النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط.. هل تراجع فعلاً؟

time reading iconدقائق القراءة - 7
علم الولايات المتحدة خلف الأسلاك الشائكة في قاعدة ساثر الجوية السابقة بالقرب من العاصمة العراقية بغداد. - Reuters
علم الولايات المتحدة خلف الأسلاك الشائكة في قاعدة ساثر الجوية السابقة بالقرب من العاصمة العراقية بغداد. - Reuters
دبي-الشرق

أصبح من الشائع أن نسمع من المحللين السياسيين أن نفوذ الولايات المتحدة تراجع بشكل كبير في الشرق الأوسط، حتى أن البعض يرى أن هذا النفوذ أوشك على التلاشي بشكل كامل، ما دفع مجلة "ناشونال إنترست" الأميركية للتساؤل عن مدى صحة هذه الرؤية.

وقالت المجلة في تقرير مطول نشرته أخيراً، إن "انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وانهيار الحكومة التي كانت تدعمها هناك، فضلاً عن انتهاء العمليات القتالية الأميركية في العراق، والتواجد الصغير للبلاد في سوريا إلى جانب عدم قدرتها على إحداث تغيير سياسي ذي مغزى هناك، وكذلك علاقتها الصعبة مع تركيا، تشير جميعها إلى أن النفوذ الأميركي في المنطقة أصبح أقل مما كان عليه في الفترة القريبة الماضية".

ووصفت المجلة الفترة التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر 2001، والتي شهدت دخول الولايات المتحدة إلى  الشرق الأوسط عسكرياً، حيث شكلت حكومتين جديدتين في أفغانستان والعراق، ودورها اللاحق في دعم التغيير في ليبيا وسوريا بـ"الاستثنائية".

وأضافت أنه "كان لدى الولايات المتحدة خلال تلك الفترة أو بدت وكأنها لديها، تأثير أكبر بكثير من الآن". ولكنها أشارت إلى أنه "في حال تمت مقارنة نفوذ واشنطن في الشرق الأوسط الآن بما كان عليه قبل 40 عاماً في ذروة الحرب الباردة في عام 1981، فإننا سنجد أنه مشابه بشكل ملحوظ".

وأوضحت المجلة أن الولايات المتحدة "تحظى اليوم بذات الحلفاء الذين كانت تحظى بهم في عام 1981 وهم: إسرائيل ومصر والأردن والمملكة العربية السعودية وجميع دول الخليج العربية الأخرى والمغرب". ولفتت إلى أنه "على الرغم من أنها لا تزال متحالفة رسمياً مع تركيا، إلا أن علاقة البلدين أصبحت مختلفة الآن عن المرحلة التي أعقبت الغزو التركي لشمال قبرص في عام 1974 وعلاقتها العدائية مع حليف أميركي آخر وهو اليونان".

ورأت المجلة أن مقارنة وضع أميركا الحالي بما كان عليه في عام 1981 "ليس صحيحاً"، موضحة أنه إذا "تمت مقارنة اليوم بعام 1976 بدلاً من 1981، فإننا سنجد أن طهران مدرجة في قائمة حلفاء واشنطن وهو ليس الوضع الحالي".

وتابعت "كما أنه في حال مقارنة عام 1976 بـ1971 فإننا لن نجد مصر في قائمة حلفاء واشنطن، بل في قائمة حلفاء موسكو، قائلة إن ما يظهره هذا هو أنه أثناء حقبة الحرب الباردة كان كسب وخسارة الحلفاء يعد أمراً طبيعياً، وهو ما يمكن أن ينطبق على الحقبة الحالية أيضاً".

تنامي النفوذ الروسي

وأشارت المجلة إلى أن "الكثيرين ينتقدون فقدان النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط ويرون أنه أدى إلى تنامي النفوذ الروسي هناك، ولكن مقارنة بالماضي، فإن عودة الأخيرة ليست مثيرة للإعجاب، إذ أنه في عام 1981، كان الاتحاد السوفييتي قوة عظمى ذات نفوذ كبير في سوريا والعراق وجنوب اليمن وليبيا وأفغانستان".

وأضافت أن "لدى روسيا أيضاً علاقات أوثق مع الجزائر واليمن مقارنة بالولايات المتحدة، ولكن الآن بات الوضع مختلفاً تماماً إذ تشارك روسيا النفوذ مع إيران في سوريا، ومع تركيا وآخرين في ليبيا، كما أن لها تأثير محدود فقط في أفغانستان واليمن والعراق".

ولفتت "ناشونال إنترست" إلى أن "بعض السياسيين يرون أنه خلال الحرب الباردة، كان الاتحاد السوفييتي يحاول بنشاط إضعاف أو حتى الإطاحة بالحكومات المتحالفة مع الولايات المتحدة، ولكن الآن تريد كل من روسيا والصين العمل مع جميع حكومات المنطقة المتحالفة مع واشنطن وليس إضعافها".

وأضافت: "لا يبدو أن روسيا والصين تحاولان إقناع حكومات الشرق الأوسط بإنهاء تحالفاتها مع الولايات المتحدة والتحالف مع أي منهما أو كليهما، كما لا يبدو أن أياً من القوى العظمى المنافسة لأميركا راغبة في حل محل الأخيرة باعتبارها ضامناً أمنياً لحلفاء واشنطن في الشرق الأوسط".

وقالت إن "اضطرار واشنطن إلى التنافس مع موسكو وبكين على مبيعات الأسلحة وصفقات النفط والاستثمارات مع حلفاء أميركا يعد أمراً مزعجاً، ولكن هذه مشاكل أقل خطورة بكثير من الاضطرار إلى مواجهة الجهود السوفييتية السابقة".

الخلافات مع تركيا

وأشارت المجلة الأميركية إلى أن "الكلام عن أن تركيا لا تزال متحالفة مع الولايات المتحدة، موضع تساؤل الآن، لأسباب عدة من ضمنها تعاونها المتزايد مع موسكو، لا سيما من خلال شرائها صواريخ الدفاع الجوي الروسية إس-400 على الرغم من اعتراضات واشنطن القوية على الأمر".

واعتبرت المجلة أن "كون تحالف أنقرة مع الولايات المتحدة أصبح أضعف الآن، لا يعني أنها أصبحت حليفة لروسيا، وذلك لأن تركيا على خلاف مع موسكو في سوريا وليبيا وأرمينيا وأذربيجان وحتى أوكرانيا".

وقالت "ناشونال إنترست": "يبدو أن تركيا ليست مهتمة بأن تكون حليفة لأميركا أو لروسيا بقدر اهتمامها بأن تكون قوة عظمى في حد ذاتها، وهو الأمر الذي لا يمثل تحدياً لواشنطن فحسب، ولكن أيضاً لموسكو ولكل حلفائهما الإقليميين".

القوة الأميركية

وأضافت "ناشونال إنترست": "صحيح أن رؤية واشنطن باعتبارها قوة مهيمنة في الشرق الأوسط لم تدم طويلاً، وهي الرؤية التي ترسخت بعد التدخلات الأميركية في أفغانستان ثم العراق والتي بدت في البداية وكأنها ناجحة، إلا أنه لا يزال لدى أميركا الحلفاء ذاتهم في المنطقة منذ 40 عاماً، ولذا فإنها ستظل قوة عظمى في الشرق الأوسط إذا أرادت ذلك".

وفي نهاية التقرير، قالت "ناشونال إنترست" إن "العديد من حلفاء أميركا في الشرق الأوسط يرون أن سقوط الحكومة في كابول وصعود النفوذ الإيراني في العراق، يزيدان من الشكوك حول رغبة أميركا في البقاء كقوة عظمى في الشرق الأوسط".