يواجه ملايين الأشخاص في مناطق شاسعة من باكستان، الاثنين، فيضانات ناجمة عن الأمطار الموسمية هي الأسوأ خلال عقود أودت بحياة 1136 شخصاً وجرفت أعداداً لا تُحصى من المنازل ودمرت محاصيل زراعية حيوية وتُهدد بفيضان النهر الرئيسي في البلاد.
وأعلنت وزيرة التغير المناخي شيري رحمن، أن ثلث مساحة البلاد "تحت الماء حالياً"، ما يمثل "أزمة ذات أبعاد لا يمكن تصورها".
وأفادت هيئة إدارة الكوارث، الاثنين، بأن الأمطار أودت بحياة 1136 شخصاً منذ يونيو الماضي عندما بدأ هطول الأمطار الموسمية، مضيفة أن 75 شخصاً قضوا في الساعات الأربع والعشرين الماضية، لكن السلطات لا تزال تسعى للوصول إلى قرى معزولة في الشمال الجبلي، بعدما اجتاحت مياه الأنهار التي فاضت عن ضفافها، طرقاً وجسوراً.
والأمطار الموسمية التي تستمر عادة من يونيو إلى سبتمبر أساسية لري المزروعات ولموارد المياه في شبه القارة الهندية لكنها تحمل سنوياً كماً من المآسي والدمار.
وطالت أضرار الفيضانات هذا العام أكثر من 33 مليون شخص، أي واحداً من كل 7 باكستانيين، حسبما ذكرت الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث.
"محيط كبير"
وأضافت وزيرة التغير المناخي الباكستانية في تصريحات لوكالة "فرانس برس": "كل (البلد) مجرّد محيط كبير، ليس هناك مكان جاف يسمح بوضع المعدات لسحب المياه".
وتُقارن فيضانات هذه السنة بمثيلاتها في 2010، الأسوأ في السجلات، عندما قضى أكثر من ألفي شخص.
ولجأ ضحايا الفيضانات إلى مخيمات إيواء مؤقتة انتشرت في أنحاء البلاد، حيث لا يخفون يأسهم.
وقال فضل المالك إن "العيش هنا سيء، كرامتنا مهددة". ويقيم هذا الرجل في مدرسة باتت تأوي حالياً نحو 2500 شخص في بلدة ناوشيرا بإقليم خيبر بختونخوا، مضيفاً: "رائحتي نتنة لكن لا مكان للاستحمام. لا مراوح".
وقرب مدينة سوكور الواقعة في إقليم السند بجنوب البلاد وتضم سداً متهالكاً من الحقبة الاستعمارية أقيم على نهر إندوس للحيلولة دون تفاقم الكارثة، عبر أحد المزارعين عن حزنه للأضرار الجسيمة التي لحقت بحقول الأرز خاصته.
وغرقت ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية الخصبة بعد أسابيع من هطول الأمطار بشكل مستمر، لكن نهر إندوس مُهدد حالياً بالفيضان على وقع السيول المتدفقة من روافده في الشمال.
وقال المزارع خليل أحمد (70 عاماً): "محاصيلنا كانت تمتد على مساحة 5 آلاف فدان وتزرع فيها أجود أنواع الأرز الذي تأكلونه أنتم ونحن". وأضاف: "كل ذلك انتهى".
مياه بلا نهاية
وتحول جزء كبير من إقليم السند إلى بركة مياه شاسعة ما يعرقل عملية إغاثة ضخمة يقودها الجيش.
وقال ضابط كبير: "لا مهابط أو طرقاً متاحة ... طيارونا يلاقون صعوبة في الهبوط".
وتواجه مروحيات الجيش صعوبات في نقل الناس إلى مناطق آمنة في الشمال بسبب المخاطر التي تطرحها الجبال الشاهقة والوديان العميقة على الطيران.
وفاضت الكثير من الأنهار في إقليم خيبر بختونخوا حيث عدد من أكثر المواقع جذباً للسياح، مدمرة عشرات المباني من بينها فندق يضم 150 غرفة انهار تحت وطأة السيول.
وأعلنت الحكومة حالة طوارئ وناشدت المجتمع الدولي المساعدة. والأحد، بدأت أولى طائرات الإغاثة بالوصول، قادمة من الإمارات وتركيا.
وتأتي كارثة الفيضانات في أسوأ الأوقات بالنسبة لباكستان التي يشهد اقتصادها انهياراً حاداً.
وقال وزير المالية الباكستاني مفتاح إسماعيل إن صندوق النقد الدولي وافق، الاثنين، على استئناف برنامج قروض لبلاده التي تعاني من أزمة اقتصادية خطيرة.
وكتب الوزير على تويتر: "نتوقع أن نتلقى القسطين السابع والثامن بقيمة 1.7 مليار دولار".
ومنح صندوق النقد الدولي باكستان حزمة قروض بقيمة 6 مليارات في عام 2019 كجزء من خطة الإنقاذ المتفق عليها مع رئيس الوزراء آنذاك عمران خان، لكن الخطة عُلقت عدة مرات في مواجهة الجمود الحكومي في اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في هذه الاتفاقية، لا سيما في المسائل الضريبية.
وهذا القرض ضروري للبلاد لخدمة ديونها الخارجية. لكن من الواضح أن باكستان ستحتاج إلى مزيد من الأموال لإعادة البناء بعد هذه الأمطار الموسمية المدمرة.
وارتفعت أسعار السلع الأساسية لا سيما البصل والطماطم والحمص، بينما يتحسر الباعة على نقص الإمدادات من إقليمي السند والبنجاب، بعدما اجتاحتهما الفيضانات.
وقال مكتب الأرصاد الجوية إن البلاد ككل سجلت ضعف معدل الأمطار الموسمية المعتاد، لكن متوسط هطول الأمطار في بلوشستان والسند بلغ 4 أضعاف معدلاته في العقود الثلاثة الماضية.
وبلغ منسوب الأمطار، التي تساقطت على بلدة باديدان الصغيرة في السند، أكثر من 1.2 متر منذ يونيو، ما شكل أعلى معدل في البلاد.
مزيد من النازحين
في مختلف أنحاء السند تنتشر خيم يقيم فيها آلاف النازحين على امتداد الطرق السريعة وخطوط السكك الحديدية، والتي غالباً ما تكون المواقع الجافة الوحيدة المتوافرة.
ويصل المزيد منهم يومياً إلى الطريق الدائري لمدينة سوكور وتتكدس أمتعتهم على قوارب وجرارات أثناء بحثهم عن مواقع إيواء بانتظار انحسار مياه الفيضانات.
وقال عزيز سومرو، المشرف على سد سوكور، إن من المتوقع أن تصل المياه إلى السد في 5 سبتمبر، لكنه عبر عن ثقته بأن بوابات السد البالغ عمرها 90 عاماً ستتكيف مع الأمر.
ويحوّل سد نهر إندوس المياه إلى قنوات تمتد على 10 آلاف كيلومتر تشكل واحداً من أكبر أنظمة الري في العالم، لكن المزارع التي ترويها معظمها الآن تحت الماء.
والأنباء الوحيدة، التي تبعث على التفاؤل، جاءت من تقرير لمصلحة الأرصاد الجوية بعد أن أعلن مكتب الأرصاد أن فرص تساقط أمطار خلال الأسبوع ضئيلة.