كيف تختلف أسماك "الدم الحار" عن غيرها؟

time reading iconدقائق القراءة - 5
أجهزة قياس بيولوجية متصلة بزعنفة سمكة قرش النمر - دورية علم البيئة الوظيفية
أجهزة قياس بيولوجية متصلة بزعنفة سمكة قرش النمر - دورية علم البيئة الوظيفية
القاهرة -محمد منصور

تعتبر الأوباه Opah أو سمكة القمر، واحدة من أكثر الأسماك شهرة في العالم، إذ تشتهر بلونها الأحمر ومظهرها المستدير والبقع البيضاء التي تتحول للون الرمادي الفضي (لون القمر)، عندما تموت، لكن شكلها ليس ميزتها الوحيدة، فالسمكة تعد الأولى من نوعها التي تملك "دماً حاراً" بشكل كُلي في جميع أنحاء جسمها، مثلها مثل الثدييات والطيور، حسبما اكتشف الباحثون في عام 2015.

كان ذلك الاكتشاف مُفاجئاً، حيث إن جميع الأسماك من ذوات الدم البارد، أيّ أن درجة حرارة جسمها الداخلية تتغير لتكون مُساوية لدرجة حرارة البيئة المحيطة بها.

لكن العلماء قالوا إن تلك السمكة "مجهزة بأوعية دموية متخصصة تنقل الدم الدافئ إلى الخياشيم وتقلل من فقدان الحرارة في بيئة السمكة الباردة في الوقت ذاته، ما يجعلها قادرة على الاحتفاظ بدرجة حرارتها الداخلية دافئة وثابتة تقريباً حتى في أعماق المياه السحيقة الباردة".

ميزة تنافسية

ومنذ ذلك الوقت، توالت اكتشافات مجموعات أخرى من الأسماك ذات الدم الحار، غير أن لغزاً أساسياً ظل حتى الآن دون حل، وهو لماذا تتميز بعض الأسماك بدم حار بينما معظمها ليس كذلك؟

وتُقدم دراسة نُشرت نتائجها في دورية علم البيئة الوظيفية، إجابة عن ذلك السؤال، إذ اتضح أن الأسماك ذات الدم الحار تسبح بصورة أسرع، حيث تميل العضلات الأكثر دفئاً إلى أن تكون أكثر قوة، ما يعطيها ميزة تنافسية حين يتعلق الأمر بالهجرة أو مهاجمة غيرها من الأسماك. 

لكن الباحثين يقولون إن لتلك الميزة ثمناً كبيراً، فتلك الأسماك لا تملك القدرة على تنظيم درجات حرارة أجسامها بشكل كبير في المياه متغيرة الحرارة، وبالتالي لا يُمكن أن تعيش في المياه التي تمتد على مساحات واسعة تختلف فيها درجات الحرارة اختلافاً كبيراً.

ويوفر هذا البحث بعض الأدلة المباشرة الأولى على الميزة التطورية، لكونها من ذوات الدم الحار، وكذلك التأكيد على أن الأنواع في هذه الديموغرافية، مثل القرش الأبيض وسمك التونة ذات الزعانف الزرقاء السريعة (وهي من ذوات الدم الحار) من المحتمل أن تكون عرضة للتغير العالمي في درجات حرارة المحيط كأقاربها من ذوات الدم البارد.

من جانبها، قالت لوسي هاردينغ، الباحثة في كلية العلوم الطبيعية بجامعة ترينيتي في دبلن والمؤلفة الأولى للبحث إن العلماء "عرفوا منذ فترة طويلة أنه كل الأسماك ليست من ذوات الدم البارد، فقد طورت بعض الأسماك قدرتها على تدفئة أجزاء من جسدها لتبقى أكثر دفئاً من المياه المحيطة بها، لكن لم يتضح بعد ما هي المزايا التي توفرها هذه القدرة.

الافتراس والهجرة

وجمعت هاردينغ وفريقها البيانات من أسماك القرش البرية والأسماك العظمية، إضافة إلى استخدام قواعد البيانات الموجودة لمعرفة المزايا التي يُمكن أن توفرها عملية سريان الدماء الحارة في أجسام تلك الأسماك.

ومن خلال ربط أجهزة قياس بيولوجية بزعانف الأسماك التي تم اصطيادها، تمكن الباحثون من جمع المعلومات مثل درجات حرارة المياه التي واجهتها الأسماك في موائلها، والسرعة التي تسبح بها الأسماك معظم اليوم، فضلاً عن المسافة والعمق التي قطعتها تلك الأسماك.

وأظهرت النتائج أن الأسماك ذوات الدم الحار تسبح بمعدل 1.6 مرة أسرع من تلك ذوات الدم البارد، لكنها لم تعش في نطاقات درجات حرارة أوسع.

ومن المحتمل أن تمنح سرعات السباحة الأسرع للأسماك ذوات الدم الحار مزايا تنافسية، عندما يتعلق الأمر بأشياء مثل الافتراس والهجرة. ومع وضع الافتراس في الاعتبار، تساعد قدرات الصيد لدى القرش الأبيض وسمك التونة ذات الزعانف الزرقاء في رسم صورة توضح سبب احتمال حدوث هذه القدرة التي تقدم ميزة تنافسية.

فالقرش الأبيض من المفترسات الخطيرة في المحيطات، إذ يستطيع تتبع الفرائس والقضاء عليها بسهولة، ويرجع ذلك إلى سرعته الفائقة المكتسبة بشكل جزئي من دمائه الحارة.

إضافة إلى ذلك، وعلى عكس بعض الدراسات والآراء السابقة، يُظهر البحث أن هذه الحيوانات لا تعيش في نطاقات درجة حرارة أوسع، ما يعني أنها قد تكون معرضة بشكل متساوٍ لخطر الآثار السلبية لارتفاع حرارة المحيط. وهو اكتشاف مهم بشكل خاص، إذ يُمكن أن يساعد في جهود الحفظ المستقبلية لهذه الحيوانات المهددة.