"القاسم الانتخابي" يثير سجالاً بين الأحزاب السياسية المغربية

time reading iconدقائق القراءة - 7
جانب من جلسات البرلمان المغربي، أبريل 2019 - AFP
جانب من جلسات البرلمان المغربي، أبريل 2019 - AFP
الرباط- عبد المومن محو

قبل نحو عام من موعد الانتخابات البرلمانية المرتقبة في المغرب عام 2021، تشهد الساحة السياسية المغربية سجالاً بين الأحزاب السياسية في شأن عدد من القوانين الانتخابية، من بينها كيفيّة احتساب القاسم الانتخابي، الذي على أساسه تُوَزّع المقاعد البرلمانية بين الأحزاب الفائزة في الانتخابات.

ووسط إجماع حزبي مغربي على تعديل القاسم الانتخابي، ظهر حزب العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحكومي) وحيداً، رافضاً للمقترح الذي تقدّمت به الأحزاب إلى وزارة الداخلية.

ويقول المدافعون عن المقترح إنه سيسمح بـ"تعددية سياسية" أكبر، ويتيح للأحزاب الصغرى الحصول على مقاعد في البرلمان، بينما يرى الرافضون له أن حزب العدالة والتنمية هو "المستهدف بهذا المقترح، الذي سيتيح انتزاع مقاعد منه لمصلحة الأحزاب الأخرى"، ما سيؤدي إلى "بلقنة المشهد البرلماني".

ويتوقع المراقبون أن يزداد السّجال حدة في القادم من الأيام، خصوصاً بعد افتتاح الدّورة الخريفية للبرلمان في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر الجاري، إذ تُنتظر مُناقشة التعديلات المقترحة على القوانين الانتخابية.

ما القاسم الانتخابي؟

طالبت أحزاب عدة في الأغلبية (التجمع الوطني للأحرار، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الحركة الشعبية، الاتحاد الدستوري)، وكذلك في المعارضة (الاستقلال)، باستخراج القاسم الانتخابي من حاصل قسمة مجموع المسجّلين في القوائم الانتخابية على المقاعد في الدائرة الانتخابية، بغض النظر عما إذا شاركوا في الانتخابات أم لم يشاركوا فيها، وذلك بخلاف المعمول به سابقاً، إذ كان يُستخرج القاسم الانتخابي من قسمة عدد الأصوات الصحيحة فقط على عدد المقاعد.

ويعني اعتماد "القاسم الانتخابي" بناء على حاصل قسمة عدد المسجلين في القوائم الانتخابية (وهو عادة أكبر من عدد الأصوات الصحيحة)، إتاحة حصول أكبر عدد من الأحزاب على مقاعد في البرلمان.

لذا يرفض "العدالة والتنمية"، الذي حصد أكبر عدد من المقاعد في البرلمان خلال انتخابات 2011 و2016 على التوالي، اعتماد المسجّلين في الانتخابات قاعدة لاحتساب "القاسم الانتخابي"، ويرى أن هدف المقترح "تحجيم قوته الانتخابية، وإزاحته عن صدارة المشهد السياسي والانتخابي". في حين لم يحسم بعد حزب الأصالة والمعاصرة (معارض)، وهو الثاني حالياً من حيث عدد المقاعد موقفه النهائي.

الرفض "موقف سياسي" أيضاً

وقالت خديجة الزومي، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، في تصريح لـ"الشرق"، إن "هناك إجماعاً وسط الحزب على المذكّرة التي طالبت باحتساب القاسم الانتخابي على أساس المصوّتين، أي اعتبار جميع الأصوات المعبّر عنها الصحيحة والملغاة، وحتّى تلك التي يجري إقصاؤها بسبب العتبة".

وأضافت القيادية في حزب الاستقلال، أنه "لا يعقل اعتماد الأصوات الصّحيحة فقط في احتساب القاسم، دون الأخذ بعين الاعتبار مجموع عدد المصوّتين في الانتخابات"، داعية إلى "احترام صوت الناخب كيفما كان نوعه، فحتّى الأوراق غير الصحيحة، تعتبر أوراقاً عبّر أصحابها عن موقف سّياسي، إما بالتصويت بالبياض أو بتسجيل احتجاج أو أي موقف كان".

في المقابل، اعتبر سليمان العمراني، نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، في تصريح لـ"الشرق"، أن "لا وجود لأي تجربة مقارنة تسند مقترح احتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجّلين، ولا منطق يدعمه"، رافضاً القبول بمعيار المسجّلين "لأنه يصادم ما جاء في الفصل السابع من الدستور، الذي ينيط بالأحزاب السّياسية مهمة التعبير عن إرادة النّاخبين، ولذا فإن الأحزاب تستمدّ مشروعيتها من إرادة النّاخبين الذين صوّتوا لا من غيرهم".

وأشار إلى أن "موقف حزب العدالة والتنمية، يعدّ موقفاً مبدئياً ودستورياً وديمقراطياً". ودعا العمراني "إلى ضرورة الإبقاء على النّظام الحالي بخصوص القاسم الانتخابي، والذي يقوم على احتساب هذا القاسم على أساس عدد الأصوات الصّحيحة".

"بلقنة المشهد"

واعتبر المحلل السّياسي والأستاذ في "جامعة الحسن الثاني" في الدار البيضاء، إدريس قصوري، أن السجال حول مسألة مقترح مراجعة كيفيّة احتساب القاسم الانتخابي، "يعكس الصورة السلبية للمشهد السياسي في المغرب، بالتركيز على نقطة واحدة إجرائية، من دون مراعاة نقط التفاهمات التي تُعزز الديمقراطية"، لافتاً إلى أن "المشهد يبدو مشهد مقاعد، لا مشهد استحقاقات ديمقراطية".

وأشار قصوري، إلى أن "رفض حزب العدالة والتنمية يأتي انطلاقاً من كونه يرى أنه المستهدف الأول من مراجعة كيفية احتساب القاسم الانتخابي، من خلال انتزاع مقاعد منه، وجعلها في يد أحزاب صغرى، ومن ثم بلقنة الخريطة السياسية والذهاب بذلك بعيداً نحو تشكيل حكومة هشة".

وقال الأكاديمي والمحلل السياسي، إنه "لا يُعقل احتساب أصوات من امتنعوا عن التصويت"، متسائلاً: "كيف يمكن أن نعتبر هؤلاء مشاركين بالقوة ضد إرادتهم وحقهم الدستوري؟".

أما العياشي الفرفار، الباحث في علم الاجتماع السياسي، فرأى أن "الاستعدادات لانتخابات 2021 بدأت مبكراً وفق هندسة انتخابية طغى عليها البعد التقني، استخدمت فيها الرياضيات، وغاب عنها الحس السياسي".

وقال الفرفار إن "النقاش الحاد حول القاسم الانتخابي، يعكس صراعاً عددياً وانتخابياً من أجل التحكم في المسارات التي تقود إلى تشكيل الحكومة".

وتعليقاً على رفض "العدالة والتنمية" للقاسم الانتخابي على أساس المسجلين، قال الباحث في علم الاجتماع السياسي في تصريح لـ"الشرق"، إن "حزب العدالة والتنمية يريد أن يُؤمن مسارات تصدر المشهد الانتخابي المقبل، بالاعتماد على أنصاره الذين يعتبرون التصويت لمصلحة الحزب واجباً دينياً، ولا يقيمونه بناء على العائد التدبيري للحكومة التي يرأسها".