يتجه حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بعد عام على حرب أوكرانيا وعدم ظهور خطة واضحة للسلام نحو اتخاذ "قرارات جذرية" في يوليو المقبل، لإحداث نقلة "هندسية" بشأن النهج الدفاعي للجبهة الشرقية، بما يشمل دفع الأعضاء الأبطأ في التعاون إلى العمل، حسبما ذكرت مجلة "بوليتيكو" الأميركية.
ووفقاً للمجلة تقود القرارات المطروحة حلف الناتو إلى أحد أكثر الطرق تحولاً في تاريخه الممتد 74 عاماً، إذ تشمل وعوداً بزيادة الميزانيات السنوية الدفاعية للحلفاء، مروراً بنشر قوات جديدة، وصولاً إلى دمج الصناعات الدفاعية في أنحاء أوروبا.
وأشارت "بوليتيكو" إلى أن أكبر عقبة في هذه النقلة قد تكون التحالف نفسه، إذ توجد "مجموعة متثاقلة من الدول المتنازعة التي وعدت في كثير من الأحيان بأكثر مما أوفت".
ويحث الخبراء على ضرورة اغتنام زخم العام الماضي لتجاوز الروتين وتفعيل استراتيجيات لمواجهة روسيا، التي يصفونها بأنها "لا يمكن التنبؤ بسلوكها ومن المحتمل أن تكون عدوانية بشكل متزايد".
ونقلت المجلة عن مديرة تخطيط السياسات بمكتب الأمين العام لحلف الناتو بينيديتا بيرتي قولها: "إنها مهمة ضخمة".
وأضافت بيرتي أن الحلف أمضى "عقوداً من تركيز اهتمامنا في مكان آخر، مثل الإرهاب والهجرة، وكان لكل ذلك أولوية قبل روسيا". وتابعت: "إنه حقاً تحول تاريخي مهم للغاية بالنسبة لحلف شمال الأطلسي".
وأشارت إلى أن رئيس اللجنة العسكرية لحلف الناتو الأدميرال روب باور، قال على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن إن "على أوكرانيا أن تنتصر.. لا يمكننا السماح لروسيا بأن تنتصر، وذلك لسبب وجيه، لأن طموحات روسيا أكبر بكثير من أوكرانيا".
"إعادة هندسة"
وسيأتي التغيير عندما يجتمع قادة الناتو في القمة السنوية بعاصمة ليتوانيا فيلنيوس، حيث ستضع الإدارة العسكرية للحلف خطة جديدة لكيفية نشر القوات والعتاد على طول الجبهة الشرقية، بحسب المجلة.
ومن المنتظر أن يكشف الجنرال كريس كافولي، القائد الأعلى للحلفاء في أوروبا، طرق وآليات استدعاء الجنود في جميع أنحاء الحلف لتقديم المساعدة في أسرع وقت ممكن، فيما قال مسؤول كبير بالحلف الأطلسي إن التغييرات ستكون بمثابة "إعادة هندسة" لكيفية الدفاع عن أوروبا.
وستستند الخطط إلى مناطق جغرافية، إذ سيطلب الناتو من الدول الأعضاء تحمل المسؤولية عن مناطق أمنية مختلفة، من الفضاء إلى القوات البرية والبحرية.
وكان قادة الحلف تعهدوا بتعزيز الدفاعات الشرقية، وجعل 300 ألف جندي على استعداد للاندفاع لمساعدة الحلفاء في غضون مهلة قصيرة، إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
وفي ظل قوة الاستجابة الحالية لحلف الناتو، يمكن له توفير 40 ألف جندي في أقل من 15 يوماً، بينما سيوفر النموذج الجديد 100 ألف جندي في غضون 10 أيام، مع استعداد 200 ألف جندي آخرين للانتشار في غضون 30 يوماً، بحسب "بولوتيكو".
ونقلت عن مدير الدفاع والتحليل العسكري والمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية باستيان جيجيريتش قوله إن الناتو "يحتاج إلى تطوير سرعة انتشار جنوده، إضافة إلى وضع تشكيلات كبيرة في الميدان".
الشرق مقابل الغرب
ووفقاً للمجلة، فإن الصدع الأيديولوجي بين دول الشرق والغرب في الناتو يلعب دوراً داخل ديناميات الحلف، إذ تشعر الدول الواقعة على الجبهة الشرقية بالإحباط، خصوصاً من تباطؤ وتيرة التغيير التي تدافع عنها أوروبا الغربية والولايات المتحدة، حتى بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقال أحد قادة القوات المسلحة البولندية راجموند أندريتشاك، خلال زيارة إلى واشنطن في فبراير الجاري: "بدأنا في التغيير، ولكن كان هناك نوع من التأخير بالنسبة للشركاء الغربيين".
وأشار الباحث بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، شون موناجان، إلى أنه "إذا تمكنت أوكرانيا من الانتصار، فإنها وأوروبا والحلف الأطلسي سيصطدمون بسخط روسيا التي ستعيد التسليح والتعبئة وستكون على استعداد للذهاب مرة أخرى".
وأضاف: "إذا خسرت كييف وانتصرت موسكو"، فسيكون لدى الغرب "روسيا أكثر جرأة على عتبة الجبهة الشرقية، لذلك في كلتا الحالتين، فإن الناتو لديه مشكلة كبيرة في روسيا".
"حرب شاملة"
وقال مسؤول بـ"الناتو" طالباً عدم كشف هويته: "يجب أن يدرك الناس أن هذه معركة طويلة.. كما أنهم بحاجة إلى أن يدركوا أن هذه حرب وليست أزمة.. هذه ليست حادثة صغيرة، بل حرب شاملة.. ويتم التعامل معها بهذه الطريقة الآن من قبل السياسيين في جميع أنحاء أوروبا وعبر الحلف، وهذا مناسب تماماً".
وكان التحالف وقع "تعهد ويلز" بإنفاق 2% من الناتج الاقتصادي على الدفاع بحلول عام 2024، بعدما استولت موسكو على شبه جزيرة القرم وأجزاء من دونباس في عام 2014،
وتجاهلت الغالبية العظمى من الدول هذا التعهد، ما أعطى الرئيس الأميركي السابق آنذاك دونالد ترمب نقطة حوار رئيسة، حيث طالب أوروبا بالتدخل والتوقف عن الاعتماد على واشنطن لتوفير مظلة أمنية.
اقرأ أيضاً: