في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن تأييده زيادة أعضاء مجلس الأمن الدائمين وغير الدائمين، في تغيير من شأنه أن يبدل بعضاً من ملامح المجلس الراسخة منذ جلسته الأولى في يناير 1946.
وعلى الرغم مما يمثله تصريح بايدن من بارقة أمل لدول عديدة، يرى خبراء استراتيجيون أن خطوات الإصلاح والتغيير داخل مجلس الأمن الذي تقع على عاتقه المسؤولية الرئيسية عن صون السلم والأمن الدوليين، ستكون شديدة البطء، إذ لابد أن تأتي مدفوعة بتوافق تام ما بين الخمسة الكبار (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين).
متى ظهرت فكرة التغيير؟
وفقًا للمادة الـ23 من ميثاق الأمم المتحدة، يتشكل مجلس الأمن من 15 عضواً، بينهم 5 دائمين يتمتعون بحق النقض لقرارات المجلس هم (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والصين والاتحاد الروسي)، إضافة إلى 10 أعضاء آخرين غير دائمين تنتخب الجمعية العامة 5 منهم كل عام لدورة مدتها عامين.
غير أن ملامح المجلس لم تشكل وقت تأسيسه على هذا النحو، إذ بدأ بـ5 أعضاء دائمين و6 غير دائمين ليصبح قوامه 11 عضواً فقط، وفي العام 1963 اُقترح تعديلًا من خلال الجمعية العامة بزيادة أعضاء المجلس، ليصبح قوامه 15 عضواً غير دائم، ودخل التعديل حيز النفاذ في أغسطس من العام 1965.
وزير الخارجية المصري الأسبق السفير محمد العرابي، يقول إن تصريحات بايدن ليست المحاولة الأولى لتعديل عدد مقاعد مجلس الأمن الدائمة، بل سبقها محاولة جادة منذ حوالي 11 عاماً.
ويضيف لـ"الشرق": "حينها كان من المفترض أن تحصل ألمانيا على مقعد، والهند على مقعد، إضافة إلى مقعدين للقارة الإفريقية، إلّا أن المشروع لم يتقدم للأمام"، لافتاً إلى أن للتفاعلات السياسية دور في توقف المشروعات المشابهة.
ويدلل على ما سبق بقوله: "حال حصول الهند على مقعد في المجلس سيثير ذلك حفيظة الصين، بينما وجود ألمانيا قد يثير استياء دول أخرى في أوروبا ترى أنها الأحق بالحصول على المقعد"، مضيفاً: "المقعد الإفريقي أيضاً محل جدل، فقد تحصل عليه نيجيريا أو مصر أو جنوب إفريقيا".
لماذا تتجدد الدعوة الآن؟
ولتفسير تجدد المناقشات حول توسع أو إصلاح مجلس الأمن، يقول أستاذ القانون والعلاقات الدولية مجيد بودان، إنه قبل الحرب العالمية الثانية، كانت القوة هي العامل الرئيسي والمقبول على مدار قرون في تشكيل العلاقات بين الأمم، ولكن بعد انتهاء الحرب تبدل الأمر.
ويضيف: "أصبح القانون الدولي يحكم العلاقات الدولية على أساس احترام الدول لبعضها البعض، واحترام حقوق الشعوب والأفراد، وعلى هذا الأساس تشكلت الأمم المتحدة بغرض تحقيق السلم العالمي".
غير أن الجانب الروسي، أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وأحد أصحاب حق النقض "الفيتو" يحاول تعديل هذا المفهوم وفقًا لـ"بودان"، وهو الأمر الذي ظهر خلال غزو أوكرانيا، ما رسّخ مزاعم بأن "القوة هي الحاكم الفعلي للعلاقات الدولية"، حسب قوله.
ويتابع أستاذ القانون الدولي: "انشطر العالم حول تلك المسألة، وعاد التساؤل حول تغيير تركيبة مجلس الأمن، كي لا يتمكن عضو له حق الفيتو ويملك قنبلة نووية أن يخرق القانون الدولي وينفذ اعتداءات دون عقاب".
من جهة أخرى، استبعد مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية بجنيف، رياض الصيداوي، أن يكون للحرب الأوكرانية هي الدافع الوحيد خلف تجدد النقاشات حول توسع مجلس الأمن، إذ أن تشكيل المجلس الحالي يمثل انعكاساً لملامح العالم في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
وفسّر ما سبق بقوله: "الأعضاء الخمسة الكبار تشكلوا بفضل إرث الحرب العالمية الثانية، فهم المنتصرون في الحرب بينما حُرمت ألمانيا واليابان من المقاعد ذاتها رجوعاً لهزيمتها"، مضيفاً: "لكن العالم تغيّر اليوم، فلم تعد أي من الدولتين عدوانية، ومن ثم فإن تلك المطالبات بتوسع المجلس لديها مشروعية".
من يؤيد التوسع؟
الباحث المتخصص في الشؤون الأميركية عمرو عبد العاطي، يرى أن أغلب الدول المؤيدة والطامعة في إحداث إصلاحات وتغيرات على هيكل مجلس الأمن ليست بالضرورة بين أعضاء المجلس الدائمين، بل ربما دول نامية واقتصاديات جديدة صاعدة حول العالم وبالتحديد في القارة الآسيوية وقارة أفريقيا.
ولفت عبد العاطي لـ"الشرق"، إلى أن هذه الدول باتت ترى مجلس الأمن بوضعه الحالي، غير معبر عن النظام الدولي، بل تُدرك ارتباط قرارات المجلس بمصالح الدول الكبرى.
وأشار إلى أن موقف الولايات المتحدة يميل إلى التبدل مؤخراً لتأييد حراك التغيير داخل المجلس، وفقاً للمتغيرات التي فرضتها الحرب الأوكرانية، موضحاً: "في ضوء الأزمات الراهنة وجدت واشنطن نفسها عاجزة أمام قوة تحالف موسكو وبكين، إذ لم تعد الأجواء شبيهة بفترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والحرب الباردة".
وبيّن أن "الولايات المتحدة لم تعد المهيمن الرئيسي على المجتمع الدولي، ومن ثم تدعو اليوم لإصلاح مجلس الأمن وهو الأمر الذي لن تقبل به روسيا أو الصين"، وفقاً لـ"عبد العاطي".
هل تعرقل روسيا عملية التوسع؟
يوضح مجيد بودان، أن إجراءات تغيير أو هيكلة تركيب مجلس الأمن وأعضائه الدائمين، تتوقف على ميثاق الأمم المتحدة ونظام مجلس الأمن ذاته، كما يتوقف أيضاً على موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأعضاء مجلس الأمن الدائمين المتمتعين بحق "الفيتو"، ومن ثمّ يمكن لأي منهم منع أو عرقلة عملية التوسع أو الإصلاح.
ولكن، والحديث لـ"بودان"، "يمكن التوافق أو الاتفاق في مجلس الأمن على تعليق عضوية أي دولة -ليست روسيا فقط- تخرق القانون الدولي، ومن هنا يُفتح باب تغيير تنظيم وتركيبة مجلس الأمن والعضوية الدائمة".
بدوره، يرى رياض الصيداوي أن الطريق لإعادة هيكلة مجلس الأمن محفوف بالمخاطر، موضحاً: "تعالت أصوات متعددة لنزع حق الفيتو من روسيا، ولكن علينا ألّا نغفل أن الصين حليفة لروسيا، وسيقابل القرار بالضرورة برفض قاطع من الجانب الصيني، ومن ثم يحدث انقسام في مجلس الأمن ما يعجّل بنهاية دوره الفعلي وربما نهاية الأمم المتحدة بشكل عام".
كيف يمكن تعديل حق الفيتو؟
يشير الصيداوي إلى أن هناك رؤى تذهب إلى ضرورة تعديل وإصلاح آلية استخدام حق النقض من الأساس، ليتحول من حق أحادي مطلق إلى أداة للحفاظ على الأمن الدولي، لا سيما وأن الدول المحتمل انضمامها لن تحظى بالحقوق والواجبات ذاتها على الأرجح، في مساواة كاملة مع أعضاء المجلس الدائمين.
ويؤيد مجيد بودان، وجهة النظر السابقة، بقوله إن "إصلاح مجلس الأمن وإعادة تقنين حق الفيتو يستهدف تحوله من حق مطلق يمكن استعماله بشكل أحادي بدون أسس أو رقابة، إلى مسؤولية تعطى لدولة ما ذات إمكانيات اقتصادية وعسكرية كبيرة وذلك على أساس التفويض من قِبل المجتمع الدولي".
ولفت إلى أن هذه المسؤولية ستحافظ على الأمن الدولي استناداً على مبادئ القانون الدولي، ومن ثم تلتزم الدولة بعدم استخدام هذا الحق لمهاجمة دولة أخرى أو الطغيان عليها أو انتهاك حقوقها.
ما هي آلية الانضمام لمجلس الأمن؟
لا يمثل التوافق بين الخمسة الكبار بشأن التوسع في عضوية مجلس الأمن، التحدي الوحيد أما إتمام عملية الإصلاح، فهناك أكثر من آلية يمكن أن تحدد الدولة الممكن أن تنضم للمجلس، ليظهر تساؤل بشأن الدول المستحقة لمقعد دائم في مجلس الأمن.
الباحث في الشؤون الأميركية عمرو عبد العاطي، يقول: "من الممكن أن يتم اختيار الدولة وفقًا لقائمة شروط محددة مسبقًا، كأن تكون الدولة الحاصلة على المقعد إحدى قوى العالم المتقدمة أو ربما تتمتع بعدد معين من السكان، ويمكن أيضاً اختيارها عن طريق الانتخاب أو وفقاً لتوزيع النطاقات الإقليمية".
في ما يلفت أستاذ القانون والعلاقات الدولية مجيد بودان، النظر إلى جانب آخر في عملية الاختيار، وهو مدى رسوخ التزام الدول المرشحة لتطبيق القانون الدولي.
ويفسّر ما سبق بقوله: "التوزيع الجغرافي ليس هو الأساس في عملية الاختيار التي قد تكون مرتقبة، ففي البداية يجب أن يكون للدولة المرشحة باع كبير في احترام القانون الدولي واحترام حقوق الدول الأعضاء، ثم بعد ذلك التوجّه إلى التوزيع الجغرافي، على أن يكون هناك قاسم مشترك هو احترام القانون الدولي".
ويرى مدير المركز العربي للدراسات السياسية بجنيف رياض الصيداوي، أن مجلس الأمن بالأساس "فضاء مشكل للحفاظ على عملية السلام، ولكن نقطة التقاء مجموعة الخمس الرئيسية هي امتلاكهم للأسلحة النووية".
ويضيف: "يمكن من ثمّ أن تتعلق معايير اختيار الدولة المنضمة للمجلس بالقوة، القوة الاقتصادية والعسكرية وكذلك عدد السكان والبعد الديموجرافي، فنجد أن أبرز الأسماء المطروحة هى اليابان وألمانيا والهند".
ما الإطار الزمني لإتمام الإصلاح؟
مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية، جمال عبد الجواد، يرى أن تعديل عدد أعضاء مجلس الأمن الدولي لن يكون سريعاً بأي حال، موضحاً: "يمكننا القول إن إحداث تغيير في مجلس الأمن على المدى القصير أو المتوسط أمر مستحيل، وذلك لصعوبة موافقة الدول الخمس الكبار".
ويتابع: "العالم في مرحلة انقسام دولي، وعرض الرئيس بايدن لم يتضمن تعديل حق النقض الذي لن تتخلى عنه الدول الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة ذاتها".
وعلى الرغم أن عبد الجواد، يرى أن مناقشة عملية التوسع والإصلاح أمر جيّد، خاصة أنها مطروحة من إحدى الدول الكبرى وعضو دائم بمجلس الأمن وهي الولايات المتحدة، إلّا أنه يعتبر الموقف الأمريكي غير جاد بما يكفي.
واختتم بالقول: "تصريحات بايدن أحدثت ثغرة في جمود نظام مجلس الأمن، لكنها لا تزال مجرد ثغرة، وربما خطوة علاقات عامة أكثر من كونها خطوة سياسية حقيقية".
إقرأ أيضًا: