السودان.. هل يُنهي اتفاق البرهان حمدوك الأزمة أم يفاقمها؟

time reading iconدقائق القراءة - 8
رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك ورئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو في الخرطوم- 21 نوفمبر 2021 - Twitter/@SUNA_AGENCY
رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك ورئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو في الخرطوم- 21 نوفمبر 2021 - Twitter/@SUNA_AGENCY
دبي-رامي زين الدين

تباينت مواقف التيارات السودانية حيال الاتفاق الأخير بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، بين مؤيد يعتقد أنه يصب في المصلحة الوطنية ويُمهّد الطريق أمام عملية الانتقال الديمقراطي ويحقن الدماء، ورافض على اعتبار أنه انتصار لإجراءات الجيش الأخيرة ويُشكل عقبة أمام تطلعات الشعب السوداني بإقامة حكم مدني.

ووقّع البرهان، وحمدوك، الأحد، رسمياً على وثيقة "اتفاق سياسي" تتضمن 14 بنداً، لحل الأزمة السياسية في البلاد المستمرة منذ 25 أكتوبر. ويقضي الاتفاق بعودة حمدوك إلى رئاسة الوزراء مع تشكيل حكومة كفاءات (تكنوقراط).

وقال حمدوك، في كلمته عقب فعاليات التوقيع، إن الاتفاق "يفتح الباب واسعاً لمعالجة كل قضايا الانتقال وتحدياته"، مضيفاً: "السودان محروس ومحمي، وكلما وصلنا لنقطة اللاعودة نستطيع كسودانيين إعادة بلدنا إلى الإطار الصحيح".

"نقاط غامضة"

الاتفاق الذي وقع الأحد عقب الإفراج عن حمدوك الذي وضع قيدالإقامة الجبرية منذ الـ25 من أكتوبر الماضي، حفل برأي محللين ببعض النقاط الغامضة أبرزها الوضعية الخاصة بتسليم السلطة للمدنيين في مجلس السيادة الذي لم يأتِ الاتفاق على ذكره.

كما أن هناك الجزئية المتعلقة بأزمة شرق السودان، فما ذكر في الفقرة الأولى من الاتفاق الخاصة بالوثيقة الدستورية يعطي الانطباع بأن علاج الأزمة، سيكون في إطار الوثيقة الدستورية وليس من خلال تعديل اتفاق جوبا للسلام الذي يطالب محتجو الشرق بإلغائه.

كذلك تشير الفقرة السادسة من الاتفاق إلى إدارة الفترة الانتقالية بموجب "إعلان سياسي يحدد إطار الشراكة بين القوى الوطنية (السياسية والمدنية) والمكون العسكري والإدارة الأهلية ولجان المقاومة وقوى الثورة الحية، ما يعني تغيير توازن القوى الوارد في الوثيقة الدستورية.

"تحصين الحكم المدني"

إلا أن الخبير العسكري والاستراتيجي الفريق فتح الرحمن محيي الدين صالح، وصف في حديث لـ"الشرق"، اتفاق البرهان وحمدوك بأنه "خطوة إيجابية كبيرة تقود الفترة الانتقالية بسلاسة إلى نهايتها عام 2023، ومن ثم إجراء انتخابات حرة ونزيهة"، مشيراً إلى أن الاتفاق قوبل بمباركة من المجتمع الدولي والإقليم.

وعلى الصعيد الداخلي، قال صالح، إن "الإجراءات التصحيحية التي اتخذها البرهان في 25 أكتوبر، تسندها قاعدة عريضة جداً من المكونات السياسية والاجتماعية في السودان".

وأضاف: "عبد الله حمدوك الذي يُعتبر أيقونة الثورة بالنسبة للقوى السياسية المدنية، توّج بتوقيعه على هذه الوثيقة انحيازه إلى القاعدة المؤيدة لإجراءات البرهان".

واعتبر صالح أن معارضي الاتفاق "سرقوا الثورة قبل 25 أكتوبر وأدخلوا البلاد في نفق مظلم وأجبروا القوات المسلحة على التدخل لإنقاذ السودان من هاوية سحيقة كانت يتجه إليها".

وتابع: "معارضة هذه القوى السياسية لاتفاق البرهان حمدوك ليست مستغربة، لأنهم فقدوا غنيمة كبيرة هي السلطة التي استأثروا بها سابقاً. ولذلك ندعوهم للعودة إلى رشدهم من أجل الوطن وليس من أجل المكاسب الضيقة".

ويرى الخبير العسكري أن الاتفاق الجديد يصب في مصلحة السودان، مستشهداً بحديث حمدوك عن "تحصين الحكم المدني".

وفي تعليقه على التظاهرات التي خرجت رفضاً للاتفاق، رد صالح قائلاً: "كانت هناك دعوة لمظاهرة مليونية لكن ما إن تم الإعلان عن عودة حمدوك إلى المشهد السياسي حتى اضمحلت المظاهرة، ولم تخرج سوى أعداد قليلة معظمها تطالب بالتحقيق في مقتل مدنيين بعد 25 أكتوبر والقصاص من الجناة، وهو بالفعل ما ينص الاتفاق الجديد عليه".

