف فيما كانت تكافح لسداد ديونها، حيث لم تتمكن الشركة من سداد الأموال المقترضة، أو الدفع للبائعين، أو إنهاء بناء الشقق التي باعتها مسبقاً للعملاء، وهو ما أدى إلى احتجاجات وتوترات اجتماعية امتدت إلى شركات أخرى ذات نفوذ كبير. 

كذلك، أعلنت شركة التطوير العقاري الصينية "كايسا" التي يثير وضعها المالي قلق الأسواق، تعليق تداول أسهمها في بورصة هونج كونج بعد إخفاقها في تسديد دفعة مترتبة عليها. والوضع السيئ للمجموعة ليس سوى واحد من عوارض قطاع عقارات هزته مشاكل مجموعة "إيفرغراند" العملاقة التي تخنقها ديون هائلة تبلغ 260 مليار يورو (300 مليار دولار). 

ولفتت المجلة إلى أن شهر سبتمبر الماضي شهد أسوأ أرقام مبيعات للعقارات منذ عام 2014 على الأقل، وربما على الإطلاق، قائلة إن الانخفاض في مبيعات الأراضي في كافة أنحاء البلاد يؤدي إلى حرمان الحكومات المحلية من مصدر رئيسي للإيرادات، وبالتالي فهي أيضاً معرضة لخطر التخلف عن السداد بشكل مباشر أو من خلال الشركات شبه الحكومية التي تسيطر عليها، مع عواقب محتملة لمئات من البنوك التجارية الصغيرة التي تقرض هذه الشركات. 

أزمة الطاقة

وتابعت المجلة: "وفي سبتمبر أيضاً بدأت أزمة إمدادات الطاقة، وكان أحد الأسباب هو أن اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين تطلب من شركات المرافق أن تقدم للعملاء أسعاراً ثابتة وذلك على الرغم من أنهم يواجهون أسعاراً متغيرة للفحم الذي يحتاجونه لإنتاج الكهرباء؛ لذا تسبب تجاهل واقع السوق هذا في توقف العديد من المرافق عن الإنتاج بدلاً من تكبد خسائر متصاعدة وانضمامها إلى قائمة الشركات الصينية المفلسة".

وأضافت: "ثم تبعت ذلك مشاكل أخرى في سياسة الطاقة، حيث أصدرت اللجنة في سبتمبر توجيهات إلى مسؤولي الأقاليم بأن تقييمات الموظفين ستعتمد بشكل كبير على كيفية تحقيق الشركات لأهداف استهلاك الطاقة الرسمية، ولذا فإنه تحت الضغط والافتقار إلى الخيارات الفورية لتحسين كفاءة الطاقة، أمرَ العديد من هؤلاء المسؤولين الشركات بالإغلاق لتقليل الطلب على الطاقة، وهو ما أدى إلى خفض الإنتاج الصناعي، وذلك حتى في صناعات التصدير المزدهرة التي تعد النقطة المضيئة الرئيسية في الاقتصاد الصيني اليوم، بما في ذلك الشركات المصنعة للهواتف الذكية والسيارات".

وزادت: "طوال شهر سبتمبر، عانى حتى المقيمون في أغنى الأماكن في الصين، مثل بكين، من استمرار انقطاع التيار الكهربائي، ما أدى إلى خفض تقديرات النمو الاقتصادي في عامي 2021 و2022". 

رقابة ذاتية بدافع الخوف

وذكرت المجلة أن هذه الاضطرابات الاقتصادية أدت إلى حالة من القلق العام بشأن مستقبل الصين، حيث بات تجار السندات يأخذون في الحسبان مخاطر التخلف عن السداد المتزايدة التي تشكلها شركات العقارات الصينية، كما أنهم يتناقشون حول ما إذا كان عليهم تجنب قطاعات أخرى من الاقتصاد، فيما يقوم المحللون الماليون بفرض رقابة ذاتية على أبحاثهم خوفاً من الإساءة إلى المسؤولين من خلال سرد الواقع المتشائم، وهو ما أدى إلى انعدام الثقة وعدم اليقين في الأسواق. 

وقالت المجلة إن الأسر الصينية باتت تنفق الأموال بمزيد من الحذر بسبب حالة عدم اليقين التي تسببها جائحة كورونا، فضلاً عن وجود مخاوف من انخفاض الثروة في حال انخفضت أسعار العقارات. ولفتت إلى أنه في أكتوبر الماضي، كان الإنفاق على السفر والسياحة خلال عطلة العيد الوطني أقل من عام 2020 الكئيب، أي أقل مما كان عليه الوضع خلال مرحلة ما قبل توزيع لقاحات كورونا. 

وللمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، يثير محافظو البنوك المركزية ومسؤولون آخرون خارج الصين مخاوف بشأن قدرة بكين على التعامل مع وضعها المالي والتأثيرات غير المباشرة المحتملة، حتى أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ذهب إلى حد الإعراب علناً عن آماله بأن تتعامل بكين مع الموقف "بمسؤولية"، وبسبب الأخبار الاقتصادية السلبية فإن صدقية الحزب الشيوعي الصيني التي اكتسبها بشق الأنفس في ما يتعلق بسياساته الاقتصادية قد باتت تتآكل، وفقاً لـ"فورين آفيرز".

شكوك حول المصداقية

ووفقاً للمجلة الأميركية، فإن وجهات النظر المتفائلة بشأن قدرة بكين على الحفاظ على النمو قد تغلبت على المخاوف قصيرة المدى، ولكن كان ينبغي لهذه الرؤية أن تمنح بكين الوقت الكافي للقيام بالإصلاح الشاق من خلال تعزيز كفاءة رأس المال، وضمان المنافسة القوية، وعدم تسييس حوكمة الشركات، وتأكيد التحول التدريجي للاقتصاد إلى السوق الكامل. ولكن بدلاً من ذلك توقفت جهود الإصلاح هذه، وبعد العديد من الجهود الفاشلة للإصلاح، باتت هناك شكوك لدى المستثمرين والحكومات الأخرى حول مدى مصداقية توجهات الصين. 

واعتبرت "فورين آفيرز" أن التباطؤ الاقتصادي الحاد بات مصدر قلق على المدى القريب، وليس مصدر قلق بعيد المدى، مشيرة إلى أن الرد على التهديدات المتصاعدة في الصين لم يتم من خلال فتح صفحة جديدة، ولكن شن الحزب الشيوعي الصيني حملات سياسية في الأشهر القليلة الماضية ولم يعترف بالحاجة إلى الإصلاح المالي والتقني الذي تحتاجه البلاد لاستعادة الكفاءة الاقتصادية، مؤكدة أن المشكلات الهيكلية التي يعانيها اقتصاد بكين تؤكد مدى خطأ تأخير الإصلاحات المتعلقة بالسوق، وأن التعهد بالحلول "غير السوقية" يبدو أجوف.