أثارت مقابلة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، سُرّب مضمونها رغم أنها لم تكن معدّة للنشر، هزة في بلاده، إذ اتهمه نواب أصوليون بـ"الخيانة" و"انتهاك الخطوط الحمر للنظام"، داعين إلى محاكمته وإنهاء حياته السياسية. لكن وزارة الخارجية الإيرانية دافعت عن ظريف، معتبرة أن المقابلة "مجتزأة بشكل مغرض"، وإن لم تشكّك بصحتها.
"الخطوط الحمر للنظام"
وانتقد حسام الدين آشنا، مستشار الرئيس الإيراني، ما ورد في المقابلة، واصفاً إياه بأنه "سوء نية وكيد محتمل"، وفق "إيران إنترناشيونال".
وأغضب التسجيل ساسة أصوليين، لا سيّما أنه طاول قاسم سليماني الذي قتل في غارة أميركية في العراق، ويُعدّ من أبرز مهندسي السياسة الاقليمية الإيرانية، ويحظى بمكانة كبيرة.
ونقل "إيران إنترناشيونال" عن النائب الأصولي نصر الله بجمانفر، رئيس لجنة الرقابة في مجلس الشورى (البرلمان)، قوله لوكالة "فارس" للأنباء: "بعد 40 سنة في مجال الدبلوماسية في إيران، لا يزال السيد ظريف لا يفهم الخطوط الحمر للنظام، ونهجه في مجال السياسة الخارجية".
وطالب الوزير بتوضيح تصريحاته، معتبراً أنها "تتحدى قضايا هي جزء من الخطوط الحمر للدولة، التي يتولّى فيها منصب وزير الخارجية".
أما أحمد أمير آبادي فراهاني، عضو هيئة رئاسة البرلمان، فكتب على "تويتر"، أن البرلمان سيحقّق في المقابلة "المسرّبة" ويقدّم "الخونة" إلى القضاء، متحدثاً عن "تسريب معلومات سرية للبلاد"، وفق الموقع الإيراني.
"تخلّف تحليلي"
النائب علي خضريان نشر صورة لسليماني على "تويتر"، وكتب، في إشارة إلى ظريف: "إنه يعتقد بأنه هو مَن ضحّى بدبلوماسية الابتسامة لمصلحة معركة الاقتدار التي كان يقودها الحاج قاسم سليماني".
ووصف خضريان تصريحات الوزير بأنها "تخلّف تحليلي"، معتبراً أن هذا الموقف يكفي لـ "إنهاء حياته السياسية".
وأدرج النائب جليل رحيمي جهان آبادي، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، تسريب المقابلة في إطار "الإضرار بمحادثات فيينا" بشأن إحياء الاتفاق النووي.
أما جليل محبي، نائب مدير مركز البحوث في البرلمان، فكتب على "تويتر": "حقاً كانت الليلة، بعد سماع صوت ظريف لثلاث ساعات، أسوأ من ليلة استشهاد الحاج قاسم سليماني".
وعلّق على تصريحات ظريف بشأن سيادة المجال العسكري في إيران، قائلاً: "معنى هذه العبارة هو: لست مذنباً في هذا الوضع، بل رجل الميدان"، في إشارة إلى سليماني، وفق "إيران إنترناشيونال".
وذكر الموقع أن محمد رضا شهبازي، وهو مذيع موالٍ للنظام، كتب على "تويتر"، أن فهم ظريف للعلاقات الدولية والقوى العالمية هو "صبياني وساذج".
أما وحيد يامين بور، وهو ناشط في وسائل إعلام مؤيّدة للأصوليين، فتحدث عن "آثار خيانة" في تسريب مقابلة ظريف، وكتب على "تويتر": "أدرك البعض أن هذا المرجل (الإناء) لم يعُد يغلي بالنسبة إليهم، ويريدون وضعه على رؤوس الناس".
وأعرب عطاء الله مهاجراني، وزير الثقافة في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي، عن قلق بشأن إمكان نشر مقابلات مماثلة لتلك التي أجراها ظريف، مع مسؤولين في أجهزة الأمن والاستخبارات في إيران.
وكتب: "على حكومة التدبير والأمل (التي يرأسها روحاني) أن تفكّر في أشرطة المقابلات الأخرى". وتمنّى على وزراء الإعلام والدفاع والداخلية، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي، أن "يضعوا الأشرطة في مكان آمن، إذا تحدثوا"، وفق "إيران إنترناشيونال".
وانتقدت وكالة "فارس" تقديم ظريف نفسه بمنزلة "رمز للدبلوماسية"، في مواجهة سليماني الذي يشكّل رمز "ميدان" المعارك، كما أفادت "فرانس برس".
بومبيو: اسألوا ظريف
ودخل وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو على خط السجال بشأن التسجيل المسرّب، إذ كتب على "تويتر": "كان للضربة الرائعة (التي وجّهتها) إدارتنا لقاسم سليماني، تأثير هائل في إيران والشرق الأوسط. ليس عليكم أن تصدّقوا ما أقول، اسألوا ظريف. لا يزال الرئيس (الأميركي جو) بايدن يعتقد بأن (قتل سليماني) كان خطأً".
وتأتي ردود الفعل، بعدما نشر موقع "إيران إنترناشيونال"، التابع لشبكة تلفزة معارضة للنظام الإيراني، تبثّ من لندن، تسجيلاً صوتياً لمقابلة استمرت أكثر من 3 ساعات، أجراها ظريف مع الخبير الاقتصادي المؤيّد للحكومة سعيد ليلاز، أجاب فيها عن أسئلة بشأن "سياسات وزارة الخارجية" خلال تولّيه منصبه.
وذكر الموقع، أن نشر المقابلة كان مقرراً بعد انتهاء ولاية حكومة الرئيس حسن روحاني الصيف المقبل، مضيفاً أنه أشار فيها إلى تدخلات الجنرال قاسم سليماني، القائد السابق لـ "فيلق القدس" التابع لـ "الحرس الثوري"، والذي قُتل بعملية نقذتها طائرة مسيّرة أميركية، قرب مطار بغداد في 3 يناير 2020، وكان برفقته القيادي في "الحشد الشعبي" العراقي أبو مهدي المهندس.
"توجّه أمني في وزارة الخارجية"
وسأل ليلاز ظريف عن فرض "الحرس الثوري" سياساته على وزارة الخارجية، فوصف استراتيجية النظام الإيراني بـ "الحرب الباردة"، قائلاً: "ضحّيتُ بالدبلوماسية لمصلحة ساحة المعركة، أكثر ممّا ضحّيتُ بساحة المعركة لمصلحة الدبلوماسية".
وأفادت وكالة "فرانس برس" بأن صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أعلنت أنها حصلت على نسخة من التسجيل، ونشرت مقتطفات منه، ورد فيها قول ظريف: "في الجمهورية الإسلامية، الميدان العسكري هو الذي يحكم... هيكلية وزارة الخارجية هي ذات توجّه أمني غالباً".
ونقلت الصحيفة عن الوزير قوله إن سليماني عمِل عن كثب مع روسيا لمعارضة الاتفاق النووي الإيراني، المُبرم في عام 2015، بعد مفاوضات شاقة كان ظريف أبرز ممثل لطهران فيها.
وأشارت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية "إرنا"، إلى أن ظريف توقف، في مستهلّ زيارته لبغداد الاثنين، في موقع قتل سليماني، حيث تلا الفاتحة.
وذكرت "فرانس برس" أن وزير الخارجية الإيراني أشاد بسليماني، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره العراقي فؤاد حسين، واصفاً إياه بأنه "بطل القتال ضد داعش". ولم يتطرّق ظريف للجدل بشأن تصريحاته.
"اجتزاء مغرض"
وأفادت وكالة "أسوشيتد برس" بأن الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، لم يشكّك بصحة التسجيل المسرّب، مستدركاً أنه لا يمثل سوى جزء من مقابلة دامت 7 ساعات، وكان مقرراً الاحتفاظ بها للأجيال المقبلة، لدى معهد فكري مرتبط بالرئاسة الإيرانية.
ووصف خطيب زاده تسريب التسجيل بأنه "غير قانوني"، معتبراً أنه أُخضِع لتحرير "انتقائي"، وإن لم يشرح كيفية نشره.
أما "إرنا" فنقلت عن خطيب زاده قوله: "هذه المقاطع مجتزأة بشكل مغرض، من حديث مدته 3 ساعات، وبالتالي لا يمكن التعويل عليها، من دون الاستماع إلى الحديث بشكل كامل".
وأشارت "فرانس برس" إلى أن الناطق اعتبر أن "ما نُشِر لم يكن مقابلة مع وسائل الإعلام"، بل "حوار ضمن اللقاءات الروتينية في إطار الحكومة". وأضاف أن نقاشات مشابهة تكون دوماً "جدية، شفافة، ومباشرة".
وقلّل خطيب زاده من شأن الجدل حول التصريحات، مشدداً على أن ظريف "يوضح (في التسجيل) أن تصريحاته هي رأيه الشخصي".
"إيران إنترناشيونال" نقل عن الناطق قوله، إن المحادثة كانت "سرية"، مضيفاً: "لم تكن مقابلة، ولم يكن المقصود منها أن تكون مقابلة".
وتابع أن ظريف "لطالما صرّح بأنه يعبّر عن آرائه خلف الأبواب المغلقة، بصراحة وشفافية، لكن ما يتم تنفيذه هو سياسات النظام المتفق عليها". وأشار إلى أن هذا الحوار يستهدف تسجيل وثائق لـ "نقل السجلات والخبرات إلى الحكومة المقبلة"، بموافقة روحاني.