روسيا وإسرائيل.. ملاسنات تمس أوضاعاً استراتيجية في سوريا

time reading iconدقائق القراءة - 9
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في منتجع سوتشي، روسيا- 22 أكتوبر 2021   - REUTERS
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في منتجع سوتشي، روسيا- 22 أكتوبر 2021 - REUTERS
القدس-قاسم الخطيب

شهدت العلاقات الروسية الإسرائيلية حالة من التوتر المتصاعد خلال الأيام الأخيرة، في ظل أزمة تمكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من إخمادها عبر مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، مساء الخميس الماضي.

وذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن المحادثة جاءت في ظل توتر العلاقات بين الدولتين في أعقاب تصريحات لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، قال فيها إن زعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر كان من أصول يهودية.

ونقلت الصحيفة عن وكالة روسية أن بوتين وبينيت أبديا رغبتهما في استمرار علاقات الصداقة بين الدولتين.

وجاء الفصل الأخير في التصعيد بين الدولتين في أعقاب تصريحات وزير الصحة الإسرائيلي نيتسان هوروفيتس على تويتر، رداً على التعقيب الروسي على تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد، الذي طالب باعتذار روسي لدولة إسرائيل والشعب اليهودي.

وكتب هوروفيتس في تغريدته إن "أوكرانيا ليست دولة نازية جديدة، وزيلينسكي ليس نازياً، وحقيقة كونه يهودياً لا تعني شيئاً في هذا السياق".

وأضاف: "لغة الخطاب الروسي، التي تربط بين غزو أوكرانيا والنضال السوفييتي ضد ألمانيا النازية مع مقارنات بهتلر، هي كذب فظيع وجزء من حملة دعائية فظة تهين ذكرى المحرقة. وعلى هذا فإن إسرائيل تدعم سيادة ووحدة الأراضي الأوكرانية في وجه الغزو الروسي الوحشي".

وهوروفيتس زعيم حزب ميرتس اليساري، ورغم أنه ليس في مكانة رئيس الوزراء نفتالي بينيت أو رئيس الوزراء البديل وزير الخارجية يائير لبيد، إلا أنه يرأس أحد الأحزاب المركزية في الحكومة، وقوله إن "إسرائيل تدعم سيادة ووحدة الأراضي الأوكرانية" في مواجهة ما أسماه "الغزو الروسي الوحشي"، يمكن اعتباره التصريح السياسي الإسرائيلي الأكثر حدة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. 

"هتلر يهودي"

وبدأت الأزمة مع تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، بأن أدولف هتلر زعيم ألمانيا النازية الذي يتهمه اليهود وآخرون بقتل 6 ملايين يهودي في الحرب العالمية الثانية، "له أصول يهودية".

وأثارت التصريحات الروسية حملة غاضبة عابرة للأحزاب داخل إسرائيل، وقال رئيس الوزراء نفتالي بينيت معقباً: "أعتبر التصريح الذي صدر عن وزير الخارجية الروسي، أمراً في غاية الخطورة. لا يعكس كلامه الحقيقة، كما أن الهدف منه مرفوض، علماً بأن هذه الأكاذيب هدفها إلقاء اللوم على اليهود أنفسهم واتهامهم بأروع الجرائم، التي تم اقترافها بحقهم على مدار التاريخ، وبهذه الطريقة إعفاء أعداء الشعب اليهودي من مسؤوليتهم عنها. وكما سبق أن أشرت، لا تضاهي أي حرب نشهدها في هذا العصر المحرقة النازية، وليست هناك أي حرب تشبهها. لا بد من التوقف فوراً عن استخدام المحرقة، التي حلت بالشعب اليهودي، كأداة للتناحر السياسي".

من جانبه، رد وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد غاضباً هو الآخر، فقال إن "تصريح وزير الخارجية لافروف فضيحة لا يمكن غفرانها، هتلر لم يكن من أصول يهودية، واليهود لم يقتلوا أنفسهم بأنفسهم في الهولوكوست.. نبذل كل جهد ممكن للحفاظ على علاقات طيبة مع روسيا، لكن هناك حدود لكل شيء وهذه الحدود تم اجتيازها هذه المرة.. على الحكومة الروسية تقديم الاعتذار لنا وللشعب اليهودي".

وأثارت تصريحات لبيد حفيظة الخارجية الروسية التي ردت بلغة تصعيدية، قد تكون غير مسبوقة باتهام إسرائيل بدعم نظام نازي في أوروبا، فقالت في بيان: "سمعنا تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد، التي تفسر إلى حد كبير لماذا تقوم حكومة إسرائيل الحالية بدعم نظام النازية الجديدة في كييف".

موقف إسرائيل يتغير

أعطت الأزمة الأخيرة وارتباطها بموضوع الهولوكوست انطباعاً بأن الموقف الإسرائيلي في موضوع الحرب في أوكرانيا يتغير بسبب ارتباط الخلاف بأحد الموضوعات الاجتماعية والتاريخية الأكثر حساسية في إسرائيل، غير أن بوادر الأزمة ظهرت في أبريل الماضي، مع قرار إسرائيل تزويد أوكرانيا بمعدات إنقاذ، وهو ما تحفظت عليه روسيا.

وفي 20 أبريل أصدرت وزارة الدفاع الإسرائيلية بياناً، قالت فيه إن "وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس تحدث مع وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف، وأبلغه أنه، بعد الطلب الذي قدمته وزارة الدفاع الأوكرانية، ستشتري وزارة الدفاع الإسرائيلية معدات واقية من خوذات وسترات، سيتم نقلها لقوات الإنقاذ الأوكرانية والمنظمات المدنية".

