Open toolbar

جنود أوكرانيون يطلقون قذائف مدفعية خلال قصف على جبهة قتال بمدينة باخموت شرقي أوكرانيا. 26 ديسمبر 2022 - REUTERS

شارك القصة
Resize text
أرتيميفسك (أوكرانيا)-

تتمسك كل من أوكرانيا وروسيا بضرورة الانتصار في مدينة باخموت، التي تُعد مسرح المعركة الأطول والأكثر عنفاً منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا قبل نحو عام، رغم تأكيد محللون على أنها لا تعني الشيء الكثير على الصعيد العسكري والاستراتيجي.

وخارج المدينة الواقعة شرق أوكرانيا تتجه سيارات الإسعاف مسرعة نحو مركز يتجمّع فيه الجنود الأوكرانيون الجرحى، إذ ينتظر سائق سيارة الإسعاف إيفان على جانب الطريق وصول الجرحى الذين يتزايد عددهم مع اشتداد المعارك.

وسط ساحة، يتنهّد إيفان قائلاً "إنها مثل فردان"، في إشارة الى معركة دامية في شرق فرنسا في عام 1916 خلال الحرب العالمية الأولى.

وتزداد رمزية معركة باخموت بالغة العنف مع اقتراب الذكرى الأولى لبدء الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير. إذ تريد موسكو تحقيق انتصارها الأول بعد أشهر من الانتكاسات، لكن كييف مصمّمة على الصمود.

وبينما يسعى كل طرف إلى ترسيخ وجوده، طغت الخسائر البشرية بين القوات المسلحة والمدنيين على الأهمية الاستراتيجية للسيطرة على هذه المدينة الصناعية السابقة، والتي باتت أحياؤها الشرقية والشمالية والجنوبية مدمرة.

الصمود "لأطول فترة ممكنة"

يرى مارك كانسيان المحلل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن المقاربة المعتمدة من الطرفين، تُعد "مشكلة كلاسيكية من الحرب العالمية الأولى".

 وقال إنه بعد فشل المحاولات الروسية الأولى لمحاصرة باخموت، "واصلت (روسيا) الهجوم" رغم أن الانتصار "لا يعني شيئاً على المستوى العسكري والاستراتيجي".

واعترف الضابط السابق في مشاة البحرية بأن خيارات أوكرانيا محدودة، مضيفاً "بالتالي، هناك الكثير من الرمزية في حال سيطروا على باخموت، سيتظاهرون بأنها مهمة ولكنها ليست كذلك".

من جهتها، أفادت أجهزة الاستخبارات البريطانية بأن التقدم الروسي توقف ولكن الضغط مستمر.

ويأتي ذلك فيما أعلنت مجموعة "فاجنر" الروسية المسلحة، الأحد، مسؤوليتها عن السيطرة على كراسنا هورا، على بعد بضعة كيلومترات شمالي باخموت.

ويُبرر ذلك دعوات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المتكررة للدول الغربية لتزويد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة. فقد قال في بداية فبراير أمام كبار المسؤولين الأوروبيين في كييف "إذا تسارعت عملية تسليم الأسلحة، خصوصاً بعيدة المدى، لن يقتصر الأمر على عدم الانسحاب من باخموت، و(لكن) سنبدأ في إنهاء احتلال دونباس". وأضاف أن الجيش سيدافع عن باخموت "لأطول فترة ممكنة".

ولكن معركة باخموت لا تتعلق فقط بأسلحة عالية الدقة، إذ يُشير المحلل العسكري الأوكراني أوليكسندر كوفالينكو إلى أن كييف تحتاج بشكل أساسي إلى مدفعية وذخيرة شائعة الاستخدام، وأضاف "إذا لم يحدث ذلك، سنواجه مشاكل خطيرة في باخموت".

"ميزة كبيرة" لروسيا

على الأرض، يُعرب الجنود الأوكرانيون عن الحاجة نفسها للمدفعية. وكان يوري كريجبيرسكي الجندي البالغ من العمر 37 عاماً قد أوضح في نهاية يناير أن "العدو يملك ميزة كبيرة من حيث المدفعية"، وقال "يُمكنكم الجلوس في قبو في فاسيوكيفكا (قرية شمال باخموت موجودة على الخط الأمامي أيضاً) لمدة نصف ساعة وسماع مرور 40 قذيفة".

وتتمثل الميزة الثانية لدى روسيا في عدد المقاتلين، ما يُثير فضول هذا الرقيب الأوكراني المعروف باسمه الحركي ألكور، إذ قال "نطلق النار، نطلق النار ثم نطلق النار، لكن بعد 5 دقائق، يظهر 20 رجلاً آخرين أمامنا".

وتُتهم موسكو و"فاجنر" باستخدام مجندين غير مهيئين كـ"وقود للمدافع"، الأمر الذي يرفضه المحلل العسكري الروسي ألكسندر خرامتشيخين، معتبراً أنه "دعاية غربية".

ويبقى أن كييف تكبدت خسائر فادحة، إذ أكد الرائد فولوديمير ليونوف، من قوات الدفاع الإقليمية الأوكرانية، سقوط حوالي 10 جرحى في صفوف قواته خلال 3 أيام في يناير. كما سقط 5 جنود تابعين له ولم يكن بالإمكان استرداد جثثهم.

وقال "رجالنا متحمّسون، الجميع جاء للقتال، لكن عندما لا يكون هناك دعماً مدفعياً، ولا توجد دبابات، يتم إطلاق النار عليك فقط، كما هو الحال في ميدان رماية".

