هل ينجح الحزب الجمهوري في إعادة بناء نفسه؟

time reading iconدقائق القراءة - 11

هذا المقال جزء من سلسلة "2023.. عام الأسئلة الصعبة".

بقلم د. ديفيد رمضان

  • عضو سابق في مجلس نواب ولاية فرجينيا الأميركية، وأستاذ في جامعة جورج ماسون، ومستشار تنفيذي ودولي، بخبرة تزيد عن 30 عاماً في مجال الأعمال والعمل الحكومي والتعليم العالي.
  • انتخب عضواً بمجلس نواب ولاية فرجينيا لولايتين من 2012 إلى 2016. وقدم استشارات لمرشحين سياسيين لمناصب الرئيس، والحاكم وعضوية مجلسي النواب والشيوخ.
  • حالياً، أستاذ بكلية شار التابعة لجامعة جورج ماسون، وكباحث مقيم بمركز السياسات التابع لجامعة فرجينيا.

واجه الحزب الجمهوري في السنوات القليلة الماضية عدة تحديات وقضايا خلافية، بما في ذلك الانقسامات الداخلية، وما رآه البعض انحرافاً عن القيم المحافظة التقليدية. ونتيجة لهذا يقف المرء متحيراً بشأن ما قد يحمله المستقبل للحزب الجمهوري في الولايات المتحدة. 
 
المسألة السكانية من أهم التحديات التي تواجه الحزب الجمهوري. فالولايات المتحدة تتجه أكثر فأكثر نحو التنوع، ومعظم المرشحين الجمهوريين يجدون صعوبة في اجتذاب الناخبين من أبناء الأقليات.  يميل "جيل زد - Gen Z" من المولودين في أواسط التسعينات وحتى عام 2010 بشكل عام إلى الأفكار التقدمية والليبرالية أكثر من الأجيال السابقة، وهم أكثر ميلاً للتصويت للحزب الديمقراطي. 

خسارة أصوات الشباب  

وبحلول العام الانتخابي 2024 سيمثل "جيل زد"، و"جيل الألفية (مواليد ما بين 1981 و1996)"، نحو نصف عدد الناخبين، على حساب جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية.  
 
لقد كسب جو بايدن في انتخابات 2020 الرئاسية أغلبية واضحة من أصوات السود واللاتينيين واليهود والآسيويين والعرب، بينما حقق دونالد ترمب مكاسب قليلة في أوساط هذه الفئات. ويواجه الجمهوريون مشكلة بسبب مواقفهم المتشددة تجاه الهجرة، مما جعل ناخبين كثيرين من مجتمعات المهاجرين ينصرفون عن الحزب. 

بدا هذا واضحاً في الانتخابات النصفية في 2022، فقد انتعشت آمال الجمهوريين بحدوث "موجة حمراء" تمكنهم من السيطرة على الكونجرس. ولكن هذا لم يتحقق، فحصلوا على أغلبية ضئيلة جداً في مجلس النواب، بينما عزّز الديمقراطيون أغلبيتهم في مجلس الشيوخ.  

لقد خرج أبناء الجيل الجديد بأعداد كبيرة للانتخاب وأسمعوا صوتهم في القضايا التي تهمهم من قبيل التغير المناخي، وهي قضايا لم يولها الجمهوريون اهتماماً. 

وعلى صعيد فيدرالي فإن الفئة العمرية 18-29 صوتت للديمقراطيين بمقدار 28 نقطة. وبالمقابل فإن قاعدة الجمهوريين المنحسرة، ومعظمها ممن تزيد أعمارهم عن 65 عاماً، صوتت للجمهوريين بمقدار 13 نقطة فقط. الناخبون الشباب معنيون بأثر التغير المناخي على الكوكب، ويتطلعون إلى زعماء سياسيين يتخذون خطوات جريئة لمواجهة هذا الخطر. ومن جهته فالحزب الجمهوري ينفي في الغالب وجود تغير مناخي أصلاً، أو أنه يقلل من أهميته، مما أدى إلى الشعور بأن هذا الحزب ليس مهتماً بما يشغل الناخبين الشباب. 

في قبضة ترمب 

وعلاوة على ذلك فالحزب الجمهوري يعاني من الانقسامات الداخلية. في السنوات القليلة الماضية كان هناك شرخ بين الجمهوريين المعتدلين التقليديين المستعدين لقبول الحلول الوسط بشأن قضايا معينة، وبين فئة متطرفة في الحزب، من أنصار ترمب الذين يرفعون شعار "لنجعل أميركا عظيمة من جديد  Make America Great Again (MAGA)"، وهم ضد أي تنازلات. 

هذا الشرخ جعل الحزب عاجزاً عن الوقوف جبهة متراصة، وأسهم في زعزعة وحدته. وسيظهر أثر ذلك في انتخابات 2024 الرئاسية إذ ستركز الحملات الجمهورية في الغالب على قضايا مثل الجريمة، والهجرة، والتضخم. بالإضافة إلى المبادئ المحافظة في السياسة المالية، ومحدودية سلطة الحكومة، والحريات الفردية، وهي مبادئ أساسية متكررة في برنامج الحزب الجمهوري.  وسيركز المرشحون أيضاً على القضايا الاجتماعية كمنع الإجهاض في مسعى لجذب قاعدتهم التقليدية.    

وهذا كله لا يلقى قبولاً كبيراً عند المصوتين في الانتخابات العامة، وخاصة المستقلون ممن يقفون في منتصف الطيف السياسي، وهم كتلة ضرورية كي يتمكن أحد الحزبين من الفوز في الانتخابات.  

 

في حال عودة الرئيس السابق دونالد ترمب إلى سباق الرئاسة في 2024 ستزداد الأمور تعقيداً بالنسبة للحزب الجمهوري. فخارج دوائر الحزب، تشكل ادعاءات ترمب الزائفة بوجود تلاعب في انتخابات الرئاسة السابقة، ودوره في تمرد السادس من يناير ثقلاً على كاهل الجمهوريين.   

وفي داخل الحزب يظل ترمب المرشح الأبرز رغم انخفاض شعبيته بسبب سلوكه فيما بعد انتخابات 2020.  

والأسماء التي يمكن أن تكون البديل لترمب يتردد أصحابها في تحديه، ومن هؤلاء: حاكم فلوريدا رون دي سانتيس، ونائب الرئيس السابق مايك بنس، ووزير الخارجية السابق مايك بومبيو، والسفيرة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، وغيرهم.  

وفي حال سعى هؤلاء إلى تحدي ترمب، فإنهم سيجدون أنفسهم في وضع يشبه ما حدث مع الذين حاولوا مواجهته في 2015. وعلى كل واحد منهم أن يختار ما بين الترشح الآن وحرق أوراقه أمام ترمب في الانتخابات التمهيدية، أو الانتظار 4 سنوات أخرى قد لا يترشح ترمب بعدها لاعتبارات التقدم في السن أو تكبد خسائر سياسية.   

 

شكوك الحلفاء  

تضيف القضايا الدولية مزيداً من التعقيد إلى قضية مستقبل الحزب الجمهوري. فبينما يؤيد معظم الأميركيين الدعم الذي تقدمه بلادهم لأوكرانيا مالياً وعسكرياً، فإن الناخبين من أقصى اليمين المؤيدين للحزب الجمهوري ضد استمرار هذا الدعم. وهذا يضع المرشحين الجمهوريين في مأزق، فعليهم لكسب الترشح عن الحزب الجمهوري أن يعارضوا استمرار تقديم الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا. وهو موقف سيكون عليهم دفع ثمنه عندما يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع.  

هذه التعقيدات ستضع الحزب، الذي كان على رأسه يوماً رونالد ريجان، في موقف يصعب معه إقناع الحلفاء في أوروبا بالتزام الحزب بأمنهم وبالنظام العالمي. وموقف الحزب الجمهوري من هذا الأمر موضع تساؤل اليوم، رغم تاريخه الطويل في هذا المجال، بما في ذلك الحقبة التي قاد فيها الرئيسان رونالد ريجان وجورج بوش الأب، الانتصار في الحرب الباردة وتأمين حرية أوروبا في وجه الشيوعية.  

رحلة التغيير  

رغم هذه التحديات، فإن للحزب الجمهوري مواطن قوة، فهو يحتفظ بعدد كبير من المقاعد في مجلسي النواب والشيوخ، وإليه ينتسب معظم حكام الولايات، ولديه قاعدة قوة صلبة في بعض الأوساط كأصحاب الأعمال الصغيرة، والناخبين في الأرياف. ويتمتع الحزب أيضاً بالقدرة على إطلاق حملات انتخابية منظمة، ولديه خبرات ميدانية في مجال استقطاب الأصوات. 

من العسير التكهن بالمسار الذي سينتهجه الحزب الجمهوري. لكنه سيستمر، فيما يبدو، في مواجهة تحديات كبيرة بينما يبحر في مياه سياسية مضطربة في واشنطن. وإذا أراد أن يبقى قادراً على المنافسة فعليه التخلص من الجناح المتطرف، وأن يعثر على طرق لاجتذاب الناخبين الذين باتوا أصغر سناً وأكثر تنوعاً. 

 

يمكن تحقيق ذلك بالإقرار بأن التغير المناخي حقيقة، وببدء تأييد الحلول البيئية التي تدعم أن يكون كوكبنا بحال أفضل مع الحفاظ على مصالح الأعمال. وعلى الحزب تحديث مواقفه بشأن الهجرة، فالمهاجرون مكون أساسي لأميركا عبر تاريخها، وقد أسهموا في صناعة عظمتها، وفتح باب الهجرة سيزيد زخم الإنتاج، وسيلقى القبول عند الناخبين.  

 ويمكن تجنب القضايا الاجتماعية كالإجهاض وزواج المثليين في الحملات الانتخابية. يمكن للحزب الجمهوري أيضاً أن يعمل بفعالية لدعم وحماية الديمقراطية في كل مكان من العالم بدءاً بأوكرانيا. ويمكن له أن يقوي عرى الصداقة بين أميركا والدول العربية في الشرق الأوسط، وأن يتخذ موقفاً صلباً تجاه التهديد الإيراني، وأن يرعى عملية سلام بين إسرائيل والدول العربية. هذا يمكن تحقيقه بالعودة إلى كون الحزب بوتقة واسعة تتقبل الجميع وترحب بهم.  

في النهاية فإن مستقبل الحزب الجمهوري يعتمد على قدرته على التكيف مع الظروف المتغيرة، وعلى طرح رؤية للبلاد تتلاءم مع تطلعات الناخبين. هذه المهمة ليست بالأمر اليسير، لكنها ضرورية لبقاء الحزب الجمهوري قوة سياسية مؤثرة وحيوية في السنوات المقبلة.  

لقراءة المزيد من المقالات ضمن هذه السلسلة:

تصنيفات