"تفاوض واستسلام".. استراتيجية طالبان للسيطرة على أفغانستان

time reading iconدقائق القراءة - 8
مقاتلان من حركة طالبان يقفان أمام مقر وزارة الداخلية في كابول بعد السيطرة على العاصمة - 16 أغسطس 2021 - REUTERS
مقاتلان من حركة طالبان يقفان أمام مقر وزارة الداخلية في كابول بعد السيطرة على العاصمة - 16 أغسطس 2021 - REUTERS
دبي -بالشراكة مع "نيويورك تايمز"

في أوائل مايو، طلب قيادي بحركة "طالبان" من أحد شيوخ القبائل في ولاية بغلان شمال أفغانستان، يُدعى محمد جلال، توصيل رسالة للقوات الحكومية المنتشرة في قواعد عدّة بمنطقته، مفادها "إذا لم يستسلموا، سنقتلهم"، حسب ما قال جلال لـ"نيويورك تايمز"

امتثل جلال وشيوخ قبائل آخرون، وبعد جولات عدّة من المفاوضات، استسلمت قاعدتان حكوميتان و3 مواقع أمامية بلا قتال، وسلّمت أكثر من 100 قوة أمنية أسلحتها ومعداتها مقابل عودة عناصرها إلى بيوتهم سالمين. 

وتكررت استراتيجية الإكراه والإقناع "الطالبانية" هذه في كافة أنحاء البلاد، وظهرت لعدّة أشهر كنقطة محورية في الهجوم الذي شنّه متمردو الحركة هذا العام.

وأبرم مقاتلو طالبان صفقات استسلام منحتهم قواعد عسكرية ومراكز قيادة إقليمية كاملة، توّجت هجوماً عسكرياً أعادهم إلى السلطة بعد عقدين من هزيمتهم على يد الولايات المتحدة وحلفائها. 

ولم تكن عمليات الاستسلام الناجمة عن التفاوض سوى أحد مكوّنات استراتيجية طالبانية أوسع، أسقطت في أيدي الحركة عواصم ولايات محصّنة بسرعة البرق، وجعلتهم يدخلون العاصمة كابول بلا إطلاق رصاصة واحدة.

كانت حملة ذات وجهين، هما الانهيار والغزو، قام بها "انتهازيون صبورون"، بحسب تعبير "نيويورك تايمز". 

استسلامات وانتصارات

وبحسب الصحيفة، منح كل استسلام، صغيراً كان أم كبيراً، الطالبانيين مزيداً من الأسلحة والمركبات، ومزيداً من السيطرة على الطرق الداخلية والطرق السريعة، ما سهّل لعناصر الحركة حرية الانتقال بسرعة لجني ثمار الاستسلام التالي، بعدما انعزلت القوات الأمنية تدريجياً عن الذخيرة والوقود والطعام والرواتب. 

وأضاف كل انتصار إحساساً متزايداً بحتمية سيطرة طالبان في نهاية المطاف، خاصة بعدما ضخّت عناصرها موارد كثيرة لاستمالة الشمال، المعقل التقليدي للميليشيات المناهضة للحركة.

ومع سقوط هذه القواعد والمناطق، حققت طالبان، انتصارات دعائية مهمة، وسرعان ما تفشت فكرة أنها قادرة على التغلب حتى على المقاومة العنيفة، والمحافظة على وعودها بالسماح للجنود ورجال الشرطة بالنجاة بحياتهم. 

وكانت النتيجة معركة غير متكافئة بين قوات قابلة للتكيف وسريعة الحركة، وقوة حكومية محبطة تخلّى عنها قادتها وانقطعت بها سبل المساعدة، وبمجرد استسلام أول عاصمة ولاية هذا الشهر، توالت الانهيارات الكبيرة بمقدار سرعة طالبان في التنقل. 

انهيار المعنويات

وجاء انتصار طالبان، بعد 4 أشهر فقط من إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن، في 14 أبريل، أنه سيحترم الاتفاق الذي وقعته إدارة سلفه دونالد ترمب مع طالبان والذي يقضي بانسحاب جميع القوات الأميركية بدءاً من أول مايو.

وأدّى هذا الإعلان إلى انهيار معنويات قوات الأمن الأفغانية المحاصَرة، في حين بث الشجاعة لدى عناصر طالبان التي كانت فشلت في الوفاء بمعظم تعهداتها بمقتضى اتفاق فبراير 2020 مع ترمب.

واستغلت طالبان الفرصة في مايو، إذ سحقت القوات الحكومية التي اضطرت حينئذٍ للدفاع عن نفسها بمؤازرة ضربات جوية أميركية متقطعة لمساعدتها على الصمود أمام الزحف الطالباني. 

وتمكن مقاتلو طالبان من توسيع نطاق هيمنتهم في 77 منطقة في 13 أبريل، إلى 104 مناطق في 16 يونيو، ثم إلى 223 منطقة في 3 أغسطس، من إجمالي 400 منطقة، وفقاً لموقع "لونج وار جورنال" الإلكتروني التابع لـ"مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" الأميركية. 

دعم بالمال والمقاتلين

وفقاً لما نقلته "نيويورك تايمز" عن أنطونيو جوستوزي، المحلل في معهد "رويال يونايتد سيرفيسيز إنستيتيوت" في لندن، والذي ألَّف كتباً عدة عن أفغانستان، فإن طالبان تلقت أموالاً وإمدادات ودعماً من باكستان وروسيا وإيران.

وذكر أن الدعم شمل من 10 آلاف إلى 20 ألف متطوع أفغاني تم إرسالهم من باكستان، الملاذ الآمن لـ"طالبان"، إضافة إلى آلاف القرويين الأفغان الذين انضموا إلى مقاتلي الحركة عندما تبيّن أنها في طريقها لتحقيق النصر.

