السودان.. 5 جيوش وملايين الأسلحة تثقل كاهل الخرطوم والمدن الرئيسية

time reading iconدقائق القراءة - 8
قوات الأمن السودانية تغلق أحد شوارع العاصمة الخرطوم عقب تمرد لجنود هيئة العمليات بجهاز المخابرات-14 يناير 2020 - Getty Images
قوات الأمن السودانية تغلق أحد شوارع العاصمة الخرطوم عقب تمرد لجنود هيئة العمليات بجهاز المخابرات-14 يناير 2020 - Getty Images
الخرطوم-مها التلب

أثار انتشار مجموعات مسلحة داخل شوارع العاصمة الخرطوم والمدن الرئيسية في السودان مخاوف من حدوث عمليات انفلات أمني وتصادم قد يُفضي إلى مواجهات عنيفة، في وقت تزداد الخشية من تداعيات انتشار المظاهر المسلحة على المرحلة الانتقالية الهشة في البلاد.

وكان مجلس الأمن والدفاع السوداني قرر، الثلاثاء، إفراغ العاصمة والمدن الرئيسية من المظاهر المسلحة، ودعا لجانه الفنية إلى الإسراع في تنفيذ الترتيبات الأمنية المتعلقة باتفاق جوبا للسلام.

وبموجب اتفاق جوبا للسلام الذي تم توقيعه في 3 أكتوبر 2020، كان يفترض أن يتم الاتفاق بين الحكومة والحركات المسلحة على نقاط تجمع قوات الحركات، حتى يتم الاتفاق على الترتيبات الأمنية الخاصة بإدماجها في الجيش.

إلا أن الحركات بدأت في إرسال قواتها إلى العاصمة الخرطوم والمدن الرئيسية، قبل تحديد مكان للتجمع، ما أثار مخاوف من انفلات الأمن.

الترتيبات الأمنية

وقال رئيس مفوضية السلام في السودان، سليمان الدبيلو، إن "مسؤولية تنفيذ اتفاقية السلام أوكلت إلى وزارة الدفاع، وهي قادرة على إدماج جميع الحركات المسلحة وفقاً لبرتوكول الترتيبات الأمنية خلال 39 شهراً".

وأضاف الدبيلو لـ"الشرق" أن القوات التي وصلت إلى الخرطوم سابقاً، هي عبارة عن فرق حراسة شخصية لقادة الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية السلام، والقيادات البارزة في عملية تنفيذ بند الترتيبات الأمنية.

وبشأن الموعد المحدد لتنفيذ إجراءات الملف الأمني، كشف الدبيلو أن هناك اجتماعات مكثفة تجري مع الموقعين على اتفاقية السلام، لتحديد موعد وجدول زمني لتنفيذ الاتفاقية ودمج قواتهم في الجيش وتحديد أماكن انتشارها.

دمج الحركات المسلحة

وتنص اتفاقية السلام التي تم توقعيها بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة، في جوبا، على تسريح عدد من أفراد القوات غير النظامية، وتأهيل ودمج بعضهم في الجيش السوداني، وذلك في غضون 60 يوماً من توقيع الاتفاقية في أكتوبر الماضي.

وقلّل الدبيلو من خطورة الحركات المسلحة، نظراً إلى أعدادها القليلة وعدم قدرتها على القيام بتجاوزات أمنية، نتيجة خضوعها لقرار قيادتها العليا.

وأشار في الوقت نفسه إلى أن الحكومة الانتقالية في السودان هي التي سمحت بدخول تلك القوات مع رؤساء المجموعة الموقعة على اتفاق جوبا.

أعداد مجهولة

وذكر مسؤول عسكري، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"الشرق" أن هناك أكثر من 5 ملايين قطعة سلاح بأنواع وأحجام مختلفة في أيدي المواطنين والمسلحين في السودان.

وحاولت "الشرق" التقصي أكثر من خلال قيادات عسكرية ميدانية في الحركات المسلحة، لكن الأخيرة رفضت الكشف عن أعداد قواتها الموجودة في العاصمة الخرطوم ومعسكرات أخرى.

ووصلت إلى الخرطوم مجموعات من قوات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية السلام، هي حركة قوات تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، و"العدل والمساواة" بقيادة جبريل إبراهيم، وقوات الحركة الشعبية شمال، برئاسة مالك عقار، وتجمع قوى تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر، و"التحالف السوداني".

وشهدت عاصمة جنوب السودان، جوبا، في العام الماضي توقيع اتفاق السلام النهائي بين الحكومة الانتقالية في السودان والجبهة الثورية التي ينضوي تحت مظلتها نحو 10 حركات مسلحة وتنظيمات سياسية، ما طوى صفحة سنوات من الحروب الداخلية في البلاد.

تصرفات فردية

وحذر الخبير العسكري محمد الأمين إسماعيل المجذوب، في حديث لـ"الشرق"، من الخطر الداهم على حياة المواطنين والمدنيين عامة، نتيجة انتشار الجماعات المسلحة بشكل عشوائي في السودان، وما قد ينجم عن ذلك من "تصرفات فردية".

وقال المجذوب: "لن تحدث اشتباكات بين الجيوش، ولكن أتوقع أن تحدث تفلّتات أمنية في أماكن متفرقة، على الأرجح لن تؤثر على سير عملية تنفيذ الاتفاق أو حتى على المرحلة الانتقالية".

ولفت إلى أن "القوات المسلحة السودانية قادرة على دمج جميع الحركات في حال توفرت الإرادة والموارد".

وكانت قضية انتشار الجماعات المسلحة أثارت حفيظة الشارع السوداني، لاسيما بعدما اصطدمت مجموعة مسلحة بأخرى مماثلة في حي "بري" بالعاصمة الخرطوم، ما دفع جهاز الشرطة إلى التدخل لحل الخلاف.

وفي حادثة أخرى، سيطرت مجموعة مسلحة على مبنى " اللجنة الأولمبية" بالخرطوم، في شارع إفريقيا وسط العاصمة السودانية، ورفضت الخروج من الموقع، قبل أن يتدخل وزير الدفاع السوداني، الفريق ياسين إبراهيم ياسين، ويقوم بإصدار تعليمات بتجهيز أماكن مخصصة لتلك الجماعات، الأمر الذي ساعد في خروجها بعد أيام.

تجارب سابقة

ومن جانبه استعرض المحل والخبير السياسي، عبد الله آدم خاطر، تجارب سابقة خلال فترة نظام الرئيس المعزول عمر البشير، عانى فيها المواطنون من عنف مارسته قوى غير نظامية، استخدمت السلاح في مواجهة المواطنين.

وأضاف خاطر لـ"الشرق" أن هناك مخاوف تتعلق بوجود مسلحين داخل الأماكن العامة والمدن الكبرى مع حالة من عدم السيطرة عليهم بشكل كامل.

ورغم تلك المخاوف، هناك ما يخفف من خطر هذه الأزمة، بحسب رأي خاطر، وهو أن "المجتمع السوداني غير قابل لأي استفزاز ويرفض انتهاك حقوقه".

وتابع: "مع الحذر الشعبي و السياسي سوف نعبر المرحلة الانتقالية دون انتهاك للحقوق، خاصة أن قادة العملية السلمية ذاقوا ويلات الحرب ومراراتها، ما يمكنهم من أن يكونوا حمائم سلام".