تتسارع التطورات بشأن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، الذي تتوسط فيه الولايات المتحدة، إذ يدرس البلدان المسودة المقترحة من واشنطن، التي حثت الطرفين على الإسراع بتقديم رد تمهيداً لتسريع إنجاز الاتفاق.
وقال أستاذ الاقتصاد السياسي ومستشار سابق لوزير العمل اللبناني سامي نادر، إن الإسراع في عملية التوصل لاتفاق الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل يرجع إلى رغبة الطرفين بالاستفادة من العوائد الاقتصادية للغاز الطبيعي، في ظل ارتفاع أسعاره نتيجة أزمة الطاقة التي أعقبت الأزمة الروسية الأوكرانية.
وأوضح نادر في تصريح لبرنامج "الرابط" على تلفزيون "الشرق" أن لبنان يحتاج إلى موارد مالية في ظل الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي يمر بها، مشيراً إلى أن الرئيس اللبناني ميشال عون يرغب في إنهاء الملف والتوقيع على الاتفاق قبل نهاية عهدته الرئاسية في نهاية الشهر الجاري، ليكون إنجازاً دبلوماسياً يحسب لعهده الذي شهد انفجار مرفأ بيروت و"الانهيار المالي" الجاري.
وفي شأن موقف "حزب الله" من الاتفاق، قال أستاذ الاقتصاد السياسي إنه بعد اختلاف موقف الحزب عن رئاسات الجمهورية والحكومة والبرلمان، صدرت في الأيام الأخيرة عنه مؤشرات إيجابية توضح أن هناك "تقييماً إيجابياً" من جانب لبنان لمسودة الاتفاق التي قدمتها الولايات المتحدة.
تفاصيل الاتفاق
وأكد نادر أن هناك "غليان" على مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، للمطالبة بمعرفة تفاصيل الاتفاق، وكذلك التساؤل بشأن أسباب عدم التمسك بـ"الخط 29" كمرجع للاتفاق، بدلاً من "الخط 23" الذي قدمت الحكومة وثائق للأمم المتحدة تؤكد أن الحدود اللبنانية تنتهي عنده، على عكس دراسة سابقة للجيش اللبناني أكدت أن خط نهاية الحدود هو "الخط 29".
وأشار إلى أن المصلحة الاقتصادية لكل من إسرائيل ولبنان ستدفع الطرفين لحماية الاتفاق، مضيفاً أن هناك "تخوفاً من تدخل قوى إقليمية" لإفساد الاتفاق وتفكيكه، كما لفت إلى أن قوى سياسية لبنانية ستحاول تسويق الاتفاق على أنه نصر سياسي لها، على الرغم من أن تحويل استكشافات الغاز إلى عوائد اقتصادية تفيد اللبنانيين، يستغرق سنوات طويلة.
التوقيع الحكومي
ولفت نادر إلى أن هناك إشكالية بشأن مدى مشروعية توقيع الحكومة الحالية على الاتفاق مع الولايات المتحدة وإسرائيل، باعتبارها حكومة تصريف أعمال، كما أنه ليس من المؤكد انتخاب رئيس للجمهورية قبل نهاية العهدة الرئاسية في 31 أكتوبر.
وفي إسرائيل تلوح أزمة مشابهة في الأفق، إذ لفت الدبلوماسي الإسرائيلي السابق مائير كوهين، إلى أن هناك تساؤلات بشأن مشروعية توقيع حكومة تسيير الأعمال بزعامة لبيد على الاتفاق، ومدى الحاجة لعرض الاتفاق على استفتاء شعبي أو تصويت في الكنيست.
وأضاف لتلفزيون "الشرق" أن تقارير صحافية إسرائيلية أشارت إلى أن المستشارة القانونية للحكومة قالت لرئيس الوزراء إنه من غير اللازم عرض الاتفاق على الكنيست أو استفتاء شعبي، وأنه يكفي موافقة الحكومة، لأن الاتفاق لا يتضمن تنازلات، وإنما تحديد لنقاط حدودية.
وأشار إلى أن ذلك ما يدفع رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو للاعتراض والمطالبة بعرض الاتفاق على الكنيست، على الرغم من أن وزير الطاقة في عهد نتنياهو الذي أشرف على المباحثات طيلة 10 سنوات يرى أنه ليس من اللازم عرض الاتفاق على الكنيست باعتباره لا ينطوي على تنازلات. كما أن لبيد رد على تصريحات نتنياهو خلال اجتماع الحكومة في وقت سابق الأحد.
"حزب الله"
وأوضح كوهين أن الاتفاق يصب في مصلحة لبنان نظراً لظروفه الاقتصادية، وكذلك مفيد لإسرائيل لأنه سيؤدي لاستقرار في المنطقة، ووصفه بـ"الضربة" لـ"حزب الله" وإيران، و"سيعطي نوع من الاستقلالية للشعب اللبناني عن الحزب".
فيما قال أستاذ الاقتصاد السياسي اللبناني إن الاتفاق لن يغير من "قواعد الاشتباك" بين لبنان وإسرائيل أو بين "حزب الله" وإيران من جهة، وتل أبيب من جهة أخرى.
ولفت الدبلوماسي الإسرائيلي إلى شح المعلومات الواردة عن تفاصيل الاتفاق، لكنه لفت إلى تقارير صحافية ذكرت أنه يعطي كامل السيادة على حقل "كاريش" لإسرائيل، فيما يحصل لبنان على حق الاستكشاف والتنقيب في حقل "قانا"، وتحصل إسرائيل على عمولة أو تعويض مالي نظير وقوع نحو ثلث الحقل ضمن المياه الاقتصادية لها، بعد تعيين شركة لعمليات الاستكشاف غالباً ما ستكون يونانية، ستكون كذلك مسؤولة عن تحديد قيمة تلك التعويضات.
وتابع أن أزمة الطاقة في أوروبا كانت دافعاً لفتح صفحة جديدة في المنطقة بشأن التعاون الاقتصادي بملف الغاز، وأن البلدين ليسا بصدد اتفاق سلام، مشيراً إلى أن كلا الطرفين يشعر أنه رابح من الاتفاق.
وأكد أن الولايات المتحدة ستضمن استمرار الاتفاق وعدم التراجع عنه لاحقاً، سواء في حالة مجيء نتنياهو أو غيره للسلطة. وتابع أن "حزب الله" غير لهجته تجاه المسألة، وأصبح يخول الدولة بالحديث، خاصة أنه يريد تسويق أنه بفضل تهديداته "تنازلت" إسرائيل.
حقل "قانا"
بدوره، ذكر مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق ديفيد شينكر، لـ"الشرق" أن إدارة الرئيس جو بايدن تعلم أن هناك القليل مما يمكنها فعله لمساعدة لبنان في أزمته الاقتصادية، وهذا يدفعها للإسراع بالتوصل لاتفاق، كما أنه على صعيد آخر قد يساعد في دعم موقف لبيد خلال الانتخابات الإسرائيلية الشهر المقبل.
وأكد أن واشنطن تدرك تعقيدات الوضع في كل من إسرائيل ولبنان، لكن لا يمكن أن تتدخل بها، مشيراً إلى أن تل أبيب تنازلت عن بعض الأراضي، فيما سينص الاتفاق على سيادتها بالكامل على حقل "كاريش" الذي تشير التقديرات لوجود 1.75 تريليون قدم مكعب من الغاز به، بينما حقل "قانا" قد لا تٌكتشف فيه أي احتياطيات.
وفي وقت سابق الأحد، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد، موافقة حكومته "بشكل أولي"، على مسودة الاتفاق.
وتأتي الموافقة الأولية لإسرائيل، بعدما تسلم الرئيس اللبناني ميشال عون، السبت، مقترحاً خطياً من الوسيط الأميركي لترسيم الحدود البحرية آموس هوكستين، نقلته إليه سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في لبنان دوروثي شيا.
الخط 23
وانطلقت المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل عام 2020، ثم توقفت في مايو 2021 جراء خلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها.
وكان من المفترض أن تقتصر المحادثات لدى انطلاقها على مساحة بحرية تقدّر بنحو 860 كيلومتراً مربعة تُعرف حدودها بالخط 23، بناءً على خريطة أرسلها لبنان في عام 2011 إلى الأمم المتحدة.
لكن بيروت اعتبرت لاحقاً أن الخريطة استندت إلى "تقديرات خاطئة"، وطالبت بالبحث في مساحة 1430 كيلومتراً مربعة إضافية تشمل أجزاء من حقل "كاريش" وتُعرف بالخط 29.
وتسارعت التطورات المرتبطة بالملف في مطلع يوليو الماضي، بعد توقف لأشهر، إثر وصول سفينة إنتاج وتخزين على مقربة من حقل كاريش تمهيداً لبدء استخراج الغاز منه، إذ تعتبر بيروت أن الحقل المذكور يقع في منطقة متنازع عليها، بينما تقول إسرائيل إنه ضمن منطقتها الاقتصادية الخالصة.
وبعد وصول منصة استخراج الغاز قبالة السواحل الإسرائيلية، دعا لبنان المبعوث الأميركي لاستئناف المفاوضات، وقدم عرضاً جديداً لترسيم الحدود لا يتطرق إلى كاريش"، بل يشمل ما يُعرف بحقل "قانا" الواقع في منطقة يتقاطع فيها الخط 23 مع الخط واحد، وهو الخط الذي أودعته إسرائيل الأمم المتحدة، ويمتد أبعد من الخط 23.