وزاد المتطوعون في صفوف طالبان، فأصبحت تضم أكثر من 100 ألف مقاتل بعدما كان قوامها يتراوح بين 60 ألفاً و70 ألف مقاتل، وفقاً لتقديرات غالبية المحللين، كما قال جوستوزي. 

وكان هذا كافياً لسحق قوة حكومية قوامها 300 ألف مقاتل على الورق، لكن تم تفريغها بسبب الفساد،  ومعدلات الإصابات المرتفعة. وقال مسؤولون أميركيون إن سُدس هذا العدد فقط شارك في القتال هذا العام. 

تهديد المسؤولين الحكوميين

أما العامل الأهم في تحقيق هذا الانتصار، وفقاً لجوستوزي ومحللين آخرين، فكان خطة طالبان، لتهديد قوات الأمن والمسؤولين الحكوميين وإقناعهم بالاستسلام، أولاً على مستوى نقاط التفتيش والمخافر، ثم على مستوى المناطق والولايات أثناء اجتياح الريف الأفغاني. 

وقال جوستوزي: "لقد تواصلوا مع الجميع، وعرضوا عليهم فرصة الاستسلام أو تبديل المواقف، مقابل حوافز تضمنت إغداق الأموال، ومكافأة البعض، لاحقاً بتعيينهم في مناصب معينة". وأضاف: "تم دفع الكثير من المال في هذه العروض". 

استغلال إحباط الشعب

وبحسب "نيويورك تايمز"، استغلت "طالبان" استياء الأفغان تجاه حكومة فاسدة وعاجزة عن إعادة إمداد قواتها أو شن حملة إعلامية فعالة لحشد الجمهور إليها.

وفي المقابل، بعثت "طالبان" برسالة قوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وشيوخ القرى، مفادها بأن الحكومة غير شرعية، وأن الحركة ستُعيد قريباً حكمها الإسلامي. 

وقال الرئيس التنفيذي لمجموعة "موبي ميديا" التي تشرف على شبكة "طلوع نيوز" الإخبارية في أفغانستان، سعد محسني، للصحيفة: "كانت سياستهم التواصلية مذهلة، وتخطيطهم محكماً، أجادوا تماماً عنصر المفاجأة".

وأضاف: "لقد استفادوا من الاختلافات القبَلية والعرقية والدينية والأيديولوجية لكسب الناس، واستغلوا لأقصى درجة حالة الإحباط الشعبي تجاه الحكومة". 

السيطرة على الطرق الرئيسية

وبحسب "نيويورك تايمز"، بدت حرب العشرين عاماً مع أميركا أي شيء إلا أن توصف بـ"الانتصار"، خاصة عندما بسطت طالبان سيطرتها على الطرق السريعة الرئيسية في البلاد، في حين لم تدافع القوات الحكومية عن الطرق إلا في حالات قليلة.

وفضّلت القوات الأفغانية التحصن في الأمان النسبي الذي وفره لها الاحتماء داخل المخافر والقواعد ومراكز القيادة الإقليمية.

وكان هذا جزءاً من استراتيجية حكومية قائمة على الانسحاب من المناطق الريفية والتركيز على حماية المراكز الحضرية والولايات الكبرى؛ وسط تشجيع من الجيش الأميركي.

وفي البداية، سمحت الهيمنة على الطرق السريعة لطالبان، بعزل نقاط التفتيش والمخافر على مستوى المناطق، من خلال إجبارهم على الاستسلام عن طريق التفاوض، أو ببساطة التغلب على قوات الأمن التي كانت تفتقر للسلاح.

وبحلول منتصف الصيف، تمكنت الحركة من محاصرة عواصم الولايات التي انقطعت عنها الإمدادات والتعزيزات. 

ومع إغلاق الطرق أمام القوافل الحكومية، وقعت القوات الرسمية تحت مقصلة ضغوط هائلة، فيما حاولت القوات الجوية الأفغانية توصيل ما تستطيع من دعم وإمدادات بشرية ولوجستية، قبل أن تنوء بهذا الحمل. 

من جانبها، لم تستطع قوات الكوماندوز المدرَّبة أميركياً التي تفرقت على النقاط الساخنة، النهوض بالمسؤوليات التي تخلى عنها الجنود وعناصر الشرطة. 

في الوقت نفسه، تمكنت طالبان من جمع ملايين الدولارات عن طريق فرض الضرائب على الشاحنات والمركبات الأخرى، حتى أنها صارت تقدم إيصالات مكتوبة في كافة أنحاء البلاد. 

تفاوض قبل الاستسلام

وحتى نهاية الأسبوع الماضي، واصلت طالبان تطبيق استراتيجيتها القائمة على فرض الاستسلام عن طريق التفاوض. 

وبحلول 14 أغسطس، قال سيف الله أندخوي، قائد جماعة مسلحة موالية للحكومة في مدينة ميمنة، عاصمة ولاية فارياب في شمال أفغانستان، إنه تلقى العديد من المكالمات من قادة طالبانيين يعرضون شروط الاستسلام. 

وأضاف: "كان الطالبانيون يطمئنوننا fأنهم لن يقتلونا حال قبلنا بهذه الشروط.. ثم رأيت طالبان تستولي على الأسلحة والذخائر من مقر الفوج". 

في تلك الليلة، سقطت الولاية بالكامل في يد طالبان، واستسلم المقاتلون والمسؤولون الحكوميون بشكل جماعي، وسلموا مجموعة من الأسلحة والمعدات لمسلحي الحركة.

لمتابعة التغطية المباشرة لأحداث أفغانستان: