تشييد جامعة صينية في هنغاريا يفجّر خلافاً داخل البلاد

time reading iconدقائق القراءة - 8
رئيس بلدية بودابست غيرغيلي كاراكسوني، وكريشتينا بارانيي، رئيسة بلدية الدائرة التاسعة في العاصمة، يقفان أمام موقع سيشهد تشييد الجامعة الصينية في بودابست - 26 أبريل 2021 - AP
رئيس بلدية بودابست غيرغيلي كاراكسوني، وكريشتينا بارانيي، رئيسة بلدية الدائرة التاسعة في العاصمة، يقفان أمام موقع سيشهد تشييد الجامعة الصينية في بودابست - 26 أبريل 2021 - AP
بودابست - أ ب

أثار رئيس الوزراء اليميني في هنغاريا، فيكتور أوربان، مخاوف أمنية في بلاده، إذ يسعى إلى تشييد جامعة "موالية" للحزب الشيوعي الصيني.

وأفادت وكالة "أسوشيتد برس" بأن الجامعة ستُشيّد في منطقة تضم مباني مهجورة وأكواماً من القمامة وحطاماً مهملاً، على الضفة اليسرى لنهر الدانوب، جنوب وسط العاصمة بودابست.

وأضافت أن المنطقة بقيت غير مستخدمة طيلة عقود، وتشهد اضمحلالاً في حقبة ما بعد الاشتراكية، بعدما ضغط مناهضون للشيوعية من أجل إنهاء الهيمنة السوفياتية على هنغاريا، أواخر ثمانينات القرن العشرين.

وقعت هنغاريا قبل أيام اتفاقاً استراتيجياً مع جامعة فودان، التي تتخذ مدينة شنغهاي الصينية مقراً، لفتح حرم جامعي في بودابست بحلول عام 2024. وسيكون هذا الفرع المركز الأجنبي الوحيد للجامعة، وأول حرم جامعي صيني في الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة.

"أخطار أمنية قومية"

ويصرّ المسؤولون الهنغاريون على أن جامعة فودان، المصنفة من بين أفضل 100 جامعة في العالم، ستساهم في رفع معايير التعليم العالي في بلادهم، إذ ستقدّم دورات دراسية لستة آلاف طالب هنغاري وصيني ومن جنسيات أخرى، وتجلب استثمارات وأبحاثاً صينية إلى البلاد، وفق "أسوشيتد برس".

لكن منتقدين يعتبرون أن الاستثمار الضخم يشكّل عبئاً مالياً مفرطاً على دافعي الضرائب الهنغاريين، و"يظهر علاقات وثيقة يقيمها أوربان مع نظامين استبداديين في موسكو وبكين"، وفق أسوشيتد برس.

وقال رئيس بلدية بودابست غيرغيلي كاراكسوني، في إشارة إلى مسؤولين في بلاده: "يريدون إدخال جامعة، وهي بالفعل جدية على المستوى الدولي، لكن ميثاقها يتطلب أن تمثل وجهة نظر الحزب الشيوعي الصيني في العالم. نرى في هذا الاستثمار أخطاراً أمنية قومية شديدة جداً".

1.8 مليار دولار

وتُظهر وثائق حكومية، حصل عليها مركز الصحافة الاستقصائية الهنغارية، "دايركت 36" (Direkt36) في أبريل الماضي، أن تكاليف البناء قبل الضريبة للحرم الجامعي الذي تبلغ مساحته 64 فداناً، تُقدّر بنحو 1.8 مليار دولار، أي أكثر مما أنفقته هنغاريا على نظام التعليم العالي في عام 2019.

وتخطط الدولة لتمويل نحو 20% من المشروع من موازنتها المركزية، والباقي من خلال قرض بقيمة 1.5 مليار دولار من مصرف صيني. وتفيد الوثائق بأن تشييد الجامعة سيتم غالباً باستخدام مواد ويد عاملة من الصين.

وقال كاراكسوني: "الصينيون يفعلون كل شيء، بينما نفعل شيئاً واحداً فقط: الدفع. أي جامعة مرموقة في العالم ستفتح حرماً لها هنا، إذا سدّد دافعو الضرائب الهنغاريون (ثمن) كل شيء".

"الانفتاح الشرقي"

وأشارت "أسوشيتد برس" إلى أن الحكومة الهنغارية، التي خاضت معارك مع الاتحاد الأوروبي، اتبعت استراتيجية اقتصادية تسمّيها "الانفتاح الشرقي"، تُؤثِر تعزيز التعاون الدبلوماسي والتجارة، مع دول مثل الصين وروسيا وتركيا وبلدان أخرى في آسيا الوسطى.

واعتبر كاراكسوني أن هذه السياسات جعلت هنغاريا "نوعاً من معقل متقدّم للقوى الشرقية العظمى في الاتحاد الأوروبي".

في العام الماضي، توصّلت هنغاريا إلى اتفاق تحصل بموجبه على قرض بملياري دولار من مصرف "إكزيم" Exim الصيني، لتشييد خط لسكك الحديد بين بودابست والعاصمة الصربية بلغراد، في إطار مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.

وتستضيف هنغاريا أيضاً أضخم مركز إمداد لشركة "هواوي" الصينية، خارج الصين، وهي الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي رخّصت للقاح صيني مضاد لفيروس كورونا المستجد، وفق "أسوشيتد برس".

وأدرج بيتر كريكو، مدير معهد Political Capital (مقرّه بودابست)، مشروع جامعة فودان في إطار جهود الصين لتعزيز قوتها الناعمة، والتأثير من خلال برامج التعليم والاستثمارات. وكرّر مخاوف رئيس بلدية بودابست من أن المشروع قد يشكّل نافذة للتجسس، قائلاً: "في السنوات القليلة الماضية، باتت هنغاريا مركزاً للجواسيس الروس والصينيين، نتيجة عدم استعداد أجهزة الاستخبارات للتصدي للنفوذ الأجنبي الخبيث".

"الديمقراطية غير الليبرالية"

وأبدت السفارة الأميركية في بودابست تحفظاً بشأن الجامعة الصينية، مبرّرة موقفها بـ "سجل مثبت لبكين في استخدام المؤسسات الأكاديمية لتعزيز أجندة التأثير الخبيث وخنق الحرية الفكرية".

وذكرت "أسوشيتد برس" أن أوربان عاب على دول غربية ممارستها "إمبريالية ليبرالية"، مدافعاً عما يسميه "الديمقراطية غير الليبرالية" في هنغاريا، القائمة على الشعبوية اليمينية والمعارضة الصارمة للهجرة.

وأضافت أن تغييرات شهدتها أخيراً إدارة جامعات هنغارية جددت مزاعم بأن أوربان يسعى إلى توسيع سيطرته على المؤسسات التعليمية والثقافية في بلاده.

ففي عام 2018، أُرغمت "جامعة أوروبا الوسطى"، إحدى مؤسسات الدراسات العليا الرائدة في هنغاريا، على مغادرة البلاد بعد إقرار تعديلات على قانون التعليم العالي، اعتُبرت بشكل واسع استهدافاً للجامعة.

وقال كاراكسوني إنه بعد إرسال جامعة خاصة "إلى المنفى، يجلبون الآن جامعة أخرى تمثل أيديولوجية الحزب الشيوعي الصيني وتكبّد دافعي الضرائب الهنغاريين المليارات".

احتجاج في جامعة فودان

وفي عام 2019، اندلع احتجاج طالبي نادر في حرم جامعة فودان بشنغهاي، بعدما بدّلت وزارة التعليم الصينية ميثاق الجامعة، وحذفت إشارات إلى "الاستقلال الأكاديمي وحرية الفكر". وينص الميثاق على أن الجامعة "تلتزم بقيادة الحزب الشيوعي الصيني وتنفذ بالكامل سياسته التعليمية"، كما أفادت "أسوشيتد برس".

وخلال زيارته جامعة تسينغهوا في بكين أخيراً، شدد الرئيس الصيني شي جين بينغ على وجوب أن تدرّب جامعات البلاد جيلاً جديداً "مخلصاً للقضية الاشتراكية" والحزب الشيوعي الصيني.

الموقع على نهر الدانوب لفرع جامعة فودان كان اختير سابقاً لاستضافة "مدينة طلاب" تؤمّن الإقامة والترفيه والمرافق الرياضية لثمانية آلاف طالب هنغاري.

وقالت كريشتينا بارانيي، رئيسة بلدية المنطقة التي ستشهد المشروع، إن مصالح العاصمة وطلابها تُستبدل بمشروع فودان. وأضافت أنها ستنظم استفتاء محلياً لعرقلة تشييد الجامعة، وزادت: "ليس هناك حوار، هم لا يشركوننا في أي شيء. أعتقد أن الاستفتاء هو الطريقة الوحيدة لإظهار أننا لا نتفق مع ذلك".