المبعوثون الأمميون إلى العالم العربي.. مهمة السير في حقول الألغام

time reading iconدقائق القراءة - 12
نعش مبعوث الأمم المتحدة إلى العراق سيرجيو دي ميلو مغطى بعلم الأمم المتحدة قبل حفل تأبين في مطار بغداد الدولي- 22 أغسطس 2003 - REUTERS
نعش مبعوث الأمم المتحدة إلى العراق سيرجيو دي ميلو مغطى بعلم الأمم المتحدة قبل حفل تأبين في مطار بغداد الدولي- 22 أغسطس 2003 - REUTERS
دبي-رامي زين الدين

لم تكن ستيفاني وليامز مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالشأن الليبي أول من يُغادر منصب المبعوث الدولي من دون حل القضية التي أوكلت إليه، إذ عرفت المنطقة العربية المبعوثين الدوليين منذ عام 1948.

وعرفت المنطقة العربية الكثير من المبعوثين الأمميين الذين غطوا أزمات لا تزال أغلبها حتى يومنا هذا، فيما رفع معظمهم الراية البيضاء أمام عقبات وتعقيدات القضايا التي واجهتهم. 

لكن، يبقى السؤال: لماذا يفشل المبعوثون الأمميون في أداء مهامهم في معظم الأحيان؟

فلسطين.. بين الاغتيال و"الاحتيال"

بعد انتهاء الانتداب البريطاني لفلسطين، اختارت الأمم المتحدة الكونت النمساوي فولك برنادوت، وسيطاً بين العرب واليهود. ويُعتبر برنادوت أول مبعوث إلى العالم العربي، واستطاع خلال فترة قصيرة التوصل إلى هدنة بين الجانبين.

واقترح برنادوت وضع حدٍ للهجرة اليهودية وجعل القدس تحت السيادة الفلسطينية، ولكنه تعرض يوم 17 سبتمبر 1948 لعملية اغتيال في القدس الغربية على يد عصابات "الهاجانا" الصهيونية، وقضى عن عمر 53 عاماً.

ومنذ ذلك الوقت لم يتوقف سيل المبعوثين الأمميين إلى فلسطين، لكن لم يملك أحداً منهم عصاً سحرية لحل القضية التي لا تزال مشتعلة.

وفي 2002 وصف مبعوث الأمم المتحدة الأسبق إلى الشرق الأوسط تيري رود لارسن الدمار الذي أحدثته إسرائيل في مخيم جنين بأنه "زلزال مدمر" وذلك في إشارة إلى المجزرة التي تلت التوغل داخل المخيم، فهاجمته إسرائيل بضراوة، وأعلنت أنه غير مرغوب فيه.

آخر المبعوثين لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي هو البلغاري نيكولاي ملادينوف، الذي تم تعيينه في فبراير عام 2015.

لم يصل المبعوث الأممي إلى نهاية لهذا الملف المعقد، خصوصاً أن إرضاء كافة الأطراف مهمة لا تدرك. لا بل أن سهام الانتقادات طالته من الطرفين على حد سواء.

ورفضت السلطة الفلسطينية التعامل معه، لضلوعه في "محاولة الاحتيال على القضية الفلسطينية" من خلال إبرام صفقة بين حماس وإسرائيل على حساب الأمن القومي.

فيليب حبيب.. من كامب ديفيد إلى لبنان

لطالما لفتت الأزمات العربية انتباه الأمم المتحدة والدول الكبرى، التي سرعان ما تُرسل مبعوثين لإطفاء نيران البراكين السياسية الثائرة هنا وهناك.

غير أن النتائج غالباً ما كانت مخيّبة للآمال، لكن ليس دائماً، ففي عام 1978 عقدت مصر وإسرائيل اتفاقية كامب ديفيد للسلام.

وتقول الولايات المتحدة الراعية للاتفاق إن اللقاءات التي جمعت مسؤولين مصريين وإسرائيليين وأفضت لتوقيع الاتفاقية، ما كانت لتتم لولا جهود الديبلوماسي الأميركي اللبناني الأصل فيليب حبيب

بيدَ أن الدور الأبرز لحبيب ظهر بين عامي 1981 و1982، كمبعوث خاص للولايات المتحدة إلى لبنان، إذ استطاع التوصل إلى هدنة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.

وتُوّجت تلك الجهود باتفاقية وقف إطلاق نار، تنص على انسحاب القوات الفلسطينية والسورية من بيروت الغربية، وهو ما اعتُبر آنذاك "إنجازاً" استحق عليه تكريماً خاصاً من الرئيس الأميركي رونالد ريجان.

الصحراء.. 27 عاماً بلا حصاد

لأكثر من 40 عاماً ظلّ ملف الصحراء من أكثر الملفات الشائكة في دوائر الأمم المتحدة. ورغم تعاقب 8 مبعوثين أمميين لحل النزاع بين المغرب وجبهة "البوليساريو"، إلا أنهم فشلوا جميعاً في تحقيق تسوية للنزاع.

وفي 22 مايو 2019 تخلى هورست كوهلر عن منصبه كمبعوث للأمم المتحدة إلى الصحراء عن منصبه، عندما أعلن استقالته لأسباب صحية بعد سنتين من توليه لمهامه، ليكون المبعوث السابع منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار عام 1991.

وحظي كوهلر، وهو رئيس سابق لألمانيا، بقبول المغرب و"البوليساريو". وبعد استقالته، عبّر الطرفان عن أسفهما لرحيله.

وفي أكتوبر 2021 تم تعيين الدبلوماسي الإيطالي السويدي المخضرم ستافان دي ميستورا مبعوثاً أممياً خاصاً للصحراء، بعد موافقة طرفي النزاع على هذا الاختيار، وذلك بعد رفض المغرب أو جبهة بوليساريو نحو 12 مرشحاً منذ استقالة كوهلر لأسباب متعددة.

اغتيال دي ميلو في بغداد

في 19 أغسطس 2003، هزّ تفجير انتحاري مقر الأمم المتحدة في بغداد، ما أدى إلى قتل الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق سيرجيو فييرا دي ميلو مع 22 شخصاً آخرين.

ولم تُعرف الجهة التي تقف وراء التفجير، وأدانت كافة الأطراف العراقية، عملية التفجير التي أودت بحياة ميلو الذي دُفن في موطنه البرازيل.

وإحياءً لذكراه، أعلنت الأمم المتحدة 19 أغسطس يوماً عالمياً للعمل الإنساني. 

وبعد ذلك تناوب على مهمة المبعوث الأممي إلى العراق عدد من الشخصيات، منهم البلغاري نيكولاي ملادينوف، والسلوفاكي يان كوبيس، والهولندية جانين هينيس بلاسخارت التي لا تزال في منصبها، منذ السيطرة الأميركية على العراق في أعقاب حرب 2003.

لكن لا دور يذكر للمبعوثين الأمميين في العراق، إذ اقتصرت الجهود الملموسة على الأعمال الإغاثية والإنسانية.

سلامة يرفع الراية البيضاء

ما إن اندلعت احتجاجات عام 2011، حتى سارعت الأمم المتحدة والدول الكبرى إلى إيفاد مبعوثين لإدارة الصراعات ومحاولة إيقاف نزيف الدماء.

وفي ليبيا ومنذ سقوط نظام معمر القذافي عام2011، توافد 7 مبعوثين أممين، وهم الأردني عبد الإله الخطيب، والبريطاني إيان مارتن، واللبناني طارق متري، والإسباني برناردينو ليون، والألماني مارتن كوبلر، فضلاً عن اللبناني غسان سلامة، وأخيراً الأميركية ستيفاني ويليامز، بينما من المنتظر أن يتم اختيار المبعوث الثامن، بتوافق روسي أميركي، خلال الفترة المقبلة.

وفي نوفمبر 2014 نشرت صحيفة "ذا جارديان" تقريراً تشير فيه إلى تلقي ليون أموالاً من دول عربية بغية الانحياز إلى أحد طرفي الصراع في ليبيا، لكنه نفى تلك التهم مؤكداً وقوفه على الحياد خلال مهمته الأممية.

وفي 2 مارس 2020، وبعد 3 سنوات لم يُفلح خلالها بتحقيق أي تقدم في الحل السياسي، أعلن غسان سلامة، استقالته لأسباب صحية، وأظهرت تصريحاته التي سبقت تنحيه مدى التشاؤم والعجز الذي يشعر به.

وفي 7 يناير 2020، بدا غسان سلامة خلال مؤتمر صحافي عقده، متشائماً من الوضع القائم في ليبيا. وخلال حديثه حمّل المجتمع الدولي والجهات التي ترسل السلاح والمقاتلين إلى ليبيا المسؤولية في استمرار معاناة البلاد، وقال كلمته الشهيرة: "ليبيا ليست مجرد قصة نفط.. إنها قصة إنسانية والكل يعانون".

ومع ذلك لم يسلم الدبلوماسي الهادئ من الانتقادات والاتهامات بالانحياز.

سوريا.. إخفاقات متتالية

يغيب المبعوث الأممي الحالي إلى سوريا غير بيدرسون عن المشهد السياسي، فعلى غرار أسلافه، يبدو الدبلوماسي النرويجي السابق عاجزاً عن القيام بمهامه، في وقت لا يلوح في الأفق أي حل للنزاع المستمر منذ أكثر من 10 سنوات.

ولعلّ بيدرسون الذي تم تعيينه في أكتوبر 2018، الأقل شهرة ممن سبقه، فمنذ اندلاع الحرب السورية عام 2011 تعاقب على منصب المبعوث الأممي، 4 شخصيات وُصفت جميعها بأنها من أهل الخبرة والاختصاص، وهم كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي، وستيفان ديمستورا الذي بقي في مهمته 4 سنوات، بالإضافة إلى بيدرسون الذي لا يزال يشغل مهامه.

ولم يقدّم أي من المبعوثين حلولاً تنهي النزاع. حتى ديمستورا الذي استقال في 17 أكتوبر، والذي يعتبر أكثرهم خبرة، لم تسعفه ميزاته، على غرار توليه حقيبة وزارية في أكثر من تشكيلة حكومية في إيطاليا، وصولاً إلى إجادته 6 لغات حية منها العربية، في حل الصراع.

وبعد استقالته بعام، قال ديمستورا إنه تخلى عن مهمته بعد إدراكه "انتصار" الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب، مضيفاً أنه فضل التنحي على أن يصافح الأسد، بعد سقوط أكثر من نصف مليون إنسان، واعترف أيضاً بأنه لم يكن وسيطاً "مثالياً"، باعتباره أغضب طرفي النزاع بإدانته لجرائمهما، وفق تعبيره.

وقبل المبعوثين الأمميين، انتدبت الجامعة العربية إلى سوريا رجل الاستخبارات السوداني الأسبق محمد الدابي، الذي جاء على رأس لجنة لتقصي الحقائق وتقريب وجهات النظر بين النظام والمعارضة.

وشهد تعيين الدابي استنكاراً واسعاً، لاسيما اتهامه بالتورط في جرائم بإقليم دارفور تحت قيادة الرئيس السابق عمر البشير، وفي فبراير 2012 قدم استقالته إلى جامعة الدول العربية بعد إعلان فشله في مهمته.

اليمن.. السير على رمال متحركة

في أبريل عام 2011 عيّنت الأمم المتحدة البريطاني من أصل مغربي جمال بن عمر مبعوثاً دولياً إلى اليمن، حاملاً مهمة التوسط بين نظام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، والمحتجين.

لاقى بن عمر في البداية قبولاً من الطرفين، لكن مع مرور الوقت، بدأ يفقد ثقة الحكومة بعد اتهامه بالتساهل مع الحوثيين، ثم فشلت مهمته، ودخلت البلاد في أتون حرب أهلية، ليقدم استقالته بعد 5 سنوات من الخطوات المتعثرة.

ومع دخول اليمن فصلاً طويلاً من النزاع المسلح، جاء المبعوث الأممي الجديد الموريتاني إسماعيل ولد شيخ أحمد لإنقاذ الموقف. ونجح في جلب أطراف القضية إلى جنيف للمرة الأولى، وفشل في مرات لاحقة.

وفي مايو عام 2017 تعرّض ولد الشيخ لمحاولة اغتيال خلال هجوم مسلح في العاصمة صنعاء، إلا أنه نجا بأعجوبة.

وبعد 3 أعوام تقريباً، رحل ولد الشيخ تاركاً خلفه تركة ثقيلة للبريطاني مارتن جريفثتس، حيث بقي الملف اليمني شائكاً وعصياً على الحل. ثم عينت الأمم المتحدة الدبلوماسي السويدي هانس جروندبرج مبعوثاً خاصاً  إلى اليمن، خلفاً لمارتن جريفيثس.

رفع العتب عن العجز الدولي

على عكس جهودها المتعثرة في العالم العربي، لم تكن جميع مهام الأمم المتحدة حول العالم محكومة بالفشل. ففي نوفمبر عام 1995 نجح المبعوث الأممي سايروس فانس (أميركي) في تحقيق سلام البوسنة، عبر اتفاقية دايتون.

المفارقة في تلك المهمة، تمثلت في إجماع 4 دول كبرى في مجلس الأمن على التسوية، وهذا ما لم يكن متوفراً في مهام المبعوثين الأمميين إلى العالم العربي، فضلاً عن غياب ظروف أخرى في مقدمها غياب ثقافة التفاوض والمساومة بين أطراف الصراع.

قد لا يكون المبعوث الأممي قادراً على فرض الحلول، لكنه مطالبٌ على الأقل، بالحيادية والنزاهة وتحمّل مسؤولياته الأخلاقية، كرسول سلام إلى مناطق النزاع. ومع ذلك هناك من يرى المبعوث الأممي مجرّد واجهة ترفع العتب عن الأمم المتحدة في ظل عجزها عن القيام بمسؤولياتها.

تصنيفات