حرب كلامية

لم يعلن أي من المعسكرَين عن خسائره، لكن الأوكرانيين كما الروس يصفون معركة باخموت بأنها الأعنف خلال الحرب.

وقرب الجبهة الشمالية، خلال نهاية يناير شُوهدت حوالي 10 جثث يبدو أنها تعود لعناصر في "فاجنر" متروكة على الأرض الجليدية.

وعلّق الجندي الأوكراني فلاديسلاف على الأمر قائلاً "على ما يبدو، ليس لديهم الحق في الانسحاب"، مضيفاً "لم يستردوا حتى جرحاهم. وفي النهاية ماتوا هنا، في الحقول".

وبالتوازي مع المواجهات في الميدان، تدور حرب كلامية بين الأوكرانيين والروس، فقد تحدث المسؤول الموالي لروسيا في منطقة دونيتسك دنيس بوشيلين، أخيراً، عن "تحرير أرتيموفسك"، في إشارة إلى باخموت باسمها المستخدم خلال الحقبة السوفياتية حتى عام 2016.

وفي نهاية ديسمبر، تحدث زيلينسكي عن "حصن باخموت"، خلال زيارته للمدينة التي كان يبلغ عدد سكانها 70 ألفاً، والتي كانت تُعرف بمناجم الملح وبنبيذها.

من جهته، أشار يفجيني بريجوجين رئيس مجموعة "فاجنر" إلى أن القتال "الشرس" في الأحياء الشرقية من باخموت وقع في "كل شارع، كل منزل وكل سلم".

الحياة في الملاجئ

تبدو آثار القتال في المدينة المحاصرة ظاهرة للغاية في كل مكان تقريباً، مثل المباني المحترقة، بقايا القذائف، أو حتى الثلوج التي تناثرت عليها أشلاء بشرية.

وبحسب السلطات، فقد دُمّر أكثر من نصف مباني باخموت. كما أن الجسر الذي يمر فوق النهر الصغير الذي يعبر المدينة لم يعد أكثر من مجموعة متشابكة من الألواح الخشبية والإطارات والمنصات النقالة.

وباتت ناتاليا شيفتشينكو، التي تستخدم الجسر كل يوم لجلب مياه الشرب، معتادة على دوي القذائف.

وقالت شيفتشينكو وهي واحدة من 6500 شخص اختاروا البقاء في باخموت "أعيش في القبو في الوقت الحالي. عندما أخرج، أكون مثل الخٌلد (فأر)، يجب أن أُعوّد عيناي على الضوء".

بدورها، أوضحت تيتيانا تشيتشرباك وهي متطوعة في مركز إنساني، أن مدنيَين اثنين آخرين غادرا المدينة منذ اشتداد القتال.

وعند نقطة انطلاق عمليات الإخلاء، ينتظر البعض طوال الليل حيث يتجمعون قرب المواقد مع بعض الأغراض التي تمكنوا من نقلها معهم. كما خرج آخرون من منازلهم بمساعدة متطوعين تحدوا القصف ووجدوا أنفسهم أحياناً في قلب المعارك.

وقال ميكولا، وهو متطوع يبلغ من العمر 24 عاماً كان في كييف يُشارك في مراسم نُظمت لتأبين واحد من متطوَّعين بريطانيين اثنين لقيا مصرعهما في سوليدار خلال يناير، إن البقاء على قيد الحياة هي "مسألة حظ".

وفي بداية فبراير، قضى عامل إنساني أجنبي آخر نحبه في باخموت، وهو الأميركي بيت ريد.

"التاريخ يعيد نفسه"

حاولت نتاليا ييفتوشنكو البالغة 38 عاماً، مرّتين مغادرة المدينة.

المرة الأولى كانت خلال أبريل من العام الماضي، وذلك بعد مصرع ابنها البالغ 16 عاماً مع 60 مدنياً آخرين، بصاروخ أصاب محطة القطار في كراماتورسك، المدينة الرئيسية التي تسيطر عليها كييف في المنطقة.

وفي المرة الثانية، تعرضت نتاليا لحادث سيارة، وعلقت على محاولاتها قائلة "حاولت بما فيه الكفاية"، وتعمل حالياً متطوعة في مراكز إنسانية في باخموت، حيث تُساعد في إطعام وتدفئة السكان، بينما يجعل الشتاء هذه الحياة غير المستقرة أكثر صعوبة.

وفي الخنادق الواقعة على الأطراف، لا يحظى الجنود بهذا الدعم. إنهم يتحملون البرد القارس ويتشبثون بالشموع التي صنعها متطوعون، بدون أن يتمكنوا أحياناً من النوم لعدة أيام متتالية.

وتستعد القوات الأوكرانية لهجوم جديد، عبر حفر خنادق في محاولة لاحتواء الهجوم الروسي.

وفي سلوفيانسك الواقعة على بعد حوالي 50 كيلومتراً إلى الشمال الغربي، دُفن أحد الجنود في الأرض المتجمدة. وشُيعت جنازة أولكسندر كوروفني (28 عاماً)، أحد أفراد كتيبة آزوف الذي لقي مصرعه في باخموت.

وأشار أحد أصدقائه أولكسي ستوروج إلى نصب تذكاري للحرب العالمية الثانية، وقال "التاريخ يعيد نفسه"، ثم أضاف متسائلاً "ما الهدف من كل هذا؟".

اقرأ أيضاً:

Google News تابعوا أخبار الشرق عبر Google News

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.