تثبيت لـ"الانقلاب"

في حديث لـ"الشرق"، قال عمار حمودة المتحدث الرسمي باسم قوى إعلان الحرية والتغيير، إن الاتفاق الذي أبرمه البرهان وحمدوك يُعد "امتداداً لقرار قادة الانقلاب، ولا يعدو أن يكون ذراً للرماد في العيون بأن هناك تمثيل مدني".

وأضاف: "ما حصل أن حمدوك رضي بعزله، ومن ثم إعادة تنصيبه من جانب البرهان نفسه، بشكل يُرسخ الانقلاب وحكومة الأمر الواقع. وهذا تحايل يريدون من خلاله القول إن شرعية الوثيقة الدستورية ستستمر لكن مع إجراء بعض التعديلات عليها. لكن ما بني على باطل فهو باطل".

وعن الإجراءات التي تنوي قوى إعلان الحرية والتغيير اللجوء إليها في ضوء المتغيرات الجديدة، أشار حمودة إلى أن هناك خطوات تصعيدية على الأرض ستعقب رفض الاتفاق، مؤكداً أنها ستكون سلمية وذات بعد شعبي.

وفي ما يتعلق بردود الفعل الدولية التي بدت مرحبة بعودة حمدوك إلى رئاسة الحكومة، أشار حمودة إلى أن "الحرية والتغيير" ترى أن تأييد البرهان من قبل القوى الدولية هو "تثبيت لعملية الانقلاب"، مضيفاً أن "القوى السياسية السودانية ستواصل نضالها ضد احتكار العسكريين للسلطة".

استئثار "التغيير" بالسلطة 

وزير الدولة السوداني السابق الدكتور عبد الله الرمادي، قال لـ"الشرق"، إن على القوى السودانية "وضع نصب أعينها الجانب المعيشي، حيث تقف البلاد على شفا انهيار اقتصادي رغم إمكانياتها التي تكفي قارة كاملة"، معتبراً أن هذه الأزمة وقعت بسبب الخلافات والصراع السياسي.

وأضاف الرمادي: "يعاني السودان من كساد اقتصادي، حتى أن الكثير من المصانع أغلقت أو خفضت خطوط الإنتاج وهذا يعني أن هناك عائلات فقدت مصدر دخلها".

وأشار الوزير السابق، إلى أن ما حدث بعد 25 أكتوبر هو تصحيح لخطأ كبير جداً وقعت به القوى السياسية، مشيراً إلى أن "هناك مجموعة أحزاب لم تكن تحلم بالفوز بمقعد واحد بالبرلمان لكنها استأثرت بالسلطة"، وتابع: "هذه المجموعة المكونة من 4 أحزاب، 3منها لا تملأ قاعدتها الشعبية قطاراً واحداً".

واعتبر الرمادي أن من أخطاء حمدوك السابقة، أنه "تماهى مع هذه الأقلية بدل أن يتعامل بحكمة وعدل، وهو في الاتفاق الجديد يُصحح تلك الأخطاء".

"اتفاق لن يحقن الدماء"

القيادي بتجمع المهنيين السودانيين عمار محمد الباقر، قال إن الشراكة مع المؤسسة العسكرية هي أكبر عقبة أمام التحول الديمقراطي والانتقال نحو دولة الحريات وسيادة حكم القانون.

وأضاف: "لذلك كان موقف تجمع المهنيين واضحاً ومتسقاً مع لجان المقاومة عندما رفعت لاءاتها الثلاثة أن لا شراكة، لا مساومة، لا شرعية للمجلس العسكري".

واعتبر الباقر في حديثه لـ"الشرق"، أن مطالب الشارع السوداني تتمحور في عودة الحكم المدني وليس عودة حمدوك في شخصه.

وأردف: "بالنسبة لقطاعات واسعة من الشعب كان حمدوك يُمثل رمزية الحكومة المدنية وفق شروط التحول والانتقال الديمقراطي، لكن ما حدث أنه عاد إلى منصبه دون تلك المبادئ، ما دفع نفس القطاعات الشعبية التي دعمته من قبل إلى الشعور بالإحباط ورفض ما حدث".

وفي تعليقه على حديث حمدوك بأن الاتفاق مع البرهان سيحقن دماء السودانيين، قال الباقر: "سمعنا الكلام ذاته من قبل، في شهر أبريل 2019 وفي يونيو منذ ذات العام بعد فض اعتصام القيادة، لكن لم تُحقن الدماء، لا آنذاك ولا اليوم. بالتالي أي حديث من هذا القبيل هو محاولة لتأجيل معركة استعادة النظام الديمقراطي، وأي تأجيل لها سيفضي بنا إلى مزيد من الدماء".

وبشأن المواقف الدولية التي رحبت بالاتفاق الجديد، أشار القيادي في تجمع المهنيين، إلى أن "المصلحة الدولية يجب أن تكون متسقة مع مصالح الشعب السوداني، وهذا لن يتحقق في ظل قيادة مجلس السيادة الحالي واستمرار سلطته على الحكومة المدنية، في حين أن قوى الثورة والشارع تراه دوراً تشريفياً ورمزياً".

وختم الباقر حديثه، بالتحذير من مخاطر الاتفاق الجديد على المرحلة الانتقالية، ولا سيما أن البرهان وحمدوك كما يقول "لم يتحدثا إطلاقاً عن إصلاح المؤسسة العسكرية وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية".