جذب استخدام صناع مسلسل "Moon Knight" أو "فارس القمر" من "مارفل" مقطوعات موسيقية وأنغام متفرقة من أغنيات مصرية وعربية، انتباه المشاهد المصري والعربي، وسط ترقب لاكتشاف الأعمال العربية الأخرى التي يمكن أن يتضمنها العمل في حلقاته المقبلة.
وفي نهاية مارس الماضي، بدأت منصة "ديزني بلس" بعرض أولى حلقات مسلسل "مارفل" الجديد "Moon Knight"، الذي يستلهم الحضارة المصرية القديمة، إذ يكتسب بطله الخارق بعضاً من قدرات إله القمر المصري القديم، فيختبر نمطاً جديداً من الحياة، وسلسلة من المغامرات تقوده حتى الهرم الأكبر.
وبشأن استخدام مقاطع من الأغاني العربية في الموسيقى التصويرية فضلًا عن التترات الختامية، رأى المخرج الرئيسي للعمل محمد دياب في تصريحات لـ"الشرق"، أن الإرث الموسيقى العربي "كنز دفين، يتوقف استغلاله وتقديمه عالمياً على آلية الاختيار الفعالة للأعمال التي تُناسب الجمهور العالمي".
وشدد دياب على أن الإنتاج العربي الموسيقي كبير، "أشبه بمنجم الذهب المتاح لمن يقدم على استخدامه واختيار الأعمال المناسبة التي تتماشى مع الذائقة الغربية"، على غرار "استخدام الأغنيات الكلاسيكية العربية بعد إعادة توزيعها وإضافة روح العصر عليها"، مشيراً إلى أن "اختيار الأغنية المناسبة للذائقة الغربية يضعنا (العرب) في دائرة الاهتمام العالمية".
اختار دياب على مدار الحلقات الأربع التي أخرجها، باقة من الأغنيات العربية البارزة لتُصاحب أحداث العمل، فعرّج بالمشاهد العالمي على أغنية "بتونس بيك" لوردة الجزائرية، و"بحلم معاك" لنجاة الصغيرة و"ساعات ساعات" لصباح و كذلك "شغلوني" للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ.
وللمحة أكثر عصرية، أضاف المخرج المصري، موسيقى المهرجانات كمهرجان "الملوك" وأغنية الراب "سالكة".
وعزا دياب هذه الاختيارات للمنتجة المصرية سارة جوهر، لافتاً إلى أن إقامة الأخيرة لسنوات طويلة في الولايات المُتحدة ساعدتها على اختيار الموسيقى والأغنيات العربية التي تلائم الجمهورين العربي والغربي، منبهاً إلى أن عملية الاختيار مرت بـ"نقاشات معمقة شارك فيها فريق العمل والشركة المنتجة".
وتابع المخرج المصري في تصريحاته لـ"الشرق"، أن أي مشروع لـ"مارفل" يمثل "فرصة للمشاهدة المليونية والانتشار حول العالم"، مشيراً إلى أنه عمل مع جوهر على اختيار الأغاني و"كيفية إبرازها وتحويلها لعامل إبهار"، لافتاً إلى مشاركتهما لبطل العمل أوسكار آيزاك اختيار الموسيقى ليستمع إليها ويقدم آرائه، ومشاركة الشركة هذه الاختيارات أيضاً أثناء فترة التجارب.
استراتيجية جديدة
وعلى رغم أن دياب يفضل التخفيف من استخدام الموسيقى التصويرية في أعماله مقابل تعزيز وإبراز جمل موسيقية محددة، إلا أن هذه الاستراتيجية لم يستخدمها في مسلسل "فارس القمر"، الغني بإطاره الموسيقي.
وبرر دياب عزوفه عن استراتجيته المعهودة بالقول، إن "كل مشروع فني لديه متطلبات خاصة، وفي حالة هذا المسلسل، هناك جزء من القصة مرتبط بثقافتنا، ولذا نختار أعمالاً وأغنيات مناسبة لثقافتنا وتحمل أيضاً الذائقة الغربية"، مشيراً إلى أن استخدام الموسيقى بشكل عام في المسلسل كان "مناسباً ومسموحاً، بعكس فيلمي الأخير أميرة الذي استُخدمت فيه جملة موسيقية وحيدة".
اختيار أصيل
تعمد دياب أيضاً استخدام أعمال تتمتع بأصالة، و"تبرز من خلالها الشخصية الشرقية، ولا تعتمد محاكاة الأنغام الغربية".
وتمسك دياب بإسناد تأليف موسيقى المسلسل التصويرية الأصلية للموسيقار المصري هشام نزيه، ورفض اقتراح "مارفل" بأن يتعاون معه موسيقار أميركي. وقال: "قدم هشام موسيقى أبهرت مارفل بحق ودفعتهم للرغبة في تكرار التعاون معه مرة أخرى".
ولم يقتصر استخدام الموسيقى العربية على الكلاسيكيات، إذ امتد إلى أغاني الراب على غرار أغنية بعنوان "سالكة" فضلًا عن مهرجان "الملوك"، وهو ما اعتبره الناقد أندرو مُحسن في تصريح لـ"الشرق" عاملاً إيجابياً "يلقي الضوء على الذوق العام المصري بتنوعاته المختلفة، ويُضيف لمصداقية الطرح الموسيقي للعمل".
وعن هذا الاهتمام بالمقاطع المختارة في المسلسل، قال دياب إن "اختيار الأغاني لم يكن منفصلاً عن الدراما، بل ارتبط بأحداث العمل بشكل وثيق"، موضحاً: "لا أستخدم في عملي إضاءة أو حركة كاميرا من دون هدف درامي واضح، الأمر ذاته ينطبق على الموسيقى، وكل أغنية وضعت في مكان محدد لهدف درامي".
وأوضح أن "أغنية نجاة الصغيرة استُخدمت في مشهد رومانسي، وترتبط كلماتها بأحداث ستحصل في الحلقات التالية، وأغنية بتونس بيك، ترتبط برحلة مارك وستيفن معاً لأول مرة، أما أغنية الملوك فتعبر عن استعراض القوة، المناسب لأجواء الأبطال الخارقين".
انتشار "غير كافٍ"
ورغم لجوء "مارفل" إلى الموسيقى العربية ووجود تجارب من هذا النمط سابقاً، إلا أن الإرث الموسيقي المصري والعربي "لا يحقق انتشاراً عالمياً كافياً" من وجهة نظر الناقد المصري أندرو مُحسن، خاصة إذا ما قورن بالقرن الماضي.
ويشير في تصريحه لـ"الشرق"، إلى أنه "في السابق كان لدينا أسماء كبيرة كأم كلثوم، التي حظيت بشهرة عالمية واسعة، وقدمت حفلات في باريس وغيرها من العواصم الغربية، لكن الأغنية المصرية لم تعد تصل للجمهور الغربي بالشكل المطلوب، كما لا تحقق السينما أو الأدب الانتشار المنشود".
ويضيف أن "غياب الأنماط الأصيلة" من الأسباب التي تعرقل انتشار الأغنية العربية عالمياً، شارحاً أنه "في فترة من الفترات وجدنا أن الموسيقى المحلية تُشبه في مجملها موسيقى الهاوس، وفي بعض الأحيان نجد نمطاً موسيقياً مهيمناً على الساحة العالمية"، ما يؤثر على صناعة الأغاني التي "تبحث عن الموضة العالمية وتتأثر بها، من دون أن تنتج أنماطاً أصيلة جديدة خاصة بها"، في حين أن "محاولات التجديد تقابل بالهجوم".
تجارب سابقة
ولا يمثل "فارس القمر"، أول ظهور للفن العربي عالمياً، إذ حضرت الموسيقى العربية في مناسبات عدة على الساحة العالمية، ولكنها كانت في ثوب الاقتباس عبر جمل موسيقية عربية ضمن أغنيات عالمية، وأضيف إليها أبعاد ثقافية جديدة.
ففي العام 1968 ظهر تسجيل لفريق "البيتلز" البريطاني بعنوان "Revelation 9"، واعتمد على تقديم مزيج من الأصوات والنداءات المتباينة، ظهر ضمنها بوضوح صوت الموسيقار السوري - المصري فريد الأطرش في إحدى أغنياته.
أما أغنية "Big Pimpin" لمغني الراب الأميركي جاي زي، فارتبطت بالمطرب المصري عبد الحليم حافظ، إذ أن الجملة الموسيقية الأكثر بروزاً في الأغنية الأميركية التي أُنتجت في العام 1999، مأخوذة في الأصل عن لحن الموسيقار المصري بليغ حمدي لأغنية "خسارة خسارة"، التي غناها العندليب عام 1957 في فيلم "فتى أحلامي".
ودارت معركة قضائية بشأن الأغنية في أوائل الألفية بين ورثة بليغ حمدي والمغني الأميركي انتهت بتبرئة الأخير، بعدما دفعت أوساط مقربة من المغني الأميركي 100 ألف دولار سنة 2001 لشركة "إي أم آي أرابيا" للإنتاج الموسيقي صاحبة حقوق توزيع الفيلم.