اعتبرت وكالة "بلومبرغ" أن الغزو الروسي لأوكرانيا يطرح سؤالاً صعباً على الصين، وهو كيف يمكنها دعم شريك استراتيجي رئيسي في الوقت الذي تعد فيه العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا أكثر أهمية بكثير لاقتصادها؟
وقالت الوكالة في تقرير نشرته الجمعة، إنه على الرغم من أن روسيا تعد مورداً هاماً للطاقة إلى الصين، وهو الأمر الذي عزز العلاقات التجارية بينهما خلال العقد الماضي، إلا أن الحجم الاقتصادي لروسيا بات يتضاءل مقارنة بالدول الغربية التي تُعد عملاء لأكبر للمنتجات الصينية، ومصادر رئيسية للتكنولوجيا والاستثمار، كما أنها تتحكم أيضاً في وصول بكين إلى نظام الدولار الدولي.
وفرضت الولايات المتحدة وأوروبا الخميس، عقوبات اقتصادية واسعة النطاق على موسكو، إثر اجتياح قواتها لأوكرانيا، وشملت العقوبات مؤسسات مالية وبنوك ومسؤولين في شركات روسية مملوكة للدولة، ومنعتها بالتعامل بالدولار أو الحصول على تمويل في أسواقها.
"حذر تجاه أوكرانيا"
ونقلت الوكالة عن رئيسة معهد فنلندا للاقتصادات الناشئة والمتخصصة في تحليل أوضاع الصين وروسيا، لايكا كورهونين أن "العلاقة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي أكثر أهمية بكثير للصين من العلاقات مع روسيا، وهو ما أدى Gسياسات صينية تتوخى الحذر بشأن ما يحدث في أوكرانيا".
وفي وقت سابق الجمعة، دعا الرئيس الصيني شي جين بينج خلال اتصال هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين إلى تسوية النزاع بشأن أوكرانيا عبر المفاوضات، وكذلك تحدث عن أهمية تشكيل آلية أمنية أوروبية فعالة ومستدامة، وفقاً لوسائل إعلام رسمية.
بدوره، أكد بوتين لنظيره الصيني استعداد روسيا لعقد مفاوضات رفيعة المستوى مع أوكرانيا.
وأشارت "بلومبرغ" إلى أنه في الوقت الحالي، تعهدت الصين بالحفاظ على الشكل الطبيعي لتجارتها مع كل من روسيا وأوكرانيا، وذلك رغم تشديد العقوبات من قبل الولايات المتحدة وأوروبا وحلفاء غربيين آخرين، وكذلك من قبل الاقتصادات الآسيوية مثل اليابان وتايوان".
ازدهار التجارة
تأسست العلاقات الثنائية بين بكين وموسكو على أرضية قوية في عام 2014 بعد الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم الأوكرانية، إذ اتفق الرئيسان فلاديمير بوتين وشي جين بينج في ذلك الوقت على "مرحلة جديدة في الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا" حسبما ذكرت الوكالة.
ووقعت موسكو وبكين اتفاقيات في مجالات الطاقة والكهرباء والطيران والاتصالات السلكية واللاسلكية ومجالات أخرى، ومنذ ذلك الحين قفزت الواردات الصينية من روسيا إلى مستوى قياسي بلغ 79 مليار دولار العام الماضي.
وكانت أغلب تلك الواردات مدفوعة في الغالب بمشتريات الطاقة، كما تعد الصين سوقاً رئيسياً لروسيا بعد أوروبا، إذ اشترت 17٪ من صادراتها في عام 2020.
وسجلت الصادرات الصينية إلى روسيا رقماً قياسياً العام الماضي أيضاً، وذلك على الرغم من أن الصادرات الصينية إلى روسيا لا تشكل سوى 2٪ من شحنات بكين، وهي نفس الكمية التي تشتريها أستراليا وأقل بكثير من حصة الولايات المتحدة البالغة 17٪ حسب الوكالة.
ووفقاً لـ"بلومبرغ" فإنه في اجتماع بين شي جين بينج وبوتين عُقد في وقت سابق من هذا الشهر في بكين، قال الرئيس الصيني إن البلدين يجب أن يسعيا إلى زيادة حجم التجارة الثنائية إلى 250 مليار دولار من 140 مليار دولار العام الماضي، لكن حينما يأتي الأمر للاستثمار الأجنبي المباشر فإن تدفقات الصين إلى روسيا تعد منخفضة للغاية بشكل عام.
ورأت الوكالة أن هناك سؤال آخر يواجه الصين وهو كيف ستستجيب شركاتها للعقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على روسيا، بما في ذلك الحظر على صادرات أشباه الموصلات والسلع ذات الاستخدام المزدوج أو التكنولوجيا الفائقة.
وتشكل هذه القضية معضلة إذ أن حلفاء الولايات المتحدة مثل اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية، وكل الدول الرئيسية في صناعة الرقائق، حذت حذوها أو أشاروا إلى أنهم سيفعلون ذلك، ولكن من غير المؤكد ما إذا كانت الشركات الصينية التي تستخدم التكنولوجيا الأميركية، مثل شركة تصنيع أشباه الموصلات الدولية، ستعزل روسيا أيضاً عن تلك المنتجات فائقة التطور.
تجارة العملات
في محاولة لتخفيف أثر الإجراءات العقابية الغربية، عملت روسيا على تقليص دور الدولار في اقتصادها وتجارتها منذ فرض العقوبات عليها في أعقاب غزوها لشبه جزيرة القرم، إذ انخفضت حصة الدولار من احتياطيات موسكو من العملات الأجنبية البالغة 640 مليار دولار إلى 16٪ عام 2021، من 46٪ في عام 2017، وفي المقابل ارتفعت حصة اليوان في الاحتياطيات إلى 13٪، من أقل من 3٪، فيما ارتفع اليورو إلى 32٪ من 22٪، حسب الوكالة.
وأشارت "بلومبرغ" إلى أن اتجاه التخلص من الدولرة (التعامل بالدولار)، بات أكثر وضوحاً في التجارة الروسية مع الصين، إذ انخفضت حصة الدولار في الصادرات الروسية إلى الصين إلى حوالي 40٪ حالياً من حوالي 100٪ في عام 2013.
كما اتفق البنكان المركزيان في البلدين على تبديل بقيمة 150 مليار يوان (24 مليار دولار) للعملات في أكتوبر 2014، ويتم تجديد الاتفاقية كل 3 سنوات منذ ذلك الحين وذلك للمساعدة في تسهيل تمويل التجارة.
العلاقات البنكية
وأضافت الوكالة أن العقوبات المفروضة على البنوك الروسية والكيانات الأخرى وضعت المؤسسات المالية المملوكة للدولة الصينية في موقف صعب، إذ أقام الكثيرون منهم علاقات وثيقة مع نظرائهم الروس على مدى العقد الماضي، كما يُعتبر بنك الصين الصناعي والتجاري حالياً أكبر بنك صيني في روسيا وله فروع في موسكو وسانت بطرسبرج.
وتابعت: "قدمت البنوك الصينية عشرات المليارات من الدولارات كائتمان لروسيا وذلك كجزء من مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني، لتمويل كل شيء من البنية التحتية إلى النفط والغاز".
وبحلول منتصف عام 2019 التزم بنك التنمية الصيني بتقديم 65.4 مليار دولار كائتمان لموسكو، وأصدر ما مجموعه 48.2 مليار دولار في شكل قروض، مع التركيز على دعم أكثر من 60 مشروعاً في مجالات تشمل النفط والغاز والاتصالات والتعدين".
السلع والطاقة
وخلال اجتماع شي جين بينج وبوتين هذا الشهر، أبرم الزعيمان مجموعة من الصفقات لتعزيز الإمدادات الروسية من الغاز والنفط وكذلك القمح، إذ وقعت شركة "جازبروم" ثاني صفقة غاز طويلة الأجل مع شركة البترول الوطنية الصينية لتسليم 10 مليارات متر مكعب سنوياً لمدة 25 عام عبر خط أنابيب جديد من الشرق الأقصى لروسيا.
ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام الصينية المحلية فإنه ستتم تسوية الصفقة باليورو بدلاً من الدولار، كما تجري "جازبروم" حالياً محادثات مع بكين بشأن الإمداد عبر خط جديد، فيما توصلت شركة "روسنيفت" النفطية الروسية المملوكة للدولة، إلى اتفاقية أخرى لتسليم 100 مليون طن من النفط الخام إلى شركة "CNPC" الصينية عبر كازاخستان خلال 10 سنوات.