بعد صدامهما الحدودي.. هل تصبح الصين والهند "عدوّتين"؟

time reading iconدقائق القراءة - 8
مقاتلة هندية تحلّق فوق جبال في منطقة لاداخ، 15 سبتمبر 2020 - REUTERS
مقاتلة هندية تحلّق فوق جبال في منطقة لاداخ، 15 سبتمبر 2020 - REUTERS
دبي – الشرق

عكس نشر الهند 50 ألف جندي إضافي، في تمركز عسكري هجومي على حدودها مع الصين، عمق الشرخ بين الدولتين بعد صدامهما قبل سنة، على حدود تتنازعان عليها في جبال الهيمالايا، والذي أسفر عن سقوط قتلى من الجانبين، للمرة الأولى منذ عام 1975.

وأفادت وكالة "بلومبرغ" بأن لدى نيودلهي الآن نحو 200 ألف جندي يتمركزون على الحدود، ما يشكل زيادة بأكثر من 40% عن العام الماضي. في المقابل، تفيد معلومات بأن الصين نفذت أكثر من 100 مناورة هذا العام، على طول "خط السيطرة الفعلية"، الذي يشكّل حدود الأمر الواقع مع الهند.

وتزعم الصين أن ولاية أروناشال براديش، شمال شرقي الهند، هي جزء من التيبت، وتطالب بأراضٍ هندية مساحتها نحو 90 ألف كيلومتر مربع، فيما تتهمها نيودلهي باحتلال 38 ألف كيلومتر مربع من أراضيها، في هضبة أكساي تشين، غرب جبال الهيمالايا، بما في ذلك جزء من منطقة لاداخ.

وبقيت الحدود الهندية - الصينية هادئة 3 سنوات، بعد صدام دام 73 يوماً عام 2017 في دوكلام، وهي منطقة مجاورة لبوتان. واعترضت نيودلهي آنذاك على شقّ بكين طريقاً في المنطقة، علماً أن الجانبين خاضا حرباً محدودة في عام 1962، انتصرت فيها الصين.

لكن صدام صيف العام الماضي، الذي شهد خسارة الهند نحو 300 كيلومتر من الأرض، وفق "بلومبرغ"، شكّل نقطة تحوّل في العلاقات بين نيودلهي وبكين، إذ أسفر عن مقتل 20 جندياً هندياً و4 صينيين، في وادي غالوان.

"واقع استراتيجي جديد"

تُعد الحدود بين الهند والصين (3500 كيلومتر)، الأطول المتنازع عليها في العالم. ونقلت "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) عن أجاي شوكلا، وهو خبير عسكري هندي كان ضابطاً في الجيش برتبة عقيد، قوله: "المواجهة الحدودية في العام الماضي غيّرت بشكل عميق، العلاقات بين الهند والصين. وضع الصينيون على الطاولة خط ادعاء سابق (للحدود)، حدّدوه في عام 1959. إذا قبلت الهند ذلك، فستفقد جزءاً كبيراً من الأراضي".

في المقابل، قال تشو بو، وهو عقيد متقاعد في الجيش الصيني: "نصرّ على الخط العرفي التقليدي، بوصفه الحدود الصينية – الهندية، فيما تصرّ الهند على خط السيطرة الفعلية، قبل حرب 1962. لكن هناك اختلافاً جوهرياً بشأن أين يكمن خط السيطرة الفعلية".

ورأى معهد "لوي" الأسترالي أن أزمة لاداخ جعلت "الهند تواجه واقعاً استراتيجياً جديداً، تكون فيه الصين خصماً واضحاً ودائماً"، إذ "يتم تحديد العلاقات السياسية الآن، من خلال العداء وانعدام الثقة". ورجّح أن "تؤجل الهند التحديث العسكري والتوسّع البحري في المحيط الهندي"، معتبراً أنها "تجازف بفقدان نفوذ سياسي وعسكري كبيرين، في المحيط الهندي، في مواجهة التوسّع البحري الصيني المستمر".

في الوقت ذاته، "يبدو أن الصين أفلتت من ضرر كبير"، إذ "يمكن لجيشها، ذي الموارد الأفضل، استيعاب التكاليف المادية للتعبئة بشكل أفضل"، وفق المعهد. وأضاف: "ربما كان أكثر قلقاً من احتمال أن تصبح الهند معادية بشكل متزايد، لكن اتفاق فكّ الارتباط (المُبرم في فبراير الماضي) حدّ من تلك التكاليف السياسية المتواضعة".

"فجوة عميقة"

في عام 1993، وقّعت الصين والهند اتفاقاً بشأن "الحفاظ على السلام والهدوء"، على "خط السيطرة الفعلية". لكن "مبادرة الحزام والطريق" الاستراتيجية الصينية، لتطوير البنية التحتية لدول شريكة، "أحدثت فجوة عميقة بين الصين والهند"، إذ تشعر نيودلهي بـ "قلق من هذه النشاطات في منطقة نفوذها التقليدية، والتي قد يُستخدم بعضها، مثل طرق في أراضٍ تسيطر عليها باكستان، وموانئ في سريلانكا، لدعم الاحتياجات الدفاعية للصين"، كما أوردت مجلة "ناشيونال إنترست".

وأشار معهد "بروكينغز" إلى تعزيز الهند علاقاتها "مع شركاء مثل الولايات المتحدة وأستراليا واليابان"، علماً أن الدول الأربع أحيت مجموعة "الرباعية" (كواد)، التي تُعتبر منافساً للصين، في المحيطين، الهندي والهادئ.

وذكر المعهد أن نيودلهي كانت "على اتصال وثيق بواشنطن، خلال الأزمة" مع بكين، لافتاً إلى أنها رأت أن "الولايات المتحدة مفيدة، بوصفها مصدراً للدعم الدبلوماسي والمعدات العسكرية والاستخبارات".

مقاطعة هندية

لكن "بي بي سي" اعتبرت أن الهند "تدرك أن الصين قوة عسكرية متفوّقة، وواحدة من أكبر شركائها التجاريين"، مشيرة إلى أن "شركات هندية كثيرة ستعاني، من دون الواردات والاستثمارات الصينية".

ورغم ذلك، شهدت الهند حملة ضخمة لمقاطعة المنتجات الصينية، كما أقدمت السلطات على حجب عشرات التطبيقات الصينية، بما في ذلك "تيك توك".

ويبدو أن تقليص العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدولتين لن يكون سهلاً، إذ إن أكثر من 100 شركة صينية، كثير منها مملوك للدولة، فتحت مكاتب أو أدارت عمليات في الهند، وفقاً لوزارة الخارجية الهندية. وتحتل شركات صينية، بما في ذلك "شاومي" و"هواوي" و"فيفو" و"أوبو"، نحو 60% من سوق الهواتف الخليوية في الهند.

علاقات تجارية واسعة

وأوردت صحيفة "هندوستان تايمز"، أن معطيات نشرتها هيئة الجمارك الصينية أفادت بارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين، بأكثر من 70% على أساس سنوي، إلى أكثر من 48 مليار دولار، في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2021.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الزيادة قد تكون مدفوعة إلى حد ما باستيراد الهند سلعاً طبية من الصين، لمكافحة فيروس كورونا المستجد. لكن وسائل الإعلام الرسمية الصينية تحدثت عن "نموّ مذهل"، معتبرة أن هذه الزيادة مؤشر على المرونة في العلاقات التجارية بين الجانبين، رغم نزاعهما الحدودي وخلافاتهما السياسية.

وذكرت مجلة "نيكاي إيجا" اليابانية أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي "كان يركّز على إقامة علاقات صداقة مع الصين"، مشيرة إلى لقائه الرئيس الصيني شي جين بينغ 18 مرة في السنوات الخمس الماضية.

وأضافت: "من حيث الأراضي المكتسبة، ربما كان عدوان الصين على لاداخ ناجحاً. ولكن من الناحية السياسية، ثبت أنه مؤذٍ (لبكين)، إذ دفع الهند إلى التقارب من واشنطن، وجعل تعزيز الهند ترسانتها العسكرية بشكل ضخم أمراً لا مفر منه".

وتابعت أن "العلاقات بين بكين ونيودلهي في الحضيض"، معتبرة أن الصين انتصرت في حرب 1962، ولكنها "خسرت السلام". وزادت: "الفارق الآن هو أن الصين تصنع عدواً دائماً، من أكبر دولة جارة لها".

اقرأ أيضاً: