نحو 5 أيام مضت على وقوع الزلزال المدمر الذي أودى بحياة الآلاف في تركيا وسوريا. وبينما لا تتوقف المساعدات العينية واللوجتسية والطبية إلى أنقرة، تعاني دمشق شحاً واضحاً في وصول المساعدات، بسبب الخوف من الوقوع تحت طائلة العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على النظام السوري، أو بسبب مقاطعة العديد من دول العالم النظام نفسه، فكيف يتعامل العالم خاصة الغرب مع المساعدات في ظل هذا الموقف؟
وبدأ في 17 يونيو 2020 العمل رسمياً بـ"قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا" الذي أقره الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في ديسمبر 2019، بموافقة ودعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
وتسعى الولايات المتحدة من خلال التشريعات الصارمة التي يتضمنها "قانون قيصر" إلى زيادة العزلة المالية والاقتصادية والسياسية التي تعانيها أساساً الحكومة السورية، ومحاصرة ومعاقبة حلفاء الرئيس بشار الأسد، بغية إجباره على القبول بالحل السياسي للأزمة السورية على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254.
ويطاول "قانون قيصر" الجهات الدولية والإقليمية كافة، التي تتعاون مع الحكومة السورية بشكل مباشر وغير مباشر، أو تسهم في حملاتها العسكرية، وهو ما يحرمها إمكان الالتفاف على العقوبات التي تستهدف أيضاً أي تعامل مع إيران أو الأطراف والجهات الإقليمية والدولية إذا فكرت في الاستثمار في سوريا أو العمل فيها.
أميركا: لا تعامل مع الأسد
المتحدثة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأميركية هالة غريط، الخميس، دعت دول العالم لتقديم الدعم للشعب السوري "أكان عبر النظام أو غيره"، مؤكدةً أن بلادها "لن تدعم النظام الذي يقتل شعبه ويسرق المساعدات".
وقالت غريط لـ"الشرق" إن "المساعدات الأميركية ستقدم لكل السوريين عبر الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومة في البلاد"، معتبرةً أن بلادها "أول دولة دعمت الشعب السوري بعد الزلزال الذي ضربها" وأودى بحياة الآلاف.
ولفتت إلى أن واشنطن "دعمت سوريا منذ بداية الحرب بأكثر من 15 مليار دولار، كما قدمت للمنظمات غير الحكومية داخل سوريا في السنوات الأخيرة الكثير من المساعدات الغذائية والطبية وأماكن للحماية".
وأضافت: "بعد الزلزال استخدمت المنظمات غير الحكومة هذه المساعدات الأميركية لدعم المتضررين"، مشيرةً إلى مسؤولية الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) عن المساعدات المقدمة للشعب السوري.
وأشارت إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن أعلن أن "الولايات المتحدة ملتزمة بدعم الشعبين السوري والتركي في هذا الوقت الصعب"، لافتة إلى "ذهاب مسعفين وخبراء في البحث والإنقاذ إلى تركيا وسوريا للمساعدة".
وضع "صعب جداً"
وأعلنت غريط أن بلادها أرسلت إلى تركيا وسوريا "أكثر من 77 ألف كيلوجرام من الأدوات والآليات المخصصة للبحث والإنقاذ والحفر"، واصفةً الوضع على أرض الواقع بـ"الصعب جداً".
وأشارت إلى تواصل الولايات المتحدة مع "الخوذ البيضاء" والمنظمات غير الحكومة في سوريا، إضافة إلى الأمم المتحدة، بهدف معرفة الاحتياجات المطلوبة، مشددةً على محاولة بلادها "زيادة الدعم" الموجه لسوريا.
وعن إمكانية هبوط طائرة مساعدات أميركية في مطار دمشق، قالت غريط: "لا. ولنكن واضحين كان هناك خبر غير صحيح بشأن العقوبات الأميركية"، مؤكدةً أنها "لن تؤثر على الدعم الإنساني المقدم لسوريا".
وأشارت إلى إمكانية أن تقدم دول العالم الدعم الإنساني لسوريا عبر نظام بشار الأسد، وقالت إن الولايات المتحدة "تشجع كل البلدان على دعم الشعب السوري في هذا الوقت أكان عبر النظام أو لا".
لكنها أوضحت أن الولايات المتحدة لن توجه الدعم الإنساني "عبر النظام"، مشيرة إلى أن نظام الأسد سعى خلال السنوات الماضية إلى "قتل شعبه واستخدم الأسلحة الكيماوية كما أنه سرق المساعدات" الموجهة للشعب السوري، وفق تعبيرها.
وأكدت أن لدى واشنطن علاقات "قوية جداً مع المنظمات غير الحكومية داخل سوريا، فهم يملكون الخبرة الكبيرة" معربة عن "الثقة" الأميركية بهذه المنظمات.
انتقادات سورية
وكانت وزارة الخارجية السورية اتهمت في بيان، الثلاثاء، الولايات المتحدة بـ"تضليل الرأي العام العالمي بشأن العقوبات الاقتصادية على الشعب السوري"، نافية صحة الحديث عن أنه ليس هناك في "قانون قيصر" والعقوبات الأميركية، ما يمنع المساعدات الإنسانية الطارئة والأدوية عن الشعب السوري.
وذكرت الخارجية السورية أن السوريين أثناء مواجهتهم كارثة الزلزال "يحفرون أحياناً بين الأنقاض بأيديهم، لأن أدوات رفع الأنقاض محظورة عنهم، ويستخدمون أبسط الأدوات القديمة لإنقاذ شخص يستغيث تحت الركام، لأنهم معاقبون أميركياً، وتمنع عنهم التجهيزات والمعدات المطلوبة".
ولفتت إلى أن السوريين "ممنوعون من الحصول على الأدوية والأجهزة الطبية التي يمكن أن تساعدهم لمواجهة الأخطار والأمراض، وأجهزة وأدوية علاج السرطان خير دليل على ذلك".
أوروبا: النظام يسرق المساعدات
في السياق، اتهم الناطق الرسمي للاتحاد الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لويس بوينو، الخميس، النظام السوري بـ"سرقة" المساعدات الإنسانية خلال السنوات الماضية، مشيراً إلى وجود 36 فريق إنقاذ أوروبي في المنطقة التي ضربها الزلزال.
وقال بوينو لـ"الشرق" إن الاتحاد الأوروبي منذ بداية الأزمة عمل بشكل "سريع جداً" على تفعيل آلية "الحماية المدنية" التابعة للمفوضية الأوروبية، وهي "مسؤولة عن تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة لتركيا وللشعب السوري".
ولفت إلى أن "المفوض الأوروبي المسؤول عن المساعدات الإنسانية وصل إلى منطقة غازي عنتاب التركية للاجتماع مع السلطات التركية وشركائنا في المجال الإنساني بسوريا"، مشيراً إلى أن المفوض "أكد أننا أمام كارثة إنسانية لم نشاهد مثلها منذ عقود".
ووصف بوينو الاحتياجات الإنسانية المطلوبة بـ"الضخمة". وأضاف: "نحن نقدم من خلال الآلية أقصى ما لدينا لتركيا وسوريا"، مؤكداً أن "دولاً أعضاء في الاتحاد الأوروبي قدمت بشكل مباشر المساعدات للسلطات التركية".
وأفاد بوجود "36 فريق إنقاذ" في المنطقة "وهم من أغلبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى مساعدات طبية ومستشفيات ميدانية وغيرها".
صعوبات لوجستية
وأوضح بوينو أن "الأمر في سوريا مختلف بسبب الصعوبات اللوجستية جراء سنوات الحرب، ولكن نحن رغم ذلك نقدم هذه المساعدات"، لافتاً إلى أنه "بالإضافة إلى رومانيا وإيطاليا أعلنت فرنسا تقديم دعم مباشر للمنظمات غير الحكومة في سوريا".
ولدى سؤاله عن مدى تأثير العقوبات الأوروبية المفروضة على النظام السوري على مسار المساعدات الإنسانية، أجاب بوينو بأن "الاتحاد الأوروبي قدّم منذ 11 عاماً المساعدات الإنسانية لسوريا، سواء للمناطق التي يسيطر عليها النظام أو غيرها، من خلال أكثر من 30 شريكاً".
واتهم النظام السوري بأنه "يسرق المساعدات الإنسانية منذ سنوات وهذا مؤسف"، لافتاً إلى أن "العقوبات الأوروبية لا تستهدف المساعدات الإنسانية، لكن المشكلة الحقيقة هي صعوبة وصول هذه المساعدات عبر الحدود".
وأشار بوينو إلى أن "المعبر الوحيد لإيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا هو باب الهوى المعطل بسبب الزلزال، ولكن على ما يبدو هناك تحرك" لمعالجة هذا الأمر، مشدداً على رغبة الاتحاد الأوروبي "في افتتاح معابر أخرى على الحدود السورية - التركية لإيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين".
وتابع: "منذ سنوات نرى أن مساحة العمل الإنساني في سوريا ضيقة جداً، إذ أصبح من الصعب جداً إيصال المساعدات عبر الحدود من تركيا تحديداً".
واتهم المسؤول الأوروبي روسيا بجعل معبر "باب الهوى" المعبر الوحيد لإيصال المساعدات الإنسانية "من خلال استخدامها حق النقض (فيتو) في مجلس الأمن"، مؤكداً أن "المساعدات الأوروبية بعيدة عن أي شرط سياسي، ونحن نركز حالياً على إنقاذ الأرواح".
وقبل الزلزال تم نقل جميع المساعدات الإنسانية الضرورية لأكثر من 4 ملايين شخص يعيشون في مناطق المعارضة في شمال غربي سوريا من تركيا عبر معبر باب الهوى، بموجب آلية تم إنشاؤها عام 2014 بقرار من مجلس الأمن.
وترفض دمشق وموسكو هذه الآلية معتبرتين أنها تنتهك السيادة السورية، وانخفض عدد المعابر بمرور الوقت من 4 إلى 1 فقط بضغط من روسيا والصين.
ومدد مجلس الأمن آلية التصريح للمعبر الوحيد في يناير لمدة 6 أشهر، في حين عطلت الأضرار التي سببها الزلزال في الطريق المؤدي إلى باب الهوى إيصال المساعدات في الأيام الأخيرة، إلا أن قافلة من 6 شاحنات تابعة للأمم المتحدة تمكنت، الخميس، من عبور الحدود إلى سوريا.