 وجاء في البيان أن الموافقة جاءت في إطار "الجهود الإسرائيلية المكثفة لتقديم المساعدة الإنسانية، والتي تشمل إنشاء مستشفى ميداني، واستيعاب اللاجئين والمهاجرين، وتوفير الغذاء والمساعدات الطبية، وغيرها".

وبعد ذلك، نقلت هيئة البث الإسرائيلية (كان) عن السفير الروسي لدى إسرائيل أناتولي فكتوروف قوله: "يتم التأكد من المعلومات.. وإذا تم تحقيق ذلك، فسترد روسيا".

سوريا وأوكرانيا

حاولت إسرائيل، منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، الحفاظ على موقف حيادي بسبب الوجود الروسي في سوريا وقدرته على التأثير على الجهد الإسرائيلي لمنع إيران من تعزيز مواقعها في سوريا ومنع وصول أسلحة إيرانية متطورة الى منظمة حزب الله اللبنانية.

 ويكمن محور العلاقات الأمنية بين روسيا وإسرائيل بسوريا في التنسيق العسكري، الذي يمكن تل أبيب من تنفيذ عمليات عسكرية ضد أهداف إيرانية هناك.

وتعتبر إسرائيل روسيا دولة جارة في سوريا بسبب التواجد العسكري الروسي هناك في صورة قواعد عسكرية بحرية وجوية بموجب اتفاقيات استراتيجية مع دمشق.

وبالتالي تحرص إسرائيل على عدم القيام بخطوات، يمكن أن يعتبرها الروس استفزازية أو عدائية تستوجب رداً من خلال تقييد حركة الجيش الإسرائيلي في استهداف مصالح إيرانية في سوريا وإعطاء إيران حرية أكبر في العمل وتفعيل منظومات مضادة للصواريخ أكثر تطوراً ضد الطائرات الإسرائيلية.

ويقول البروفيسور أفرايم عنبار رئيس معهد القدس للدراسات الاستراتيجية والأمنية، لـ"الشرق"، إن "إسرائيل بحاجة لروسيا في سوريا لمحاربة تعزيز التواجد الإيراني فيها ومنع طهران من استغلال الأراضي السورية لنقل أسلحة إلى حزب الله اللبناني".

ويضيف: "إسرائيل بحاجة للتعاون الروسي في سوريا لتحقيق أهدافها وإضعاف الخطر الإيراني من سوريا، ودون التنسيق مع الجانب الروسي لا تستطيع إسرائيل إنجاز هذه الأهداف بنجاعة أكبر وخسائر قليلة نسبياً".

علاقات تاريخية

وترجع العلاقات الروسية الإسرائيلية إلى ما قبل إقامة إسرائيل نفسها، ففي عام 1947، أعلن مندوب الاتحاد السوفييتي في الأمم المتحدة أندريه جروميكو دعم بلاده لخطة تقسيم فلسطين بين العرب واليهود.

وبعد 3 أيام من إعلان إقامة دولة إسرائيل، وتحديداً في 17 مايو 1948، اعترف بها الاتحاد السوفييتي، وسارع بتزويدها بعدة صفقات سلاح عن طريق تشيكوسلوفاكيا.

واستمرت العلاقات على هذا النحو حتى عام 1952، حيث سادت نبرة معادية لليهود في الإعلام السوفييتي والدول التابعة له مع انطلاق الحرب الباردة بين الشرق والغرب، ففي نوفمبر شهدت تشيكوسلوفاكيا قضية تم خلالها محاكمة مجموعة من كبار المسؤولين، كان أغلبهم من اليهود، بعد اتهامهم بأنهم "عملاء" للولايات المتحدة الأميركية، وانتهى الأمر بإعدامهم.

وفي يناير 1953، تم القبض على 9 أطباء يهود في الاتحاد السوفييتي بتهمة التآمر للمساس بشخصيات رفيعة في الحكومة السوفييتية.

وأثار ذلك حالة من الغضب في إسرائيل، بلغت حد الاعتداء على السفارة السوفييتية بتل أبيب في 9 فبراير 1953، ما دفع الاتحاد السوفييتي إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.

ومع وفاة جوزيف ستالين في مارس 1953، تم استئناف العلاقات بين الجانبين في شهر يوليو من العام نفسه، لكنها لم تعد كسابق عهدها، فقد أظهرت إسرائيل اصطفافها مع الغرب المعادي للاتحاد السوفييتي، وأظهر الأخير اصطفافه إلى جانب الدول العربية المعادية لإسرائيل.

وبلغ الأمر ذروته مع قطع الاتحاد السوفييتي للعلاقات مع إسرائيل عقب رفضها وقف إطلاق النار في حرب يونيو 1967، ولم تعد إلا عام 1991.

وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وعودة الدولة الروسية الى الواجهة، بدت العلاقات بين الطرفين أكثر حميمية، خاصة مع السماح بهجرة مئات الآلاف ممن كانوا يسكنون دول الاتحاد السوفييتي السابق إلى إسرائيل.

وجاءت الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إسرائيل في أبريل 2005 خطوة مهمة في تعزيز العلاقات الروسية الإسرائيلية، لتتبعها سلسلة من الزيارات المتبادلة جعلت العلاقات أكثر دفئاً عما كانت من قبل، حتى إن تقارير غربية عديدة اتهمت إسرائيل بعدم الانصياع للعقوبات التي فرضها الغرب على روسيا، عقب غزو أوكرانيا، وبأنها ستشكل قناة خلفية لتهريب ثروات الأثرياء الروس المستهدفين بالعقوبات.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات