صندوق النقد والخليج.. كلمة سر في إعادة تعويم لبنان

time reading iconدقائق القراءة - 10
متظاهر يحمل أوراق نقد خلال احتجاج خارج مبنى البنك المركزي اللبناني في بيروت. 25 يناير 2023 - REUTERS
متظاهر يحمل أوراق نقد خلال احتجاج خارج مبنى البنك المركزي اللبناني في بيروت. 25 يناير 2023 - REUTERS
بيروت-عماد عاصي

يواصل الاقتصاد في لبنان انهياره الذي بدأ نهاية عام 2019، وفاقمه انفجار المرفأ في الرابع من أغسطس 2020، في وقت يشير الخبراء إلى أن لا حل إلا بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وإصلاح العلاقات مع دول الخليج العربية، للنهوض من الأزمة. 

السفير الفرنسي المكلف بتنسيق الدعم الدولي إلى لبنان بيار دوكان، اعتبر خلال زيارته بيروت في وقت سابق الجمعة، أن الاتفاق مع "صندوق النقد" هو المخرج المتاح أمام البلد الغارق في الديون، للخروج من أزمته الاقتصادية.

وشدد دوكان خلال لقاء مع عدد من كبار المسؤولين اللبنانين على "وجوب استكمال الخطوات المطلوبة لتوقيع الاتفاق النهائي مع الصندوق، الذي يُمثل بالنسبة إلى فرنسا والمجتمع الدولي الممر الأساسي لإعادة التعافي الاقتصادي في لبنان، وطريقاً للحصول على مساعدات أخرى، نظراً لأنه يُعزز الثقة الدولية بالبلد ومؤسساته وبالعمل الحكومي" بحسب قول المسؤول الفرنسي.

برلمان معطل

تأتي تصريحات دوكان، بينما تتجه الأنظار إلى مجلس النواب الذي أحيلت إليه مشاريع قوانين عدة، تهدف إلى إنجاز الإصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي لإبرام الاتفاق النهائي، بعد توقيع اتفاق على مستوى الموظفين في أبريل الماضي.

لكن، في ظل تحوّل مجلس النواب إلى هيئة انتخابية في ظل شغور منصب رئاسة الجمهورية، وعدم انتخاب بديل للرئيس المنتهية ولايته ميشال عون، لا تزال مشاريع القوانين في الأدراج، وعلى رأسها مشروع الـ"كابيتال كونترول" (وضع ضوابط للتحويلات المالية)، ومشروع إطار خطة التوازن المالي، ومشروع قانون إعادة هيكلة المصارف.

وبعد سلسلة من الجلسات شهدت خلافات نيابية، انتهت اللجان المشتركة من مناقشة مشروع قانون الـ"كابيتال كونترول"، إلا أن الصيغة التي تم التوصل إليها، لم ترض طموحات الكثيرين، لا سيما من جهة البت في مصير الودائع المحتجزة في البنوك.

الرئيس أم القوانين؟

النائب بلال عبد الله، عضو اللقاء الديمقراطي (الكتلة النيابية التي يرأسها النائب تيمور جنبلاط)، قال إن "لبنان لم يلبِّ بعد الشروط التي طلبها صندوق النقد، والحكومة لم تبدأ بتنفيذ عملية الإصلاح المنتظرة بسبب كل هذه التحديات التي تهدد ما تبقى من قدرات مالية ومعيشية عند الشريحة الكبرى من الشعب".

وكشف عبدلله في تصريح لـ"الشرق" أنه "تم إنجاز مشروع قانون الكابيتال كونترول بعد مناقشته في اللجان المشتركة، على أن تضعه هيئة مكتب المجلس على جدول أعمال الجلسة العامة المرتقبة".

ولكنه نبه إلى أن "المشروعين الآخرين (خطة التعافي المالي، وإعادة هيكلة المصارف)، لم تتبلور معالمهما بعد في المجلس"، لافتاً إلى أن المشروع الأخير بحاجة إلى مزيد من "الجهود والاجتماعات" للوصول إلى صيغة نهائية بشأنه، "وسط جملة من الصعوبات والاعتراضات".

ولفت إلى "عراقيل عدة تواجه دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري لعقد جلسة تشريعية، بسبب اعتراض كتل القوات (برئاسة سمير جعجع)، والكتائب (برئاسة سامي الجميل)، والتيار الوطني الحر (برئاسة جبران باسيل)، إلى جانب النواب التغييريين، على الجلسات بحجة أن الأولوية في البرلمان يجب أن تكون لمهمة انتخاب رئيس الجمهورية".

وفشل مجلس النواب اللبناني 11 مرة في انتخاب رئيس الجمهورية منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون.

وتابع عبد الله: "نحن من جهتنا (اللقاء الديمقراطي) نُؤيد التشريع، رغم أهمية انتخاب رئيس للبلاد"، لافتاً إلى أنه "لا يمكن تعطيل حياة المواطنين وعدم تلبية مطالب المجتمع الدولي، خصوصاً بعد وقوع كل هذه الانهيارات".

وشدد على أن كل مشروعات القوانين المطروحة في المجلس، "مربوطة بالسياسة في ظل كل هذه الانقسامات النيابية والحزبية، التي تنعكس سلباً على يوميات المواطنين".

وفي الوقت ذاته، نبهت مصادر مقربة من الحكومة اللبنانية رفضت الكشف عن اسمها، من أن مهلة إقرار الإصلاحات التي طلبها صندوق النقد "ليست مفتوحة"، محذرة من أي تطورات مالية واقتصادية جديدة في لبنان، "قد تدفعه إلى إعادة النظر في الشروط التي وضعها للاتفاق مع لبنان".

وأشارت المصادر إلى أن الحكومة أعدت الجزء الأكبر من مشاريع القوانين الإصلاحية، وأحالتها إلى مجلس النواب لمناقشتها وإقرارها، وبالتالي أصبحت الكرة في ملعب البرلمان".

شروط الصندوق

المحلل الاقتصادي منير يونس قال لـ"الشرق" إن أبرز شروط الاتفاق مع الصندوق يتمثل في تعديل قانون السرية المصرفية، مشيراً إلى أن مجلس النواب عدله بالفعل، لكن الصندوق وضع ملاحظات عليه.

وأضاف أن الصندوق اشترط أيضاً إعداد ميزانية إصلاحية، إلا أنه وضع ملاحظاته على موازنة العام الماضي، والآن ينتظر موازنة 2023، مشترطاً أن تتضمن بنوداً إصلاحية، خاصة على صعيد زيادة الإيرادات.

وكشف أن "هناك شروطاً أخرى منها: إعادة هيكلة المصارف، وتقييم أصول وموجودات أكبر 14 مصرفاً في لبنان"، إلا أنه لفت إلى أن "هذه العملية لم تبدأ بعد"، مشيراً إلى "نقاط خلافية بين الطبقة السياسية والصندوق بشأن عملية توزيع خسائر المصارف، إذ يريد الأخير حماية الودائع التي لا تزيد قيمتها عن 100 ألف دولار، في حين تريد الطبقة السياسية حماية كل الودائع العالقة". 

وأفاد يونس بأن "الصندوق يريد إيجاد حلول للودائع التي تفوق قيمتها 100 ألف دولار، من خلال إما الشطب منها، أو بتحويلها إلى ملكيات في البنوك، أو غيرها من الإجراءات التي لا تثقل كاهل ميزانية الدولة"، مشيراً إلى أن "الصندوق يشترط عدم التوسع في استخدام أصول وإيرادات الدولة لتقليل الخسائر، إذ تُعد هذه المسألة نقطة خلاف جوهرية أخرى في مشروع (قانون الانتظام المالي) الذي يُوزع الخسائر".

وأوضح يونس أن "صندوق النقد يعتبر أن تعويض الخسائر يبدأ من خلال شطب رأسمال البنوك بالدرجة الأولى، وتحميل كبار المودعين جزءاً من العبء، ومن ناحية أخرى حماية صغار المودعين حتى 100 ألف دولار"، مشيراً إلى أن هذا الأمر "يواجه معارضة كبيرة من الطبقة السياسية، لاعتبارات كثيرة أهمها مصلحة المصارف وكبار المودعين".

وقال: "يُطالب الصندوق أيضاً بتوحيد سعر الصرف، كمرحلة أولى، على أن يُصبح السعر مرناً، ويخضع للعرض والطلب في المرحلة الثانية. ويبدو أن تحقيق هذا الشرط صعب، إذ ليس بمقدور مصرف لبنان توحيد أسعار الصرف، بل على العكس يريد استخدام تعدد أسعار الصرف لتقليل الخسائر".

لا تعديل

ورداً على سؤال عن كيفية الخروج من الأزمة الاقتصادية، قال يونس إنه "من الناحية الإصلاحية لا يمكن للبنان أن يتجاوز الأزمة من دون برنامج مع صندوق النقد، لأن البرنامج لا يقتصر على الحصول على 3 أو 4 مليارات دولار فحسب، بل يتضمن خطوات إصلاحية على صعيد المصارف والمالية العامة والإدارة العامة والكهرباء وغيرها".

وأضاف أن "من مصلحة لبنان أن ينفذ الإصلاحات، سواء كان هناك برنامج مع الصندوق أم لا"، معتبراً أن "الطبقة السياسية والبنوك لا مصلحة لها بهذه الشروط القاسية، لأن أي إصلاح حقيقي سيحدُّ كثيراً من نفوذ السياسيين".

ولفت يونس إلى أن "هناك وفداً نيابياً لبنانياً يزور واشنطن هذه الأيام. ونقل الوفد عن مسؤولين في صندوق النقد قولهم إنه ليس هناك أي تعديل للاتفاق، وفي حال أراد لبنان تعديل الاتفاق، فعليه التفاوض من جديد"، منبهاً إلى أن "التفاوض سيكون صعباً ويمكن ألا يصل إلى نتيجة، في وقت تزداد الخسائر يومياً في لبنان".

يونس رأى أن "البديل عن الاتفاق مع الصندوق هو ما يتم تطبيقه حالياً" وهي خطة تقوم على ما يُعرف باسم "hair cut" وتفيد بأن يحصل المودع على جزء من أمواله المودعة. وأوضح يونس أنه "بحال تم تحديد نسبة الاقتطاع من قيمة الودائع بـ75% أو أكثر، فإن ذلك يعني إلقاء عبء الخسائر على المودعين، وليس على المصارف أو البنك المركزي أو الحكومة".

العلاقات مع الخليج

وفي إطار متصل، أشار الخبير الاقتصادي الدكتور جاسم عجاقة في تصريح لـ"الشرق"، إلى "ثمة نقطة أخرى هامة تتمثل في أن صندوق النقد لا يعمل مع حكومات تصريف أعمال، ولا يوقع معها أي برامج، وبالتالي فإن عدم وجود حكومة في لبنان يمثل عائقاً أساسياً أمام إنجاز الاتفاق".

وأضاف: "علينا أن ندرك جيداً أن لبنان لا يمكن أن يخرج من أزمته من دون إعادة العلاقة الجيدة مع دول الخليج، لأنها الأساس في ما يمكن تقديمه إلى لبنان من استثمارات، فمؤتمر (سيدر) الذي عقد في عام 2018، شهد إعلان وعود بتقديم مساعدات وصلت قيمتها إلى 11 مليار دولار، 45% منها من دول الخليج، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال صناديق استثمارية".

وتابع عجاقة: "منذ ذلك الوقت وحتى اليوم تغيّرت الأمور، وحدثت الكثير من التطورات، وهناك الكثير من العوائق الأساسية مثل أزمة كورونا، والحرب في أوكرانيا، وبالتالي فإن الكثير من الدول لم تعد قادرة على مساعدة لبنان".

واعتبر أنه "من دون البرنامج مع الصندوق، هناك استحالة لنهوض لبنان من أزمته"، لافتاً إلى أنه كان يمكن تحقيق النهوض في بداية الأزمة، ولكن اليوم هناك تسارع في الانهيار الاقتصادي، وانعدام للثقة بين اللبنانيين والمغتربين في النظام المصرفي، وانعدام للثقة بين المستثمرين، خصوصاً مع غياب الإصلاحات والتشرذم السياسي".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات