"اتفاق مونترو" يثير خلافاً بين حكومة أردوغان وضباط متقاعدين

time reading iconدقائق القراءة - 7
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال حضوره مؤتمر حزب العدالة والتنمية في العاصمة أنقرة- 24 مارس 2021 - REUTERS
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال حضوره مؤتمر حزب العدالة والتنمية في العاصمة أنقرة- 24 مارس 2021 - REUTERS
أنقرة- آلاء جول

فجّرت تقارير عن رغبة تركيا في الانسحاب من اتفاق "مونترو" الخاص بحركة المرور في البحر الأسود خلافاً بين ضباط سابقين وحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان.

وحذر أكثر من 100 أدميرال متقاعد من مغبة خرق الاتفاقية، فيما اعتبر مسؤولون بالحكومة التركية هذا الموقف تدخلاً عسكرياً في الشؤون السياسية.

والشهر الماضي، صادقت تركيا على مشاريع لتطوير قناة للشحن البحري في إسطنبول أسوة بمشاريع قنوات بنما والسويس، ما أدى إلى جدل بشأن اتفاقية "مونترو" الموقعة في عام 1936.

ويعتبر مسؤولون أتراك أن القناة الجديدة تكتسي أهمية حيوية لتخفيف الضغط عن مضيق البوسفور في إسطنبول، الذي يعد ممراً أساسياً للتجارة العالمية عبرته العام الماضي أكثر من 38 ألف سفينة.

لكن معارضي المشروع يعتبرون أنه، بمعزل عن تأثيره البيئي، يمكن أن يقوّض اتفاقية "مونترو" التي تضمن حرية عبور السفن المدنية مضيقي البوسفور والدردنيل في السلم والحرب، كما تنظم عبور السفن البحرية التابعة لدول غير مطلة على البحر الأسود.

ومن شأن القناة الجديدة أن تتيح عبور السفن بين البحر المتوسط والبحر الأسود، من دون المرور بمضائق خاضعة لبنود اتفاقية مونترو.

تحذير عسكري

ووقع 103 أدميرال متقاعد في البحرية التركية على بيان، مساء السبت، طالبوا فيه أنقرة بالمحافظة على التزامها باتفاقية "مونترو" التي مكنتها من سلوك دور حيادي في الحرب العالمية الثانية.

وقال البيان: "من المثير للقلق أن تُفتح اتفاقية مونترو للنقاش، في إطار الحديث عن قناة إسطنبول والمعاهدات الدولية، فالاتفاقية حمت حقوق تركيا بأفضل طريقة، ويجب علينا أن نحافظ على التزامنا باتفاقية مونترو التي مكنتها من سلوك دور حيادي في الحرب العالمية الثانية".

وأكد البيان ضرورة حفاظ الجيش التركي على القيم الأساسية للدستور التي "لا يمكن تغييرها"، محذراً من "ابتعاد القوات البحرية التركية عن المسار المعاصر الذي رسمه مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك".

وقال بيان العسكريين المتقاعدين إن المضائق التركية هي من أهم الممرات المائية في العالم، مشدداً على أن "مونترو" هي الكفيلة بضمان حقوق البلاد فيها بأفضل طريقة.

وأضاف الموقعون أن "مونترو" هي الوثيقة الأساسية الضامنة لأمن البلدان المشاطئة للبحر الأسود، وهي "العقد الذي يجعل البحر الأسود بحر سلام"، ومكّنت البلاد من الحفاظ على حيادها خلال الحرب العالمية الثانية.

انتقادات

وأثار البيان غضب مسؤولين في الحكومة التركية، وأضفى أجواء ارتياب بشأن عودة مؤشرات على تدخل عسكري في الشؤون السياسية.

وقال النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، محمد متينار، لـ"الشرق"، إن " إعلان 103 أدميرالات سابقين هو تعبير ليس فقط عن الرغبة في الانقلاب وتأسيس مجلس عسكري وفرض الوصاية، بل يعبّر  أيضاً عن عقلية الانتداب".

وأضاف متينار أن "هذا التصرف تحت اسم الكمالية هو خيانة مخزية يجب أن يعارضها الكماليون الحقيقيون"، لافتاً إلى أن "الحكومة التركية ستعرف كيف تضع لهم حداً" على حد تعبيره. 

أما رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي، فكتب في تغريدة: "أدين وأرفض بشدة هذا البيان الذي يناهض الديمقراطية ويهدد أمن البلاد، ويجب أخذ رتبهم العسكرية وإلغاء معاشاتهم التقاعدية، وإجراء تحقيق قضائي وإداري متعدد الأوجه بحقهم فوراً".

تحقيق

وكانت وزارة الدفاع التركية ردت السبت على الضباط المتقاعدين وقالت في بيان إن "إعلانهم لن يؤدي إلا إلى الإضرار بالديمقراطية في تركيا، والتأثير سلباً على معنويات أفراد القوات المسلحة التركية".

وبالمقابل قالت النيابة العامة في العاصمة التركية أنقرة، الأحد، إنها أمرت بالتحقيق مع الموقعين على البيان ومن يقف وراء إعداده.

وجاء في تغريدة لرئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين التون أنه "ليس فقط من وقعوا بل أيضاً من شجعوهم على ذلك سيمثلون أمام القضاء".

ومن المنتظر أن يتناول أردوغان المسألة خلال اجتماع، الاثنين، وفق ما أفادت الرئاسة. واعتبر المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم قالن أن بيان العسكريين المتقاعدين "يذكر بزمن الانقلابات".

سيناريوهات 

واعتبر الكاتب والصحفي المعارض، مصطفى أردامول، أن " حزب العدالة والتنمية الحاكم يقوم بتقييم أي انتقاد ضده في إطار الإرهاب أو الانقلاب".

وأشار إلى أن ما فعله الضباط "أمر صحيح وصائب، وكان يجب على الحكومة أن تنظر وتقيّم هذه الانتقادات بدلاً من توجيه اتهامات غير عادلة لهم".

وقال أردامول لـ"الشرق" إن "البيان يلفت الانتباه إلى مخاطر فتح اتفاقية مونترو للنقاش، وذكر مضايقات الهياكل الدينية في داخل الجيش، لكن نهج الحكومة هو البدء في عملية تطهير واعتقالات جديدة، من خلال إظهار المنتقدين لها على أنهم انقلابيون، وتركيا الآن تشهد أزمة صنعتها الحكومة".

وأشار مصطفى أوزجان، وهو محلل سياسي مختص بالشأن التركي، في حديث مع "الشرق"، إلى أن بيان الضباط المتقاعدين سيتسبب بتداعيات على المشهد الداخلي في أنقرة.

وأفاد أوزجان بأن "هذه الرسالة الموجهة لجهة الحكم تدل على عدم الرضا و التململ في صفوف العسكر"، مشيراً إلى أن "الضباط عبّروا عما في دواخلهم بهذه للصورة، وباعتقادي هذه الخطوة ستسبب تداعيات، فكما يقال المتقاعدون واجهة فقط للموظفين، وعبّروا عنهم بالوكالة".

انقسام المعارضة

وانقسمت المعارضة التركية بين من شجب البيان كالأحزاب المعارضة المنشقة عن العدالة والتنمية الحاكم، وهي حزب المستقبل برئاسة أحمد داوود أوغلو، و"الديمقراطية والنهضة" برئاسة علي بابا جان.

وذكر  أحمد داوود أوغلو، رئيس الوزراء السابق المنشق عن الحزب الحاكم، أن حزبه  يقف إلى جانب إرادة الوطن وسيادة القانون والديمقراطية.

وأضاف في تغريدة على تويتر: "لن نسمح للعسكريين المتحمسين للانقلاب بفعل شيء، بيان الضباط هو مثال على اللامسوؤلية التي لا تأخذ في الاعتبار العملية الحساسة التي مرت بها البلاد  في 15 يوليو".

 لكن حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، وبعض الناشطين، أيدوا البيان، وقالوا إنه لا يهدف إلى انقلاب، مشيرين إلى أنه "مجرد تعبير عن الرأي وانتقاد للحكومة".