تداعيات الزلزال الأفغاني (4).. إيران: مكاسب محفوفة بخطر طالبان

time reading iconدقائق القراءة - 11
العلمان الإيراني والأفغاني - "الشرق"
العلمان الإيراني والأفغاني - "الشرق"
دبي-رامي زين الدين

رحبت إيران رسمياً بسيطرة حركة طالبان على أفغانستان، واصفةً ما حدث في كابول بأنه "انتصار على الاستعمار الأميركي"، فيما اعتبر إبراهيم رئيسي، الذي بالكاد انقضى أسبوعان على تنصيبه رئيساً للبلاد، أن "هزيمة الولايات المتحدة تُشكل فرصة كبرى لإحياء الأمن والسلام".

لكن، خلف هذا الموقف المُطمئِن في ظاهره، تخشى إيران من مخاطر زعزعة الاستقرار على حدودها الشرقية التي يقارب طولها الألف كيلو متر.

"الشرق" تحدثت إلى عدد من الخبراء والمحللين، للوقوف على خلفيات الموقف الإيراني من المشهد الأفغاني. وكان ثمة إجماع على أن الحكومة الإيرانية "ترى في التطورات الأخيرة، فرصة لزيادة نفوذها المحلي من جهة، وتسجيل نقاط ضد الولايات المتحدة من جهة أخرى، لكنها في الوقت ذاته تُدرك أن المرحلة المقبلة قد تحمل تهديداً مباشراً لمصالحها، ولا سيما المخاطر المحتملة على حلفائها من الأقلية الشيعية في أفغانستان".

العلاقة مع طالبان

خلال العقود الثلاثة الماضية شهدت العلاقة بين طالبان وإيران محطات من العداوة تارةً، وتقارب الأهداف تارةً أخرى، لكن واحدة من المصالح المهمة اليوم، تتمثل في الحفاظ على علاقة متوازنة مع الحركة التي باتت تسيطر بشكل كامل على أفغانستان.

بعد صعود طالبان إلى السلطة لأول مرة في التسعينيات، دعمت إيران إلى جانب روسيا ومجموعة من الدول الإقليمية في غرب ووسط وجنوب آسيا، التحالف الشمالي الذي ضم جماعات سنيّة وشيعية مناهضة للمجاهدين الأفغان. وفي العام 1998، وقعت حادثة لا تزال في عمق في الذاكرة الإيرانية، عندما حاصر مسلحو طالبان خلال تقدمهم في مدينة مزار شريف، عاصمة ولاية بلخ شمالي أفغانستان قنصلية طهران، وقتلوا 11 إيرانياً، من بينهم 8 دبلوماسيين وصحافي.

استمرت الخصومة بين الطرفين إلى حين الحرب الأميركية على أفغانستان، حيث نشأ تحالف بين طهران والمجاهدين الأفغان، يعود في جوهره، لا إلى تقارب في الأيديولوجيا، بل إلى العداء المشترك للولايات المتحدة. لكن حتى في ظل ذلك التحالف بقيت الثقة متزعزعة بينهما، نظراً إلى اختلافهما الكبير في المنهج الديني، وهي فجوة من الممكن أن تتسع، كما يتوقع محللون، مع سيطرة طالبان بشكل على أفغانستان.

الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية، قال لـ"الشرق" إن "إيران كانت بشكل واضح تستضيف حركة طالبان وفتحت قنوات اتصال معها بسبب وجود أقلية الهزارة الشيعية في أفغانستان".

وأضاف "صحيح أن هناك تفاهمات تعكسها المجاملات المتبادلة في هذه المرحلة الدقيقة، لكن في الواقع، تخشى إيران من بعض الجماعات المعادية لها، ولذلك تريد أن تؤمن حدودها الشرقية الطويلة (945 كيلومتراً)، وهي حريصة في ذلك على عدم استخدام أفغانستان لشن هجمات ضدها".

أدوار إيرانية معقدة

عندما تدخلت الولايات المتحدة ضد القاعدة وطالبان في أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، عرضت إيران المساعدة، لكن إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن رفضت وذهبت إلى تصنيف إيران ضمن محور الشر الذي ضم في ذلك الوقت كلاً من العراق وكوريا الشمالية، ثم سعت إيران مرة أخرى إلى التعاون مع الولايات المتحدة كجزء من الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه عام 2015 في عهد الرئيس باراك أوباما، لكن طلبها قوبل بالرفض أيضاً، قبل أن يقضي الرئيس السابق دونالد ترمب على آمالها عندما تخلى عن الاتفاقية وأعاد فرض العقوبات.

سعت إيران إلى الرد الولايات المتحدة وإيجاد موطئ قدم لها في المنطقة، عبر ما يسمى "محور المقاومة"، والذي يضم شبكة من الميليشيات الموالية لطهران التي تنشط في لبنان والعراق وسوريا واليمن. تنحدر إحداها، المعروفة باسم "الفاطميون"، من مجتمع الهزارة ذي الأغلبية الشيعية في أفغانستان، وهي أقلية عرقية حملت السلاح سابقاً ضد حركة طالبان.

المحلل السياسي الأفغاني، محب الله شريف، يرى في حديث لـ"الشرق"، أن وصول طالبان للحكم، من الناحية المذهبية، سوف يؤثر سلباً على إيران، لأن الأخيرة، وفق قوله "تريد تصدير ثورتها ونموذجها إلى بقية الدول. وفي حين تضم أفغانستان في وسطها جماعات من الشيعة، لن تكون إيران مطمئنة لسياسات طالبان المبنية على فقه أهل السنة والجماعة".

لا يتفق أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، عماد أبشناش، مع وجهة نظر المحلل الأفغاني، إذ اعتبر في حديث لـ"الشرق"، أن إيران استطاعت خلال العشرين سنة الماضية بناء علاقات جيدة نسبياً مع طالبان، ولهذا، "هناك تعويل لدى النخبة السياسية في إيران على ديناميكية الحركة، ورغبتها بتغيير استراتيجيتها تجاه الأقليات الدينية، وبشكل خاص الشيعة".

مستقبل الأقلية الشيعية

ثمة أحداث في أفغانستان تؤيد، في ما يبدو، توقعات أبشناش، إذ ما أن سيطرت طالبان على العاصمة كابول حتى قام بعض أنصارها بإزالة رايات المواكب الشيعية في عدد من أحياء المدينة، لكن سرعان ما أعادت الحركة تلك الرايات إلى أماكنها، وسمحت في الوقت نفسه بأحياء ذكرى عاشوراء، وأمرت مقاتليها بتوفير الحماية للحسينيات.

كما تداول ناشطون أفغان صورة قالوا إنها لوفد من مسؤولي طالبان، بقيادة أحد الأمراء ويدعى "أمير خان"، خلال زيارة أحد مجالس العزاء الحسيني في العاصمة كابول، مخاطباً حشداً من الشيعة قائلاً إن الحركة "لا تعارض التشيّع ولا تنتهج منهج تنظيم داعش".

ذهب البعض إلى وصف ما جرى بأنه "خطوة تكتيكية"، تسعى طالبان من ورائها إلى إرسال تطمينات للأقليات في البلاد من جهة، وإلى إيران ودول المنطقة من جهة ثانية، والمجتمع الدولي من جهة ثالثة، مفادها أن سياسة طالبان الجديدة تقوم على احترام حقوق المجتمعات الدينية الأفغانية في ممارسة عقائدهم.

وفقاً لأبشناش، من الصعب الجزم بالنهج السياسي الذي تنوي طالبان اتباعه مستقبلاً. وأضاف "حتى لو كانت تُرسل التطمينات في هذه المرحلة، فإن إيران، لا تزال تخشى اندلاع صراع طائفي في أفغانستان".

بدوره، لا يعتقد حسن أبو هنية، أن حركة طالبان ستشن هجمات على أقلية الهزارة أو على الأقليات الشيعية عامة التي لا تتعدى 15% من السكان، ذلك بحسب قوله "أن لا مصلحة لها حالياً بأي حضور عسكري في أفغانستان، إلا في حال حدوث استفزازات وانزلاق البلاد إلى حرب أهلية، وهذا مستبعد في الوقت الراهن".

التوسط في المفاوضات

في 27 يناير، التقى رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، في طهران، بالملا عبد الغني برادر، القيادي في حركة طالبان. وعلى الرغم من أن شمخاني أشاد بما وصفه "صمود الجماعة في قتال الولايات المتحدة"، إلا أنه أشار أيضاً إلى أن طهران لن تعترف بأي فصيل أفغاني يستولي على السلطة بالقوة.

وفي محاولة لكسب صف إيران، عرض برادر المساعدة في تأمين حدودها مع أفغانستان. 

