الأضخم في أوروبا.. "زابوروجيا" محطة نووية أوكرانية على الطراز السوفييتي

time reading iconدقائق القراءة - 9
صور كاميرات المراقبة تظهر محطة "زابوريجيا" للطاقة النووية أثناء القصف الروسي - 4 مارس 2022 - X90122
صور كاميرات المراقبة تظهر محطة "زابوريجيا" للطاقة النووية أثناء القصف الروسي - 4 مارس 2022 - X90122
دبي - الشرق

أثار إعلان السلطات الأوكرانية، الجمعة، سيطرة القوات الروسية على محطة "زابوروجيا" للطاقة النووية في جنوب شرقي البلاد، بعدما شهدت حريقاً في منشأة تدريب مجاورة، إثر قصف روسي، مخاوف من كارثة ذرية ثانية في البلاد، بعد أسوأ حادث نووي في التاريخ، بمحطة تشيرنوبل في عام 1986.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اتهم موسكو بانتهاج سياسة "رعب نووي"، ومحاولة "تكرار" كارثة محطة تشيرنوبل في 26 أبريل 1986، التي تسيطر عليها الآن القوات الروسية أيضاً، بعد معارك مع الجيش الأوكراني في فبراير الماضي. وأضاف: "لدى أوكرانيا 15 مفاعلاً نووياً. إذا حدث انفجار، فستكون نهاية كل شيء، ستكون نهاية أوروبا".

وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن كييف أبلغتها بعدم تسجيل أيّ تغيّر في مستويات الإشعاعات في موقع محطة زابوروجيا، مضيفة أن الحريق الذي اندلع في الموقع لم يمسّ المعدّات "الأساسية"، علماً أنه أُخمد. وحذرت الوكالة من "خطر جسيم" إذا أُصيبت مفاعلات المحطة.

وذكرت وكالة "رويترز" أن مذكرة داخلية أفادت بأن المفاعل الأول في المحطة هو "في حالة انقطاع"، فيما فُصل المفاعلان الثاني والثالث عن الشبكة. أما المفاعل الرابع فيعمل بقدرة 690 ميجاوات، كما يُبرّد المفاعلان الخامس والسادس.

واعتبرت الوكالة أن للمحطة أهمية استراتيجية بالنسبة إلى روسيا، إذ لا تبعد سوى 200 كيلومتر عن شبه جزيرة القرم، التي ضمّتها موسكو في عام 2014، و550 كيلومتراً جنوب شرقي العاصمة كييف.

تقع محطة "زابروروجيا"في مدينة إينيرهودار الأوكرانية، على نهر دنيبر. وأفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن المحطة هي الأضخم في أوروبا، إذ تنتج مفاعلاتها الستة 6000 ميجاوات من الطاقة الكهربائية، أي نحو خمس حاجة البلاد من الطاقة، علماً أن محطة تشيرنوبل تنتج 3800 ميجاوات. وتضمّ المحطة 6 مفاعلات سوفييتية التصميم، تشغّل أكثر من 4 ملايين منزل، بسحب وكالة "بلومبرغ".

وتفيد الشركة الوطنية لتوليد الطاقة النووية في أوكرانيا (Energoatom)، وهي مؤسسة حكومية أُسّست في أكتوبر 1996 وتشغّل كل محطات الطاقة النووية الأربع البلاد، بأن محطة زابوروجيا تقع في منطقة السهوب بأوكرانيا، على ضفة خزان مياه كاخوفكا.

وأشارت إلى أن القرار بتشييد المحطة اتُّخذ في عام 1977، وبدأ البناء التدريجي لوحدات توليد الطاقة في عام 1980. بين عامَي 1984 و1987، تم تشغيل 4 مفاعلات، والخامس في عام 1989 والسادس في عام 1995.

منشأة تخزين للوقود

وذكرت الشركة الأوكرانية أن المحطة مُشيّدة "على أحدث طراز، وهي مصدر قوي للكهرباء في أوكرانيا"، إذ تولّد بين 40 و42 مليار كيلووات في الساعة، أي خُمس متوسط إنتاج الكهرباء السنوي في البلاد، ونحو 47% من الكهرباء التي تولّدها محطات الطاقة النووية الأوكرانية.

وأشارت الشركة إلى أن محطة "زابوروجيا" هي الأولى من بين محطات الطاقة النووية الأوكرانية، التي تضمّ مفاعلات مع منشأة تخزين للوقود الجاف المستهلك في الموقع، بدأ تشغيلها تجارياً في 10 أغسطس 2004 وتُعدّ أول منشأة نووية اجتازت كل مراحل مراجعة التصميم والموافقة التي تتطلّبها التشريعات النووية الوطنية لأوكرانيا.

كما أن المحطة هي الأولى في "رابطة الدول المستقلة"، التي تضمّ 9 جمهوريات سابقة في الاتحاد السوفييتي، بقيادة روسيا، التي أدخلت "نظام المعلومات والقياس" (Kiltze) الذي يضمن مراقبة مستمرة للإشعاع في الموقع الصناعي لمحطة الطاقة النووية، وحماية الصرف الصحي ومناطق التحكّم في الإشعاع في منطقة مساحتها 30 كيلومتراً. وأنهت أوكرانيا مشاركتها في الهيئات القانونية لـ"رابطة الدول المستقلة" في عام 2018، نتيجة توتر مع روسيا.

مفاعلات تعمل بالماء المضغوط

موقع "باور تكنولوجي" أفاد بأن محطة زابوروجيا تعمل منذ عام 1984، وأنتجت أكثر من 1.23 تريليون كيلوواط في الساعة من الكهرباء، بحلول ديسمبر 2021. وأضاف أنها تضمّ 6 مفاعلات تعمل بالماء المضغوط تولّد كلّ منها 1000 ميجاوات، ومصمّمة للعمل لمدة 30 سنة.

وأشار إلى تشييد المفاعل الأول في عام 1984، والثاني في عام 1985، والثالث في عام 1986، والرابع في عام 1987، والخامس في عام 1989، والسادس في عام 1995.

ولفت إلى إعادة توصيل المفاعل الخامس بـ"نظام الطاقة المتحد في أوكرانيا"، بعد انقطاع مقرر في عام 2019. كذلك أُعيد وصل المفاعلات، الأول والثالث والرابع، بالشبكة بعد انقطاعات مجدولة في عام 2021، سهّلت انتقال المفاعلات الأربعة إلى استخدام وقود نووي أمّنته شركة "وستنجهاوس" الأميركية.

مُدّدت فترة خدمة المفاعلين الأول والثاني، بعد تحديث معداتهما وتركيب أجهزة استشعار للتوتر وأنظمة أمان أخرى متطوّرة، بعد كارثة محطة فوكوشيما النووية في اليابان، في مارس 2011. كذلك جُدّدت لوحة مراقبة الإشعاع المركزية لمحطة زابوروجيا، في فبراير 2021، وتتميّز بنظام أوتوماتيكي لرصد كل المعايير الإشعاعية والتكنولوجية المتصلة بحالة المفاعلات، ومنشأة تخزين الوقود الجاف المستهلك، ومجمّع معالجة النفايات المشعة، وكذلك المنطقة المحيطة بالمصنع، بحسب موقع "باور تكنولوجي".

مساهمة أميركية في تحديث المحطة

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لم يعُد ممكناً نقل الوقود المستهلك إلى روسيا، وتطلّب نقص المساحة في أحواض التبريد، وجود منشأة تخزين للوقود الجاف المستهلك في المحطة، تخدم لخمسين سنة ويمكن أن تستوعب أكثر من 9000 مجموعة وقود مستنفد في 380 حاوية تخزين مهوّاة، يبلغ وزن كلّ منها 144 طناً. بدأت المنشأة بالعمل في أغسطس 2004.

في عام 1978، قرّرت الحكومة السوفييتية تشييد محطات للطاقة النووية، بما في ذلك "زابوروجيا"، بعد تشغيل أول مفاعل في محطة تشيرنوبل. لكن الكارثة التي حلّت بهذه المحطة دفعت السلطات الأوكرانية إلى إصدار أمر، في عام 1990، بوقف بناء مفاعلات جديدة للطاقة النووية في أوكرانيا، ما أدى إلى تجميد أعمال تشييد المفاعل السادس في زابوروجيا. لكن الشتاء القارس وزيادة الطلب على الكهرباء، أديا إلى استئناف تشييد المفاعل السادس، الذي وُصل بالشبكة في عام 1995، ليصبح أول وحدة مفاعل نووي في أوكرانيا المستقلة، بحسب "باور تكنولوجي".

في يونيو 2021، رجّحت وزارة الطاقة الأميركية أن يزيد المفاعل الثاني في المحطة بشكل كبير إنتاجه السنوي من الطاقة بأوكرانيا، بفضل مشروع دولي تدعمه الولايات المتحدة، التي ساهمت في تنفيذ إجراءات وعمليات صيانة جديدة في المفاعل، تعزّز أمن الطاقة في البلاد.

"سيناريو مرعب" أسوأ من فوكوشيما

منظمة "جرينبيس" المدافعة عن البيئة ذكرت أن محطة "زابوروجيا" تتطلّب، مثل كل المفاعلات التي تضمّ وقوداً مشعاً ساخناً جداً، طاقة كهربائية ثابتة للتبريد، حتى عند وقف التشغيل. وأضافت أن بيانات رسمية نُشرت في عام 2017، أفادت بـأن ثمة في المحطة 2204 أطنان من الوقود المستهلك عالي المستوى، بما في ذلك 855 طناً كانت في مجمّعات وقود مستنفد معرّضة بشدة للخطر. ومن دون تبريد نشط، فإنها قد تتعرّض لارتفاع في درجة الحرارة وتبخّر، إلى درجة يمكن أن تشتعل فيها الكسوة المعدنية للوقود وتحرّر معظم المخزون المشعّ.

وأشارت المنظمة إلى أن المحطة تتطلّب، مثل كل محطات الطاقة النووية العاملة، نظام دعم معقداً، بما في ذلك وجود دائم لموظفين مؤهلين، وطاقة كهربائية، ووصول إلى مياه التبريد وقطع الغيار والمعدات. ونبّهت إلى أن أنظمة الدعم هذه تتعرّض لخطر شديد أثناء حرب.

وذكرت المنظمة أن مباني المفاعلات النووية في المحطة تحتوي على قباب احتواء خرسانية تحمي قلب المفاعلات ونظام التبريد الخاص بها وحوض الوقود المستهلك. واستدركت أن هذه القباب لا يمكنها أن تصمد أمام تأثير ذخائر ثقيلة.

ورسمت المنظمة أسوأ سيناريو ممكن، يشهد تدمير قباب الاحتواء الخرسانية في المفاعل من خلال تفجيرات، وفشل نظام التبريد، واحتمال تسرّب النشاط الإشعاعي للمفاعل وحوض الوقود الغلاف الجوي. ونبّهت إلى أن ذلك يثير أخطاراً بعرقلة الوصول إلى المحطة بأكملها، نتيجة مستويات الإشعاع العالية، والتي يمكن أن تطاول مفاعلات وأحواض وقود أخرى، ينشر كلّ منها كميات ضخمة من النشاط الإشعاعي في اتجاهات مختلفة للرياح طيلة أسابيع. ويمكن أن يجعل ذلك جزءاً كبيراً من أوروبا، بما في ذلك روسيا، غير صالح للسكن لعقود على الأقلّ وعلى مسافة مئات الكيلومترات، في ما اعتبرته "جرينبيس" سيناريو مرعباً قد يكون أسوأ بكثير من كارثة فوكوشيما.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات