قال وزير الخارجية الباكستاني بيلاوال بوتو زارداري إن العلاقة بين بلاده والولايات المتحدة دخلت حقبة جديدة بعد توترات سابقة، مشدداً خلال مقابلة مع "الشرق" على أن العلاقات مع الصين "متعددة الأبعاد".
كما تطرق زارداري خلال المقابلة إلى التعاون الاقتصادي بين باكستان والصين، والقضايا الشائكة مع الهند، والوضع في أفغانستان إلى جانب أزمة الديون التي تفاقمت هذا العام.
وقال وزير الخارجية الباكستاني لـ"الشرق" إن "باكستان لديها تاريخ طويل من العلاقات مع الولايات المتحدة، وحقق البلدان نتائج رائعة من خلال التنسيق والتعاون، لكن عندما حدث تباعد في التنسيق كان لذلك عواقب سلبية".
وأوضح أنه منذ وصوله إلى وزارة الخارجية قام بتعزيز التواصل مع الولايات المتحدة لتوسيع نطاق العلاقة مع باكستان، وأضاف: "سعينا ليكون هناك تواصل ليس فقط في المجالات التقليدية مثل الأمن، لكن أيضاً على مستوى الاقتصاد ووالأعمال المربحة للطرفين. وفي الولايات المتحدة كان لدي الكثير من الاجتماعات والمحادثات مع نظرائي".
واعتبر وزير الخارجية الباكستاني أن العلاقة بين بلاده والولايات المتحدة "تدخل في حقبة جديدة"، لافتاً إلى أنه "بعد تجاذبات كثيرة سابقة، أصبح لدينا علاقات ثنائية قائمة على الاحترام المتبادل، وهذا هو نوع التعاون الذي نسعى إليه مع كل شركائنا".
وعن الأزمة التي تعرضت لها علاقات البلدين حين عبّر مؤخراً الرئيس الأميركي جو بايدن بشكل واضح وصريح عن مخاوفه من البرنامج النووي الباكستاني واصفاً إياه بأنه خطر كبير، قال بيلاوال بوتو زارداري لـ"الشرق" إن "رد الفعل الباكستاني كان قوياً في البداية"، معتبراً أن "هذا أمر طبيعي، حيث اتصلت وزارة الخارجية بالسفير الأميركي وطلبت تفسيراً للأمر".
وأضاف: "منذ ذلك الحين انجلت الصورة، وخرجت توضيحات عديدة من الحكومة الأميركية. الآن وقد تم تقديم هذه الشروحات من الواضح أن الانطباع لم يعكس الواقع، وهذا ما يجب أن نقدره كثيراً، حيث هناك استعداد في واشنطن لتصحيح الانطباعات الناجمة عن تصريحات الرئيس جو بايدن".
سداد الديون
وحول أزمة الديون ومطالبة باكستان البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بتخفيف أعباء الدين من أجل إعادة هيكلة ديون نحو 27 مليار دولار، قال بوتو زارداري إن بلاده "تعرضت لفيضانات نجمت عنها آثار كارثية، إذ وصلت الخسائر الاقتصادية إلى 33 مليار دولار أي 10% من إجمالي الناتج المحلي، بالتالي لا صعوبة لدينا في سداد ديوننا، لكن هناك متطلبات فورية ويجب أن نجد طريقة لتمويل إعادة إعمار وتأهيل المناطق التي ضربتها الفيضانات، وكان من الواضح أنه لا توجد أية آليات في المؤسسات المالية للتعامل مع الخسائر والأضرار بهذه الأحجام. ونأمل أن نجد طرقاً للتعامل معها".
وأضاف: "في البيئة الاقتصادية الصعبة، ومع عواقب جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، لا تتوافر للجميع السيولة الضرورية للتعامل مع مثل هذه الكوارث، بالتالي اقترحنا أنه ربما يمكن للدول المتقدمة أن تفكر في حلول مثل استبدال الديون، باعتبار أن الدول التي تتأثر بالكوارث الطبيعية أيضاً رازحة تحت الديون".
وتابع: "بدلاً من سداد الديون حيث تذهب هذه المبالغ إلى حسابات الدول المتقدمة، يمكن استغلالها في جهود إعادة الإعمار".
التعاون مع الصين
وعن تعزيز العلاقات بين إسلام أباد وبكين في المجالات الاقتصادية والاستثمارية، أشار وزير الخارجية الباكستاني إلى أن علاقة بلاده بالصين "ليست جديدة".
وأضاف: "كانت لدينا صداقة مع الصين حين لم تكن هناك الكثير من الصداقات آنذاك. أما الآن فيود الجميع أن يكون صديقاً للصين. ومع الوقت طورنا علاقات متعددة الأبعاد مع الحكومة والشعب والحزب الشيوعي".
وتابع: "طبعاً لدينا تعاون اقتصادي واسع، وقمنا بمشاريع كثيرة في تطوير البنى التحتية الباكستانية، خصوصاً بعد إطلاق مبادرة الحزام والطريق والممر الاقتصادي مع الصين. ونتيجة لذلك تمكنا من إعادة تأهيل البنى تحتية للاتصالات والطاقة، وتشهد باكستان تنمية ثورية بفضل الاستثمارات، وطبعاً هناك بعض التمويل من خلال قروض لكن هذا جزء من علاقة أوسع بكثير".
وتحدث بيلاوال بوتو زارداري عن نتائج الممر الاقتصادي بين بلاده والصين، موضحاً أنه "كانت باكستان تعاني صعوبات كثيرة في مجال الطاقة، وقد تمكنا لاحقاً من إنشاء شبكة واسعة ومشاريع عديدة. كما لدينا شبكة اتصالات واسعة الآن في كل أرجاء البلاد، وبنى تحتية متقدمة للغاية، خصوصاً في المناطق التي لم تحظَ باهتمام لتنميتها. وشهدنا على تغيير حياة الناس كنتيجة مباشرة لذلك. هناك أيضاً تطوير مرفأ جوادار الذي يحمل أهمية للنشاط الاقتصادي لنا وللمنطقة".
النزاع مع الهند
أما عن العلاقات مع الهند فقال بيلاوال بوتو زارداري إن لها "تاريخ معقد"، وأرجع ذلك إلى "الخطوات الأحادية التي أخذتها الهند في منطقة كشمير المحتلة في أغسطس 2019، التي تنتهك القوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن، وطبعاً النتيجة كانت حياة أصعب بالنسبة للناس في كشمير. والمسلمون في المنطقة المحتلة في كشمير هم في الجزء الأخير من أراضيهم في حين كانوا الأغلبية في المنطقة"، على حد قوله.
وأضاف وزير الخارجية الباكستاني: "هناك محاولة لتقويض وجود الملسمين وجعلهم أقلية في هذه المنطقة، وهي خطوات غير مقبولة، ما قضى على أية رغبة لدينا في التوصل إلى حل لمسألة كشمير بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن والبدء بالتعاون، بالتالي الخطوات الهندية قضت على كل هذه الاحتمالات بسبب القرارات الأحادية للعام 2019".
ومع ذلك أعرب الوزير الباكساني عن "استعداد كبير لا سيما من قبل جيل الشباب في البلدين بأن تكون هناك علاقات سلمية مع الدولة الجارة، وأن يتم إطلاق العنان للقدرات الاقتصادية الكبيرة التي تعرقلت لا سيما أنه ليست لدينا علاقات تجارية مع الهند".
تعهدات طالبان
في الشأن الأفغاني، اعتبر وزير الخارجية الباكستاني أن على حكومة طالبان الالتزام بتعهداتها، لا سيما في ظل استمرار الأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرة، وقال لـ"الشرق" إن إسلام أباد ستستمر بالتواصل مع الحكومة الأفغانية من أجل إيجاد حلول لهذه الملفات الشائكة.
وأضاف: "نأمل أن تلتزم الحكومة الأفغانية الانتقالية بتعهداتها تجاه دول الجوار والمنطقة والمجتمع الدولي، لكي نتمكن من جمع الدعم الضروري لمساعدة الشعب الأفغاني. أعتقد أنه عندما يتم ضمان الأمن والاستقرار في أفغانستان، والتعامل مع القلق بشأن عمل المجموعات الإرهابية من الأراضي الأفغانية، يمكن أن نعمل معاً على ازدهار أفغانستان".
وبعد انقضاء أكثر من عام على وصول طالبان إلى الحكم في أفغانستان، يرى بيلاوال بوتو زارداري أن أفغانستان لم تصل بعد إلى مرحلة الاستقرار، لكنه أكد أن بلاده ستستمر بالتواصل مع كابول، والقيام بكل ما في وسعها لتشجيع الحكومة الأفغانية على احترام تعهداتها.
وأضاف: "طبعاً، الأفغان جيراننا ونتمنى لهم الأفضل، ونود أن نرى بلادهم مستقرة وتنعم بالسلام والاستقرار بغض النظر عن خلفيات الشعب العرقية، بحيث ينعم الجميع بمستقبل مزدهر".
اقرأ أيضاً: