"عملية أزور".. هذه تفاصيل "مخطط الانقلاب" في فرنسا

time reading iconدقائق القراءة - 14
ريمي داييه في سيارته أمام مصنع للسيارات جنوب غربي فرنسا، 2 فبراير 2009 - AFP
ريمي داييه في سيارته أمام مصنع للسيارات جنوب غربي فرنسا، 2 فبراير 2009 - AFP
دبي-الشرق

بعد أشهر على توقيفه بتهمة التورط في اختطاف فتاة فرنسية، أفادت وسائل إعلام فرنسية بأن التحقيقات مع السياسي ريمي داييه، كشفت أنه كان يخطط لمشروع انقلاب للإطاحة بالحكومة الفرنسية.

وكان ريمي داييه (55 عاماً)، الشخصية الفرنسية المعروفة بإطلاق "نظريات المؤامرة"، أوقف في يونيو الماضي على خلفية خطف فتاة، وذلك بعد عودته إلى فرنسا قادماً من ماليزيا.

والجمعة الماضية، وضعته السلطات الفرنسية في الحبس الاحتياطي للاشتباه بضلوعه في "التخطيط لعمليات انقلابية وأعمال عنف"، وفقاً لوكالة "فرانس برس".

وبينما تفيد وسائل إعلام فرنسية بأن ريمي أنشأ منظمة سرية متطرفة لتنفيذ المخطط، تضم يمينيين متطرفين وأفراداً يؤمنون بنظريات المؤامرة، فضلاً عن قيادات في الجيش الفرنسي وعناصر من الشرطة، فإن دفاع ريمي يؤكد أنه "ضحية قضاء ومعاملة إعلامية استثنائية".

"مشروع أزور"

صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية نشرت في تقرير، الأربعاء، تفاصيل مثيرة حول ما وصف بـ"التخطيط للانقلاب على الإليزيه"، مشيرةً إلى أن ريمي داييه، وهو نائب برلماني سابق عن حزب "الحركة الديمقراطية" الوسطي (MoDem)، اختار  "عملية أزور" اسماً رمزياً للمخطط.

ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة قولها، إن ضباط إدارة التحقيقات اكتشفوا أثناء التحقيقات مع ريمي أنه شكل "تنظيماً إرهابياً"، له "شبكة واسعة من الفروع في جميع أنحاء البلاد"، مضيفةً أن المحققين حددوا ما لا يقل عن 36 شخصاً، كل منهم مسؤول عن أحد فروع التنظيم.

وقالت الصحيفة إن الشبكة تضم العديد من ضباط الشرطة والدرك وجنوداً في الخدمة مع الجيش وجنوداً آخرين متقاعدين، وبعضهم في الخارج، بينهم مقدم متقاعد يدعى كريستوف م. (63 عاماً)، حاصل على وسام الاستحقاق الفرنسي.

صحيفة "لو بوان" الفرنسية، من جانبها، كشفت أن قادة جهويين في تنظيم داييه، كانوا مسؤولين عن تجنيد مقاتلين، واختبار المجندين الجدد من أجل تقييم تصميمهم على المضي قدماً في تنفيذ عملية الانقلاب.

ولفتت الصحيفة نقلاً عن مصدر من إدارة التحقيقات، أن الشبكة ضمت نحو "300 عنصر متحمس (للمشاركة في العملية)، تم تقسيمهم إلى ثلاث فرق. الأولى مكلفة بالتظاهر والثانية بالحراسة، بينما الثالثة مكلفة بتنفيذ الهجمات المسلحة".

واعتقلت الشرطة الفرنسية 14 شخصاً يشتبه في صلتهم بشبكة ريمي داييه، بحسب ما نقلته "لو باريزيان" عن مصادر، وأكدته أيضاً مصادر أخرى لشبكة "فرانس أنفو".

وبحسب تصريحات مصادر قريبة من التحقيق لـ"لو باريزيان"، فإن هدف المخطط كان يتمثل في السيطرة على قصر الإليزيه الرئاسي، وإقامة "سلطة جديدة من قبل الشعب". 

تنظيم شبه عسكري

بدورها، أكدت شبكة "فرانس إنفو" عن مصادر قريبة من التحقيق، أن التنظيم كان يضم "خلايا في مناطق عدة في فرنسا، وينقسم إلى فرعين: الأول مدني، والثاني عسكري، ويمتلك أسلحة حقيقية، وخطة تجنيد، ويرأسه جنديان من الجيش الفرنسي".

وبحسب تصريحات المصدر لـ"فرانس إنفو"، فإن "عملية أزور" كانت في مرحلة متقدمة من التخطيط، لكنه شدد على أن التنظيم "لم يحدد تاريخاً ليوم تنفيذ الانقلاب".

ولفتت القناة إلى أن التنظيم ركز على تجنيد عدد كبير من المنخرطين في الخطة، من الدوائر المدنية المناهضة للقاحات المضادة لفيروس كورونا، بما في ذلك أفراد يؤمنون بنظريات المؤامرة ونشطاء من تيار "النازيون الجدد" في شرق فرنسا، إضافة إلى نشطاء ضمن حركة السترات الصفراء الاحتجاجية.

وبحسب "فرانس إنفو"، فإن أجهزة الاستخبارات السرية الداخلية، كانت تراقب هذه المنظمة، وكشفت خططها لتنفيذ أعمال عنف ضد مراكز التطعيم، وتدمير بنى تحتية لشبكة الجيل الخامس للاتصالات 5G، من أجل تعطيل شبكات الإنترنت والاتصالات.

من جانبها، نقلت صحيفة "لوباريزيان" عن أحد عناصر الشبكة، يشتبه في أنه كان قريباً من ريمي داييه، قوله أثناء احتجازه إن "العملية الأخيرة من الخطة كانت تتمثل في حشد أكبر عدد ممكن من المتظاهرين أمام القصر الرئاسي، ثم الإطاحة بالحكومة وهياكل الدولة".

وبحسب الصحيفة، فإن ريمي كان يعول في تنفيذ مخططه، على "ضراوة بعض المشاركين"، و"كان يستعد للأمر بالأسلحة التي كشف عنها التحقيق".

من جانبها، أفادت قناة "BFMTV" بأن تنظيم ريمي داييه كان يسعى إضافة إلى السيطرة على قصر الإيليزيه واقتحام مراكز التطعيم، لاقتحام مقر قناة تلفزيونية أو إذاعة، من أجل بث رسائل دعائية للانقلاب لساعات طويلة، لتصوير أنه تحول نحو سلطة الشعب.

رسالة إلى أعضاء البرلمان

صحيفة "ويست فرانس"، قالت إن ريمي داييه بدأ في التخطيط لـ"عملية أزور" وتكوين منظمته السرية منذ عام 2020، حين كان يعيش في ماليزيا برفقة زوجته وأطفاله.

الفكرة نشأت عند ريمي، بحسب الصحيفة، في أواخر العام الماضي، عندما كانت فرنسا تمر بفترة الإغلاق الثاني جراء أزمة وباء كورونا.

ومن ماليزيا، نسج المشتبه فيه النواة الأولى لشبكته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ كان يتواصل معهم عبر  الرسائل المشفرة.

غير أن ريمي أبدى نيته تنفيذ الانقلاب في وقت سابق من شهر أبريل الماضي، حين بعث رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى العديد من أعضاء مجلس الشيوخ والنواب في فرنسا، يقول فيها إن "نظام الجمهورية لم يعد الفكرة المهيمنة".

وجاء في رسالة البريد الإلكتروني، التي أبلغ أحد أعضاء البرلمان الشرطة الفرنسية عنها، أن "الانقلاب الشعبي أمر حتمي". في مواجهة حكومة تنفذ "إبادة جماعية" في حق الشعب عن طريق فرض "لقاح (ضد كورونا) يقتل الناس"، بحسب "ويست فرانس".

"سجين سياسي"

وبحسب شبكة "فرانس إنفو"، فإن التحقيقات مستمرة، وتشمل تهمة "تكوين جماعة إجرامية إرهابية"، مضيفةً أن لائحة التهم قد تشمل أيضاً "تهديد أمن الدولة" عند الانتهاء من التحقيقات.

ويرفض محامي ريمي داييه، جان كريستوف باسون لاربي، التهم الموجهة إلى موكله، ويتهم وسائل الإعلام الفرنسية بالتعامل مع موكله دون احترام قرينة البراءة. وقال لاربي إن الإعلام "يقسو" على ريمي.

ونقلت "لو باريزيان" عن المحامي القول إن "هناك جيش ظل، كان من المفترض أن يكون ريمي داييه قائده، هو تصوير كاريكاتوري للقضية. وفي حال كان هناك مشروع انقلاب عنيف، فإن موكّلي كان غريباً عنه".

وبحسب المحامي، فإن ريمي داييه "دعا إلى انقلاب السلطة بشكل سلمي، وهو ضحية قضاء ومعاملة إعلامية استثنائية، مع افتراض الذنب". ونفى المحامي كل الاتهامات، واصفاً موكله بأنه "سجين سياسي".

من هو ريمي داييه؟

في سنوات الـ2000، كان داييه سياسياً محلياً في جنوب غرب فرنسا، وانتخب نائباً في البرلمان عن حزب "الحركة الديمقراطية" الوسطي.

لكنه طُرد من الحزب في عام 2010. وقرر في السنة ذاتها الانتقال للعيش رفقة زوجته وأطفاله في ماليزيا، حيث بدأ ينشط على مواقع التواصل الاجتماعي، ويروج لآراء اليمين المتطرف ونظريات المؤامرة.

وكسب داييه شعبية واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وسط المؤمنين بنظريات المؤامرة والمتعاطفين مع اليمين المتطرف في فرنسا خلال جائحة كورونا، بفضل نشره مقاطع فيديو تناهض اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، وتروج لنظريات المؤامرة، وتدعو إلى "انقلاب شعبي". 

وقال داييه في مقاطع الفيديو التي نشرها العام الماضي على موقع  يوتيوب، مخاطباً الفرنسيين: "قررت تولي السلطة في فرنسا، لاستعادة هذا البلد، ومنحك حريتك".

وكان داييه قد حوكم في مايو، بتهمة تنسيق اختطاف طفلة تبلغ من العمر 8 سنوات، بناء على طلب والدتها في شرق فرنسا في أبريل الماضي. وبعد خمسة أيام من اختطافها من منزل جدتها، تم العثور على الفتاة بأمان مع والدتها في سويسرا.

وأصدر المدعون الفرنسيون بعد ذلك مذكرة دولية بحق داييه، الذي كان يعيش مع أسرته في ماليزيا. وتم ترحيله بسبب تجاوزه مدة الإقامة التي تتيحها تأشيرة السفر، واعتُقل في يونيو لدى عودته إلى فرنسا.

وقال داييه للتلفزيون الفرنسي في ذلك الوقت إن الأمر لم يكن "خطفاً، بل إعادة طفلة إلى والدتها بناءً على طلبها".