بالقوة والدبلوماسية.. روسيا تعزز أدوارها في صراعات الشرق الأوسط

time reading iconدقائق القراءة - 13
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته قاعدة حميميم العسكرية الروسية في سوريا - 11 ديسمبر 2017 - AFP
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته قاعدة حميميم العسكرية الروسية في سوريا - 11 ديسمبر 2017 - AFP
دبي -الزبير الأنصاري

في ظل هواجس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاستعادة مكانة روسيا كقوة عظمى، سعت موسكو إلى تعزيز دورها في صراعات الشرق الأوسط، مستخدمة في سبيل ذلك القوة بشقيها الخشن والناعم، في التعامل مع أزمات المنطقة واضطراباتها.

ويأتي انخراط روسيا في قضايا المنطقة لتأكيد أن موسكو لها كلمة في هذا الجزء المهم من العالم، الذي تتقاطع فيه مصالح الولايات المتحدة وأوروبا والصين.

وعزز من الحضور الروسي الانكفاء الأميركي الذي بدأ منذ فترة الرئيس باراك أوباما، واستمر طيلة عهد الرئيس السابق دونالد ترمب الذي لوّح مراراً برغبته في إنهاء الانخراط الدائم للولايات المتحدة في المنطقة.

التدخل العسكري في سوريا

مثّل التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015 عودة لأدوار موسكو في الشرق الأوسط، بعد توقف استمر طوال فترة التسعينات من القرن الماضي.

وأسهم التدخل الروسي في قلب ميزان القوى على الأرض لمصلحة قوات الحكومة السورية التي استعادت تدريجياً معظم مناطق البلاد.

 التدخل الروسي الذي اعتمد على الدعم الجوي ونشر عدد محدود من الجنود كان مدفوعاً بمجموعة من العوامل السياسية والعسكرية، فمن الناحية السياسة كانت موسكو تشعر بأن نتيجة عسكرية سلبية في طور الحدوث، وهي احتمالية سقوط الرئيس السوري بشار الأسد"، مع ما لذلك من تداعيات خطيرة على استقرار المنطقة "كما يتصوره الكرملين"، إضافة إلى القناعة بأن التدخل العسكري هو الحل الوحيد لمنع هذه النتيجة، بعد فشل البدائل الدبلوماسية.

أما من الناحية العسكرية، فكان هناك ظروف معينة في الحالة السورية جعلت التدخل مناسباً من وجهة نظر موسكو، وهي الوصول الجوي إلى مسرح الأحداث، والإذن الرسمي باستخدام الموانئ والقواعد الجوية، إضافة إلى وجود قوات حليفة على الأرض.

وتسعى روسيا إلى الحفاظ على وجود دائم في سوريا، فإلى جانب قاعدة حميميم التي تطلق منها روسيا ضربات جوية لدعم الحكومة، تسيطر موسكو أيضاً على منشأة طرطوس البحرية في سوريا، وهي القاعدة البحرية الروسية الوحيدة على البحر المتوسط.

ليبيا والتدخل الخفي

في ليبيا، ومع احتدام النزاع في السنوات الأخيرة بين حكومة المجلس الرئاسي في طرابلس والجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، اتهمت عواصم غربية روسيا بالتدخل عسكرياً لدعم الجيش الليبي.

وخلافاً للحالة السورية، حين تدخلت روسيا بشكل مباشر وصريح، فإن موسكو أحجمت عن التدخل بشكل مباشر، وفضلت بدلاً من ذلك الانخراط من خلال وكلاء ومجموعات غير رسمية، وفق تقارير أممية وحقوقية.

ويتهم الغرب موسكو بإرسال مقاتلين من مجموعة "فاغنر" العسكرية الخاصة، المقربة من الرئيس بوتين، للانخراط في العمليات القتالية بليبيا.

وفي مايو 2020 أكد خبراء من الأمم المتحدة وجود مقاتلين من هذه المجموعة، كما اتهمت الولايات المتحدة موسكو بإرسال طائرات عسكرية إلى ليبيا وإخفاء شعاراتها الرسمية من أجل التمويه.

 واتهمت واشنطن موسكو أيضاً بالعمل مع دمشق من أجل نشر مقاتلين سوريين، دعماً لقوات الجيش الليبي.

ووفقاً لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، تعتقد الولايات المتحدة أن الهدف الاستراتيجي من التدخل الروسي في ليبيا هو توسيع نفوذها العسكري والسياسي في الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى تأمين حضور عسكري في الخاصرة الجنوبية لأوروبا.

كما تبدو موسكو مدفوعة في تدخلها بتنافسها الإقليمي مع أنقرة وسعيها لاحتواء نفوذها السياسي، إذ دعمت الأخيرة بشكل مباشر وغير مباشر قوات حكومة المجلس الرئاسي في صراعها ضد الجيش الليبي.

لكن روسيا تنكر أن لها حضوراً عسكرياً في ليبيا، وأكدت مؤخراً أنه في حال وُجد مواطنون روس في البلد، فإنهم "لا يمثلون الحكومة الروسية". 

وعلى المستوى الدبلوماسي، دعمت روسيا وقف إطلاق النار الذي أعلن عنه في العاصمة المصرية القاهرة في يونيو 2020، وبعد الاتفاق على حكومة وحدة جديدة في ليبيا بقيادة عبد الحميد الدبيبة، أكدت موسكو العمل بشكل "بنَّاء" مع قادة ليبيا الانتقاليين.

 تركيا وصراع النفوذ

أدت الطموحات الجيوسياسية لموسكو وأنقرة إلى تداخل مصالحهما وتعارضها، إذ يقف البلدان على طرفي نقيض في العديد من الملفات الإقليمية والدولية، كما هو الحال في سوريا وليبيا وصراع أذربيجان وأرمينيا.

ومؤخراً أبدت روسيا قلقها من خطط تركيا المتعلقة بالعبور في البحر الأسود، والتي ترى فيها موسكو تهديداً لحركة سفنها التجارية والعسكرية.

ووافقت تركيا الشهر الماضي على خطط لتطوير قناة جديدة تربط إسطنبول بالبحر الأسود، من شأنها أن تتيح عبور السفن بين البحر المتوسط والبحر الأسود من دون المرور بمضائق خاضعة لبنود اتفاقية مونترو الدولية، وهو ما ترفضه روسيا.

ودعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره التركي رجب طيب أردوغان إلى الحفاظ على اتفاقية مونترو الدولية التي تعود بالفائدة على موسكو، وتنظم حركة الملاحة البحرية عبر مضيقي البحر الأسود، البوسفور والدردنيل.

ويرى مراقبون أن أي تعليق محتمل للاتفاقية يمكن أن يسهل وصول السفن الحربية من الدول غير المشاطئة للبحر الأسود، على غرار الولايات المتحدة والدول الأعضاء الأخرى في حلف شمال الأطلسي، وهو ما تنظر إليه موسكو بعين الريبة.

وقال الكرملين "في ضوء الخطط التركية لشق قناة إسطنبول، شدد الجانب الروسي على أهمية الحفاظ على النظام القائم لمضيق البحر الأسود، وفقاً لبنود اتفاقية مونترو لعام 1936، من أجل ضمان الاستقرار والأمن الإقليميين".

كما أصبح الصراع في أوكرانيا نقطة توتر جديدة بين البلدين، إذ تشعر موسكو بالقلق من تجدد التعاون العسكري بين كييف وأنقرة، وسط توتر كبير على الحدود الروسية الأوكرانية. وما زاد الخلافات، تحديداً، هو الطائرات المسيّرة التركية التي يتم تزويد الجيش الأوكراني بها.

وتزامناً مع زيارة للرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي إلى تركيا في وقت سابق من أبريل الجاري، أعلنت موسكو تعليق الرحلات إلى أوكرانيا، في قرار أرجعته إلى الوضع الصحي المتعلق بفيروس كورونا، لكن يعتقد على نطاق واسع أنه يأتي رداً على التقارب الأمني بين تركيا وأوكرانيا.    

السودان والعودة إلى البحر الأحمر

في السودان، استطاعت روسيا تحقيق اختراق تاريخي، بعدما أعلنت في نوفمبر الماضي عن مشروع اتفاق مع الخرطوم لإنشاء مركز لوجستي للأسطول الروسي على الساحل السوداني في البحر الأحمر.

وينص المشروع على إنشاء ونشر مركز لوجستي على أراضي السودان وتطوير وتحديث بنيته التحتية، لصيانة السفن الحربية الروسية وتموينها واستراحة أفراد طواقمها.

وينص الاتفاق على أن المركز المقترح سيكون قادراً على استيعاب السفن المزودة بتجهيزات نووية، على ألا يزيد عدد السفن الراسية فيه في وقت واحد عن 4، وألا يتجاوز الحد الأقصى لعدد أفراد المركز 300 شخص.

ويعتقد كثير من المراقبين أن لهذه الاتفاقية، التي تمتد 25 عاماً، أبعاداً كبيرة ومهمة للمنطقة.

وتعتبر موسكو أكبر مزود أسلحة للخرطوم، إذ إن أغلب تسليح الجيش السوداني مصدره روسيا، كما أن القوات المسلحة السودانية تحتاج إلى موسكو لإمدادها بقطع الغيار، فضلاً عن أن الصناعات الثقيلة للجيش السوداني قوامها وعمادها التعاون مع الشركات الروسية.

سد النهضة والبحث عن وساطة

ودخلت روسيا على خط أزمة سد النهضة بين إثيوبيا من جانب ومصر والسودان من جانب آخر، إذ كشفت مصادر لـ"الشرق" في وقت سابق من هذا الشهر أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سيعرض وساطة بلاده على مصر لحل أزمة السد.

وتسعى روسيا من خلال عرض الوساطة إلى تقريب وجهات النظر بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى، بعد تعثر مفاوضات سد النهضة.

وتعوّل روسيا على علاقاتها القوية بالدول الثلاث، وموقعها كعضو دائم في مجلس الأمن، من أجل حملها على التوصل إلى اتفاق.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال لقاء مع نظيره المصري، في 12 أبريل الجاري، إن "الحوار المنسق بين الدول الثلاث هو السبيل لحلِّ أزمة سد النهضة، وسنفعل ما في وسعنا لحلها ونزع فتيل الأزمة".

لبنان والبحث عن دور

وفي لبنان، دخلت روسيا على خط أزمة تشكيل الحكومة، إذ اختتم رئيس الحكومة اللبناني المكلف سعد الحريري، الجمعة الماضية، زيارة عمل إلى روسيا بلقاء وزير الخارجية سيرغي لافروف، أكد خلاله دعم موسكو جهود "تشكيل حكومة برئاسته في أسرع وقت".

وبحسب بيان صادر عن مكتب الحريري، ناقش اللقاء تطورات الأوضاع في لبنان بشكل تفصيلي؛ لا سيما العقبات التي تواجه تشكيل الحكومة والأزمة الاقتصادية. 

وأعرب لافروف خلال اللقاء عن "دعم روسيا لجهود الحريري في تشكيل حكومة برئاسته، في أسرع وقت، تكون قادرة على معالجة الأزمة والحصول على الدعم العربي والدولي".

وقبل زيارة الحريري، زار وفد من "حزب الله" اللبناني في مارس الماضي موسكو والتقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. 

وأشار بيان لوزارة الخارجية الروسية إلى أن اجتماع لافروف مع وفد الحزب ركز على ضرورة تشكيل حكومة لبنانية جديدة برئاسة سعد الحريري.

ووفقاً لوكالة سبوتنيك الروسية، جدد لافروف التأكيد على موقف روسيا الداعم لسيادة لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، مشدداً على "ضرورة حل القضايا المستعصية على الأجندة الوطنية، من خلال حوار واسع، وبمشاركة ممثلين عن كل الطوائف الرئيسية في المجتمع اللبناني حصراً، في الفضاء القانوني ودون تدخل أجنبي".

مقاربة حذرة

ويرى خبراء أن موسكو تعتمد مقاربة حذرة في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، فهي لا تريد إنهاك نفسها وتجاوز قدراتها، كما أنها تعتمد استراتيجية واقعية في التعامل مع المنطقة، تقوم على المصالح وتعزيز الاستقرار، والتعامل مع الأنظمة القائمة، وكأنها تريد بذلك تقديم نموذج مغاير للنموذج الأميركي.

لكن الخبراء يحذرون من تداعيات التجربة الروسية في سوريا على تصور الكرملين لمستقبل سياساته في المنطقة.

وقال المسؤول السابق في مجلس الاستخبارات القومي الأميركي، يوجين رومير، إن "تأكيد المسؤولين الروس على نجاح تجربتهم في سوريا قد يدفع موسكو إلى عدم الاقتناع بحضورها الحالي، والانخراط في صراعات أخرى في المنطقة، وفقاً للمثل القائل: تأتيك الشهية عندما تبدأ في الأكل".