الذاكرة الجزائرية الفرنسية.. خطوات "رمزية" وردود متشائمة

time reading iconدقائق القراءة - 7
  التقرير الذي وضعه المؤرخ بنيامين ستورا - REUTERS
التقرير الذي وضعه المؤرخ بنيامين ستورا - REUTERS
دبي-الشرق

استقبلت الجزائر إعلان باريس عزم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تقديم "خطوات رمزية"، لمعالجة ملف الذاكرة المشتركة بين فرنسا والجزائر، من دون تقديم "أي اعتذار"، بكثير من التشاؤم، بعدما خيم التفاؤل على محادثات رئيسي البلدين ماكرون وعبد المجيد تبون.

وعبرت أوساط جزائرية عن تشاؤمها من هذه الخطوة، واعتبرت أنها "لا تمثل استجابة كافية لمطالب الجزائر، بتقديم اعتذار فرنسي عن فترة الاستعمار" التي دامت 132 عاماً (1830-1962).

وقالت باريس إن الرئيس إيمانويل ماكرون سيشارك في 3 احتفالات في إطار الذكرى الستين لنهاية حرب الجزائر في 1962. والاحتفال الأول سيكون في 25 سبتمبر، لمناسبة اليوم الوطني "للحركى"، وهم جزائريون قاتلوا في صفوف الجيش الفرنسي، والاحتفال الثاني في ذكرى قمع تظاهرة الجزائريين في باريس في 17 أكتوبر 1961، والثالث وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962.  

تقرير تاريخي  

وسلم المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا (المولود في الجزائر) الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تقريراً حول الاستعمار وحرب الجزائر (1954-1962)، والذي يحوي اقتراحات ترمي لإخراج العلاقة بين فرنسا والجزائر من الشلل، الذي تسببت فيه قضايا الذاكرة العالقة. 

وكلف ماكرون، ستورا، وهو أحد أبرز الخبراء المتخصصين بتاريخ الجزائر الحديث، في يوليو "بإعداد تقرير دقيق ومنصف حول ما أنجزته فرنسا، حول ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر"، التي وضعت أوزارها في عام 1962، وما زالت حلقة مؤلمة في العلاقات بين البلدين.  

وقالت الرئاسة الفرنسية، إن ماكرون "سيتحدث في الوقت المناسب"، بشأن توصيات هذا التقرير، واللجنة التي ستكون مسؤولة عن دراستها.   

وأكدت الرئاسة الفرنسية أنه "ستكون هناك أقوال" و"أفعال" للرئيس في "الأشهر المقبلة"، مضيفة أن "فترة المشاورات" قد بدأت. 

أبرز التوصيات 

وأوصى ستورا في تقريره، بتشكيل لجنة "الذاكرة والحقيقة"، تضطلع بتعزيز مبادرات الذاكرة المشتركة بين فرنسا والجزائر. واقترح أن تتشكل من "شخصيات مختلفة منخرطة في الحوار الفرنسي الجزائري"، مثل فضيلة الخطابي، رئيسة مجموعة الصداقة الفرنسية الجزائرية في الجمعية الوطنية (البرلمان)، والسفير كريم أملال، مندوب الوزارات الفرنسية لمنطقة المتوسط​​، وكذلك مثقفون وأطباء وباحثون، وقادة أعمال وقادة جمعيات. 

وأكد الإليزيه أن الأمر يتعلق بـ "النظر إلى التاريخ وجهاً لوجه، بطريقة هادئة وسلمية".  

واقترح ستورا أن تقوم اللجنة بالعمل على إصدار "دليل المفقودين" (جزائريين وأوروبيين)، على أساس بحث "مجموعة العمل" التي تم تشكيلها، عقب إعلان الصداقة الموقع خلال زيارة الرئيس السابق، فرانسوا هولاند إلى الجزائر في عام 2012، إذ يتعين على المجموعة مواصلة عملها، للسماح بتحديد موقع قبور الجزائريين والفرنسيين المختفين منذ حرب الاستقلال. 

"لا ندم"

وأكد الإليزيه أن هذه الخطوة "عملية اعتراف"، ولكن "الندم وتقديم اعتذارات غير وارد"، وذلك استناداً إلى رأي أدلى به ستورا، الذي ذكر أمثلة اعتذارات قدمتها اليابان إلى كوريا الجنوبية والصين عن الحرب العالمية الثانية، ولم تسمح "بمصالحة" هذه الدول.  

وبين "الخطوات" التي سيتم القيام بها، نقل رفات المحامية المناهضة للاستعمار جيزيل حليمي، التي توفيت في 28 يوليو 2020 إلى "البانثيون"، الذي يضم بقايا أبطال التاريخ الفرنسي. وقبل ذلك، ستقام مراسم تكريم لها في "الإنفاليد" في الربيع، "عندما تسمح الظروف الصحية بذلك".  

وشدد الإليزيه أيضاً على أن إيمانويل ماكرون "ليس نادماً" على تصريحاته التي أدلى بها في العاصمة الجزائرية في 2017، وندد فيها بالاستعمار باعتباره "جريمة ضد الإنسانية".   

وتساءل الإليزيه "ماذا كان يمكنه أن يقول أكثر من ذلك؟ لا يوجد شيء آخر يمكن قوله، لكن في المقابل هناك الكثير يجب القيام به".  

وكان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، قال في يوليو من العام الماضي، إن اعتراف فرنسا بجرائمها المرتكبة خلال الفترة الاستعمارية، واعتذارها من الجزائر، أهم عند الجزائريين من التعويضات المادية.  

وأوضح تبون في تصريحات لجريدة لوبينيون الفرنسية، أن "التعويض المادي الذي لا يمكن أبداً التنازل عنه، هو تعويض ضحايا التجارب والتفجيرات النووية في الجنوب الجزائري، والذي لاتزال تبعاته وتأثيراته على الحياة وعلى البشر، إلى غاية هذه الساعة".  

تسيس الملف  

وقال المؤرخ الجزائري والباحث في العلوم السياسية رابح لونيسي في تصريح لـ"الشرق"، إن "مشروع ماكرون تراجع في التقدم في ملف الذاكرة، إلى درجة إمكانية الاعتراف بجرائم الاستعمار، وذلك إرضاء لليمين المتطرف، ولوبيات الأقدام السوداء (المستوطنون الفرنسيون الذين سكنوا الجزائر)، لأجندات انتخابية". 

ويعتقد لونيسي أن "السلطات في الجزائر، لن تحاول الضغط على الرئيس الفرنسي وإضعافه أمام الرأي الفرنسي، فيما يتعلق بملف الذاكرة في الوقت الراهن، أملاً في أن يبقى في سدة الحكم لعهدة أخرى، لتفتح باب تجسيد ما كان يؤمن به من قبل، لطي ملف الذاكرة نهائياً". 

طريق مسدود  

في المقابل استبعد محند واعمر بن الحاج، الأمين العام لمنظمة المجاهدين، والتي تضم قدماء محاربي ثورة التحرير، في تصريح لـ "الشرق"، وصول الطرفين الفرنسي والجزائري إلى أي تفاهمات حول ملف الذاكرة، بسبب إصرار فرنسا على رفض  الاعتذار عن جرائمها الاستعمارية. 

ويرى اسماعيل دبش أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر، أن الموقف الفرنسي يعني غلق باب المفاوضات في ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا. 

ووسط "حسرة" الأوساط السياسية من الموقف الفرنسي بشأن ملف الذاكرة، يترقب الجزائريون التوصيات التي سيرفعها عبد المجيد شيخي، المستشار لدى الرئاسة المكلف بملف الذاكرة، في تقريره إلى الرئيس تبون، والذي سيتركز حول ثلاثة ملفات، تتعلق "باسترجاع كل رفات  المقاومين، والأرشيف  الجزائري، بالإضافة إلى معالجة التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية، وملف المفقودين"، بحسب تصريحات سابقة لوزير الخارجية الجزائري صبري بوقدوم .