
قال الرئيس الأميركي جو بايدن إنه لا يجب تصنيف روسيا "دولة راعية للإرهاب"، وهو تصنيف تضغط أوكرانيا وبعض المشرعين الأميركيين، لاعتماده.
وعند سؤاله عما إذا كان ينبغي تصنيف روسيا "دولة راعية للإرهاب"، قال بايدن للصحافيين في البيت الأبيض: "لا"، وذلك وفقاً لوكالة "رويترز".
ومنذ فترة يضغط أعضاء من الكونجرس الأميركي على الإدارة الأميركية لتصنيف موسكو "دولة راعية للإرهاب"، حيث قدّمت مقترحات في هذا الصدد دعمتها رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي التي وصفت الأمر بأنه "طال انتظاره"، وذلك كإجراء عقابي يهدف إلى عزل روسيا رداً على غزوها لأوكرانيا.
وتأتي هذه الضغوط بعد جهود حثيثة بدأها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي منذ أبريل الماضي، في محاولة لإقناع البيت الأبيض والكونجرس بشقيه الشيوخ والنواب، ولكن المقترح لم ير النور.
مخاطر التصنيف
ولو أقدمت الولايات المتحدة على هذه الخطوة، ستنضم روسيا إلى مجموعة صغيرة جداً من البلدان المدرجة في قائمة "رعاية الإرهاب"، والتي تشمل حالياً كوبا، وإيران، وسوريا، وكوريا الشمالية، وكانت تضم سابقاً السودان، وليبيا، والعراق.
لكن بحسب ورقة نشرتها "مجموعة الأزمات" في 4 أغسطس، قد تكون الآثار المترتبة على مثل هذا التصنيف ذات نتائج عكسية للغاية، ما قد يؤدي مثلاً إلى تضييق مساحة الدبلوماسية وإعاقة محادثات السلام، ما قد يتطور إلى توترات شديدة الخطورة، ويعيق الجهود الدولية الرامية لمعالجة حالات الصراع والأزمات الإنسانية، لا في أوكرانيا فحسب، بل في العديد من أنحاء العالم.
ماذا يحتاج التصنيف؟
يتطلب تصنيف دولة ما بأنها "راعية للإرهاب" أن يتخذ وزير الخارجية الأميركية قراراً بأن الدولة "قدمت دعماً متكرراً لأعمال الإرهاب الدولي"، لكن القوانين الثلاثة التي تمنح سلطة وضع هذه التسميات لا تُعرف بشكل واضح وشامل معنى "الإرهاب الدولي".
كما لا يوجد شرط بأن يقوم وزير الخارجية بتصنيف كل دولة تفي بمعايير التصنيف، أو حتى أن تكون الدول المدرجة في القائمة هي "الراعي الأكبر للإرهاب الدولي" في وقت معين، وبالنظر إلى المرونة التي أوجدها هذا الإطار القانوني، يبدو أن الاعتبارات السياسية والسياسة المحلية، وحتى غير المرتبطة بمكافحة الإرهاب، لها تأثير كبير في قرار التصنيف.
وأضافت "مجموعة الأزمات" أن عمليات تصنيف "الدول الراعية الإرهاب" بالغة الأهمية من الناحيتين القانونية والسياسية، ولهذا "تتجنب واشنطن عادةً إدراج الدول التي تربطها بها علاقات متعددة الأوجه على هذه اللائحة".
فمثلاً تشترك كوبا مع الدول الثلاث الأخرى المدرجة حالياً في قائمة "رعاية الإرهاب" بأن الولايات المتحدة ليس لديها علاقات دبلوماسية أو تجارية رسمية معها. وفي كل الدول المدرجة على اللائحة، سبق قرار إدراج الدولة، توتر العلاقات إلى درجة سيئة.
عوائق
في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" مطلع أغسطس الماضي، قالت إنجريد برونك ويرث رئيسة "هيلين سترونج كاري" للقانون الدولي في "كلية فاندربيلت" للقانون، ومديرة برنامج "برانستيتر" للتقاضي وحل النزاعات، إن "تصنيف روسيا كدولة راعية للإرهاب قد يبدو وسيلة جيدة لمعاقبتها وإضفاء واقعية أكثر على غضبنا، لكن الأمر ليس كذلك".
وأوضحت أن "تصنيف دولة ما راعية للإرهاب ليس عملاً رمزياً لمعاقبة صاحب السلوك السيء. وبدلاً من ذلك، هو محفز قانوني متضمن في إطار تشريعي وتنظيمي معقد للغاية. في حالة روسيا، ستكون بعض هذه التأثيرات سلبية على أوكرانيا ومصالح الولايات المتحدة أيضاً".
وأضافت أن "القوانين معقدة، لكن تصنيف دولة راعية للإرهاب يؤثر على مجالين عامين من القانون، هما التقاضي المحلي والعقوبات، وفي ما يتعلق بالأول، يحق للدول الأجنبية المدرجة في القائمة التمتع بالحصانة أمام المحاكم الفيدرالية ومحاكم الولايات في الولايات المتحدة. وهناك استثناءات محدودة فقط، بما في ذلك استثناءات خاصة للقضايا المرفوعة ضد الدول الراعية للإرهاب".
لكن وجود حصانة للدولة المصنفة في الولايات المتحدة لا يعني توفر الحصانة ذاتها خارجياً، إذ تُشير الأكاديمية الأميركية إلى أن روسيا لن تكون محصنة ضد الدعاوى التي قد تُرفع في بلدان مارست فيها "أعمال إرهابية"، سواء حصلت في عقود ماضية أو في زمن قريب، مثل جورجيا، وليبيا، وسوريا، والسودان، وأوكرانيا. وهنا تكمن المشكلة، وفقاً لويرث "إذ لا يجوز رفع دعوى إلا لفئة محدودة جداً من المُدعين على وجه التحديد، وهم المواطنون الأميركيون، وأعضاء الخدمة، والموظفون الحكوميون".
كما قد يكون لهذا التقاضي آثار ضارة عديدة، إذ سيسمح للأميركيين بسرعة التعافي الاقتصادي من خلال الاستيلاء على الأصول الروسية المجمدة، لكن هذا لن ينطبق على الأوكرانيين أو الليبيين أو السوريين أو الجورجيين، الذين عانوا من سلوك (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين الوحشي"، وفق قول إنجريد برونك ويرث.
وأردفت "من شأن هكذا تصنيف أن يستنزف الأصول الروسية المجمدة التي يمكن أن تُوفر نفوذاً مهماً في الجهود المبذولة للتفاوض على اتفاق سلام، وقد يؤدي تعويض الضحايا الأميركيين من الأصول الروسية المجمدة إلى تشجيع البلدان الأخرى على تعويض مواطنيها من الأصول الروسية التي جمدتها، ما سيؤدي إلى زيادة تقليص الموارد العالمية المتاحة لمساعدة أوكرانيا، وخلق المزيد من الشقوق والصدوع".
وأوضحت ويرث أن تصنيف "الدولة الراعية للإرهاب" ينطوي على مجالين من مجالات القانون والعقوبات والحصانة السيادية، حيث تُفرض ضوابط على تصدير المواد ذات الاستخدامات المدنية والعسكرية، وتُمنع مبيعات الأسلحة الأميركية والمساعدات الخارجية، ويُقيد الوصول إلى الإعفاء من الديون والتمويل الدولي".
ولفتت إلى إن بعض هذه العقوبات سارية بالفعل على روسيا.
وتابعت "قد تقيد العقوبات الثانوية التجارة وترفع الأسعار العالمية للحبوب والضروريات الأخرى بطرق تُؤدي بدورها إلى تآكل الدعم العالمي للضغط على روسيا. فالولايات المتحدة تحتاج إلى حلفاء ملتزمين لعزل روسيا.
وتقترح الأكاديمية الأميركية في نهاية مقالها بأنه "لا ينبغي لوزير الخارجية أنتوني بلينكين أن يصنف روسيا كـ"دولة راعية للإرهاب"، ويجب على الكونجرس التوقف عن الضغط للقيام بذلك، لأن مثل هذه الخطوة "سيكون لها تداعيات خطيرة"، لاسيما أنه من غير المرجح أن تُفضي إلى إقناع روسيا بإنهاء العملية العسكرية في أوكرانيا.