وخلال يوليو السابق، استضافت إيران اجتماعات داخلية أفغانية، بما في ذلك جولة من المفاوضات، حثّ فيها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الجانبين على اتخاذ "خيارات صعبة" لتحقيق سلام دائم لبلدهما، مؤكداً أن طهران لا تتدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان، وتدعم قي ذات الوقت إجراء محادثات لإنهاء الصراع وإحلال السلام.

ومنذ إحكام سيطرتها على العاصمة كابول في 15 أغسطس، أكدت طالبان في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني أنها لن تسبب أي مشكلات لدول الجوار، متعهدة بحماية السفارات والبعثات الدبلوماسية ورعايا تلك الدول. 

وأشار الباحث الإيراني عماد أبشناش إلى أن "التصور العام بين السياسيين في إيران، أن أفغانستان مُقبلة على تشكيل حكومة وفاق وطني، بحيث تظهر طالبان بحلّة مختلفة عن تلك القديمة، وفي الوقت نفسه هناك تفاؤل بأن طالبان اليوم لا تكن العداء لإيران أو للشيعة".

المصالح والمخاطر

على غرار بقية دول الإقليم، تخشى إيران من تداعيات عدم الاستقرار على مصالحها الأمنية والاقتصادية، حيث إضافة إلى استقبالها الآلاف من اللاجئين الأفغان، تُعتبر أفغانستان حديقتها الخلفية، وإحدى أهم الأسواق لتصريف بضائعها في ظل الضغوط الاقتصادية التي تشهدها.

أبشناش أكد أن "التوترات العسكرية في جوار إيران تدفعها إلى القلق على مصالحها  الأمنية والاقتصادية، أقلها تدفق موجات كبيرة من النازحين، وأكثرها، إمكانية فتح المجال أمام تنظيمات معارضة لإيران مثل مجاهدي خلق أو تنظيم داعش، للعمل في الأراضي الأفغانية وتنفيذ هجمات مسلحة".

وتابع "سيؤدي توقف تصدير البضائع الإيرانية إلى أفغانستان إلى إحداث أضرار كبيرة على الاقتصاد الإيراني، المنهك أساساً بسبب العقوبات الأميركية، والذي يعتمد حالياً على دول الجوار، إلى جانب مخاطر عدم السيطرة على عمليات تهريب المخدرات من أفغانستان".

أما بالنسبة للجوانب الأمنية والسياسية، فاعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، أن "الانسحاب الأميركي من أفغانستان سوف يمنح إيران بكل تأكيد، مجالاً أكبر للتنفس، لكن في نهاية المطاف، تسعى إيران، التي تضم بالفعل عدداً هائلاً من اللاجئين والمهاجرين الأفغان، بسبب عقود من الاضطرابات، إلى تحقيق الاستقرار عبر حدودها الشرقية قبل كل شيء".

"الإمارة لا تضر إيران"

في تصريحات أدلى بها الفترة الماضية، أعرب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، عن دعمه لـ"حكومة إسلامية" واسعة في كابول تشمل جميع الأعراق والفروع الدينية. لكن هل هذا الموقف مُقدمة للاعتراف رسمياً بشرعية طالبان كسلطة حاكمة؟

استبعد أبشناش أن تُبادر طهران بالاعتراف رسمياً بطالبان، لافتاً في الوقت ذاته، إلى أن تشكيل حكومة وطنية بمشاركة كافة الأطياف السياسية في أفغانستان، سوف يُشجع الدول التي تنظر بتوجس للحركة، إلى الاعتراف بشرعية سلطتها.

وأضاف "إعلان طالبان (إمارة أو جمهورية إسلامية)، لن يضر بإيران، شرط ألا تتخذ هذه الحكومة استراتيجية عدائية نحو إيران أو الشيعة".

تُشير مجريات الأحداث المتسارعة إلى أن إيران تحاول إبداء نبرة تعاون مع حركة طالبان، لضمان مصالحها المتعددة في أفغانستان، بينما تركز تصريحات مسؤوليها الرسمية على الأمل في إحلال السلام. المعضلة الكبيرة بالنسبة لها، كما يتفق معظم الخبراء الذين تحدثوا لـ"الشرق"، ستكون في كيفية التصرف إذا تطلبت الحاجة التدخل لحماية أقلية الهزارة الشيعية في حال تعرضت للاستهداف.

اقرأ أيضاً: