
واصلت الصين تنفيذ مناورات عسكرية، الاثنين، قرب تايوان، على الرغم من أنه كان مقرراً لتلك المناورات أن تنتهي الأحد.
واعتبرت بكين أن على الولايات المتحدة أن تتحمّل "عواقب وخيمة" بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي للجزيرة الأسبوع الماضي، في حين حذر مراقبون من أن المناورات ربما تكون "بروفة غير كاملة" للغزو الصيني المحتمل للجزيرة.
جاء ذلك، فيما تعهدت تايوان بـ"عدم الخضوع" لضغوط بكين، بعدما نفذ الجيش الصيني مناورات اعتبرتها الجزيرة محاكاة لشنّ هجمات عليها.
تمديد المناورات
المناورات الصينية كانت مقررة بين 4 و8 أغسطس، ولكن لم يصدر إعلان رسمي بشأن اختتامها الأحد.
وقال هو شيجين، رئيس التحرير السابق لصحيفة "جلوبال تايمز" التابعة للحزب الشيوعي الصيني، إنه تم تمديد المناورات، حسبما أفادت "بلومبرغ".
كذلك أعلنت بكين عن تدريبات في مناطق أخرى على سواحلها، بما في ذلك تدريبات بالذخيرة الحية في الفترة بين 6 و15 أغسطس في الجزء الجنوبي من البحر الأصفر، الذي يفصل البرّ الرئيسي للصين عن شبه الجزيرة الكورية، وهي منطقة تشهد تدريبات متكررة.
وأعلنت إدارة السلامة البحرية أيضاً، تنفيذ مناورات في أجزاء من بحر بوهاي شمالاً، لمدة شهر بدءاً من 8 أغسطس، وحذرت السفن من دخول المنطقة، علماً أن تدريبات نُفذت في المنطقة ذاتها في الوقت ذاته تقريباً من العام الماضي، بحسب "بلومبرغ".
ووَرَدَ في بيان أصدرته قيادة الجيش الشرقية في القوات المسلحة الصينية أن "جيش التحرير الشعبي.. يواصل تنفيذ مناورات عسكرية في المجالين البحري والجوي في محيط تايوان، مع التركيز على عمليات مشتركة لصدّ الغوّاصات والهجمات في البحر".
وزارة النقل التايوانية كانت أعلنت، الأحد، عودة الأوضاع إلى طبيعتها في 6 من "مناطق الخطر" السبع التي طلبت الصين من شركات الطيران تفاديها، في مؤشّر إلى انحسار جزئي للتدريبات.
تايوان: تعاملنا بهدوء
وقالت وزارة الدفاع التايوانية، الاثنين، إنها تعاملت "بهدوء" مع المناورات العسكرية الصينية حول الجزيرة، محذرة من أنّ تجاوز الخط الأوسط بين تايوان والصين "يؤثر على مسارات الطيران الدولية".
وأوضحت الوزارة في بيان، أنّ الخط الأوسط في مضيق تايوان "هو تفاهم ضمني قائم منذ الخمسينيات"، بعد أن عبرته سفن وطائرات صينية بشكل متكرر خلال المناورات، وفقق ما أوردت "رويترز".
وأضافت: "على الرغم من أن الخط الأوسط لا ينجم عنه أي أثر على القانون الدولي، فإن وجود هذا الخط حقيقة".
وحذّرت الوزارة من أنّ "تجاوز الصين للخط الأوسط يضيق مساحة مناورات تايوان، وسيؤثر على عمل مسارات الطيران الدولية بشكل طبيعي"، مضيفة أنّ "الطائرات والسفن الحربية الصينية لم تدخل مياهنا الإقليمية".
"عواقب وخيمة"
في السياق ذاته، دافعت وزارة الدفاع الصينية عن تجميد المحادثات العسكرية مع الولايات المتحدة، احتجاجاً على زيارة بيلوسي لتايوان، التي تعتبرها الصين جزءاً لا يتجزأ من أراضيها وتلوّح باستعادتها، ولو بالقوة إن لزم الأمر.
وقال ناطق باسم الوزارة إن "الجانب الأميركي هو الذي أثار تماماً وأوجد الوضع المتوتر الحالي في مضيق تايوان بمبادرة منه، وعليه تحمّل المسؤولية الكاملة والعواقب الوخيمة لهذا" الأمر.
واعتبر الناطق أن "الإجراءات الصينية المضادة ذات الصلة، هي تحذير ضروري لاستفزازات الولايات المتحدة وتايوان، ودفاع مشروع عن السيادة والأمن الوطنيين".
وألغت بكين محادثات رسمية مع واشنطن، شملت قيادات ميدانية وتنسيق سياسة الدفاع ومشاورات بحرية عسكرية، في خطوة اعتبرتها الولايات المتحدة ردّ فعل مبالغاً فيه وغير مسؤول، بحسب "رويترز".
مناورات في "مياه الصين"
وعلى نحو مماثل، قالت وزارة الخارجية الصينية، الاثنين، إن تايوان جزء من الصين، وإن بكين تجري تدريبات عسكرية عادية "في مياهنا" بطريقة مفتوحة وشفافة ومهنية.
وقال المتحدث باسم الوزارة وانج ون بين في إفادة إعلامية دورية، إن الإدارات المعنية أصدرت أيضاً إعلانات في الوقت المناسب، بما يتماشى مع القانونين المحلي والدولي، في تعليق للرد على سؤال عما إذا كان استمرار الصين في التدريبات العسكرية يلتزم بالقانون الدولي، وما إذا كان سيصدر تحذير جديد للسفن والطائرات المدنية.
وأشارت وزارة الدفاع في تايوان إلى أن سفناً ومقاتلات ومسيّرات عسكرية صينية، نفذت محاكاة هجمات على الجزيرة وقواتها البحرية. وأضافت أنها أرسلت طائرات حربية وسفناً، للردّ "بشكل مناسب".
وقبل وقت وجيز من إعلان التدريبات الصينية الإضافية، التقت الرئيسة التايوانية تساي إنج ون رئيس وزراء سانت فنسنت وجزر جرينادين رالف جونسالفيس في تايبيه. وقالت: "أعرب رئيس الوزراء جونسالفيس في الأيام الأخيرة عن أن التدريبات العسكرية الصينية لن تمنعه من زيارة الأصدقاء في تايوان. هذه التصريحات أثّرت فينا بشدة".
ولم يتضح ما إذا كانت تساي وجّهت دعوة إلى جونسالفيس لزيارة تايوان، قبل زيارة بيلوسي أو بعدها، بحسب "رويترز". وشددت وزارة الخارجية التايوانية على أنها "لا تفصح عن التخطيط الداخلي أو الاتصالات بين حكومات".
تقدم الصين العسكري
التدريبات حول تايوان كانت كافية لتقديم لمحة نادرة عن التقدّم الذي حققته الصين نحو بلوغ هدفها، المتمثل في التفوّق في أي نزاع عسكري ضخم، بما في ذلك ضد الولايات المتحدة في حرب محتملة على الجزيرة، حسبما أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال".
ونقلت عن محللين إن ما كشفت عنه التدريبات هو تقدّم حققته الصين في التنسيق بين الأفرع المختلفة لقواتها المسلحة، ويمثل سمة مميزة للجيوش الحديثة. وأضافوا أن الصين بدت وكأنها تفتقر إلى الأصول العسكرية لفرض حصار كامل على تايوان، لكنها أظهرت أنها تمتلك القوة النارية البحرية الكافية لتقويض اقتصاد الجزيرة.
واعتُبرت هذه التدريبات نجاحاً خاصاً لقيادة المسرح الشرقي للجيش الصيني، وهو القيادة الإقليمية الرئيسة المسؤولة عن تايوان، وأُسّس في عام 2016 لتحسين القدرة على إجراء عمليات مشتركة، بحسب تايلور فارفيل، وهو متخصّص في شؤون الجيش الصيني في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا".
وأشار إلى أن هذه التدريبات كانت واحدة من مرات محدودة أعطت فيها الصين الكثير من التفاصيل بشأن تدريباتها. وتابع: "القدرة على تنفيذ عمليات مشتركة حول تايوان كانت دافعاً للصينيين لتبنّي استراتيجية عسكرية وتحديث جيشهم خلال أكثر من عقدين. يجب ألا نندهش بما يفعله الجيش الصيني، وطريقة أدائه، وما أنجزه".
وتعد آخر مرة خاضت فيها الصين حرباً، كانت محاولة فاشلة في عام 1979 لهزيمة فيتنام، في اشتباك حدودي استمر 3 أسابيع. وجاءت التدريبات بمثابة "بروفة" واسعة لأي عمليات قتالية في مضيق تايوان، بحسب "وول ستريت جورنال".
وتضمّنت التدريبات الصينية طلعات جوية وإطلاق قذائف، ومناورات بحرية، وعرضت ما يُعتقد بأنه المرة الأولى التي تطلق فيها الصين صواريخ فوق جزيرة تايوان.
"حصار مؤقت"
وبدأت التدريبات الخميس في 7 مناطق تطوّق تايوان، ويقع العديد منها قبالة أضخم الموانئ التجارية في الجزيرة، وتتداخل مع ما تزعم تايبه بأنه مياهها الإقليمية، داخل خطها الساحلي الذي يبلغ عمقه 12 ميلاً، في ما اعتبره محللون عسكريون "حصاراً مؤقتاً".
ووفق تقارير صحافية صينية، فقد شاركت جميع الأفرع الرئيسية في التدريبات، بما في ذلك الجيش، وسلاح البحرية، والقوات الجوية، والقوة الصاروخية، وقوات تقديم الدعم والخدمات اللوجيستية.
وقال محللون عسكريون لـ"وول ستريت جورنال"، إنّه بينما نشرت الصين بعض أحدث أسلحتها للتدريبات، إلا أنه "يبدو أنه لا يوجد عتاد عسكري لم يكن معروفاً من قبل". فيما قال البعض إنّ الصين لم تستخدم عدداً كافياً من السفن، لإظهار قدرتها على إعاقة حركة السفن عن الوصول إلى تايوان.
وبدلاً من ذلك، "استخدمت الصين سفناً من قبيل المدمرات والطرادات أثناء التدريبات، التي لا تعد مثالية لفرض حصار"، وفقاً لما قاله مراقبون بحريون للصحيفة.
وبرغم استخدامها 50 سفينة في التدريبات، لم تستعن البحرية الصينية بعدد كافٍ من السفن "الأصغر حجماً والأسرع حركة"، مثل الفرقاطات التي يمكنها أن تحافظ بشكل أفضل على "عمل شيء ما كفرض حصار حول تايوان"، وفقا لما قاله بريان كلارك، الزميل في معهد هدسون لـ"وول ستريت جورنال".
وأضاف كلارك أنّ "ما رأيناه خلال التدريبات هو أن الصين لم تستخدم عدداً كافياً من السفن لتحويل مسار السفن القادمة، أو تفتيشها، أو احتجازها، ومنع الوصول إلى الموانئ التايوانية".
ولفت إلى أنه "كان لدى (الصينيين) ما يكفي لتفتيش السفن القادمة على عجل، وإبطاء وتيرة الاقتصاد التايواني".
وتابع: "كان الأمر أشبه بإجراء حجر صحي منه بإظهار قدرة الصينيين على عزل تايوان"، مؤكداً أنه "بالنسبة للصينيين، تعد هذه خطوة أولى جيدة".
فيما قال كريستوفر تومي، الأستاذ المشارك في شؤون الأمن القومي، في الكلية البحرية للدراسات العليا، بالولايات المتحدة، لـ"وول ستريت جورنال"، إن المعلومات الاستخباراتية المفيدة التي يحتمل أنه تم الحصول عليها من التدريبات تضمنت "تقييمات لكيفية تنسيق ألوية الصواريخ مع بعضها البعض"، إلى جانب "تقييمات للأضرار الناجمة عن المعركة بسبب الضربات".
ولفت إلى أن "هذه المعلومات يمكن الحصول عليها من اعتراض الاتصالات"، مضيفاً: "يُفترض أنّ أجهزة الاستخبارات الأميركية تحصل على الكثير من المعلومات المتعلقة بهذه الأنشطة من مصادر سرية حول "القدرات والممارسات التشغيلية الخفية".
"بروفة غير كاملة" للغزو
على الجانب الآخر، أشار العديد من المراقبين المقربين من الجيش الصيني إلى أنّ هذه التدريبات لم ترق إلى مستوى "البروفة الكاملة" لغزو تايوان، الجزيرة التي تخضع للحكم الذاتي، والتي قالت الصين إنها ستضعها تحت سيطرتها، حسبما أوردت "وول ستريت جورنال".
وأضاف المراقبون أن محاولة الاستيلاء على الجزيرة والهيمنة عليها ستتضمن "غزواً برمائياً عبر مضيق تايوان"، الذي يبلغ عرضه 100 ميل، ولكن "لا توجد أي مؤشرات على حشد القوات البرمائية خلال التدريبات الأخيرة".
وقال توماس شوجارت، الضابط السابق في قسم حرب الغواصات الأميركية، والزميل في مركز "نيو أميركان سيكيوريتي" للصحيفة، إن التدريبات الصينية كانت على الأرجح "مخططة مسبقاً لسيناريو أرادت من خلاله بكين إظهار عزمها على خوض حرب على تايوان".
وأضاف شوجارت أن قرار الصين بإجراء تدريبات لأول مرة داخل مناطق بحرية تعتبرها تايوان مياها إقليمية تابعة لها تظهر "استفحال شهية بكين للمخاطرة العسكرية"، مشيراً إلى أن الاختبار الحقيقي لقدرتها على العمل بفعالية كقوة واحدة لن يتحقق إلا إذا واجهت رداً من القوات التايوانية أو الأميركية.
وقال تومي: "بشكل عام، نحن نحصل في الغالب على معلومات تتعلق بالنوايا السياسية"، موضحاً أن "الصينيين قلقين بشأن التوجه السائد في العلاقات الأميركية التايوانية، ويرون أننا (الأميركيين) نتخلى عن الالتزامات التي تم التعهد بها في سبعينيات القرن الماضي، وأكدتها الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ ذلك الحين بأننا لا ندعم استقلال تايوان".
وأضاف: "إنهم (الصينيين) يستخدمون الأدوات العسكرية ليبعثوا برسالة مفادها أن هذه التحولات في السياسة الأميركية لن تمر دون كلفة عسكرية".
اقرأ أيضاً: